المقالات -
شبكات التواصل الاجتماعي وتحديات الحريات المدنية في مصر

: 1117
الجمعة,4 ابريل 2014 - 05:44 ص
عادل عبد الصادق *

اتاحت الشبكات الاجتماعية مجالا جديدا لحرية الراي والتعبير ،وتحولت الى ساحة مفتوحة امام كافة النشطاء بعيدا عن سيطرة الصحف التقليدية ونمط ملكيتها ، واصبحت بذلك فاعلا في الحياة العامة في مصر

شبكات التواصل الاجتماعي وتحديات الحريات المدنية في مصر
اضغط للتكبير
اتاحت  الشبكات الاجتماعية  مجالا جديدا لحرية الراي والتعبير ،وتحولت الى ساحة مفتوحة امام كافة النشطاء بعيدا عن سيطرة الصحف التقليدية ونمط ملكيتها ، واصبحت بذلك فاعلا في الحياة العامة في مصر ، والى جانب ذلك ظهر دور اخر للشبكات الاجتماعية في التحريض على العنف والجريمة ،وهو ما عمل على تعرض بعض النشطاء الى الاعتقال والملاحقات الامنية وجاء ذلك في سعي مصر الى تبنبي قانون مكافحة الارهاب وهو ما يشكل تحديا للحريات الشخصية والمدنية للفرد . 
 
أداة جديدة لحرية التعبير
 
‏‏ظهرت الشبكات الاجتماعية كاحد روافد الاعلام الالكتروني  مع الحرية التيتتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة معامكانية تجاهل المصدر‏.‏والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي لتوجية  الراي العام والحشد عبر مجموعات او صفحات على ” الفيس بوك “.
وخاصة مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين المستوى الداخلي للدولة ومابين المستوى الدولي . واصبح للشبكات الاجتماعية دور في التعبير عن كافةالاتجاهات والأفكار داخل المجتمع في ظل حوار يكون ركيزته الندية بين الفردوالنخبة والجماهير، ‏ ولم تعد تمارس النخبة دورها المعتاد في صياغة الرأيالعام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها.
وأصبح للفرد – المستخدم -دور في إنتاج المعلومات وصياغة الرسالة الإعلامية لدعم تأثيرها في الرأيالعام‏. وهو ما كشف عن بيئة إعلامية جاذبة يستخدمها العديد من النشطاء ، واتاحة الفرصة امام اتساع عدد المشاركين وحجم القضايا والموضوعات التي يتم تناولها ، وجاء ذلك في ظل بيئة الكترونية متصاعدة في مصر حيث وصل عدد مستخدمي الانترنت الى 37 مليون و مستخدمي الفيس بوك الى 16 مليون ،و90 مليون مستخدم للهاتف المحمول  ،واصبحت الشبكات الاجتماعية اكثر من مجرد وسيلة لنقل الخبر او التعليق عليهليصبح لها دور في معالجته ومتابعته واثارة ردود الافعال حوله مع القدرةالهائلة علي الانتشار‏،ويتم نقل الأخبار عن الصفحات ومؤسسيها علي الفيس بوكإلي الصحف الورقية والبرامج الفضائية بما يزيد من حجم تأثيرها وانتشارها. وأصبح بإمكان أي شخص لدية دراية بصنع مادة إعلامية تعكس وجهة نظرهوتحيزاته، خاصة في ظل القدرة الهائلة في نقل الصور ومقاطع الفيديوواستخدامها عبر الشبكات الاجتماعية،والتي أصبحت تمارس الدور الرقابي على مجريات المرحلة الانتقالية ،وعملية نقلالمطالب وممارسة الضغط وتمثيل قوي جديدة في المجتمع. والتأثير في عملية صنعالسياسات العامة.واصبحت التعليقات وعلامات الاعجاب والمشاركة وتبادل ملفات الفيديو والصورعبر الفيس بوك وتوتير تستخدم في ادارة الصراع السياسي والاجتماعي وأداةهامة من أدوات المشاركة السياسية ولها دور في دعم اشكال الاحتجاج ووسيلة للحشد والتعبئة لتكوين التحالفات وتنظيم الفاعلياتالسياسية .
 فوضى الاستخدام للشبكات الاجتماعية
على الرغم من دور الشبكات الاجتماعية كأداة في دعم حرية التعبيروقيم الديموقرطية الا انها قد أثارت مخاوف تتعلق بدورها السلبي على المجتمعوالدولة ، والتي منها حالة الكشف الهائل عن معلومات تشمل كل تفصيلاتالحياة الخاصة والعامة.وبخاصة ما يتعلق بتأثير دخول الفيس بوك الى المصالح الحكومية والتي تعرضالمعلومات الخاصة بها الى الخطر بل قد تعرض الأنظمة المعلوماتية لها الىالاختراق والقرصنه ،بالإضافة إلى القرصنة على صفحات أشخاص عبر الفيس بوك او استخدام الصور والفيدوهات “المتحيزة لوجهنظر معينة ” لشحن الرأي العام والتي قد يتم تركيبها او اختلاقها او إعادةاستخدامها بشكل يؤثر في تحريك الأحداث.
وشن الحروب النفسية والتي منها نشر الشائعاتالتي قد تضر بمصالح قومية ، وقد تستخدمها بعض الجهات الخارجية المعاديةللتأثير على الاستقرار الداخلي والتي منها دعوات لشل اجهزة الدولة ومرافقهاالحيوية .لتنتقل من التعبير عن الرأي الى ممارسة الضغط ثم خطر التحول الىسلوك عنيف باستخدام القوة ضد مؤسسات الدولة. وامكانية استخدامها في الابتزازوانتحال الشخصية ونشر المعلومات المضللة وتشويه السمعة او في الجريمةاو السرقة او الاختطاف او الترويج لأفكار تستهدف تقويض سلطةالدولة وسيادتها وحقها المشروع في استخدام القوة او بالترويج إلى أفكارهدامة داخل المجتمع او استخدمها في السب والقذف بين الأفراد ، إلى جانبتأثيرها النفسي ك”إدمان الدخول” او بتأثيرها على العلاقات الزوجية وعلىالأسرة و إهدار الموارد البشرية والوقت .
 
تحديات الحريات المدنية
 
تعاني الحالة المصرية من ضعف التحديث التشريعي للتعامل مع الفضاء الالكتروني حيث لم تتبن قانون حرية تداول المعلومات و مكافحة الجريمة الالكترونية او حماية المعلومات الشخصية ، وفي ظل زيادة عدد مستخدمي الانترنت بشكل عام ، وارتباطه بممارسة حرية الراي والتعبير ، ودفع هذا الفراغ الشريعي الى اتاحة الفرصة للتوظيف السياسي لحالات الاعتقال بتهمة التحريض على العنف وبخاصة مع تراجع حالة الحريات المدنية بعد ثورة 30 يونيو ، واستخدمت المعارضة شبكات التواصل الاجتماعي كاعلام بديل من ناحية وتم استخدامة  من جهة اخرى في التحريض على العنف والارهاب من نشطاء محسوبين على "جماعه الاخوان المسلمين المحظوره " ونشر البيانات الشخصية لضباط الشرطة وكيفية صنع القنابل وهو ما دفع الشرطة المصرية الى تعقب واعتقال مؤسسي الصفحات التحريضية .
 وقام من ناحية اخري أحد الإعلاميين بإذاعة مكالمات شخصية لبعض النشطاء السياسيين وهو ما يعد انتهاكا لخصوصية المستخدمين لشركات الاتصالات ، ويخالف ما ورد في المادة " 57 " من الدستور فى فقرتها الثانية التى تنص على أن «للحياة الخاصة حرمة، ومصونة لا تُمس، وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة وفى الأحوال التى يبينها القانون»، وتسريب التسجيلات يعد أيضاً جريمة بالمخالفة لأحكام قانون العقوبات، وإذاعة تلك التسجيلات وتسريبها يعدان جريمة إذا حطَّا من كرامة من سُجل لهم، وهنا تقع مسؤولية تلك الجريمة على الاثنين، سواء أذيعت فى فضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعىوبخاصة مع نجريم  المادة 99 من يفعل ذلك، حيث تنص على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم.
وجاء الى جانب ذلك  نشر مسودة قانون لمكافحة الارهاب تفرض الرقابة على  الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لضمان عدم استخدامها في الأغراض الإرهابية المنصوص عليها، والتي تضمنت «القيام بأعمال من شأنها الاعتداء على المواطنين، وعلى منشآت الدولة، وتعطيل المؤسسات التعليمية والدينية عن القيام بأعمالها، وتعطيل مؤسسات الدولة الحيوية عن القيام بأنشطتها».
ونصت المادة 21، على معاقبة من يقوم بالترويج بطريق مباشر أو غير مباشر  للارهاب والتحريض علية باستخدام  المواقع الإلكترونية والتى يمكن للغير الاطلاع عليها،بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات. ،وجاء نص المادة (27) بـ "يعاقب بالسجن الذى لا تقل مدته عن خمس سنين، كل من أنشأ موقعاً على الانترنت بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى استخدام القوة أو العنف، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية أو القضائية في شأن جرائم الإرهاب، أو لتبادل الرسائل وإصدار  التكليفات بين الجماعات أو المنظمات الإرهابية أو المنتمين إليها.
 
الموازنة بين الامن والحرية
 
من إشكاليات التعامل مع الشبكاتالاجتماعية ما يتعلق بكيفية الموزانه بين الحق في حرية التعبير والرأي عبرصورة المتعددة التي يكفلها القانون ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وما بينما يمثل استخدامها من تهديد لأمن الأفراد والمجتمع بشكل عام ، واشكاليةالفصل بين الاستخدام الايجابي للشبكات الاجتماعية وبين دورها السلبي ، الىجانب مدى إمكانية التمييز بين التصرف الاحتجاجي السلمي وبين تحوله الى عملإجرامي يعاقب علية القانون .
وتبقى مسألة تنظيم الحريات العامة والخاصة من سمات الدول المتقدمة فيالحريات التي يجب ان يتم الحفاظ عليها بشكل متوازي مع الموازنة بين الحقوقوالواجبات .وبين حرية الفرد وامن المجتمع . ومثلت الشبكات الاجتماعيةواستخدامها صوره جديدة للتعبير عن حقوق الانسان ، وهو ما فرض العديد منالتحديات في اطار نمو حقوق الانسان المعاصر واعتبار خدمة الانترنت هي حقاصيل من حقوق الانسان “الرقمية “الى جانب الحق في الاتصال والاجتماعوالتعبير عن الراي.
وأصبحت طريقة تعامل الدول مع الشبكات الاجتماعية تؤشر لدرجة التحول السياسيوالديمقراطية لدي العديد من دول العالم‏.‏ وتتطلب طريقة التعامل مع شبكاتالتواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام الأخذ بعين الاعتبار أهمية التوازنبين حرية الاستخدام لها كأداة لحرية الرأي والتعبير وبين ضرورة وجود ضوابطتحكم عملية الاستخدام وتحاول ان تسخرها فيما يفيد المجتمع والأفرادوالحيلولة دون تحولها إلى اداة خطر على امن المجتمع ، وعلى الرغم من صعوبةفرض قيود على عملية الاستخدام مقارنه بالوسائل التقليدية الا أنها تتطلبتعامل يتواكب مع طبيعتها . وبخاصة انه قد يتم التضخيم من مخاطرها لايجاد مبرر للسياسات القمعية ، وبخاصة مع حالة الضرر الشديد للحريات مع الكشف عن قيام الاجهزة الامنية الامريكية على التجسس على ملايين المستخدمين بحجة الدفاع عن الامن القومي.
وتبقي اهمية دور الدولة والاطراف اصحاب المصلحة في العمل على مواجهة الأسباب الدافعة الى لجوءالشباب للاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية مثل العمل على مواجهة البطالةوتفشي الأمية ومواجهة الفقر وهي تربة خصبة لنمو الأفكار الشاذة والجريمةداخل المجتمع .
وعلى الرغم من اهمية المواجهة الامنية للاستخدام السيئ لشبكات التواصلالاجتماعي الا انها لم تعد كافية بل تحتاج الى استراتيجية شاملة يدخل بهاكافة الابعاد الاخرى ذات المنحى الاخلاقي والعلمي والاجتماعي والاقتصاديوالاجتماعي والسياسي .
ويتطلب ذلك العمل على نشر ثقافة امن المعلومات وحماية المستخدم على شبكةالانترنت وخاصة الاطفال ، وتحديث الاطار القانوني الذي يحافظ على خصوصية الافراد وامنهم بتبني قانونمكافحة الجريمة الالكترونية. والذي يتركز اهميته في العمل على تنظيم عمليةالاستخدام للشبكات الاجتماعية وحماية المجتمع من مخاطرها المادية والمعنويةبما يعزز الثقة والمنفعه للمجتمع .
ولعل اهم عامل يستطيع ان ينجى المجتمع من المخاطر هو دور الفرد ذاته ووعيهوثقافته التي تؤهله الى عدم الاستجابة الى الشائعات وتفنيد المعلومات التيترد إلية ، بالاضافة الى اهمية نشر الوعى بالاستخدام السيئ لشبكات التواصلالاجتماعي واهمية دور المواطن في تعزيز ثقافة امن المعلومات والتي تعد قوةلمن يمتلكها .
 
 

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ