المقالات -
الفضاء الالكتروني و القوة الناعمة في مواجهة العدوان الاسرائيلي على غزة

: 1501
الاثنين,14 يوليو 2014 - 05:43 ص
د.عادل عبد الصادق

لعب الفضاء الالكتروني ساحة جديدة لادارة الصراع وفي انتقال دوائر المقاومة من الحدود الجغرافية لقطاع غزة الى ان تشمل العالم ، لاتاحة الفرصة امام العديد من النشطاء للمقاومة ضد العدوان الاسرائيلي في غزة

الفضاء الالكتروني و القوة الناعمة في مواجهة العدوان الاسرائيلي على غزة
اضغط للتكبير

 في اسبوع دامي راح ضحيته ما يزيد على 170 شهيد واكثر من الف جريح جرت  حلقه أخري من حلقات الصراع بين إسرائيل وقطاع غزه وليعيده إلي اجواء  حرب عام 2009،وعام 2012 وعلي الرغم من التفاوت في القدرات العسكرية لصالح إسرائيل إلا أن المقاومة قدمت فصلا أخر من الصمود إما بضرباتها النوعية بإطلاق الصواريخ إلي مدي غير مسبوق باختراق قلب تل ابيب، وتكثيف الهجمات الصاروخية من جانب حركات المقاومة لاختراق منظومة القبة الحديدية المفترض انها تحمي الاجواء الاسرائيلية عبر اعتراض الصواريخ المعادية .

 وكالعادة ظهر تحيز الاعلام الغربي  لاسرائيل من خلال التركيز على ما تدعية بالحق في الدفاع الشرعي عن نفسها ،ومتجاهلا الابادة الجماعية التي تمارسها اسرائيل في عدوانها على قطاع غزة ،وقيامها بتصوير فيديوهات القتل والتدمير ، وعلى الرغم من ذلك فقد مثلت ساحة الانترنت اعلاما موازيا وبديلا لنشر الانتهاكات الاسرائيلية ،   أو بانتقال المواجهة من علي الأرض والبحر والجو إلي الفضاء الالكتروني للتعبير عن الصراع، وبشكل متزامن مع العمل العسكري التقليدي، والتي تراوحت ما بين تبني سياسة الحوار وحشد الرأي العام العالمي عبر أدوات الرأي والتعبير عبر الإنترنت، أو بالقيام بشن هجمات التدمير والاختراق علي مصالح إسرائيليه، وليعبر ذلك عن ظاهرة المقاومة الالكترونية أو الجهاد الإلكتروني في مواجهة العدوان باستخدام أسلحه جديده في ميدان للمعركة مختلف.


ومع ظهور الفضاء الالكتروني ودخوله إلي كافة مجالات الحياة كان للاستخدام العسكري أيضا موضع قدم به حيث تم استخدامه كمجال جديد للحرب والقتال مع ارتباطه بمصالح إستراتيجية للعديد من الدول، وبرز به شكل جديد من الحرب تختلف في طبيعتها وأطرافها وأهدافها وبيئتها وميدان القتال بها في ظل بيئة ووسيط جديد يستخدمه كافة الفاعلين وليصبح الانترنت وبصورة اشمل الفضاء الالكتروني ساحة جديدة للصراع بكل أشكاله وصورة المتعددة، وتغيرا في طبيعة الصراع وأدواته، وهو ما يؤثر علي الطابع المدني للخدمات عبر الإنترنت. ويجعلها أمام خطر التعرض لهجمات الكترونية متبادلة تتميز بالكر والفر وهدفها التدمير والتأثير النفسي والاقتصادي والإعلامي.


وتتميز الهجمات عبر الفضاء الالكتروني بأنها حرب بلا نار أو دخان وقصف بلا أنقاض، وغزو بلا جيوش وميدان للمعركة فسيح لا يقتصر أو يتقيد بمكان النزاع أو المواجهة الجغرافية بل يمتد مع اتساع الفضاء الإلكتروني وتخطيه للحدود ولسيادة الدول بما ينعكس علي زيادة عدد المهاجمين وزيادة الأهداف المعرضة للقصف ويختلط المقاتلين بها بين ما هو مدني بما هو عسكري وتصبح لوحة المفاتيح والفارة للكمبيوتر والاتصال بالانترنت فقط هي من مقتضيات تلك الحرب الجديدة.
وتتعلق آليات وإستراتيجية الهجوم بنمطين، يتعلق الأول، بالاستخدام والتوظيف الإعلامي للانترنت كوسيلة أعلام دولية الطابع عن طريق استخدام كافة أدوات الرأي والتعبير عبر الانترنت للتعبير عن وجهات النظر والتأييد، وجمع التوقيعات الالكترونية واستطلاعات الرأي الالكترونية التي تبرز مواقف المشاركين من طرفي النزاع، وغرف الدردشة والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت للقيام بحوارات وتكوين رأي مناصر، وتشكيل التحالفات السياسية ونشر أفكار الاحتجاجات للحصول علي تأييد الرأي العام المحلي والعالمي. وإظهار حقيقة الدمار والقتل التي تسعي إسرائيل لطمس معالمه من خلال فرض رقابة إعلامية علي مناطق القتال وتفعيل ردود الأفعال الدولية عبر دعم المظاهرات حول العالم التي تساند غزة في مواجهة حرب إسرائيل العدوانية.
أما عن النمط الثاني، فيتعلق برد الفعل العنيف عن طريق التحول من لغة الحوار والإقناع إلي التدمير والإقصاء عبر القرصنة والاختراق لشل وتعطيل وتدمير الموقع ووقفه عن العمل وإغراقه بآلاف الرسائل الالكترونية، وقد يحمل بعضها فيروسات تؤدي لعرقلة عمل الموقع واختراقه وسرقة المعلومات ونشر الفيروسات، وإرسال كم كبير من الرسائل الاحتجاجية لكافه الأطراف المعنية بصورة ضاغطة ومزعجة عن طريق البريد الإلكتروني، ويتعلق ذلك استهداف المواقع الإستراتيجية لإسرائيل علي الإنترنت بهدف تدميرها واختراقها إلي جانب اختراق شبكات الاتصال والبث الإذاعي.
وقد خصصت إسرائيل متحدثا باسم الجيش للإعلام العربي، بهدف التأثير في الرأي العام العربي، وبرز ذلك بحجم الاهتمام الكبير بدور الانترنت في مخاطبه الشباب العربي، وتدشين حساب علي الفيس بوك وتويتر واليوتوب للحكومة والجيش ووزارة الدفاع،
واستخدم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي حسابه علي تويتر واليوتوب لمخاطبة الجمهور العربي والفلسطيني لتبرير الحرب علي أنها لمكافحة الإرهاب، والي الحد الذي قام باستخدام ايات قرانية عبر تويتر للحث علي وقف المقاومة ضد إسرائيل، والادعاء بان الصواريخ تقع بداخل الاراض الفلسطينية وعديمة الجدوى لأمن إسرائيل.
وفي المقابل تم تدشين عديد من الصفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي للتضامن مع غزة، ونشر اخبار وصور ومقاطع الفيديو لإظهار الأضرار الناجمة عن ضربات المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلي القيام بعمليات القرصنة والاختراق للصفحات المؤيدة لإسرائيل. وتوثيق الهجمات الصاروخية من جانب كتائب القسام أو الاختراقات ضد أهداف إسرائيلية، ونشر ذلك علي صفحه كتائب القسام علي الفيس بوك وتويتر والتعريف بالضربات النوعية للمقاومة مثل نشر شريط فيديو مسجل علي موقع يوتيوب يظهر عملية إسقاط طائرة إسرائيلية بدون طيار.

بينما يقوم الإسرائيليون بنشر صوراً للأضرار التي تسببها الصواريخ الفلسطينية، وحالة الخوف والرعب التي تصيب السكان. والأضرار التي لحقت بالمباني والسيارات.

ونجحت المقاومة الفلسطينية في العقد الأخير من استغلال ثورة الإنترنت في البعد الإعلامي وإقامة بنية تحتية واسعة النطاق علي شبكة الإنترنت علي أساس إتباع سياسة إعلامية - دعائية - تنفيذية موحدة، مع القيام بتخصيص العديد من الموارد وتحسين مواقع الإنترنت وأصبح لكافة الفصائل الفلسيطينة العديد منها بالإضافة إلي القنوات الفضائية، وعلي الرغم من كون المقاومة الفلسطينية محلية الطابع إلا أنها عملت علي إن تستهدف أيديولوجيتهما الجماهير من كافة أنحاء العالم عبر إنشاء العديد من مواقع الإنترنت باللغات المتعددة.
وتم إنشاء حركة المقاومة الالكترونية "حماسنا " عام 2003 بهدف تحريك المقاومة الالكترونية عن طريق الترويج للمقاومة الثقافية والإعلامية بالإضافة إلي أساليب المقاومة المعروفة التقليدية. بالإضافة إلي منتديات للجهاد الالكتروني.، وأنشأت سرايا القدس وهي الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وحدة الحرب الالكترونية والإعلامية المختصة، لتعمل علي اختراق العديد من المواقع الالكترونية التابعة لأجهزة حساسة في إسرائيل وتدمير تلك المواقع عبر تقنيات برمجية.
ومن ناحية أخري فقد أقام جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة، "شاباك" وحدة خاصة باسم "رام" لمكافحة ما أسمته "الإرهاب" في الإنترنت من جانب إيران وحزب الله والقاعدة والمنظمات الإسلامية كحماس والجهاد، وتعمل تلك الوحدة علي أمن المعلومات وتجنيد العملاء واختراق المواقع وحماية شبكة مواقع الوزارات الحكومية الإسرائيلية المختلفة التي يعبر من خلالها 85 ألف رسالة إلكترونية في اليوم منها تسعة عشر ألفا محملة بفيروسات وبرامج خطيرة وقد تصل إلي 80 ألفا عند الهجمات
. وفيما يتعلق بسير الحرب الالكترونية في الحرب علي غزه جاء الهجوم الإلكتروني علي إسرائيل مستهدفا ثلاثة محاور، الأول، باختراق مواقع المال والأعمال الخاصة الإسرائيلية الخاصة، وقام القراصنة باختراق بضعة ألاف من المواقع الإسرائيلية، ثم وضع إعلام حركة حماس والإعلان التأييد لحماس وبث رسائل مناوئة لإسرائيل.
والمحور الثاني، باستهداف المواقع الحكومية والتي تعد علي درجه كبيره من التحصين والحماية،
وتمكنت كتائب القسام من اختراق بث القناتين الثانية والعاشرة الإسرائيليتين وبثت رسالة خاصة بالاضافة الى  اتاحة الفرصة امام  العديد من النشطاء ومدافعي الحرية وحقوق الانسان في ارجاء العالم المختلفة بتحريك الراي العام امام  عجز حكومات العالم أمام العدوان الإسرائيلي  ، والعمل على  وجود فرص لمناصرة المقاومة الفلسطينية بشتى الطرق الممكنة بل تم شن حرب من نوع جديد لا ميدان واضح لها وليس لها مؤيدين معروفيين بل حركة تفاعلات عابرة للحدود تعبر عن انتقال الصراع من الأرض إلي الفضاء الالكتروني، يحرك النشطاء بها مدي إيمانهم بالقضية وقدرتهم علي التأثير باستخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والتي يرونها جزءا من إسهام حقيقي في الحرب علي الأرض
وهو ما اثر في تعدد أساليب استخدام. هجمات الفضاء الالكتروني واتساع دائرة الصراع والتأييد والدعم عبر الحدود وتخطيه لسيادة الدول بما ينعكس علي زيادة عدد المهاجمين وزيادة الأهداف المعرضة للقصف ويختلط المقاتلين في تلك الحرب بين ما هو مدني بما هو عسكري وتصبح لوحة المفاتيح والفارة للكمبيوتر والاتصال بالانترنت فقط هي من مقتضيات تلك الحرب الجديدة.
وتتنوع الأدوات بتنوع آليات التعبير وأدوات التدمير والاختراق في نفس الوقت عبر الفضاء الالكتروني، وبما اعتبره الكثير من المشاركين نوعا من الجهاد لا يتطلب التضحية بالمال أو بالنفس، ويتسبب في أحداث خسائر اقتصادية ونفسية. وتستقطب مواقع الهاكرز شباب من مختلف الأعمار والأجناس والجنسيات ويتم التجنيد والتدريب من خلال إتاحة برامج تعليم كيفية الاختراق والقرصنة. وتتنوع الأدوات بتنوع آليات التعبير وأدوات التدمير والاختراق في نفس الوقت عبر الفضاء الالكتروني،
وشاركت مجموعات هاكرز من غزة في الحرب. بينما جاء دور مجموعات دوليه أخري عبر الحدود مثل حركه "انونيموس" الدولية إلي جانب قراصنة انترنت من الجزائر ومصر وإيران وتونس والمغرب وغيرها من الدول العربية والإسلامية والمتعاطفين مع غزة والقضية الفلسطينية في. مناطق العالم المختلفة.
ويحرك مجموعات المقاومة الإلكترونية الدوافع نفسها التي تحرك المقاتلين علي خطوط المواجهة الأمامية في ميدان القتال التقليدي، وتختلف طبيعة هؤلاء المهاجمين وفق انتمائهم الايدولوجي فهم ليسوا مثل القراصنة الآخرين الذين هدفهم السرقة أو جمع المال أو حب الظهور بل من اجل الدفاع عن الحقوق وعن النفس والأهل.
ويهدف المهاجمين ليكونوا قوة إلكترونية هامة قادرة علي إنزال الأضرار النفسية والاقتصادية لخدمة أهدافهم ومناصرة حلفائهم، وعلي الرغم من وجود فجوة كبيرة بين طموحات المهاجمين وبين قدراتهم الفعلية علي تحقيق هذه الطموحات ولكن هذه الفجوة في طريقها للتقلص وخاصة مع التحول من عمل فردي لعمل جماعي منظم، وحدوث تبادل للخبرات والتدريب بين القراصنة من شانه تضييق الفجوة الموجودة بين أهداف هذه المجموعات وقدراتها الفعلية علي تنفيذ الهجمات ذات الطابع الفجائي، ويؤثر ذلك علي احتياطيات الأمن والحماية التي يتهددها القدرة الهائلة علي الحشد والتعبئة خاصة إذا ما تم بدافع ديني وايدولوجي وغطاء شرعي في ظل محاولات الدفاع الشرعي أو أعمال الانتقام أو التأييد.
وجاء استخدام الانترنت ليمثل ضالة من يريد أن يناصر ويحالف ويقاتل ولكن علي طريقته وعبر وسيط يلاءم البعد الجغرافي عن ميدان القتال الفعلي، وشن هجمات الكر والفر ضد المواقع التي تتبع طرفي الصراع، وليس هذا فحسب بل استطاع هؤلاء الأفراد أن يحشدوا مجموعات عديدة حليفة لينتقل من كونه رد فعل فردي واحتجاج شخصي إلي عمل جماعي منظم.
ويلعب في تلك الحرب الجديدة درجات الإيمان بالقضية ومهارة العنصر البشري وقدرته علي الإبداع دورا هاما للغاية. ويبقى الصراع ممتد عبر الانترنت ما بقي الصراع موجود علي ارض الواقع مع الفشل الدولي في حل القضية الفلسطينية ..


خبير - 
بوحدة الدراسات الأمنية والإستراتيجية – مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجيةمدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 


 


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ