المقالات -
بوتين والانترنت وثورة المظلات في هونج كونج

: 580
الثلاثاء,14 اكتوبر 2014 - 08:03 ص
سامي عمارة

بوتين والانترنت وثورة المظلات

بوتين والانترنت وثورة المظلات في هونج كونج
اضغط للتكبير
اثارت مناقشة موضوع الانترنت فى الجلسة الاخيرة لمجلس الامن القومى الروسى الكثير من الجدل الذى ارتبط فى بعض جوانبه بتوقيت هذه المناقشة، ومدى ارتباطها بتصعيد الولايات المتحدة لهجماتها الالكترونية واللوجيستية ضد موسكو وحلفائها، على غرار ما يجرى اليوم فى هونج كونج. وكانت بكين الرسمية اعلنت صراحة عن تحذيراتها لواشنطن من مغبة التدخل فى شئونها الداخلية فى اشارة مباشرة الى مسئوليتها تجاه اندلاع نيران ما يسمى اليوم بـ"ثورة المظلات والموبايلات" فى هونج كونج، وهو ما يجرى بموجب سيناريو "الثورات الملونة" التى سبق وقوضت استقرار بعض بلدان الفضاء السوفييتى السابق.

 وكان الرئيس فلاديمير بوتين عقد اجتماعا لمجلس الامن القومى الروسى اكد فيه ضرورة رفع مستوى تأمين شبكات ومصادر المعلومات الوطنية فى روسيا ولا سيما التابعة لمؤسسات الدولة، مشيرا الى وجود عدد من البلدان التى تحاول استغلال ما تملكه من من "قوى ناعمة" ووضعية متميزة وافضلية فى مجال الفضاء الاعلامي، لتحقيق ما يخدم مصالحها، فى ايماءة صريحة الى الولايات المتحدة. وكشف بوتين عن رصد الاجهزة الروسية المعنية لتزايد الهجمات والقرصنة الكومبيوترية خلال الاشهر الستة الاخيرة، على نحو يفوق كثيرا ما كان الحال عليه فى العام الماضي. وقال ان روسيا تظل تحتفظ لنفسها بحق متابعة واغلاق كل المواقع الالكترونية التى تدعو الى العنف والارهاب والتطرف وتاجيج مشاعر العداء الدينى وترويج الافلا م والصور المنافية للاداب.

على ان بوتين اكد فى الوقت نفسه ضرورة الحيلولة دون التدخل غير المشروع فى عمل هذه الشبكات، وعدم السماح بتسرب المعلومات، خاصة كانت او عامة، وإن اشار الى انه لا يعتزم الحد من استخدامها او وضعها تحت الرقابة الشمولية او تعميم سيطرة الدولة عليها. وكأنما ردا على ما راحت مجموعات المعارضة تروجه حول احتمالات الحد من حرية استخدام شبكة "الانترنت"، قال بوتين ان الدولة لن تتخذ اية اجراءات من شأنها التضييق على المصالح المشروعة وامكانات المواطنين والمنظمات الاجتماعية والمجالات الاعلامية واوساط المال والاعمال، وإن اعترف بحقها فى اتخاذ ما تراه من اجراءات لحماية الشرعية وحق السيادة فى هذا المجال.

وجاء ذلك كله مواكبا لاندلاع الاضطرابات والقلاقل فى هونج كونج والتى تتخذ اشكالا واساليب مشابهة لما كانت عليه الحال ابان "الثورات الملونة" فى عدد من بلدان الاتحاد السوفيتى السابق، وكذلك فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وهو ما دفع الصين الى سرعة تحذير واشنطن من التدخل فى شئونها الداخلية. وبهذ الصد قال فان اى وزير الخارجية الصينية " ان ما يحدث فى هونج كونج شان داخلى للصين، وعلى جميع البلدان احترام سيادة الصين بوصفها من اهم المبادئ الاساسية للعلاقات الدولية". واضاف "انه لا احد يستطيع ان يسمح لنفسه باية اعمل غير مشروعة تعتبر انتهاكا للنظام الاجتماعى وهو ما ينطبق على ما يجرى فى الولايات المتحدة وفى الصين على حد سواء". ومع ذلك فقد اشار الرئيس الامريكى اوباما لدى لقائه مع وزير الخارجية الصينى ان بلاده تتابع باهتمام ما يجرى فى هونج كونج وتدعو السلطات هناك بالتحلى بضبط النفس، وعلى المشاركين فى الاحتجاجات التعبير عن ارائهم سلميا".هنا تتفق وجهات النظر الروسية والصينية، شأن الحال تجاه قضايا كثيرة سبق وكانت اساسا للتقارب فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية ، بل والعسكرية. وكان البلدان ابديا الكثير من بعد النظر حين بادرا فى مطلع القرن الحالى بالتفكير فى تاسيس عدد من المنظمات الاقليمية المشتركة والتى كان منها "مجموعة بلدان شنغهاي" التى تضم الى جانب روسيا والصين بلدان اسيا الوسطى، ومنظمة "بريكس" التى تضم كلا من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا". وقد اعترف بوتين صراحة فى نهاية الاسبوع الماضى فى موسكو بان بلاده كانت تحسبت ومنذ سنوات طويلة خلت، اى منذ جاء الى السلطة فى عام 2000 ، لاحتمالات مواقف مثل التى تعيشها روسيا اليوم فى مواجهة العقوبات الغربية بسبب تفاقم الاوضاع فى اوكرانيا المجاورة.

 وكانت الولايات المتحدة اعربت عن مخاوفها من التقارب بين موسكو وبكين، فى بيان صدر عن وزارة الدفاع الامريكية تعرب فيه عن القلق الذى يساور واشنطن من جراء "الشراكة الروسية الصينية"، الامر الذى دفع البنتاجون على ما يبدو الى الاعلان عن استعداد الولايات المتحدة لما وصفه بـ"التصدى العسكرى للبلدين". ويذكر المراقبون ما اسفرت عنه زيارة الرئيس بوتين للصين فى مايو الماضى فى اعقاب اعلان الغرب عن عقوباته، من نتائج مبهرة استفزت الكثير من الدوائر الغربية، ومنها ما تمثل فى توقيع ما يزيد عن اربعين اتفاقية بين البلدين، تبلغ قيمتها ما يقرب من اربعمائة مليار دولار فى مختلف مجالات التعاون واهمها الطاقة، فضلا عن العديد من مشاريع التعاون بما فيها فى المجالات العسكرية.

ونقلت وكالة انباء "ريا نوفوستي" ما قاله روبرت وورك نائب وزير الدفاع الأمريكي، حول "ان روسيا والصين تقومان بتوطيد مواقعهما فى أراض قريبة من حدود الولايات المتحدة"، مشيرا الى "ضرورة ان تشمل استراتيجية البنتاغون خلال الأعوام القليلة المقبلة، تحديد ماهية المناطق التى تُدخلها روسيا والصين إلى "مجالهما الحيوي".

غير ان الواقع الراهن فى ارجاء مختلفة من المناطق المتاخمة لروسيا والصين، يقول ان ما تضمره واشنطن من مخططات تستهدف النيل من أمن البلدين وتقويض استقرارهما ونظاميهما الاجتماعيين، لا يغيب عن اذهان قيادتى البلدين. وكانت موسكو وبكين اعلنتا اكثر من مرة عن تحذيراتهما من مغبة ما تبذله الولايات المتحدة من محاولات تستهدف تاليب الاوساط الشبابية، وتجنيد بعض ممثليها فى كل من البلدين وفق برنامج خاص سبق وجرى بموجبه اعداد نشطاء "الثورات الملونة" و"ثورات الربيع العربي". وقد اذاع التليفزيون الروسى الكثير من البرامج التى استعرض فيها بعض هذه المحاولات من خلال استعراض مشاهد التشابه بين ما يجرى اليوم فى هونج كونج، وما جرى بالامس فى جورجيا واوكرانيا وبلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

واذا كانت الاوساط الاعلامية الغربية اطلقت ما عَنً لها من تسميات مثل "ثورة الورود" فى جورجيا، و"الثورة البرتقالية" فى اوكرانيا و"ثورة السوسن" فى قيرغيزيا، فانها اختارت لهونج كونج اسم "ثورة المظلات او الموبايلات" عنوانا لحركة "Occupy Central  ، التى جمعت تحت سقفها الالوف من المتظاهرين ممن يتوافدون على قلب المدينة ويمتثلون للكثير من التوجيهات ومنها على سبيل المثال فتح مظلاتهم فى آن واحد، او رفع تليفونات المحمول المضيئة ليلا لخلق الصورة المناسبة التى تتلقفها وكالات الانباء العالمية لنشرها فى كل ارجاء العالم فى اطار سيناريو واستراتيجية متفق عليهما سلفا. كما ان ما يجرى توزيعه من فواكه وشيكولاتة و"سندويتشات" على الالوف ممن يفترشون المكان ليل نهار، يمكن ان يوحى بان التظاهرة سلمية تحظى بتعاطف الملايين من ابناء هونج كونج. وشانما حدث فى بلدان الثورات الملونة ومصر وشمال افريقيا كانت شبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى السبيل الامثل لتنسيق الجهود ونشر مايتطلبه سيناريو الموقف من تعليمات او شائعات، فضلا عن تامين المتابعة الاعلامية اليومية من جانب مراسلى الصحف والوكالات الغربية. وكان التليفزيون الروسي، وتاكيدا لاوجه التشابه بين ما يجرى فى هونج كونج وما جرى بالامس القريب فى كييف، اذاع خلال الايام القليلة الماضية الكثير من تصريحات عدد من الفتيات الاوكرانيات ومثيلاتهن من هونج كونج حول انهن ينشدن الديموقراطية ويرفضن تعسف السلطات الشمولية!. وهكذا تجنح الدوائر الغربية الى نهج اللعب على المكشوف، الذى كان بلغ مؤخرا حد اعلان الملياردير اليهودى ميخائيل خودوركوفسكى - رجل الغرب الذى افرج عنه بوتين فى نهاية العام الماضي، حول استعداده للترشح لرئاسة روسيا خلفا لبوتين فى اشارة صريحة الى ما يضمره الغرب من محاولات للاطاحة بالرئيس الروسي وهو ما اشرنا اليه على صفحات الاهرام الاثنين الماضي. وها هو خودوركوفسكى يعود ثانية ليقول بضرورة عدم الاكتفاء بتغيير بوتين فى روسيا، بل والعمل من اجل اسقاط السياسى باكمله.



Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ