المقالات -
إدارة الابتكار والمؤشر العالمي للإبداع

: 573
الخميس,20 نوفمبر 2014 - 07:19 ص
د. اكمل عبد الحكيم

الإبداع، الابتكار، الاختراع، التجديد، الاستحداث، جميعها مرادفات، تستخدم للتعبير عن نوع من المهام التي يضطلع بها المخ، أو نوع من الوظائف العقلية

إدارة الابتكار والمؤشر العالمي للإبداع
اضغط للتكبير

الإبداع، الابتكار، الاختراع، التجديد، الاستحداث، جميعها مرادفات، تستخدم للتعبير عن نوع من المهام التي يضطلع بها المخ، أو نوع من الوظائف العقلية، مثلها في ذلك مثل الذاكرة، والتخيل، والإدراك، والشعور، والتأمل، والمنطق، والإيمان والاعتقاد، والإرادة، وغيرها. وفي هذا المقال سنقتصر على استخدام لفظ الإبداع من بين كل تلك المترادفات للتعبير عن هذه الوظيفة العقلية، التي يمكن تعريفها على أنها العملية التي يتم من خلالها إنتاج شيء جديد، سواء كان فكرة، أو مزحة أو طرفة، أو عملاً أدبياً، أو فنياً، أو اختراعاً تقنياً، إلى آخره. ويمكن لما تنتجه العملية الإبداعية تلك أن يتجسد في أشكال عدة، وإن كان غالباً ما يتجسد في شيء يمكننا إدراكه من خلال حواسّنا الخمس: الرؤية، أو السمع، أو الشم، أو اللمس، أو التذوق.

 
وتعتبر العملية الإبداعية من المواضيع التي حظيت بقدر كبير من اهتمام العديد من المجالات الأكاديمية بما في ذلك علم النفس، والعلوم الإدراكية، والتعليم، والفلسفة، والتكنولوجيا، والمعتقدات الدينية، وعلم الاجتماع، وعلم اللغات، وغيرها. وسننتقي في هذا المقال، أحد المجالات الأكاديمية المعنية بالعملية الإبداعية، وهو مجال اقتصادات الإبداع (Innovation Economics)، وكيفية إدارة الإبداع (Innovation Management)، داخل المؤسسات، والشركات، والمجتمع برمته، لما في ذلك من أثر واضح، على الناتج القومي الإجمالي، وعلى متوسط دخل الفرد، ونوعية الحياة التي يحياها الأفراد داخل ذلك المجتمع.

بداية، تعرّف اقتصادات الإبداع على أنها مدرسة اقتصادية فكرية، تعيد صياغة النظرية الاقتصادية التقليدية، بشكل يضع المعرفة، والتكنولوجيا، والعمل الحر، والإبداع، في مركز العملية الاقتصادية، بدلاً من كونها قوى مستقلة لا تتأثر إلى حد كبير بالسياسات الاقتصادية. وترتكز اقتصادات الإبداع على مبدأين أساسيين، الأول هو أن الهدف المركزي للسياسات الاقتصادية، يجب أن يكون زيادة وتحفيز الإنتاجية من خلال تشجيع العملية الإبداعية، والثاني هو أن الاقتصادات التي تعتمد فقط على مصادر ومعطيات اقتصادية أخرى، لن تتمكن دائماً من تحقيق نفس القدر من الفعالية في تحفيز الإنتاجية، ومن ثم تحقيق النمو الاقتصادي المرغوب. بمعنى أن الإبداع جزء أساسي، بل أحد أحجار الزاوية في زيادة الإنتاجية، وتحقيق الرخاء الاقتصادي.

ويمكن الاستدلال على قوة هذا الاتجاه في التفكير من خلال ما يعرف بالمؤشر العالمي للإبداع (Global Innovation Index)، الذي يظهر علاقة قوية بين متوسط الدخل وبين قوة العملية الإبداعية داخل الدولة. حيث تحتل المراكز الثلاثين الأولى على المؤشر العالمي للإبداع لعام 2013 دول توصف بأنها مرتفعة الدخل. وقد يعتقد البعض أن ارتفاع الدخل هو القوة المؤثرة خلف تحفيز الإبداع في تلك الدول، وإن كان العكس، في الغالب، هو الصحيح، بمعنى أن ارتفاع العملية الإبداعية هو الذي أدى إلى ارتفاع الدخل. وتحتل حالياً سويسرا المرتبة الأولى في المؤشر العالمي للإبداع، تليها السويد، ثم بريطانيا، بينما تحتل اليمن ذيل هذه القائمة، تسبقها في ذلك السودان، ومن قبلهما مدغشقر. وعلى المستوى العربي، تحتل دولة الإمارات المرتبة الأولى بين الدول العربية محققة المركز الثامن والثلاثين عالمياً، تليها عربياً السعودية، التي تحتل المركز الثاني والأربعين عالمياً، ثم قطر في المركز الثالث والأربعين عالمياً.

ويعتمد المؤشر العالمي للإبداع على عدة محاور، أو مرتكزات، لقياس مدى توفر البيئة الإبداعية داخل الدول، ولقياس حجم الناتج الإبداعي (Innovation Outputs)، ومن تلك المرتكزات: المؤسسات، ورأس المال البشري، والأبحاث، والبنية التحتية، ونضج أسواق المال، وتمرس مجال الأعمال، ومخرجات المعرفة والتكنولوجيا، وحجم منتجات الابتكار. ومما لاشك فيه أن نجاح العملية الإبداعية برمتها، وتحفيز وزيادة حجم منتجات الابتكار، يعتمد إلى حد كبير على كيفية إدارة الإبداع، من خلال توظيف عدة أدوات تتيح لجميع العاملين داخل المؤسسة، أو الشركة، الاستجابة للفرص الداخلية والخارجية، وتفعيل الابتكار لخلق أفكار، أو أساليب، أو منتجات جديدة، تزيد من الإنتاجية، وتحقق النمو المستهدف. وهذه العلمية ينبغي ألا تحصر فقط في أقسام وجهات الأبحاث والتطوير داخل الشركات، والمؤسسات، والحكومات، بل يتعين أن تشكل جزءاً من ثقافة عامة، تشمل جميع العاملين، وتحقق الفائدة المرجوة.

ومن الصعب حصر جميع النشاطات الاقتصادية التي تنطبق عليها الصفة الإبداعية، وإن كان من الممكن الاستدلال بوثيقة صدرت عام 2006 عن دائرة الثقافة، والإعلام، والرياضة في الحكومة البريطانية، وعددت 12 قطاعاً اقتصادياً ضمن اقتصاد الإبداع، وهي كالتالي: الدعاية والإعلانات، الهندسة المعمارية، الفنون وتجارة الأثريات، الصناعات اليدوية، التصميم وتصميم الملابس والموضة، صناعة السينما والفيديو والتصوير، تصميم برامج الكمبيوتر وألعاب الفيديو، النشر الإلكتروني، الموسيقي وفنون الأداء، صناعة النشر، التلفزيون، الراديو. ويقدر أن قطاعات صناعة الإبداع، تساهم في الناتج الاقتصادي الإجمالي بعشرات ومئات المليارات، وربما حتى تريليونات الدولارات، وخصوصاً إذا أدرجنا فيها القطاعات الإبداعية غير الثقافية مثل الهندسة، واكتشاف الأدوية والعقاقير الطبية، وتقنيات الهندسة الحيوية، التي تقدر هي الأخرى بمليارات الدولارات سنوياً.

 



Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • التهديدات السيبرانية المتزايدة تثير شواغل ملحة حول الاستقرار المالي
  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ