المقالات -
المجلي الاعلى للامن السيبراني خطوة في دعم استراتيجية الامن القومي

: 850
الاربعاء,17 ديسمبر 2014 - 09:58 ص
د.عادل عبد الصادق

أصدر المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، الثلاثاء الماضي الموافق 16 ديسمبر 2014 ، قرارا بإنشاء مجلس أعلى لأمن البنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يتبع رئاسة مجلس الوزراء، ويسمى «المجلس الأعلى للأمن السيبراني ،وذلك على الرغم من سبق مصر في مجال انشاء هيئة مواجهة الطوارئ المعلوماتية CERT فانها تمثل خطوه هامة في سبيل دعم اسس الامن القومي .


  DrAdel Abdel Sadek
 

 

 

 

 

وينص القرار الخاص بانشاء المجلس الاعلى للامن السيبراني على أن يشكل المجلس برئاسة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وعضوية ممثلين عن وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والبترول والثروة المعدنية والكهرباء والصحة والموارد المائية والري والتموين والاتصالات وجهاز المخابرات العامة والبنك المركزي و3 من ذوي الخبرة.ونص قرار محلب على أن يتولي المجلس وضع استراتيجية لمواجهة الأخطار السيبرانية والإشراف على تنفيذها

 

 وتأتي تلك الجهود في اطار عملية التحول في مهددات الامن القومي بعد ان اصبح الامن الالكتروني جزءا لا يتجزء من الامن القومي وبخاصة مع تنامي حجم التهديدات وعلاقة البعد الالكتروني بعمل المنشئات الحيوية وبخاصة في ظل تعرض العديد من دول العالم الى هجمات متصاعدة من التهديدات الالكترونيه، وقد اهتمت العديد من الدول في مجال استحداث تشريعات او تكوين مؤسسات وهيئات او بانشاء وحدات الكترونية داخل جيوشها الحديثة
 وعلى سبيل المثال فقد انشئت
  وزارة الدفاع الأمريكية في‏22‏ من شهر يونيو 2009 قيادة عسكرية للفضاء الالكتروني لحماية شبكات الجيش الأمريكي ليبرز من ناحية أهمية الفضاء الالكتروني كقضية تتعلق بالأمن القومي في ظل تزايد الاعتماد الدولي عليه فيما يتعلق بتسيير عمل البنية التحتية الكونية للمعلومات‏,‏ ومن ناحية أخري عكس حجم المخاطر المتزايدة امام المنشآت المدنية والعسكرية مع تصاعد وتيرة الهجمات التي يقوم بها القراصنة أو تقف وراءها جهات أو دول معادية أو حتي جماعات إرهابية‏,‏ أو مايتعلق بإمكانية قطع كابلات الاتصال والانترنت وليطرح ذلك أمن الفضاء الالكتروني كقضية دولية وذلك مع أهميته علي جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية‏.‏

وتشير احدى تعريفات  الأمن "السيبراني" او الالكتروني بانه يشير الى  مجموعه من الوسائل التقنية والتنظيمية والإدارية التي يتم استخدامها لمنع الاستخدام الغير مصرح به و سوء الاستغلال واستعادة المعلومات الالكترونية ونظم الاتصالات والمعلومات التي تحتويها وذلك بهدف ضمان توافر واستمرارية عمل نظم المعلومات وتعزيز حماية وسرية وخصوصية البيانات الشخصية واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المواطنين والمستهلكين من المخاطر في الفضاء السيبراني. اذاً فالأمن السيبراني هو سلاح استراتيجي بيد الحكومات والأفراد لاسيما أن الحرب السيبرانية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التكتيكات الحديثة للحروب والهجمات بين الدول ، ويأتي ذلك في ظل علاقة الفضاء الالكتروني بعمل عدد من المنشآت الحيوية سواء أكانت مدنية أو عسكرية في الوقت نفسه لامكانية تعرضها لهجوم من خلاله اما يستهدفه كوسيط وحامل للخدمات أوبشل عمل أنظمتها المعلوماتية‏,‏ ويكون من شأنه التأثير علي القيام بوظيفتها ومن ثم فإن التحكم في تنفيذ هذا الهجوم يعد أداة سيطرة ونفوذ استراتيجية بالغة الأهمية سواء في زمن السلم أو الحرب‏.‏ ومن ثم أصبحت قضية أمن الفضاء الالكتروني تحظي بأهمية متزايدة لدي العديد من دول العالم‏,‏ وخاصة بعد بروز عدد من المتغيرات أبرزها نجاح تنظيم القاعدة في استخدامه بعد أحداث‏11‏ سبتمبر عام‏2001,‏ ودخوله في عمل أجهزة الاستخبارات الدولية‏,‏ وحدوث طفرة هائلة في انتشار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات عالميا‏,‏ وذلك في مقابل تزايد اخطار وتهديدات شبكة الانترنت وضعف الحماية امامها‏,‏ وأصبحت القضية تتحول من بعدها التكنولوجي الي الأمني ثم الي اعتبارها قضية اقتصادية فالتأثير الشامل لها علي المجتمع‏.‏
وهو الأمر الذي دفع العديد من دول العالم الي القلق والخوف من امكانية تعرضها لمثل تلك الهجمات وتوظيفها عسكريا ففي عام‏2003‏ قامت الصين بانشاء وحدة خاصة للحرب عبر الفضاء الالكتروني وقامت الولايات المتحدة في عام‏2005‏ بعمل مناورات عرفت باسم‏cyberstorm‏ لاختبار قدراتها علي مواجهة تلك الأخطار وخاصة مع تزايد عمليات الاختراق لشبكاتها الدفاعية فضلا عما تسببه من خسائر اقتصادية عالمية تقدر بما يزيد علي‏100‏ بليون دولار سنويا‏.‏
وأخذت تلك القضية منحي آخر بعد حدوث اختراقات لوزارة الدفاع
الأمريكية وكل من فرنسا وبريطانيا وهولندا واستراليا واتهام الصين بأنها تقف وراءها وذلك في نطاق حرب باردة جديدة في شكل حرب نفسية بهدف التأثير علي الاستقرار السياسي والاقتصادي داخل دولة ما أو تجسس عليها‏,‏ أو أن يكون مجالا لصراعات دولية أو امتدادا للنزاعات التلقيدية التي يخوضها العديد من الفاعلين كالدول أو الحركات الإرهابية أو القراصنة أو الجريمة المنظمة أو المتعاطفين مع أحد الفرقا‏,‏ء أو حتي الباحثين عن الشهرة أو حتي في اطار تنافس بين شركات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات‏.‏
اما علي مستوي الصراع الساخن والذي يأتي في شكل القيام بعمل تدميري أو تخريبي ضد منشآت حيوية ترتبط في عملها بشبكات الاتصال والمعلومات فقد شهد مرحلة اخري‏,‏ وذلك بعد تعرض استونيا في عام‏2007‏ لهجمات عبر الفضاء الالكتروني استهدفت شل بنياتها المعلوماتية اثر خلافها مع روسيا‏,‏ وتم استخدام تلك الهجمات أيضا ابان الحرب الجورجية ـ الروسية عام‏2008.
ومثل
هذين الحدثين نقلة نوعية ببروز دور الفضاء الالكتروني في الحرب لأول مرة في التاريخ‏.‏ وهو الأمر الذي دفع حلف الناتو لدراسة امكانية تعرض اعضائه لمثل تلك الاعتداءات وقام بانشاء وحدة للدفاع الالكتروني وبدأت العديد من الدول تدرس تلك الاعتداءات للتدريب علي حماية منشآتها الحيوية والعمل علي ايجاد مظلة دولية للتعاون‏.‏ وظهرت مخاطر جديدة تمثلت في امكانية تعرض كابلات الانترنت الي عمل تخريبي‏,‏ وبرز دور لأسلحة الكترونية جديدة متعددة كالفيروسات وهجمات انكار الخدمة والاختراق ومحاولة السيطرة علي الأجهزة وسرقة المعلومات وافسادها أو تعطيلها‏,‏ أو استخدام القنابل الالكترونية التي تستهدف تعطيل الاتصالات والتشويش والتنصت علي المكالمات‏.‏
وعلي الرغم من ان هجمات الفضاء الالكتروني أصبحت تستخدم في الصراع إلا أنه لم يتم إدماجها بشكل كامل في العقيدة العسكرية للجيوش الحديثة‏,‏ غير ان هناك مجهودات أولية تبذلها بعض القوي الكبري لتطوير أسلحة الفضاء الالكتروني لكي يتم استخدامها في حروب المستقبل‏,‏ وخاصة مع وجود نحو‏120‏ دولة تقوم بتطوير طرق لاستخدام الانترنت كسلاح لاستهداف أسواق المال ونظم الكمبيوتر الخاصة بالخدمات الحكومية وتقوم أجهزة الاستخبارات الدولية بالفعل باختبار شبكات الدول الأخري بصورة روتينية بحثا عن ثغرات لتوظيفها عند الضرورة‏.‏
وهو أمر سينطوي حتما علي تغيير المبادئ الخاصة بشن الحروب وتغيير طبيعة ميادينها الفعلية أو الافتراضية‏,‏ بل وحتي بطبيعة تشكيل القوة وانماط استخدامها وبما ترتب عليه دخول المجتمع الدولي في مرحلة جديدة تلعب المعلومات والمعرفة دورا في تعظيم القوة أو الاستحواذ علي عناصرها الأساسية وذلك عبر وسيط عالمي يتكون من ملايين أجهزة الكمبيوتر ومايزيد علي‏3‏ مليارات مستخدم لوسائل الاتصال الحديثة‏.‏
وتنقلنا تلك المعطيات الي ان قضية أمن الفضاء الالكتروني أضحت قضية دولية تحظي بالمزيد من الاهتمام بشكل جعلها احدي أوليات الأمن القومي في العديد من الدول بل ارتباطها بالأمن الدولي ككل‏,‏ وهذا ما يتطلب وجود استراتيجية خاصة يتكون أهم عناصرها في‏:‏
أولا‏:‏ ادراك درجة العلاقة بين أمن الفضاء
الالكتروني والأمن القومي وبقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي‏,‏
وثانيا‏:‏ أهمية وجود فهم للقضايا القانونية التي
تتعلق بتكنولوجيا الاتصال والمعلومات وسوء استخدامها‏,‏
وثالثا‏:‏ أهمية
وجود هيكل تنظيمي أو مؤسسي يتولي مواجهة تلك المخاطر في وقت الطوارئ‏,‏
ورابعا‏:‏ بفهم الامكانيات والقدرات التقنية لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات والاستخدام السيئ لها وفهم الأخطار المرتبطة بها وكيفية الاستجابة لها تكنولوجيا‏,‏
وخامسا‏:‏ أهمية دور الأفراد في عملية الأمن بمعرفتهم
بالاجراءات الأمنية التي يمكن أن تستخدم لتأمين مصادر تكنولوجيا الاتصال والمعلومات‏.‏
وسادسا‏:‏ أهمية وجود تعاون من جميع الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي لترسيخ ثقافة عالمية لأمن الفضاء الالكتروني‏.‏

* خبير بمركز الاهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية  ** مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 

 

 

 

 



Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ