المقالات -
نحو اتفاقية دولية لتأمين الاستخدام السلمي للفضاء الإلكتروني

: 1585
الثلاثاء,13 يناير 2015 - 08:43 ص
د.عادل عبد الصادق*

مع التصاعد العالمي للأخطار والمهددات التي تؤثر على سلامة وامن الفضاء الالكتروني وما يمثله من أهمية إستراتيجية للمجتمع العالمي يتم طرح العديد من الرؤى حول كيفية مواجهة تلك الأخطار وما هي الآليات التي يتم إتباعها ومن يتحمل المسئولية وما هو دور القانون الدولي في مستقبل المواجهة للاستخدام غير السلمي للفضاء الالكتروني؟

نحو اتفاقية دولية  لتأمين الاستخدام السلمي للفضاء الإلكتروني
اضغط للتكبير

تتنوع الأخطار عبر الفضاء الالكتروني مع تعدد الفاعلين وتنوع الأهداف وضعف إجراءات الحماية في مواجهة تصاعد الهجمات الالكترونية والفيروسات والاستخدام في التحريض على العنف والارهاب من قبل الجماعات الإرهابية، ومحاولة الشركات الكبري العاملة في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في السيطرة والاستحواذ على امن المعلومات الشخصية للملايين من المستخدمين عبر العالم ، ويضاف الى ذلك اتجاه عدد من الدول الى تطوير استخدام الاسلحة الالكترونية واستخدامها في الصراع الدولي .

وعلى الرغم من وجود اطر عديدة للمواجهة منها ذا الطابع التقني او الاقتصادي او الثقافي او الامني الا ان البعد القانوني والتشريعي يمثل تحدي كبير في محاولة لصياغه التوافق مع الظواهر الجديدة والتي كشفت عن فراغ تشريعي سواء في القانون الجنائي الداخلي او القانون الدولي العام او حتى في قوانين الحرب ومواثيق الامم المتحدة .

وتتطلب عملية اعادة التوافق بين القانون الدولي وانشطه الفضاء الالكتروني اهمية البحث  في: المبادئ المعمول بها بين الأمم، مبادئ القانون الدولي الناشئة عن القانون الدولي العرفي والمعاهدات، المبادئ العامة التي استندت إليها الأمم المتحضرة كـ: القواعد التي تحكم اللجوء لاستخدام القوة، قواعد التسوية السلمية للمنازعات الدولية، القواعد المحدِّدة لقواعد الدفاع عن النفس، القواعد المتضمَّنة في ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والقانون الدولي الإنساني.

وهناك نوعان  من القواعد القانونية: الأول يعمل على إشباع الحاجات والمصالح العليا والمشتركة للمجتمع الدولي ككل، وهي قواعد مطلقة في تطبيقها. وهناك أيضا القواعد النسبية التي تنظم حقوق الدول وواجباتها فيما بينها، ولا تسري إلا فيما يتعلق بهذه الحقوق أو تلك الواجبات.

تطرح طبيعة هجمات الفضاء الإلكتروني مدى إمكانية تطبيق القواعد القانونية الدولية التي تنبثق من ميثاق الأمم المتحدة، وهي تساعد على المعالجة القانونية، فضلا عن أن  الأطر القانونية ليست كافية للتوصل إلى حلول تعالج معضلة الأمن التي تفرضها هجمات الفضاء الإلكتروني. وهناك وجهتا نظر في هذا الخصوص، الأولى منهما ترى أن  هناك حاجة إلى وجود إطار قانوني جديد كلي، أما وجهة النظر الأخرى فترى الاقتصار  على تبني النظم القانونية القائمة فقط. ولا شك ان  أفضل طريقة لضمان  معالجة شاملة تكمن في وجود اتفاق دولي يتعامل بالتحديد مع الأمن الإلكتروني وكيفية وضعه وطريقة معالجته في القانون الدولي. وتطرح أفضل طريقة لكيفية إنشاء بيئة قانونية تنظر إلى العدوان  الإلكتروني باعتباره إخلالا جسيمًا بالنظام القانوني ومرادفًا للجريمة الدولية المنظمة أو عدوانا ضد دولة أخرى.

وتدفع عملية الضرر المتوقع والمتخيَّل في حالة التعرُّض لهجمات الفضاء الإلكتروني إلى إثارة الجدل بشأن  إمكانية تطبيق ما أرساه القانون الدولي الإنساني من قواعد تعمل على الحدِّ من استخدام القوة أو التهديد بها أو حتى تنظيم استخدامها في حالة الصرإعات المسلحة الدولية وغير الدولية الطابع، بهدف حماية المدنيين والمنشآت المدنية والأماكن التي تستحق حماية خاصة أو المنشآت التي تحتوي على خطورة خاصة.والخطرُ  لم يَعُدْ مقتصرًا فقط على مصالح الأمم أو جماعات الضغط. وإنما يكمن الخطر الأساسي الذي يمكن أن  ينتج عن "الحضارة العالمية" في الحدِّ من التعدد ومن إمكانات الاعتراف بالآخر، وذلك من خلال تنميط أشكال التعامل. وبمعنى آخر، فإن  تحقيق الشفافية وتسهيل تداول المعلومات على المستوى العالمي يتمُّ على حساب الاختلاف والتعدد. فمستوى حضارة ما يُقاس من خلال درجة احتوائها على ما لا يمكن توقعه.

إن  وحدة الإنسانية لا يمكن بأي شكل من الاشكال ان  تتأسس على وحدة الدين أو الفلسفة أو السلطة، بل يكمن شرط تحققها أساسا في التعددية. وتبقى مسائل التعاون الدولي لها أهمية بالغة، أبرزُها الاتفاق في حقل الاختصاص القضائي والقانون واجب التطبيق في بيئة النزاع في الفضاء الإلكتروني، وهذا ما يتطلب معرفة الاسس التي يتعين ان  يتمَّ التفكير فيها في كل نشاطٍ يهدف إلى تنظيم ضروري للفضاء الإلكتروني. والأهم ان  يكون تنظيمًا يراعي هذه السمات التقنية وهذه الخصائص والمميزات التفاعليه اللامتناهية.

يعبر الفضاء الإلكتروني من دولة لدولة ومن منطقة إلى أخرى، ومن جهة عمل إلى أخرى دون قيود وبكل اللغات، مع التداخل بين الشبكات المحلية والاقليمية والدولية. وفي هذا الانتقال يتمُّ المرورُ  عبر مناطق الاختصاص القضائي ومناطق السيادة في العالم. وهذه المناطق قد لا يكون بينها تعاون أو حتى روابط، ففي مثل هذه البيئة ثمة حاجة لجهد استثنائي على النطاق الدولي أهم ما يتعين ان  يتصف به: الخروج من الأطر والمفاهيم التقليدية التي بُني عليها القانون الدولي.

والعمل على اتخاذ تدابير ملائمة لحل مشكلات الاختصاص القضائي التي تثيرها الجرائم المعلوماتية العابرة للحدود أو ذات الطبيعة الدولية، مع وجود اتفاقيات دولية تنطوي على نصوص تنظيم إجراءات التفتيش والضبط المباشر الواقع عبر الحدود على الأنظمة المعلوماتية المتصلة فيما بينها،وأيضا  الاشكال الأخرى للمساعدة المتبادلة.. مع كفالة الحماية في الوقت نفسه لحقوق الافراد والدول.وتُعَدُّ التعاملات المرتبطة بتقنية المعلومات كغيرها من مجالات الحياة واجبة الخضوع للأحكام المستمَدة من القانون الدولي والعرف، بما يكفل وضع الحقوق والتزامات الأطراف المختلفة والموقف من القضايا المختلفة وفضَّ النزاعات الناتجة عنها. وتُعَدُّ مسألة حماية البنية التحتية الكونية للمعلومات من ضمن أسس الأمن الدولي الجديد. ويتطلب ذلك: توافر قاعدة للتعاون الدولي المشترك، وتحديد ماهية تلك القطاعات الحيوية، مع توفير  نظم حماية منتظمة لها، ودعم مواجهة الأخطار التي يمكن ان  تتعرض لها على كل من المستوى التشريعي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأهمية دور الفضاء الإلكتروني في عمل البنية التحتية وما يلزمه من تعزيز الاستخدام السلمي له.

بذل المجتمع الدولي العديد من الجهود لحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل والتقدُّم في شأن  المناطق الخالية من السلاح النووي. وكما كانت العلاقة حميمية بين الأسلحة والتقدم التكنولوجي، فإنها أفرزت ثورة في الشئون العسكرية. وكان  من ضمن ذلك: ظهور أسلحة الفضاء الإلكتروني التي أصبح لها أضرار، سواء من خلال تهديدها لأمن الفضاء الإلكتروني أو سعي الدول وغير الدول إلى تطويرها واستخدامها وانتشارها، بما يعيد إلى الاذهان  الجهود الدولية لحظر أسلحة الدمار الشامل. وأصبح هناك إمكانية لتوظيف تلك الأسلحة التي تختلف عن الأسلحة التقليدية. وأبرزت تهديدات تلك الاستخدامات على الطابع المدني للفضاء الإلكتروني الحاجة إلى تضافر الجهود الدولية من أجل العمل على تعزيز  الأمن والحماية لدور الفضاء الإلكتروني الإيجابي على السيادة الدولية.وكان  من ضمن تلك الجهود: الدعوة إلى اتفاقية دولية للحدِّ من التسلح داخل الفضاء الإلكتروني مثل تلك الاتفاقيات التي تم انجازها في مجال الانتشار النووي والكيماوي والبيولوجي؛ حيث يمكن ان  تسهم مثل تلك الاتفاقيات في حال تطبيقها على الفضاء الإلكتروني والأسلحة التي يمكن ان  تُستخدم من خلالها في وضع قيود على استخدامها وتوزيعها وانتشارها وتطويرها.

و يمكن ان  تخضع تلك الانتهاكات إلى القانون الجنائي الدولي ومحكمة العدل الدولية، ولكن ذلك يتطلب موافقة الدول. بيد أن  عملية الدعوة إلى مثل تلك الاتفاقيات تواجَه بعدد من التحديات؛ حيث إن  الدول قد ترفض الموافقة على أساس أن  هذه القيود من شأنها أن  تحدَّ من قدرتها على تطوير الأسلحة الهجومية، وفي الوقت نفسه تحدُّ من قدرتها على الدفاع في حال التعرُّض لهجوم إلكتروني من دول أخرى أو فاعلين آخرىن. كما ان  ذلك الاتفاق يشمل فقط الدول، في حين ان  عملية استخدام أسلحة الفضاء الإلكتروني يمكن أن  تأتي من أطراف من غير الدول كالمنظمات الإرهابية والاجرامية التي لا تخضع لمثل تلك القيود.

إن  تلك القيود التي قد تفرضها الاتفاقية على الدول من شأنها ان  تعظِّم من قدرة الفاعلين من غير الدول على استخدام تلك الأسلحة في مقابل قدرات الدول. وهناك صعوبة في وضع الدول تحت الرقابة الفنية لقدرتها على تطوير أسلحة الفضاء الإلكتروني، وصعوبة في معرفة مصادر الهجمات (إن  وقعت) وتحديد المسئولية بشأنها.

 ويمكن أن  تتعرض دول إلى اعتداء أو هجوم صادر من أجهزة حكومية في دولة أخرى، ولكن قد يحرك تلك الهجمات طرف ثالث يمكن ان  يسيطر على تلك الأجهزة. وتتميز تلك الأسلحة بقدرتها الهائلة على الانتشار عبر الفضاء الإلكتروني، ومن ثمَّ فإن  نموذج منع الانتشار الخاص بالأسلحة النووية قد لا يصلح نموذجًا للتعامل مع الأسلحة في الفضاء الإلكتروني؛ ذلك لأن  انتشار التكنولوجيا أصبح عالميًّا في المجتمع الدولي.

 ومن ناحية أخرى أصبحت هناك صعوبة في الفصل بين الاستخدام المدني والآخر العسكري. وأن  تحقيق الأمن الإلكتروني الجماعي الدولي يتطلب: أن  يوجد إيمان  وثقافة عالمية بأن السلام أمر غير قابل للانقسام أو التجزئة، مع ضرورة اتساع نطاق عضوية الدول فيه، وأن  يكون ذلك النظام حياديًّا وموضوعيًّا، وأن  توجد قوة عسكرية رادعة لردع المخالفين لذلك النظام. كما ينبغي أن  يتركز على الناس وليس حول الدول بالضرورة. وهناك حاجة لوجود هوية إنسانية عالمية، مع احترام حرية الافراد في َان تكون لهم هويات وانتماءات متنوعة، وضرورة تشكيل تحالف عالمي لتعزيز السياسات المؤسسية التي تربط ما بين الافراد والدول.

ولكي يتم خضوع الفضاء الإلكتروني للقانون الدولي فإنه يحتاج إلى تغيير تنظيمي قانوني وسياسي وأمني وثقافي شامل.وأنه لكي يتمَّ التوصل إلى اتفاق دولي يجب ان  يتمَّ  إطلاق حوار دائم حول ما يُعَدُّ جريمة وإرهابًا وما يمكن ان  يدخل ضمن الاستخدام السلمي وان  يتم التمييز بينهما. وهذا الحوار  يمكن ان  يتقدم على جبهتين، الأولى: طبيعة الهدف الذي يمكن ان  يدخل ضمن ضوابط وقواعد قانونية؛ وذلك لأنه يمثل أهمية ومعاناة لغير المحاربين كالهجوم على محطات الطاقة.  أما الجبهة الثانية فهي طبيعة الأهداف التي تخرج عن  الأطر القانونية والتي تصبح في حاجة إلى الحماية؛ حيث تكون إصاباتها غير معروفة ولا يمكن التنبؤ  بنتائجها ولكنها تتسبب في حدوث معاناة.
وعلى الرغم من اهمية الوصول الى اتفاق دولي اي تكون اطرافه من الدول ليس كافيا من منطلق ان الفاعلين في مهددات امن الفضاء الالكتروني ليسوا بدول ومن ثم تصبح الاتفاقية الدولية غير ذات جدوي الا ان تلك الجهود تمثل خطوة دبلوماسية هامة على الاقل في مواجهة قيام دول بمساندة شركات او جماعات ارهابية في استخدامها للفضاء الالكتروني ، ومن ناحية اخري فان تلك الاتفاقية ليست كافية وغير فاعلة بدون الجهود الاخري التي يجب ان يقوم ببذلها كل اطراف الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي سواء اكانت شركات تكنولوجية او مجتمع مدني او حكومات او نشطاء ،ولن يتحقق الامن الا بتحمل جميع الاطراف الفاعله المسئولية وبخاصة مع دور الفضاء الالكتروني في تصاعد الفاعلين من غير الدول في العلاقات الدولية ،واهمية تعزيز ثقافة الامن الالكتروني بداخل المجتمع العالمي لحماية الفضاء الالكتروني باعتباره مرفقا دوليا وتراثا مشتركا للانسانية .

*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 



Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ