المقالات -
اغتيال النائب العام والتحول النوعي لجماعات العنف السياسي

: 3303
الاثنين,29 يونيو 2015 - 08:03 ص
د.عادل عبد الصادق*

أعلنت حركة أطلقت على نفسها "المقاومة الشعبية" بالجيزة، تبنيها استهداف موكب النائب العام، هشام بركات واغتياله، أثناء تحركه من أمام منزله في مصر الجديدة، صباح اليوم الإثنين الموافق 29 يونيو .وعلى الرغم من ان مدلول الاسم يدل على التوسع العددي والشعبي الا انها لا تعدو عن كونها صفحة على الفيس بوك وبعض الفيديوهات

اغتيال النائب العام والتحول النوعي لجماعات العنف السياسي
اضغط للتكبير

 

أعلنت حركة أطلقت على نفسها "المقاومة الشعبية" بالجيزة، تبنيها استهداف موكب النائب العام، هشام بركات واغتياله، أثناء تحركه من أمام منزله في مصر الجديدة، صباح اليوم الإثنين الموافق 29 يونيو .وعلى الرغم من ان مدلول الاسم يدل على التوسع العددي والشعبي الا انها لا تعدو عن كونها صفحة على الفيس بوك وبعض الفيديوهات ، وربما ياتي ذلك في محاولة لاعطاء الانطباع بان هناك مقاومة شعبية على نحو يجلب التعاطف العالمي معها والمساهمة في اعطاء صور مغلوطة عن الداخل والاستقرار الامني في مصر ، ويعبر ذلك  عن شكل جديد من الحركات العنيفة المسلحة ضد الدولة ، بدلا من حركات التغيير السياسي ، وظهر شكل جديد لا يركز فقط على أدوات التعبير السلمية بل يستخدم أنماط جديدة من العنف لتحقيق أهداف سياسية،وعلى نحو يهدد سيادة الدولة واستقرار المجتمع ولمسيرة التحول الديمقراطي،

حدود التحول في حركات العنف ما بين 25يناير  و30 يونيو  

كان ظهور حركات العنف الاجتماعي ذو الطابع السياسي ارتبط  بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير فرصة للدعوة عبر صفحات التواصل الاجتماعي. بالتظاهر والمطالبة بتنفيذ اهداف الثورة بدلا من الاحتفال بها ، وان يشهد ذلك موجة ثورية اخرى، وان يتولى مجموعه من الشباب حماية المظاهرات وتم الاعلان عن قيام حركة البلاك بلوك في ذلك.  الوقت

 وشهدت تلك المرحلة استخدام الحركات الاحتجاجية للعنف كوسيلة للتغير والتعبير وان يتم  استعادة نموذج اسقاط مبارك مرة اخرى،وظهور جماعات وحركات عنيفة مضادة ، وكان من ابرز ذلك  " حركات السلفية الجهادية و الاشتراكيون الثوريين والاولتراس وحازمون و البلاك بلوك والوايت بلوك "والاناركيين "و"وكتائب القصاص" وحركة "مسلمون"  وغيرها والتي تعبر عن حالة الاستقطاب الشديد داخل المجتمع ،والى ارتفاع حدة استخدام القوة او التهديد بها ضد الخصم السياسي،وهوما يعبر عن الفجوة بين تقدم في العملية السياسية وبين استمرار حالة الاحتقان داخل النخب السياسية،وهو ما اوجد محاولة نشر الفوضى  والعنف في مقابل حرية الراي والتعبير والتظاهر السلمي، والخلط بين معارضة  سياسات الرئيس مرسي وبين شرعيتة واسقاطة ،وبين مؤسسات الدولة والنظام السياسي، وفي ظل اخطاء ادارة مرسي و جماعه الاخوان المسلمين في التعامل مع التعاطي مع الأزمة السياسية .

والتي انتهت بفشل جماعه الاخوان في ادارتها وعدم مواكبتها لفكر الدولة بدلا من فكر الجماعه ومن عقلية الاستحواذ بدلا من التوافق والتي ادت في النهاية الى ثورة 30 يونيو وازاحة  محمد مرسي عن السلطة  ، وعلى الرغم من سعى النظام ما بعد 30 يونيو الى اتاحة الرصة للحل السلمي للازمة السياسية الا ان اصرار جماعه الاخوان على تقديم الابرياء ضحايا لرهانتها السياسية ادى الى  ازمة فض رابعه وما ارتبط بها فيما بعد بمواجهات بين الدولة والمعارضة الجديدة المرتبطة بالاخوان المسلمين .وظهرت حركات تحرض على العنف استخدمت شبكات التواصل الاجتماعي منصة للتحريض ، وتحولت المعارضة الجديدة للرئيس السيسي الى نمطين الاول ،منها ذو طابع مسلح وعنيف عبر تدشين صفحات تدعو الى العنف ضد الامن ومؤسسات الدولة مثل صفحات "ضنك"،وكتائب حلوان"، واحرار،ومولوتف وحركة 19 يوليو ، وعفاريت ضد الانقلاب ، والتراس ربعاوي ، ونبض رابعه ، ومصر اسلامية ، وغيرها . اما عن النمط الثاني ،فقد تميز بالطابع السياسي عبر تدشين صفحات وحسابات على الفيس بوك او القيام بحملات الكترونية معارضة عبر استخدام "هاشتاج"، ويلاحظ اختفاء الدور السياسي لصفحة "كلنا خالد سعيد" بعد 30 يونيو الا ان صفحة حركة 6 ابريل استمرت في المعارضة وانتقاد سياسات النظام الحالي ولكن قلت حدتها ،وقام عدد من النشطاء بانتاج برامج مصوره على اليوتوب مثل "حلقات "جيوتوب" و"عبده كنانه"و"باكوس" على نسق الدور الذي لعبته حلقات "باسم يوسف" ضد الرئيس السابق "مرسي" .

ومن اخر تلك الصفحات "صفحة المقاومة الشعبية "،والتي اعلنت مسئوليتها على اغتيال النائب العام في مصر مجرد صفحة تعلن انها مؤيدة للرئيس المعزول مرسيي وتدعم ما اطلقت علية بالشرعية. وعلى الرغم من اسمها الذي ينم على الكثرة العددية والمصداقية الشعبية الا انها لا تعدو عن كونها صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" ، ولكن كما اننا نعيش عصر الارهاب الذكي فان اختيار الاسم لم يكن اعتباطا بل متعمدا وذلك لتحقيق عدة اهداف اولها اعطاء الصورة الذهنية بان في مصر ما يسمى المقاومة الشعبية ، وان النظام يعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي ، وان العمليات التي تتبنها تلك الجبهة الجديدة تاتي في اطار مواجهة اوسع بين الشعب والنظام السياسي القائم ،

 خصائص الحركات العنف الجديدة  ضد الدولة

في الحقيقة ان عملية اتساع توظيف الشبكات الاجتماعية في الارهاب في مصر ارتبطت بمدي قدرة الاجهزة الامنية على مواجهة تلك التنظيمات حيث رات تلك التنظيمات مثل بيت المقدس في الانترنت وسيلة لشن حرب نفسية ضد الجيش عبر اطلاق فيديوهات "مثل صليل الصوارم "وغيرها وذلك بهدف الرد على خسائرها على ارض الميدان او اما بغرض البحث عن تاييد ومساندة وبخاصة مع اعلان بيت المقدس مبايعته لداعش ، ومن ثم فقد راوا في الشبكات الاجتماعية والانرتنت وسيلة لعولمة نشاطها ومنصة لاتساع نشاطها على الارض وبخاصة انها لجئت الى سيناء بهدف ايجاد ارض يمكن الانطلاق من خلالها لا تتميز بكثافة سكانية او بوجود امني كبير . وذلك للعمل على تقديم نموذج جهادي يكون ملهم لغيره من الجماعات الارهابية ولعل اشتداد المواجهة لهم في سينا دفعهم للضغط على السلطات الامنية عبر نقل نشاطهم الى الوادي والدلتا والى المناطق السياحية مثل العملية الاخيرة في الاقصر في 11 يونيو الماضي .

ومن ثم فان الوجود والنشاط الارهاب الواسع عبر الشبكات الاجتماعية ربما لا يعكس قوتها الحقيقة على الارض وفي المعارك الميديانية ، وقد عملت الجماعات الجهادية على توظيف عدد من التحولات الداخلية لصالحها كاستغلال قنانون التظاهرة للتعبئة الالكترونية والهروب من المظاهرات على الارض الى العودة مرة اخرى الى الفضاء الالكتروني في محاولة بائسة لاستلهام نموذج 25 يناير . وكان ذلك بتحالف مباشر وغير مباشر مع قيادات جماعه الاخوان المسلمين

على مدار التاريخ كان هناك تزواج بين التكنولوجيا والارهاب لما يوفر الاول من مزايا استراتيجية يستخدمها الثاني في تحقيق اهدافها السياسية عبر استخدام العنف ، وفي تحول الثورة العلمية والاتصالية ، بدا يحدث التحول في استخدام اجيال متعددة بدا من غرف الدردشة الى المنتديات الى مواقع الانرتنت والمدونات ثم الى الجيل الجديد وهو الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية ، والتي حدث تغيرا كبيرا لما تتمتع به من القدرة على التشبيك والتعبئة وسرعه الاتصال وتجاوز الرقابة التقليدية وبخاصة ان من يستخدمها هم من الشباب وهم الفريسة التي تركز عليها الجماعات الارهابية لاعتبار يتعلق بنشر الافكار فيما بينهم وهم الاكثر تاثرا بالمشكال الاقتصادية والاجتماعية ومن جهة اخري يكونوا هدفا للتجنيد لتلك العمليات ، واستغلت الجماعات الجهادية مزايا الشبكات الاجتماعية، كعنصر حيوي لدعم وتحقيق أهدافها، وكمنفذ لوجستي داعم وحاضن للنشاط الإعلامي لها في مناطق مختلفة من العالم، ليشكل مجتمعًا افتراضيًا يتحول من مجموعة قليلة من الناس متوزعة جغرافيا لتشكل مجتمعا خاصًا بها، يساعدها على الالتحام والتواصل الدائم، الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع غير محدد الأبعاد الكمية، وهو ما كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم تلك المجموعات،

وبالتاكيد ان عملية التجنيد ونشر التاثير والتفاعل هي عملية اتصالية وتراكمية وتتم عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر او الفيس بوك وتمر مراحل التجنيد بثلاثة مراحل هامة. الأولى تتعلق بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والنعرة والغيرة الدينية، بحجة الدفاع عن القيم المقدسة ويتم استخدام نصوص دينية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أما المرحلة الثانية، تتعلق بدور الشبكات الاجتماعية في نقل المعلومات والبيانات التي تعبر فقط عن وجهة النظر للجماعات الجهادية، وهو ما يؤثر في مرحلة لاحقة في تكوين وتشكيل الرأي لدى الشباب المستخدم، والتي تمهد له في اعتناق أفكارها المتطرفة، وتأتي المرحلة الثالثة والتي هي أخطر المراحل وتتعلق بالانتقال من مرحلة التأثير في الأفكار إلى المشاركة الفعلية والإيجابية من جانبهم في التغيير بالقوة والعنف وهو ما يظهر في التغيير السلوكي ، وتتميز تلك الحركات الجديدة ذات العنف المسلح ضد الدولة بانها:
 اولا : طابع اللامركزية في عمل الحركات الجديدة  حيث تتكون من مجموعه من الإفراد المنظمين في شكل مجموعات منفصله ولها قائد وتنظيم شبكي وتسعى للانتشار عبر المحافظات .

ثانيا :تفاوت في نوعية الاسلحة التي تستعملها ففي حين تستخدم السلفية الجهادية كتنظيم بيت المقدس "داعش "أسلحة النار الكثيف من مضادات الدروع والطائرات وغيرها تستخدم حركات أخرى نمط تسليح خفيف كالأسلحة البيضاء والمولوتوف وكرات اللهب والعبوات الناسفة  .

ثالثا :  دورالاعلام وبخاصة الجديد في عمل تلك الحركات  وبخاصة التواصل الاجتماعي كعنصر حيوي لدعم وتحقيق اهدافها ومنصة اعلامية حاضنه لنشاطها الاعلامي وبث رسائل التحريض والتعبئة والحشد لأعضائها  وتنظيم العمليات والتنسيق وتبادل المعلومات بين اعضائها

 رابعا : ان العضوية في الحركات الجديدة غير واضحة ولا تمثل رابط فكري او إيديولوجي بخلاف السلفية الجهادية ولا يوجد رابط تنظيمي للعضوية .وتنتسر تلك الحركات كمجموعات افتراضية منتشرة ولا يعكس عدد المنتمين لصفحاتها عن قوة حقيقية بل يتم تضخيم الصورة الذهنية عنها بتغطيه نشاطها اعلاميا.   

خامسا : سيطرة استلهام النموذج في تفكير تلك الحركات  ففي حين يسيطر على حركات العنف الجهادي وغيرها فكرة اعادة تطبيق تجربة إسقاط مبارك لاعلان الخلافه الاسلامية .

سادسا : في حين لعبت السلفية الجهادية كتنظيم داعش دورا واضحا في حالات الفراغ الامني على الحدود وبخاصة في سيناء نشطت حركات الاحتجاج الجديدة  بداخل التكتلات السكانية بما يغلب عليها التحول من العصيان والاحتجاج المدني الى التمرد المسلح .

سابعا : على الرغم من محاولة التوحد الظاهري والتضخيم من القوة التنظيمية لتلك الحركات الا انها لم تعبر عن تنظيم واقعي يمتلك القوة على الأرض.مع حرية الانضمام لتلك الجماعات او الخروج منها وهناك صعوبة في تحديد هويه اعضائها

ثامنا : عبرت حركات العنف السياسي عن ظاهرة اعلامية تم استغلالها سياسيا واعلاميا من جانب مؤيدي الرئيس المعزول مرسي في الداخل او في الخارج  في محاولة لنشر الفوضي وعدم الاستقرار السياسي لحكم الرئيس السيسي .

تاسعا: ان ظهور حركات الاحتجاج شديدة اومتوسطه اومنخفضة العنف يرتبط بأبعاد اجتماعية واقتصادية متردية ناهيك عن  الضعف الشديد  لسيادة الدولة والقانون وتراجع دور المؤسسة الأمنية.

عاشرا :تستخدم تلك المجموعات  خطاب يركز على شرعية العنف ضد الأخر او ضد مؤسسات الدولة وانهم ليس امامهم سوى التحول للعنف من اجل تغيير الواقع

 حركة المقاومة الشعبية وارتباطها بداعش

 بعيد حادث الاقصر الارهابي شهدت القاهرة اليوم محاولة اغتيال النائب العام المصري هشام بركات على بعد 200 م من منزلة وليعيد الى الاذهان محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمد ابراهيم في 5 سبتمر 2013 ،

ويكشف الحادث درجة الارتباط  بين جماعات العنف الجهادي -داعش وتنظيم بيت المقدس بجماعات العنف السياسي الموالية للاخوان .

وتاتي حالة التصعيد في محاولة للاعتراض على الاحكام القضائية التي صدرت بحق قادة الاخوان في السجون ، ومحاولة للتاثير على احتفالات ذكري 30 يونيو ، ومحاولة للحد من التطور في مجال العملية السياسية وابرز محطاتها وهي انتخابات مجلس النواب .

وياتي ذلك من ناحية في محاولة من جانب الاخوان وذراعها العسكري الرسمي وغير الرسمي للضغط على النظام في سبيل المصالحة وخاصة انه شهدت الايام الماضيية مبادرات للمصالحة عرضت من جانب احد ابرز قادة الاخوان وهو يوسف ندا مسؤول العلاقات الخارجية لجماعه الاخوان.

وتكشف العملية عن الارتباط بين تنظيم داعش في التكتيكات بينه وبين الحركات الجديدة المؤيدة لجماعه الاخوان او التي انتهجت نهج المعارضة المسلحة ، وتكشف العملية عن توقيت ذلك باعلان المتحدث الاعلامي باسم تنظم داعش بالدعوة الى غزوة رمضان والتي اعقبها عمليات لداعش في الكويت وتونس وسبقتها السعودية وفي فرنسا ، وقيام تنظيم داعش نشر فيديو اعدام القضاة المصريين في العريش قبيل حادث اغتيال النائب العام المصري هشام بركات ، وتكشف الدقة في تنفيذ العملية عن قدرات في التعقب والرصد والمراقبة وان تلقي معلومات استخباراتية من الخارج اما عبر التنظيم داعش الام او عبر جهات خارجية متصلة به ، وبخاصة بعد تهديد "اوردغان " بتحويل الشرق الاوسط الى بحر من الدماء في حال اعدام الرئيس مرسي ،الى جانب سعى تنظيم داعش عبر ما اعلن عنه "ولاية سيناء " الى نقل المواجهة مع النظام من سيناء الى الوادي والدلتا وقبل القاهرة والتحول من استهداف الجنود المصريين الى مرحلة الاغتيالات السياسية للساسة والقضاه وغيرهم ، ويعكس ذلك محاولة التنظيم بالتعاون مع منظمات سرية فرعية لبث الفوضي تمهيدا لاحتجاجات شعبية ضد الرئيس السيسي .   
وتدعو حركة المقاومة الشعبية الى عصيان مدني من 30 يونيو الى 3 يوليو  .الا انه من المتوقع ان تفشل في دعواتها وذلك بسبب منهج العنف السياسي الذي تنتهجة على النحو الذي يضر بها شعبيا وامنيا ، وان الشعب المصري اصبح اكثر قدرة على تفهم صعوبة الحالة الامنية والاقتصادية في التعبئة الجماهيرية ، وارتباط تلك الحركات الجديدة بتنظيم داعش يعمل على الحيلولة دون انتشار دعوتها ، ومن جهة اخري ان نظام الرئيس السيسي عمل على فتح المجال للحوار السياسي مع منتمي الاخوان غير المتورطين في حركات عنف وقام بالعفو الرئاسي عن ما يزيد على مائتي ناشط محسببن على الاخوان . وهو ما يعطي اشارة ان الدولة المصرية مفتحة الى حل سياسي يعمل على الاعتراف بالشرعية ونفذ العنف .   

 ناقوس الخطر  وحتمية المواجهة الفاعلة   

 تكشف عملية ظهور جيل جديدة من الحركات الاجتماعية عن دور الشبكات الاجتماعية كفاعل إعلامي في الحراك السياسي سواء عبر استخدام النشطاء لها او عبر تدشين صفحات مؤيدة او معارضة للرئيس مرسي أو باستخدامها في التنظيم للمظاهرات ، وبرزت بيئة جديدة لظهور قوى جديدة تعارض بشكل غير تقليدي، تميزت بقدرتها الفائقة على التعامل مع وسائل الاعلام والتحرك في الشارع ومواكبة التطورات على نحو اكثر سرعه من اداء المؤسسات الرسمية . ومن اجل صياغة علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع .

على اية حال يتم النظر لتلك  الحركات العنيفة على انها ردود افعال لتغييرات بنائية في المجتمع ومرتبطة بتحولات الوضع الاقتصادي والسكاني والتكنولوجي وببنية النظام السياسي القائم وحدود شرعيته وقدرته على ادارة الحكم وبخاصة مع ثورة التوقعات المتزايدة بعد ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو وما ارتبط بها عن بعض الحركات الشبابية من احباطات متزايدة مع استمرار حالة التدهور والتي تدفع الافراد والجماعات الى تنظيم صفوفها للتعبير عن الرغبة للتحول نحو الافضل ، ولجأت لاستخدام خطاب العنف ضد الدولة لتطبيق سياسة القمع والقتل والارهاب .

 وتعبر عملية تحويل الافكار الى قوة مسلحة عن انسداد الحل السياسي والتوافق الوطني،وعلى الرغم من أهمية المواجهة الأمنية للحركات المهددة لمؤسسات الدولة الا ان المعالجة السياسية هي الجديرة على امتصاص الغضب والشحن والتعبئة للعنف ضد الدولة . 

 ان الواقع الافتراضي دائما يسبق الواقع الا ان الفاعلية على ارض الواقع يرتبط بوجود بيئة تحتضن تلك الدعوات لاستخدام العنف وبخاصة مع انتشار السلاح والعنف المجتمعي بشكل عام . وفي اطار حالة التفكك التي يعانيها المجتمع ومؤسسات الدولة نتيجة سوء ادارة المرحلة الانتقالية والفشل في ترسيخ قيم التعددية والمشاركة والحوار التوافقي، وتدق تلك الحركات جرس الانذار من خطر التحول الى  العنف الكثيف والمنظم والواسع الانتشار وهو ما يحمل خسارة لكافة اللاعبين السياسين ولأمن واستقرار المجتمع ودور  المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي  . 

ان لجوء الشباب للاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية، يتطلب التعاون بين الدولة والمجتمع المدني ووسائل الاعلام الى جانب الشركات التكنولوجية ولا يقل ذلك اهمية عن العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر، وهي تربة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة والجريمة داخل المجتمع، وعلى الرغم من أهمية المواجهة الأمنية للاستخدام السيء لشبكات التواصل الاجتماعي، إلا أنها لم تعد كافية بل تحتاج إلى استراتيجية شاملة يدخل بها كافة الأبعاد الأخرى، ذات المنحى الأخلاقي، العلمي، الاجتماعي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي والقانوني.وان يتم النظر الى المعارضة كجزء اصيل من بيئة عمل النظام السياسي وانه لا يوجد استقرار سياسي بدون معارضة قوية ، ومن جهة اخرى فعلي الشباب المؤيد او المعارض للنظام السياسي الحالي ان يعترف بقواعد اللعبة السياسية ،وعلى الدولة من جانبها ان تتبني سياسة المصالحة مع من يعترف بالطرق الشرعية ويحترم القانون والدستور من اجل العمل على عزل العناصر المتطرفة واسقاط قدرتها على التعبئة وهو ما يعلي في الوقت ذاته من اهمية المواجهة الفكرية
.

* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ