المقالات -
مواجهة الجماعات الارهابية بين قوة النيران وقوة المعلومات

: 3928
الخميس,30 يوليو 2015 - 05:40 ص
د.عادل عبد الصادق *

تتنوع آليات مقاومة الارهاب سواء على مستوى الفكر او العمل العنيف ضد الدولة وهو ما يتطلب ان تكون تلك الاليات بها قدر من الذكاء والتكتيك في استخدام القوة المسلحة من قبل الدولة وهي المالك الوحيد للاستخدام الشرعي للعنف والفوة في مواجهة الجماعات الارهابية التي تحاول ان تسلب الدولة حقها المشروع عبر استخدام القوة والعنف ضد الدولة .

مواجهة الجماعات الارهابية بين قوة النيران وقوة المعلومات
اضغط للتكبير

مع طول العمليات العسكرية او الحربية سواء اكانت بين دول او بين جماعات ارهابية ودول اخرى يكون عملية الاختراق المتبادل وسيلة استراتيجية يتم استخدامها من قبل اطراف الصراع بغية العمل على تطوير عمليات الهجوم والدفاع وجمع المعلومات وشن الحرب النفسية والتجسس ومعرفة الهيكل التنظمي ومصادر التمويل والامداد والعناصر القيادية ، وعلى الرغم من ان تلك الاليات كانت سمة اساسية من سمات الحروب الحديثة بين الدول الا ان التطور في مجال نشوء تهديدات غير تقليدية من فاعلين من غير الدول والدخول من مرحلة الجيوش النظامية الى غير النظامية ومن قوة النيران الى قوة المعلومات ومن القوة المطلقة الى القوة النسبية .

   ومع تراجع دور الدولة الاقتصادي والامني ومع بروز مشكلات تنموية وفجوة جيلية شهد العالم العربي شكلت ملامح بروز للجماعات الارهابية بنمطها الجديد وبخاصة بعد موجات الاضطراب في يناير 2011 ، والتي اتاحت الفرصة الى تكالب قوى اقليمية ودولية للسباق حول القدرة على التاثير على المشهد السياسي والامني وفي محاولة لفرض اجندات داخلية تخدم مصالح خارجية ، وتغليب المشروعات الاقليمية والدولية على حساب المشروعات الوطنية ، وحالة التقاطع في خدمة مصالح شركات متعددة الجنسيات لها امتدادها الداخلي .

ومن ثم اصبح المشهد العربي يعيش حالة الاغتراب نتيجة قدرة القيم الغربية على اختراق منظومة القيم التقليدية، بما كان له عظيم الاثر في الفجوة بين المواطن والدولة وبين الطموح والواقع ، وكان منصة ذلك الاختراق الحديث هو حالة التطور في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات سواء على مستوى الانتشار والاستخدام او حجم ارتباط المواطن بها . وتوظيف القوى الكبري عبرالتاريخ للاعلام الدولي ووكالات الانباء العالمية في اختراق المجتمعات الاخري قضية قديمة ومتجدده ،وذلك في سعي تلك القوى الكبري المحركة  في الحفاظ على مصالحها ونفوذها ، ومنع قيام قوي اخري تنافسها في تلك الدول والعمل على خلق نخبة داخلية مرتبطة بمصالح خارجية تسيطر على الاعلام وصناعه الثقافة والسينما ،والعمل على تعزيز حالة من الانقطاع بين الثقافة المحلية النقية وبين ما يتم التعبيرعنه في وسائل الاعلام المحلية .

 

وهو ما خلق بيئة مناسبة لاختراق القيم العربية مع تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية ودور المؤسسات الاعلامية الرسمية والدينية في مخاطبة الشباب بادوات عصرية وتفسيرات دينية عصرية تستطيع ان تواجة سيل المعلومات المتدفق من الخارج الى الداخل ، وتقديم اجابات عن تساؤلات واستيعات الطاقات البشرية في بوتقة الثقافة المحلية ،وهو ما اتاح الفرصة لظهور فاعلين جدد استطاعوا ان يتفاعلوا على نحو اقرب مع الشباب سواء اكانوا نشطاء عبر الانترنت او شركات تكنولوجية او دول معنية او وسائل اعلام اجنبية او بروز رجال اعلام ودين خارج الاطر الرسمية .

وهذا التغير ادي الى فقدان المؤسسات التقليدية الشرعية والاقناع لدى قطاعات عريضة واصبحت منفصلة عن الواقع واصبحت تعاني من حالة من الترهل المؤسسي والبيروقراطي .
واستفادت من تلك الحالة قوى داخلية في شكل بروز حركات احتجاجية جديدة او بتعزيز قدرة المعارضة التقليدية في مواجهة النظام الحاكم ،وهو ما شكل تهديد لحالة الاستقرار السياسي من جانب وفتح الطريق امام عدم استقرار امني وبخاصة مع بروز التيارات الاسلامية والتي كان المتشدد منها يرى ضرورة توظيف الفراغ السياسي في تحقيق التمكين الاسلامي ، والى جانب ذلك جاء 

في قلب تلك التغييرات نشاط الجماعات الارهابية والاجرامية المهددة للامن والتي حاولت ان تستغل هذه التغييرات في خدمة اهدافها او اهداف من يقوم بتوفير لها غطاء امني واعلامي لنشاطها من خلال احداث حالة من الفوضي وكسر شبكة العلاقات القائمة لبناء اخري جديدة ومن خلال التاثير على عقل النظام الحاكم وعقل الجماهير ، ومستخدمة حالة التحول في مجال التطبيقات الالكترونية وبخاصة الشبكات الاجتماعية والتي تعد منصة رئيسية للفاعلين من الشباب والمؤثرين على المشهد السياسي العام .

وفي مواجهة الدولة المصرية لنشاط تلك الجماعات يجب ان يتم اعطاء اهمية للبعد الثقافي والاعلامي في المواجهة الى جانب الابعاد الامنية والاقتصادية وذلك من خلال تطوير مجالات وانشطة المؤسسات المعنية بصناعه الثقافة والفكر والفن ومخاطبة مؤسسات الدولة لهؤلاء الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتفعيل دور المؤسسات المعنية بالرياضة والشباب والتعليم والانشطة الطلابية .

وذلك في محاولة لتجفيف المنابع الفكرية والتعبوية لتلك الجماعات المتطرفة الى جانب الاله الامنية ، فاي مواجهة عسكرية يجب ان يترادف معها مواجهة من خلال تعزيز القدرة على جمع المعلومات والاستخبارات في محاولة لتعزيز القدرة على اختراق فكري داخل صفوف تلك الجماعات بما يعمل على زعزعه فكرها ونسقها العقيدي المعزز للعنف ضد الدولة، ويتم ذلك عبر ادوات الاعلام الجديد الذي تستخدمة او عبر تجنيد اتباع داخل تلك التنظيمات وبخاصة ان فشلها في تحقيق اهدافها وعدم وضوح رؤيتها للتغيير العنيف يعزز من فرص الانشقاق الداخلي،فضلا عن مراكز توزيع الثروة والنفوذ والمناصب داخل تلك التنظيمات ،وعلى الرغم من اقتناع البعض بتماسك تلك الجماعات الايدولوجي الا ان التجربه اثبتت هشاشه ذلك التماسك وبدليل حالة الاقتتال الداخلي بين جبهة النصره وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، وهروب عناصر مقاتلة داخل التنظيم اما اعتراضا على سياسة التنظيم او عدم الاقتناع بالعقيدة العسكرية له.

ويمكن اختراق تلك التنظيمات عبر مراقبة الاتصالات والتي تلعب دور كبير في الارتباط التنظيمي والتخطيطي وتنسيق العمليات وتوفير الغطاء الامني ،و تستخدم تلك التنظيمات وسائل اتصال مشفره واجهزة على قدر عال من التكنولوجيا بل وقد حصلت تلك التنظيمات على تدريبات في بدايات الازمة السورية على كيفية تفادي مراقبة الاتصالات وتامينها سواء عبر قيام شبكات لاسلكية او عبر الاقمار الصناعية وقامت بذلك مؤسسات غربية بدعم من الولايات المتحدة فيما اطلقت عليه في حينه بالمساعدات غير القتالية .

وقام تنظيم داعش بتطوير تلك القدرات من خلال نجاحة في جذب مقاتلين من الخارج على قدر عال من الخبرة الالكترونية ومن ذوي اللغات الاجنبية بما عمل على تطوير القدرات الالكترونية للجماعات الارهابية الى جانب تمكن التنظيم من انتاج برامج تشفير وتطبيقات على الهواتف الذكية .

ووجد عدد من المتعاطفين من مهندسي الاتصالات ان مشاركتهم ولو عن بعد في التطوير هي جزء من الجهاد الى جانب التنظيم في ارض الميدان .

ومن جهة اخري يعذو النجاح في التطور لدي تنظيم داعش في العملية الاتصالية هو تحول الشركات التكنولوجية من لاعب تجاري الى لاعب سياسي واستراتيجي،ودعم اجهزة استخبارات دولية لتنيظم داعش  اما في اطار صفقة تبادل منافع مثل العلاقة بين تركيا وداعش للحيلوله دون تمدد النفوذ الكردي وضمان التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية لصياغة مستقبل لا يأتي على غير رغبتها ،ويرضي طموحها العثماني ، وهناك قطر بزراعها الاعلامي عبر قناه الجزيرة والتي اصبحت منصة في خدمة اهداف السياسة الخارجية الاميركية وتحفظ  لقطر مكانة في شرق اوسط جديد.

ولعل افضل وسيلة لاختراق التنظيم المتطرف هي مواصلة التقدم في خطى التنمية الاقتصادية والخريطة السياسية والاعتراف بحق جميع المواطنين في ممارسة العمل السياسي تحت مظلة القانون والدستور، والعمل على السماح بالمعارضة الرسمية بان تلعب دورا في خدمة المصلحة الوطنية ولكي تسحب البساط من اختطاف الجماعات المتطرفة بشقها السلفي الجهادي –تنظيم داعش -او السياسي العنيف – جماعات العنف المؤيدة لجماعه الاخوان-  من التحدث باسم المعارضة .

وياتي الى جانب ذلك اهمية تطوير الاداء الامني النوعي من خلال التركيز اكثر على جانب المعلومات والاستخبارات للعمل على احداث اختراق نوعي لهياكل التنظيم وتوجيه ضربات استراتيجية قادرة على قطع الاذرع الخارجية والداعمة سواء عبر الاعلام او الانفاق او ممرات التهريب .
penetration-testing1

ويبقى القول ان من يفوز بمعركة العقول والقلوب هو القادر للتعامل بذكاء مع حرب الافكار والاستحواذ والنفوذ بين الشباب بين تلك الجماعات الارهابية وبين النظم السياسية الحاكمة  

ولاهمية دور الفكر في تحريك القوة يجب ان تتم  المعركة اولا داخل العقول لتحقيق الانتصار على الارض ، وعلى الرغم من حجم التحدي الكبير الذي يواجه الاجهزة الامنية المصرية، وبخاصة مع تغير خصائص الامن القومي وبما اثر على دور تلك الاجهزة في مواجهة التهديدات الامنية غير التقليدية ، وهو الامر الذي يتطلب ان يكون المواطن شريكا في المواجهه لان امن الفرد اصبح لصيق الصلة بامن المجتمع ، والعمل على تعزيز دور الرقابة الذاتية للدفاع عن الوطن وتعزيز قيم الانتماء والولاء والتسامح داخل المجتمع ،وتعزيز قيم المساواة امام القانون والعدالة في توزيع الثروة ،وتطوير الاداء الاعلامي الرسمي بما يجعله يعبر بعقل عن المصلحة الوطنية ، والحد من  تدخل قوى خارجية للتاثير على توجهات وسائل الاعلام  من خلال انماط الملكية،

ان معركة مواجهة الارهاب هي معركة بطبيعتها طويلة لانها تركز على التغيير الثقافي والاجتماعي والتي تأخد وقت ،فانت قد تقتل افراد من منتمي الجماعات الارهابية ولكن عليك او تواجه تحدي عدم انتاج ارهابيين جدد ، ولعل نموذج ارهاب داعش في مصر يواجه تحديات تتعلق باختلاف طبيعة البيئة الحاضنة الداخلية والاقليمية والدولية والتي ساعدت على تمدد تنظيم داعش ،والتي منها ممارسات حكومات العراق الطائفية ضد السنه وتدخل قوى خارجية في حروب بالوكالة مثل ايران وروسيا ودول الخليج والغرب

وتكشف طبيعة الموقف من داعش ولاية سيناء عن تحديات تتعلق بضعف الموارد الاقتصادية التي يمكن ان يستغلها التنظيم لمواجهة ضربات الجيش لمصري لمصادر التهريب ولا توجد قاعدة سكانية ضخمة يستطيع ان يعبئ مقاتلين جدد داخل صفوفه ، ناهيك عن عزلة سيناء نسبيا عن مصر بما يعطي للجيش المصري قوة استراتيجية في المواجهة العسكرية ضد التنظيم المتطرف.وتتطلب عملية النجاح في المواجهة ان يتلازم كلا من بعد قوة النيران الى جانب قوة الحصول على المعلومات والاستخبارات في تلك المعركة الطويلة وبخاصة اننا اصبحنا نعمل في بيئة معلوماتية متغيرة وتلعب المعلومة دور كبير في تحقيق النصر العسكري ،وبخاصة ان حرب المعلومات وشن الحرب النفسية اصبحت سمة اساسية من سمات الصراع الالكتروني ،
وياتي ذلك الى جانب عدم وجود غطاء شعبي للفكر المتطرف داخل الشعب المصري والذي يميل الى الاعتدال نتيجة عوامل تاريخية وجغرافية ومن رواسخ الشخصية المصرية .

ومن ثم فان المعركة محسومة لصالح السلام والتنمية في مواجهة التطرف والعنف ولكنها تحتاج الى تعزيز اللحمة الوطنية وتكاتف الشعب خلف القيادة السياسية .

*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ