وأطلق تنظيم داعش على الاصدار الجديد بـ"حصاد الاجناد" وهي تسمية تم استخدامها من قبل داعش في العراق والشام في عام 2014، وتبلغ مدة الفيديو "37 دقيقة "بخلفية من نشيد صليل الصورام والذي يعد الاشهر في تسجيلات تنظيم "داعش"، وقام بنشر الفيديو عدد من المواقع المؤيدة لتنظيم داعش وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من اختيار اسم الفيديو جاء ليوحي بعدد هائل من الانجازات العسكرية ضد ما اسماه "جيش الردة" الا ان المتابع يكتشف انها عمليات جاءت "فردية" تدخل في نطاق العمليات المحدوده او الاقل من المحدودة، ولم تدخل في نطاق العمليات الشاملة ،والفرق بين كلا النوعين ان الاول ربما يؤثر لحظيا او دعائيا على الخصم الا انه لا يؤثر على الاداء القتالي او الميداني ، بينما يعبر النمط الثاني عن عمليات من شأنها القدرة على السيطرة والتحكم على الخصم وتحقيق نصر ميداني يشل قدرة الخصم على الحركة او الدفاع او الهجوم .
ومن ثم فان تلك العمليات تاتي في اطار النمط الاول بل انها لا تعدو عن كونها حوادث تهديد فردية، وفي التحليل لما جاء في الفيديو على مستوى الشكل اي الصورة وعلى مستوى المضمون والمحتوي ، وفيما يتعلق بالشكل او الصورة فانه جاء كالعادة يكشف عن امتلاك تنظيم داعش قدرات ومهارات كبيرة في مجال التصوير والاخراج من خلال جودة الصورة وتكرار المشاهدة ، بما يكشف عن اهمية الاعلام في فكر التنظيم على النحو الذي يجعله يفكر بنمط الجيوش النظامية من خلال امتلاكة لآلية" الاعلام الحربي" الى جانب القدرة على التموية وجمع المعلومات والرصد والامداد والاجلاء وتكتيكات الهجوم والدفاع . وهو ما يكشف عن جيل غير تقليدي من الجماعات الارهابية والتي تحتاج كذلك الى مواكبه تطورها على الارض والفكر وفي امتلاكها لاسلحة ونظم اتصالات حديثة .
وهو ما يتضح من قيام عربات بحمل كاميرات للتصوير او طاقمة والنزول الى الارض لمرافقة المقاتلين في قيامهم بشن الهجمات حيث يظهر ان المصور يقف خلف المقاتل ، وكشف الفيديو كذلك عن استخدام زي عسكري يشابه ما يرتدية تنظيم الدولة الاسلامية داعش في العراق والشام ، الى جانب وجود عدد كبير من عربات "تويوتا" موحدة اي انها نفس الموديل ذات الدفع الرباعي .
سر العصابه الحمراء "الشارات"
ولكن الملفت للانتباه هو قيام "تنظيم ولاية سيناء "قبيل قيامهم ما يسمي "بغزوة ابو صهيب الانصاري " بارتداء شارات حمراء على الرأس ،وبالبحث وراء مدلول تلك العصابة "الشاره التي وضعت على الرأس "فقد وجدت انها ترجع الى ، مجاهد في زمن الرسول يدعي "ابو دجانه" ، وهومقاتل شجاع مقدام اشتهر بشجاعته وعنفوانه، من فضلاء الصحابة وأكابرهم، كان إذا نزل إلى القتال أخرج عصابة حمراء يعصب بها رأسه فتقول الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت. إنه الصحابي سماك بن خرشة بن لوان بن عبد ودّ بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي، وهو مشهور بكنيته أبي دجانة أكثر من شهرته باسمه.
وهو ما يمكن ربطة باعلان البيعه والجهاد في البيان التحريضي الذي تم القائة قبيل الهجوم على "الجيش المصري " ، ويعكس ايضا مدى استغراق تلك التنظيمات المتطرفة في تبني تمجيد شخصيات جهادية اسلامية ، واستدعاء التراث من اجل المزيد من الشحن المعنوي والقتالي .
تضخيم الصورة الذهنية
وتخلل الفيديو فواصل "حصاد الاجناد" في محاولة لتعزير رساله التنظيم وتضخيم انجازاته ، ويلاحظ قيام معدي الفيديو بتمويه وجوه المقاتلين الى جانب ما يرتدية المقاتلين من غطاء للوجه للتخفي والقدرة على الهروب من الملاحقات الامنية من قبل السلطات الامنية المصرية .
واستخدم معدوا الفيديو مقاطع مكررة لمزيد من الالحاح الاعلامي للتاثير النفسي على المشاهدين ، والى جانب ذلك كانت السيارات مموهة بطلاء خارجي الى جانب عدم حملها ارقام مرورية الا السيارة التي قامت بالعملية الانتحارية في الهجوم على الشيخ زويد الى جانب وجوه الانتحاريين ابو عبد الله الصعيدي الذي قام بالهجوم على كمين ابو رفاعي ،وابو محمد الانصاري المهاجم علي كمين السدرة .
الا ان التنظيم ربما لم يستطع تصوير باقي مقاطع الهجوم الموسع الذي شنه بشكل متوازي على عدة اكمنه في الشيخ زويد والذي تم شنها في اول شهر يوليو الماضي والذي اكتفي حينها باصدار بيان ورقي الكتروني على المنتديات والمواقع التابعه له وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي .
واكد فية التنظيم " أن أنصاره تمكنوا من الهجوم المتزامن على أكثر من 15 كمينا وموقعا عسكريا للجيش المصري، وقال إن جنوده قاموا بتنفيذ عمليات متنوعة ومتزامنة على نادي الضباط بالعريش وكميني السدرة وأبو رفاعي بمدينة الشيخ زويد، وهجوم بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والآر بي جي والهاون على كمائن الماسورة وسادوت وولي لافي والوفات وأبوطويلة والضرائب وقسم شرطة الشيخ زويد، وكمين جرادة وكمين بنزينة بالخروبة وكمين العبيدات، وكمين قبر عمير وكيمن الإسعاف وكمين البوابة وكمين الشلاق".
ويظهر من الفيديو انه استعرض فقط هجوم على كمين "ابورفاعي وكمين "السدرة"، وهو يعني ان التنظيم فشل في الهجوم على باقي الاكمنة وفضلا كذلك عن فشله في تصوير عمليات الهجوم عليها بما يصدق رواية الجيش المصري .
وقام متنجي الفيديو بالاعلان عن مبايعتهم الى ابو بكر البغدادي والي فكر اسامة بن لادن وابو مصعب الزرقاوي ومؤسس حركة التوحيد والجهاد ، واعلن التنظيم عن مسئوليته عن الهجمات في فترة الرئيس الاسبق حسني مبارك ، وعن الهجمات التي استمرت بعد تنحية عن السلطة ، وعن معارضتهم لتيار الاخوان المسلمين والسلفيين والذين اعتتقوا في وجهة نظرهم الفكر الغربي الالحادي وتخلوا عن الشريعه الاسلامية ومولاة غير المسلمين ونبذ الجهاد ، وانهم وبخاصة الاخوان المسلمين قد نالوا جزائهم بالسجن والاعدام .
وقام التنظيم باستعراض لقطات من عمليات قام بها ضد الجيش المصري مثل عمليات تفجير للعربات العسكرية والدبابات وقنص الجنود وقطع ما اسماه خطوط الامداد من خلال استهداف عربات التموين والوقود واليات الحفر والهجوم على سيارات مدنية تحمل الجنود المصريين وتدمير فرقاطة بحرية والادعاء باسقاط طائرة اباتشي من خلال تصوير ركام غير واضح المعالم
والادعاء من جانهم انه قاموا بتمشيط بعض الاكمنه وعرض جثة احد القتلي والمسك بنسخة من الانجيل والقول بان المسيحيين يقاتلونهم من اجل ان يتم توظيف ذلك في الهاب الحماسة الدينية .
وللمزيد من الاثارة والتاثير النفسي وتضخيم القوة تم اعطاء مساحة اكبر من التصوير للاستعراض العسكري لداعش بسيارات الدفع الرباعي الحاملة للمقاتلين في نهاية الفيديو من اجل اعطاء الشعور بالانتصار والعودة السالمة للمقاتلين ، والارجح انه تم استخدام تلك اللقطات من سوريا والعراق وبخاصة انها تأتي في نفس مشهد مواكب داعش ويساعد على ذلك عدم وجود ملامح تحدد هوية العربات والى تشابه البيئة الصحراوية في سيناء والعراق والشام ،وهو ما يدفع بالقول بان مشهد العربات ذات الدفع الرباعي تم استخدامة من فيديوهات سابقة لتنظيم داعش، والاكثر دهشة كذلك هو محاولة خلق جمهور محلي موالي له من خلال تصوير بعض الاطفال الملوحين لهم والمحيين لانتصاراتهم المزعومة .
رساله افلاس
ولا يعدو "حصاد الاجناد" عن كونه محاولة دعائية لاثبات الوجود المؤثر للتنظيم بعد العمليات النوعية التي قام بها الجيش المصري ضده، وبخاصة نجاحة في اجهاض خطة الاستيلاء على الشيخ زويد واان تشكل نقطة انطلاق للتوسع الميداني لما يسمى " ولاية سيناء" ، يأتي ذلك بعد تحقيق الجيش المصري عدة نجاحات في مواجهة "تنظيم داعش" عبر نجاحة في اختراق اتصالات التنظيم بما عمل على اجهاض خططة وقتل ما يزيد على 300 مقاتل منذ يوليو الماضي .وعلى الرغم من نجاح بعض عناصر التنظيم في القيام بعمليات نوعية تمثلت في اغتيال النائب العام والهجوم على القنصلية الايطالية الى جانب محاولة اغتيال وزير الداخلية الاسبق محمد ابراهيم .واخيرا خطف وذبح الرهينة الاوكراني.
الا ان التنظيم يعاني من مشكلات لوجستية تتمثل في طبيعة سيناء المنخفضة الكثافة السكانية بما يقلل فرض التعبئة المحلية للمقاتلين فضلا عن وضع سيناء الاستراتيجي بما يجعل امكانية منع تسلل العناصر الارهابية الى القاهرة او العكس . والى جانب نجاح مصر بتدمير عدد كبير من الانفاق التي تستخدم في تهريب المقاتلين والاسلحة الى التنظيم ، وياتي الى جانب نجاح الجيش المصري في الحصول على طائرات "رافال"والاباتشي وغيرها من انظمة التسليح المتقدمة التي تحد من قدرة التنظيم على الحاق اضرار نوعية بالدولة المصرية .
ويكشف حصاد الاجناد في حقيقة الامر عن افلاس التنظيم في تحقيق ضربات نوعية واستراتيجية ضد الجيش المصري ، ويكشف من جهة اخرى عن التنسيق العالي بين داعش الام وفروعها حيث جاءت عمليات الهجوم على الاكمنه استجابة الى دعوة المتحدث الاعلامي لتنظيم داعش بغزوة رمضان .
واستهدف تنظيم ولاية سيناء من"حصاد الاجناد " شن حرب نفسية من خلال زعزعه ثقة الشعب في القيادة المصرية، ورساله اخري الى الخارج من خلال اثبات الانتماء والولاء لتنظيم الدولة الاسلامية من اجل الحصول على الامداد بالاموال والاسلحة والدول الاخري التي تدعم التنظيم سرا بالمعلومات وانظمة الاتصال والاسلحة.ويأتي ذلك في ظل فشل محاولة وضع الدولة المصرية بين كماشة داعش ليبيا من جهة وسيناء من جهة اخري ،والدعم من التنظيم الام داعش العراق والشام .
* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني
- البداية والنهاية، ابن كثير، ج3، ص18.
تنظيم داعش يكشف تفاصيل هجمات الشيخ زويد ورفح ،موقع العربية نت ، 1 يوليو 2015