المقالات -
كيف تحولت صورة الطفل السوري الى رمزا انسانيا ؟

: 5941
الاحد,6 سبتمبر 2015 - 03:40 م
د.عادل عبد الصادق *

طوفان صور يومي اصبح يمرعلينا ويزاحم هدوئنا وخصوصيتنا ولكن توجد بعض منها يعلق بالذهن ويحرك العقول والقلوب،وتتحول الى رمزا ثقافيا يتم تداوله وتحريكة بقوة الدفع الذاتية التي تعبرعنها ، وتعبر الصورة عن عملية اختزال للالاف من الكلمات والافكار .

كيف تحولت صورة الطفل السوري الى رمزا انسانيا ؟
اضغط للتكبير

وهو ما يجعل الصورة تنتقل من سياقها المحلي الى سياق تاثير عالمي عابر للحدود ،وعلى مدار التاريخ لعبت الصور منذ بداية استخدامها في تغيير الافكار والقيم وتحويل مسارات السلام والحرب ،وعلى مدار الانسانية لعبت الصورة  قديما دور الراصد والمؤرخ وشكلت بداية تطور الابجديات المعروفة،ولعبت الصورة كذلك دور في تحريك الاحداث الدولية واكتسبت الصورة دورا اكثر فاعلية بعد الثورة التكنولوجية وتحولت الى طابع رقمي قابل الى الانتشار والانتقال والتأثير في ثواني معدودات مع حجم الانتشار الهائل لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات .  

ومن خصائص الصورة انه يتم رؤيتها بالعين وتتحول الى اشارات للمخ ويدركها العقل ،عبر نقل  خصائصها في المجال الحيوي والطبيعي الذي توجد به ،وتؤثر ابعاد الصورة بما فيها الالوان والاضواء،وتزيد حالة التفاعل حولها بقدر ما تملك من عناصر التحريك الذاتي والشعوري والعقلي،وما يرتبط بكيفية تلقي المشاهد لها ومدى ارتباطها بمشاعره،ويتم ذلك ليس بمعزل عن الذاكرة البشرية والمعرفة البشرية والسياق العام المحيط بالمتلقي او المستقبل .

وتحمل الصورة ترجمة مختلفة في عقل اي فرد يراها وفي محاولة لفك القدر العال من الاختزال بداخلها للافكار والمعلومات والقيم،وتشترك الصور في مجالات تاثير واحدة وغرضها موجه نحو تحقيق اهداف مشتركة.وتعبر الصورة عن مظاهر الحياة وحجم ومسارات وقوة الأحاسيس والمشاعر والمعتقدات واصبح لها طابع معرفي يرتبط بما توضحة من رسائل ومعاني للمشاهد.  

والتي انعكست على تطور انتاج الصور وانتشارها وحجم التفاعل العالمي حولها من خلال جمهور عالمي من المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي والانترنت والهواتف الذكية وهو ما عمل على تحول الصور الى صور رقمية سريعه الانتشار والانتقال والتخزين والى جانب سهولة الانتاج والتاثير .

ولكن مع الحجم الهائل من الصور التي يتم تناقلها يوميا ويكون من بينها صورة فردية هي وحدها القادرة على تحقيق عناصر النجاح القصوي والتي تتمتع بعناصر جذب في الشكل اي ما تراه العين وما يمكن ان يستوعبه العقل منها اي مضمون ما تحتوية من افكار، والذي يرشحها للتحول من صورة عادية الى رمز ثقافي وانساني .

فصورة الطفل"ايلان "ابن الثلاث سنوات وهو يرتدي القميص الأحمر ،وملقى على وجهه تجاه رمال الشاطئ ،وامواج البحر تحرك ملابسة ،وهو لباس اللعب والحياة ولكن على شاطئ الموت .

ولم تحتاج صورة الطفل الملقاة على البحر الى تجنيد ابواق للدعاية والاعلان للانتشار بل انها اخترقت ذاتيا للعقول والقلوب لملايين من البشر،لان ببساطة بدت صورة الطفل "انسانية " فهي بلا عنوان ولا اسم ولا علم ولاهوية ولا لغه ولا تعبر عن مكان التقاطها، وهو ما جعلها قادرة على تجاوز كل تلك القيود والحواجز لتخاطب انسانية الانسان وليس الى هويتة او لغته او دينة او اي شيئ اخر ، انها تخاطب المشترك الانساني الذي يشترك فيها جميع البشر من احساس بالخوف والغضب والسعادة والالم والضعف والقوة والابوة والامومة والتي ما هي الا فطرة الله التي فطر الله الناس عليها .  

وعلى الرغم من محاولة الساسة في عالمنا وسماسرة الحروب وعصابات الارهاب والتخريب والدمار وتجار الدماء من اخفاء هذا البعد الانساني الا ان صورة الطفل قد اعادت احياء ذلك المشترك.وبدأ المجتمع الدولي يحتاج الى من يحيي فية انسانية ،والتي شعر بافتقادها جراء ما يخضع له من سيل هائل من المعلومات والاخبارعن الكوراث والصراعات والحروب على مدار الدقيقة والثانية .

وجعلت المجتمع البشري مستغرقا في صفات شريعه حيوان الغابه ،وتجره الى البحث عن القوة على حساب العقل وعن الدماء مقابل الاموال .وهو ما جعله يقترب من صفات الحيوان البدائي العدواني مثل اسد الغابه بما يهدد بازالة الفارق بين عالم البشر وعالم الحيوان .

فصورة الطفل السوري ، وهو ملقى على شأطئ البحر جمع بين متناقضات البحر والشاطئ والاطفال وما يحملة من ملامح بهجة وبين تحوله الى رمز للحزن والتعاطف، وتحوله بدلا من ان يكون هو متسع للعين والافق والرزق الى مكان للموت والنسيان والغرق . على الرغم من ان الطفل لم يوجه وجهة للعالم فان ظهرة قد بلغ تاثيرا كبيرا ،وبدت الصورة رمزا انها عبرت عن مشاعر كل انسان وكان للصورة  صوت دوا في اعماق قادة العالم .

واظهرت الصورة ان الطفل اصبح محاصرا بين وحوش البحر وضحية وحوش البر،وعبرت في الوقت ذاته عن حجم التناقض في تعامل العالم المتقدم مع القضية الانسانية،وتحولت الصورة  الى عنصر كاشف وفاضح للمجتمع الدولي والمنظمات الانسانية وخيانتها لمبادئها والتي تتغني بها الدول التي تضع نفسها في قمة القوة والنفوذ في المجتمع الدولي.

وعكست الصورة التناقض بين من يساهمون في تنفيذ المأساة عبر تعزيز الصراع واطالة امدة عبر تغذيته بالمقاتلين والسلاح وبين اعلان تلك الدول عن حجم  تعاطفها والتي في حقيقة الامر لا يعدو حجم الاهتمام لدي البعض منها الا كونه وسيلة للتوظيف السياسي .

وأخرجت الصورة للعالم كل العناصر العاطفية التي تجاوزت الصور الروتينية عن الصراع في سوريا ،وبدأ يتحول الطفل عبر صورته الى وكالة اعلام تنقل بكل حيادية وشفافية ما يجري على الارض للشعب السوري وبخاصة للاطفال ،وهو ما جعل الصورة تخاطب ليس فقط العين بالابهار بل انها تخاطب الضمير والوعي لدي الملايين من المواطنين عبر العالم .

ونقلت الصورة عن تحول المشاهد الدموية والتي غلبت على الصراع السوري الى مشاهد تثير العاطفة الانسانية  ،فالطفل الذي كان يجب علية ان يلعب على الشاطئ اصبح ينام تحت الشمس وملقى كضحية لغدر البحر والبشر .

وتحكي الصورة قصة معركة للحياة خاضها جسم الطفل الصغير امام امواج البحر العاتية التي قضت علية ،واصبحت هذه الصورة الفردية اكثر تعبيرا من صور الجماعه وتعبيراتها ،وهو ما يحرك مشاعر الاباء والامهات والاخوات بل كل انسان تخاذل عن القيام بدوره بوقف مأساة الشعب السوري .

 ووضعت الصورة المجتمع الدولي امام مسئولية مشتركة بين السكوت عما يجري وبين عجزة عن تقديم يد العون للضحايا ،وأثارت الصورة التساؤل حول من صنع الحدود ومن وضع التأشيرات والاسلاك الشائكة ومن وقف امام من احتاج الى الامن في ارض الله وليس ارض الانسان ..

واختزلت الصورة حقيقة ما يجري في منطقة الشرق الاوسط وسلطت الضوء على من يدفع ثمن طموحات امراء الحرب ،وتجاوزت الصورة قدرة وسائل الاعلام الممنهجة والتي اما معارضة او مؤيدة للنظام السوري بوضعها امام وضع انساني لا يتغافل عنه الا قاتل او مجرم حرب .

وسلطت الصورة الضوء على قيمة العائلة والتي تشتت جراء الحرب وابتلعها البحر والتي تمس كل انسان ،والتي حاولت البحث عن مكان آمن وانقاذ ابنائها من التعرض لمأسي الحرب وويلاتها .

لقد احييت تلك الصورة قضية المهاجرين غير الشرعيين ومصير اللاجئين ومدى حاجتها الى التعاون الدولي لمواجهتها ومخاطبة الراي العام العالمي كما سلطت صورة الفتاة الصغيرة التي احترقت بـ"النابالم" عام 1972 على الحرب الامريكية في فيتنام.

فقد خرج والد الطفل" ايلان " مع اسرته المكونه من والدة وامة وشقيقة من بلدتة "كوباني" في سوريا والتي شهدت معارك عنيفة بين الاكراد وتنظيم داعش، مستعينا بسماسرة الهجرة وتجار الموت  لتفقد الاسرة الاخ الاصغر "غالب " والام "ريحان" ،والابن "ايلان". وذلك بعد هروب صاحب المركب وتركهم فريسة للبحرم ،ولخص مشهد الطفل "إيلان" ما يجري للشعب السوري . والذي اجبرته الحرب على فرار 4 ملايين للخارج، ونزوح ما يزيد على 7.6 مليون داخل سوريا.

وكان لصورة "ايلان " ابلغ التأثير في الراي العام العالمي وفي الضغط على قادة الاتحاد الاوربي للبحث بطرق جدية في التعامل مع قضية اللاجئين السوريين وتغير موقف بريطانيا وغيرها من الدول ،والتي ابرزت قضية اللاجئين كقضية انسانية ، والتي تسلتزم التدخل الدولي في مسارين الاول يتعلق بالعمل على اتخاذ خطى حثيثة لوقف الحرب والصراع والاخر يتعلق بالعمل على الحد من اضرار الصراع على المجتمع المحلي بوضع حلول لقضية اللاجئين والازمة الانسانية التي يعانون منها.والتي تاتي في اطار التهديدات غير التقليدية للمجتمع الدولي مثل الارهاب والاحتباس الحراري والتي تستلزم اقرار المسئولية المشتركة لكافة الفاعلين في المجتمع الدولي لمواجهة مخاطر قضايا الامن الانساني  .

وستبقي صورة "ايلان" رمزا لمرحلة عصيبة من تاريخ الشرق الاوسط ورمزا لتخاذل المجتمع الدولي عن القيام بمهامة وبخاصة المنظمات الانسانية ومجلس الامن الدولي ، وستظل صورة "ايلان "مختبرا لمدى انسانية المجتمع الدولي حتى يتخذ الخطوات اللازمة والكافية . وستظل صورة "ايلان "رمزا انسانيا يتدواله الاجيال القادمة ولتكتشف عن مدى التدهور الاخلاقي الذي ابلتيت به البشرية في عصرها الراهن سواء من دول مارقة او من جماعات لا تنشر الا الدمار والخراب.

* خبير  بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • التهديدات السيبرانية المتزايدة تثير شواغل ملحة حول الاستقرار المالي
  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ