المقالات -
الابعاد الامنية لحادث الطائرة الروسية وتحديات التوظيف الخارجي

: 3127
الاربعاء,11 نوفمبر 2015 - 12:32 م
د.عادل عبد الصادق*

فور وقوع حادثة الطائرة الروسية عرضت اسرائيل ثم بريطانيا والولايات المتحدة عن استعدادها للتعاون ، وكان الموقف المصري قد ارتكز على مشاركة اطراف الازمة فقط وهم الجانب المصري والروسي الايرلندي والفرنسي . وتحمل عملية التوسع في التعاون الامني غير المحسوب مخاطر على سير التحقيقات ذاتها وعلى الامن القومي المصري . وبخاصة مع محاولة كل من اسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا لنقل الحادث من كونه عملا جنائيا الى منصة لتوظيفة سياسيا وامنيا لخدمة مصالحهم على حساب السيادة المصرية.

على الرغم من أهمية التعاون الأمني في مكافحة الجريمة والإرهاب ،الا ان اهميتة تتوقف على طبيعة الأطراف الدولية وعلى طبيعة وحدود التعاون والياته ودرجة توظيف امكانيات كل طرف في تحقيق هدف الوصول الى الحل او النتيجة السليمة للتحقيقات ،وان يتوقف ذلك التعاون عند تحليل الحادثة وفقط ، بالاضافة الى اتاحة كافة القدرات الفنية والتقنية وجمع المعلومات سواء عبر الجهود الذاتية او بالتعاون مع شركاء في مجال التقصي والفحص.

وفي مرحلة التحقيقات تحتاج الى السرية في الاعلان عن طبيعة سير مرحلة البحث والى عدم تسيس اللجنة وبعدم تعرضها للضغط الاعلامي الذي يؤثر بالسلب على حيادية جمع المعلومات والاستنتاجات،وفي حادثة الطيارة الروسية لم تقدم كل من اسرائيل او الولايات المتحدة او بريطانيا ايه معلومات  الى لجنة التحقيقات المشكلة لهذا الغرض وهي الوحيدة القادرة رسيما على الاعلان عن النتائج ،وقدمت اسرائيل معلومات الى الصحف البريطانية والتي قالت بريطانيا بأنها تفيد بأن هناك عملية  رصد لمكالمة لاعضاء من تنظيم داعش حول الطائرة المكنوبة وبناء على تعاون مع الاستخبارات الامريكية،ثم تراجعت بريطانيا واقرت ان مصدر المعلومات هو الموساد الاسرائيلي .

وواكب ذلك حملة اعلامية غربية ضد مصر بالتزامن مع اصرار من تلك الاطراف على استباق سير التحقيقات حول حادث الطائرة ايا كان من يوقف ورائها او ماهية اسباب سقوطها ، وتم تعلية فرضية العمل الارهابي -وهو امر قابل للحدوث - وتم الترويج لذلك اعلاميا على النحو الذي فرض ضغوط على الرئيس بوتين لاتخاذ قرار بوقف جميع الرحلات الى مدينة شرم الشيخ ، وكذلك فعلت بريطانيا بالعمل على اجلاء جميع السائحين من شرم الشيخ وهي ردود افعال غير مسبوقة ،وبدا الحديث عن امن المطارات المصرية والبحث عن دور لتلك الدول في المشاركة في تأمين المطارات بحجة حماية رعايا تلك الدول وبضمان سلامة الركاب وحركة الطيران .

وسارع الموقف المصري الى عقد مؤتمر صحفي حول الحادث واعلنت لجنة التحقيق عن استعداها لاستلام اية معلومات تفيد سير التحقيقات ، وذلك لادراك مدى الضرر الذي لحق بعمل اللجنة جراء التناول الاعلامي والتوظيف السياسي من جانب بريطانيا واسرائيل والولايات المتحدة.ووعلى الرغم من قيام بريطانيا بنقل معلومات حول الطائرة للجانب الروسي وهي تتعلق برصد "الاتصال " اعلنت بريطانيا عن عدم استعداها لتشارك جميع المعلومات التي تمتلكها حول الحادث، وهو ما يضفي المزيد من الغموض حول طبيعة الدور البريطاني ويضع علامات استفهام حول نزاهة الاطراف الدولية في تناولها وتعاطيها لحادث الطائرة الروسية .وتحاول تلك الدول الامتناع عن المساهمة بشكل ايجابي عبر القنوات الرسمية وهي اللجنة المكلفة بالتحقيقات،و في فرض ضغوط للتدخل في امن المطارات  المصرية في تعدي سافر للسيادة المصرية في تجاوز لالتزام مصر باجراءات الامن الدولية .

ووصل الامر الى تجاوز تلك الاطراف بالحديث عن الامن في سيناء ومدى نجاح الجيش المصري في مواجهة تمدد تنظيم داعش بها ، وهو ما يتعارض مع كون مسئولية  حفظ الامن الداخلي هو شأن من شئون السيادة المصرية ،ولم يتم استخدام ذلك الاسلوب في كل من بريطانيا والولايات المتحدة بذلك على الرغم من وقوع احداث ارهابية كبري على اراضيها ،

ومن جهة اخري تحاول اسرائيل ان تصور الامر على انه تعبيرا عن  انعدام الامن ليس في المطارات المصرية وحسب بل في سيناء وان تنظيم داعش مازال يمثل خطرا وفي محاولة لاعطاء مبرر للتدخل في حفظ الامن في سيناء واتخاذه كمظلة لتدويل سيناء وهو ما يفتح الطريق الى امور تسهل من تنفيذ المخططات الدولية من جانب اسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها فيما يتعلق بمستقبل سيناء والقضية الفلسطينية .

  ولعل عملية المطالبة في المشاركة في التحقيقات من جانب اسرائيل  تؤدي الى كشف نوايا اسرائيل في اتخاذ الحادث كزريعه للتدخل في عمل الاجهزة الامنية المصرية واختراقها عبر الاطلاع على المعلومات الأمنية وكيفية عمل الاجهزة الامنية في سيناء ، وهو ما يحمل خطورة اختراق امني من جانب تلك الدول للامن القومي المصري تحت غطاء انساني وهو المساعدة في التحقيقات ومكافحة الارهاب الدولي.

ولعل ادراك مصر لتلك النوايا دفعها لرفض الطلب الاسرائيلي رسميا ، وبخاصة ان عملية الطائرة الروسية تحمل دلالات تخص طبيعة العلاقات المصرية الروسية ومستقبلها ، وكذلك تخص التدخل الروسي في سوريا ومحاولة توظيف الطائرة  للضغط على الادارة الروسية لتغيير سياستها الخارجية تجاه سوريا والشرق الاوسط .أوعبر  توظيف الحادث في تأليب الرأي العام في روسيا ضد سياسات بوتين  الخارجية ،

ومن جهة اخري تحاول اطراف دولية خنق النظام المصري اقتصاديا بعد فشل الدول الغربية في فرض حصار سياسي بعد 30 يونيو ونجاح مصر في ان تكون عضوا غير دائما في مجلس الامن كدلالة للانخراط المصري في الشأن الدولي .

ان عملية الطائرة على الرغم من اعلان تنظيم داعش المسئولية عنها هو استباق لسير التحقيقات وحتى انه لو تم يثبت على نحو لا شك فية البعد الاستخباراتي العالي لتنظيم داعش باتعاون مع جهات ودول بشكل سري في المد بالمعلومات والاسلحة .

ولعل رصد الموساد الاسرائيلي للمحادثة الالكترونية بين منتمي تنظيم داعش واطلاع بريطانيا والولايات المتحدة عليها يشكل تواطئا سواء كانت عملية الرصد قبل الحادثة او بعدها لانه من المفترض ان يكون هناك رد فعل قوي ضد التنظيم ان كانوا صادقي النية في معاداة تنظيم داعش ،والذين ايضا يعارضون التدخل الروسي في محاربة التنظيم.
وان كان ذلك  كذلك لماذا لم يتم توظيف تلك القدرات الهائلة في مجال الاقمار الصناعية الخاصة بالتجسس من جانب اسرائيل والولايات المتحدة في تحقيق تقدم ملموس ضد تنظيم داعش بعد عام من القتال ضدة تحت شاره التحالف الدولي.

ولماذا لم يدل تنظيم داعش بتفاصيل اكبر حدث ارهابي قام به هل ينتظر من يغذيه ان يمده بالتفاصيل حول الحادث وهل قام فعلا بالهجوم ام تم اهدائة العملية من جانب قوى اخري او تم تغطية الطرف عن اجهاض تلك العملية .ولماذا تعارض الولايات المتحدة العمل العسكري ضد داعش من جانب روسيا وهل تحاول امريكا الحفاظ على ورقة داعش لتنفيذ كامل المخطط الانجلوساكسن للمنطقة ، وهو ما يكشف لمن يلعب تنظيم داعش ولحساب من؟.

    ومن المثير للدهشة شعار هيلاري كلينتون الانتخابي وهو "القتال من اجل الولايات المتحدة " ويمكن كذلك ترجمته الى "القتال من اجلنا؟ " fighting for US " , او يمكن قرأته" fighting for us " ، وهو تعبير حقيقي عن من يقاتل من اجل الولايات المتحدة ولعل اذا نظرنا الى وجود تنظيمات ارهابية تمتلك قدرات غير عادية فانها خير من يقاتل من اجل تفتيت المنطقة لخدمة مصالح الولايات المتحدة واسرائيل ، ولعلنا نرجع الى شعار الرئيس الحالي باراك اوباما خلال حملته الانتخابية Yes we Can "نعم نستطيع" ، وهو ما عبر عن الهدف الامريكي من خلال نشر الفوضى الخلاقة والانتقال بها من فكرة نظرية الى واقع تطبيقي في عالمنا العربي.
ويبقى القول ان حادث الطائرة الروسية يكشف ان مرحلة اللعب على المكشوف قد اقتربت بين قوى الفوضى وبين انصار الامن والاستقرار.


* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسيةوالاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ