المقالات -
خطاب بوتين حول عملية اسقاط الطائرة وفرص ومخاطر على السيادة المصرية

: 3022
الثلاثاء,17 نوفمبر 2015 - 01:23 م
د.عادل عبد الصادق *

جاء اعلان الرئيس بوتين عن ان حادث سقوط الطائرة الروسية عملا ارهابيا تم بواسطة زرع قنبلة اكثر حدة ومفاجئا للشريك المصري ،وحمل خطاب الرئيس بوتين تهديدات ربما تم القصد منها الخارج وربما ايضا قصد منها الاستهلاك المحلي في محاولة لمواجهة الغضب الشعبي حول كارثة الطائرة الروسية والدفاع عن هيبة الاجهزة الامنية الاستخباراتية و القدرات العسكرية الروسية في مواجهة الغرب وداعش

خطاب بوتين حول عملية اسقاط الطائرة وفرص ومخاطر  على السيادة  المصرية
اضغط للتكبير

  الا ان ما جعل هذا الخطاب مثير للانتباه ليس فقط بتعلقة بالحديث عن حادث افجع العالم وفي انتظار نتيجة التحقيقات حول من يقف ورائه بل كذلك بما كشف ذلك الخطاب عن نوايا روسية لاعادة محاكاة  الدور الامريكي بعد احداث 11 سبتمبر 2001 .واعادة اختراع الضربات الوقائية وبحجة حق الدفاع الشرعي عن النفس. وحمل مخاوف من امكانية ان تكون مصر وبالاخص سيناء في مرمي الهدف الروسي والذي ان استمر ربما يتحول الى غطاء دولي لانتهاك السيادة المصرية بحجة مكافحة الارهاب ،او ان تتخذ مصر من ذلك فرصة لتعزيز سيادتها  و توظيف ذلك الحراك الدولي غير المسبوق في مواجهة الارهاب في تعزيز الامن القومي وفي قطع خطوط الامداد بين تنظيم داعش سيناء و قيادات التنظيم في سوريا والعراق ،وفي القضاء على اية بؤر ارهابية في سيناء وتعزيز القدرات العسكرية للجيش المصري  .وعلى اية حالة يحمل خطاب بوتين عدة دلالات لعل اهمها :  

اولا :على الرغم من اهمية التعاون الامني في مكافحة الجريمة والإرهاب ،الا انه تجدر الاشارة على ان اهميتة تتوقف على طبيعة الأطراف الدولية وعلى طبيعة وحدود التعاون والياته ودرجة توظيف امكانيات كل طرف في تحقيق هدف الوصول الى الحل او النتيجة السليمة للتحقيقات ،وان يتوقف ذلك التعاون عند تحليل الحادثة وفقط ، بالاضافة الى اتاحة كافة القدرات الفنية والتقنية وجمع المعلومات سواء عبر الجهود الذاتية او بالتعاون مع شركاء في مجال التقصي والفحص.

ثانيا :تحتاج  مرحلة التحقيقات  الى السرية في الاعلان عن طبيعة سير مرحلة البحث والى عدم تسيس اللجنة وبعدم تعرضها للضغط الاعلامي الذي يؤثر بالسلب على حيادية جمع المعلومات والاستنتاجات،وذلك باعتبار ان الحادث بطبيعة عملا جنائيا يتطلب توافر ظروف خاصة تحول دون استخدامة لتحقيق اهداف سياسية من اطراف خارجية.

ثالثا :لم تقدم كل من اسرائيل او الولايات المتحدة او بريطانيا ايه معلومات  الى لجنة التحقيقات المشكلة لهذا الغرض وهي الوحيدة القادرة رسميا على الاعلان عن النتائج وبخاصة ان الموساد اعلن انه رصد مكالمة لاعضاء من تنظيم داعش حول الطائرة المنكوبه ولم يتم استخدام تلك القدرات في مجال التجسس في تحقيق تقدم ملموس ضد داعش.

رابعا : خطاب بوتين يكشف انه لا معلومات كافية لدى روسيا  في حادثة الطائرة الروسية وهو ما يبررة  اعلان مكافاة تصل الى 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن مرتكيي  الحادث ويبرهن من جهة اخري  ان اللجنة لم تتوصل الى خيوط واضحة حول الجناة وربما يشير ذلك ايضا الى  حرفية شديده استخدمها المتهمين في الجريمة .

خامسا: التناقض في خطاب بوتين حول كيفية تنفيذ آليات المواجهة فانه مرة يتحدث عن طلب التعاون بين وزارة الخارجية الروسية  والشركاء الدوليين وهو ما يدل عن انه التعاون سيتم عبر القنوات الرسمية .ولكن يرجع ويتحدث عن اطلاق يد روسيا في تعقب المشتبة بهم في اي مكان وبدون اي حدود زمنية .

سادسا : ان  خطاب بوتين حمل مخاطر التدخل غير الرسمي في سيناء سواء عبر اجهزة الاستخبارات الروسية او عبر دعم مقاتلين لاختراق تنظيم داعش  حين قال بوتين  ""أطلب من كل الأجهزة الخاصة بأن تركز في بحثها على هؤلاء المسؤولين عن هذا العمل الإرهابي في سيناء".ويحمل ذلك خطورة تدويل الامن في سيناء وفقدان السيطرة المصرية عليها بما يجعلها عرضة لتنفيذ المخططات الاسرائيلية والاميركية .وبخاصة فيما يتعلق بالقضية الفسلطينية .

سابعا : ان الرئيس بوتين يحاول ان يعطي شرعية للتدخل تحت مظلة حق الدفاع الشرعي عن النفس وهي الواردة في المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة ولكن الميثاق ذاته قد حدد شروط استخدام هذا الحق والزم الدولة ان تقوم باخطار مجلس الامن قبل اي عملية هجومية . تحظر المادة 2 (4) من الميثاق التهديد باستعمال القوة أو استعمالها وتدعو جميع الدول الأعضاء إلى احترام سلامة أراضي الدول الأخرى واستقلالها السياسي. ويمكن بدلا من ذلك تفعيل الاتفاقيات  الدولية لمكافحة الارهاب والجريمة المنظمة.

ثامنا : يحاول الرئيس بوتن ان يتشابه مع الرئيس بوش بعد احداث 11 سبتمبر 2001 عبر قيامة بما قالت عنه الولايات المتحدة في حينها ضربات وقائية خارج نطاق مجلس الامن الدولي ، وهذا الاغتصاب الامريكي لحق استخدام القوة اتاح لها ممارسة  التدمير والتخريب في افغانستان والعراق واليمن.

تاسعا :  امكانية اقامة تحالف لمكافحة الارهاب بين روسيا بعيدا عن الحلفاء التقليدين عبر انشاء تحالف يضم روسيا مع الغرب والولايات المتحدة ضد ما يطلق علية "الارهاب الاسلامي " على حساب الدول الاسلامية والعربية وهو ما يعبر عنه قول بوتين هناك الحاجة إلى "الاعتماد على الأشخاص الذي يتشاركون معنا قيمنا الأخلاقية، الكامنة وراء سياستنا في هذه القضية – السياسة الخارجية والسياسة الأمنية وسياسة مكافحة الإرهاب".ولكن ربما يتم اقتصار ذلك التعاون على الحفاء التقليدين لروسيا في مكافحة الارهاب بما يخدم على سياستها الخارجية والتي قد تتعارض مع الغرب والولايات المتحدة الا اذا تم تسوية كافة الخلافات الروسية مع الغرب والولايات المتحدة.

واخيرا : تجاهل بوتين نجاح القوات المسلحة المصرية في مواجهة تنظيم داعش في سيناء والحد من قدرته اولا على امتلاك ارض يعلن من خلالها الولاية،ثم نجاح الجيش المصري في تحجيم محاولات التنظيم في نقل عملياته من سيناء الى الوادي والدلتا. ناهيك عن عوامل الضعف الجيواستراتيجية التي لا تسمح بوجود بيئة محلية قابلة للتعبئة من قبل داعش مع ضعف الكثاقة السكانية في سيناء . وعدم وجود موارد او مصادر للقوة الاقتصادية يمكن ان يتم استخدامها في تمويل عمل التنظيم وهو ما يكشف عن اعتمادة على التهريب وتجارة السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية والدعم الخارجي من قبل دول وتتظيمات متطرفة   .  ولكن يبقى التساؤل ماذا يمكن لمصر ان تفعلة؟

اولا : يجب التاكيد على السيادة المصرية على كامل اراضيها وعلى حقها في حماية امنها القومي وذلك مع اتاحة التعاون في مواجهة الارهاب وفق الاجندة الامنية المصرية .

ثانيا : استمرار الحوار مع الشريك الروسي من اجل وضع اطر للتفاهم حول مكافحة الارهاب ليس في سيناء بل كذلك في مواجهة داعش في العراق وسوريا  باعتبار ذلك  الضمانة للقضاء على داعش سيناء .

ثالثا : ان تحاول مصر الدعوة الى مؤتمر عالمي حول الارهاب من اجل تشارك كافة المعنين الدوليين في مواجهة الظاهرة الدولية وبخاصة في ضوء احداث التفجيرات في بيروت وباريس  .

رابعا : محاولة تعزيز القدرات الامنية في مجال جمع المعلومات والتعاون الاستخبارتي مع روسيا وبخاصة في مجال الاقمار الصناعية العاملة في مجال التجسس وبخاصة في سيناء .

خامسا :    ان التعاون المصري في مجال امن المطارات يجب ان ياتي في اطار الالتزام بالشروط الدولية وليس لتدخل طرف دولي بعينة في الاشراف ومراقبة سير الاجراءات الامنية كما غيرها في الدول الاخري .
على اية حال ان مصر ليست في موقف الدفاع عن نفسها لتبرير جهودها في مكافحة الارهاب وبخاصة مع نجاح تنظيم داعش في اختراق قلب اوربا وتنفيذ عملية راح ضحيتها ما يزيد على 160 شخص ، وان مصر كانت من اوائل الدول التي طالبت بمكافحة الارهاب  ولها جهود مشهودة على الارض في سيناء .
ومن ثم فان مصر لا يجب ان تركز على الجانب السلبي في خطاب بوتين بل تركز على الجوانب الاخري التي تركز على اهمية التعاون الدولي الصادق والامين في مكافحة الارهاب والعمل على تشكيل تحالف عبر مجلس الامن يعمل من اجل ذلك .
وبخاصة ان انتقال عمليات داعش الى الخارج جعل الاوربيين والولايات المتحدة يشعران بان المعركة ليست بعيدة على ارض اخري وبين اطراف بعيدة بل ان المعركة نقلت الى الداخل الاوروبي وتهديدات باختراق القلب الامريكي ،وهو ما يعزز الضغوط على تلك الدول لاتخاذ اجراءات اكثر جدية في مواجهة تلك الظاهرة التي ساهم الغرب بتغذيتها بطريقة او باخرى .
ومن شأن ذلك ان يجعل التحرك الروسي ومعه الفرنسي ضد التنظيمات الارهابية في سوريا والذين معباتين بمأساة شعبية لن ينساها كلا الشعبين وسيظلا ممارسيين للضغط على حكوماتهم من اجل تعزيز الامن والاستقرار  والقصاص من الجناة ،وهو ما يؤدي ذلك  الى تعزيز السيادة المصرية بصورة غير مباشرة وعم العمليات العسكرية للجيش المصري تحت غطاء دولي وشرعي للقضاء على تنظيم داعش والتنظيمات الاخري المرتبطة به ،وتبقي  فرص تاثير ذلك سلبا على السيادة المصرية  معدومة لان اي جهد امني لن ينجح الا اذا مر عبر التعاون مع  السلطات الامنية المصرية،وعبر خطاب بوتين بطريقة اكثر وضوحا عن  الاصرار في الاستمرار في محاربة داعش واثبات المكانة الداخلية والخارجية لنظام الرئيس بوتين وفي مواجهة تحديات نقل داعش لمعاركة داخل روسيا وتمدد حلف الناتو ونشر الدرع الصاروخي واختراق الولايات المتحدة لمجالها الحيوي في اسيا الوسطى .

 
* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسيةوالاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • التهديدات السيبرانية المتزايدة تثير شواغل ملحة حول الاستقرار المالي
  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ