وعلى قدر ما ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في التعبئة لدى قطاع من الراي العام خلف قضايا قد لا تعبر عن اولوية لدى مجمل الجمهور المصري الا انها تعكس نمط معين من الاستجابات والتي تعكس ثقافة المستخدم للتطبيقات الالكترونية ،والتي قد تعبر عن خلل في المواطنة وفي الوعي مثل حالة مراقبة ومتابعه الفيديوهات التي خرجت للرد على تجاوزات "تيمور السبكي ضد نساء مصر " والتي تكشف السرعه في شحن وتعبئة بعض المتعصبين واستخدام خطابا اكثر تطرف وعنصرية وانتقام بما ينذر بان تلك القوة الكامنة يمكن امتصاصها في امور ثانوية او طائفية او عائلية او جهوية ، وهو ما يكشف طبيعة الثقافة لدى المواطن من جهة ومدى ثقته في اجهزة الدولة والجهات القضائية المخولة وحدها بالحكم والتنفيذ من جهة اخرى ،والى جانب ثالث تكشف عن تحول تلك القضايا الى متنفس يحاول المواطن ان يعبر عن احتجاجه او موقفة او بؤسة من خلال تنفيذ طاقة الاحتجاج تلك والتي سرعان ما تختفي ولا يتم بناء عليها ايه موقف ايجابي .
ومن ثم فان فديوهات تجاوزات الشرطة ضد المواطنين تلعب دور في الرقابة الشعبية على اداء الشرطة من جهة وتكشف وعي المواطن وطموحة باداء امني يتناسب مع ثقافته وقيمة ولا يتجاوز حقوقة وحرياته من جهة اخرى .
وذلك على الرغم من ان تلك الادوات الجديدة يمكن ان تساهم في جعل المواطن شريكا في المنظومة الامنية من خلال تحول المستخدمين للموبيل او الشبكات الاجتماعية الى محققين وضابطين للجريمة وممارسين لدور الضابط الاجتماعي ، وذلك في واقع يشهد تصاعد المخاطر الامنية ،وهو ما يساهم في مساعدة الشرطة في تقديم تفاصيل عن الجريمة ومكان وقوعها واطرافها وطبيعة القضية . من خلال التصوير والتوثيق والتعليق والنشر بصورة اسرع انتشارا من وجهة نظر غير رسمية بما يشكل ضغطا على موقف الجهات الرسمية ،وبخاصة بعد ان يتم تغطية الحادثة عبر وسائل الاعلام التقليدية ، وتحولها الى مواضيع اساسية على القنوات الفضائية .
وهو ما يساعد على ان يقوم الافراد بدور ايجابي في مكافحة الجريمة والارهاب داخل المجتمع ، ومن اجل تعزيز ذلك الدور يتطلب ان يكون لدي المواطنين الوعي الكافي باستخدام الموبيل في توثيق الجربمة وذلك على الرغم من عدم الاعتراف بذلك قانونا كدليلا جنائيا الا بأذن من السلطات القضائية الا انه يدخل في اطار القرائن والدلائل المحركة للقضية ،وعلى الرغم من اهمية دور المواطنين او المستخدمين للشبكات الاجتماعية في مكافحة الجريمة الا انه توجد عده محاذير تواجه تفعيل ذلك الدور ، ولعل من اهمها ان عملية اطلاق الفيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي يمكن ان يساعد مرتكبي الجريمة في التخفي او الهرب او تمويه الجريمة على النحو الذي يضر من سير التحقيقات ، ومن ناحية اخري ان عملية اطلاق الفيديوهات يمكن ان تلعب بها البعد الشخصي او تعمد الواقعه او محاولة تصفية حسابات شخصية او نشر معلومات مضلله ، ويمكن ان يكون ذلك مدخل لانتهاك الخصوصية وتصفية حسابات شخصية وتشويه السمعه لبعض الاشخاص واستباقا لسير التحقيقات ، وتؤثر على استقلال القضاء وبخاصة ان تناول الاعلام للقضية يعمل على الاضرار بالادلة وبالشهود . وقد تثبت التحقيقات براءة من يتم اتهامهم او ظهورهم في الفيديو وهو ما يصعب بعد ذلك ازالة على الاقل الاضرار النفسية للمتهمين .ولا ينفي ذلك اهمية دور شبكات التواصل الاجتماعي في ممارسة دور الرقابة على اداء المؤسسات الامنية والقيام بتعزيز شرطة ذات طابع مجتمعي تستخدم ادوات غير تقليدية لمكافحة الجريمة والعنف داخل المجتمع ، وتعمل كذلك على النظر الى المواطن على انه شريك في صناعه السياسات الامنية.
والمشاركة في مجال التوعية بمخاطر الجريمة والوعي القانوني والثقافة القانونية التي تحمي المواطن من تجاوزات الشرطة ، ومكافحة العنف داخل المجتمع.وكشف الفساد او الاهمال ودعم الحقوق والحريات وممارسة الدور الرقابي على السلطة التنفيذية فيما يتعلق بالسياسات العامة .
ان التحول في نظريات الامن القومي اصبحت تركز على دور الفرد اولا في الدفاع عن امنه الشخصي ثم قيامة بالمشاركة كذلك في دور الضابط الاجتماعي .وبخاصة مع امتلاك الفرد لادوات جديدة جعلت منه مصدر تهديد للامن الجمعي وفي نفس الوقت جعلت منه الفرصة لان يلعب دورا في امن المجتمع ،
ان فيدوهات الكشف عن تجاوزات الشرطة على الرغم من التسليم بفردية الحدث الا انها يمكن ان تساعد في المعالجة لعناصر الخلل الامني والتقدم في الاصلاح الامني الذي يبني علاقة متوازنة بين المواطن ورجل الأمن على ارضية الاعتراف المتبادل بدور كل منهما،والى جانب تحسين عملية تنفيذ السياسات الأمنية وحسن اختيار العناصر الامنية والشرطية والعمل على رفع قدراتها في مجال حقوق الإنسان وبحجم التغير في ادراك ووعي المجتمع والراي العام كل ذلك من شأنه تدعيم الثقة بين المجتمع والدولة والتي تمثل حصن الامان ضد اية تاثيرات خارجية ، والإقرار بان رجل الامن هو خادم للدولة كما يخدم باقي المواطنين برطق مختلفة ولا تعبر طبيعة وظيفة الامن عن منحة تميزية على باقي افراد الشعب بل هو اختلاف ينبع من طبيعة الدور الذي يقوم به فقط والذي يخدم في النهاية سياسة الدولة المعبره عن مصالح الشعب .فرجل الامن هو شريك للمواطن وليس سيدا علية في اطار القانون والدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات.
وتكشف ظاهرة نقل وتصوير مشاهد تجاوزات بعض من افراد الشرطة عن تحول في ادراك المواطن نحو تلك الاجهزة الامنية كونها وضعت لحمايته ويشارك في عبئها المالي عبر الضرائب ،ومن جهة اخرى تحول المواطن الى عين مراقبة على الاداء بغية تحسين الخدمة الامنية ، وان المواطن اصبحت لدية القدرة على ممارسة الرقابة كما تمارسها الشرطة !! ولكن يكمن الفرق في القدرة بينهما على التعبئة الجماعية ضد تجاوزات الطرف الاخر ، وهو ما يفرض اهمية احترام المواطنة وحقوق الانسان والحريات وان تنفذ مؤسسات الدولة ارادة الشعب والذي اصبح لدية قوة من نوع خاص من اهم اسلحتها على الاطلاق هو "الموبيل" ، في عصر المعرفة وانتشار القوة داخل المحيط المحلي والعالمي .
*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني
|