المقالات -
ثمار ملتبسة مصريّاً لعنكبوت الـ «ويب» تشمل حرباً منزوعة التكافؤ

: 762
الاحد,26 يونيو 2016 - 06:02 ص
امينة خيري

بين «دولة الإنترنت» و «إنترنت الدولة» هوّة سحيقة وفجوة عميقة، وقواعد حرب غير متكافئة لا تعرف للعدالة طريقاً ولا تعترف بأخلاقيات الخلاف سبيلاً.

ثمار ملتبسة مصريّاً لعنكبوت الـ «ويب» تشمل حرباً منزوعة التكافؤ
اضغط للتكبير

بين «دولة الإنترنت» و «إنترنت الدولة» هوّة سحيقة وفجوة عميقة، وقواعد حرب غير متكافئة لا تعرف للعدالة طريقاً ولا تعترف بأخلاقيات الخلاف سبيلاً. هي حرب ضارية. وأصعب ما في قواعدها ألا قواعد لها، وأقسى ما في توقعاتها ألا توقعات لها، وأخطر ما تحمله في طيّاتها أنّ نتائجها سريعة وثاقبة بمعنى أن اليد العليا للعصابات، والقدرة القصوى للّجان، والغلبة للمجموعات الخارجة عن القوانين والأعراف. تعتبر الدول الكبرى حروبها ضد عصابات الإنترنت حقاً أصيلاً لها، لكنها تنظر إلى حروب بقيّة الدول ضد الأخطار العنكبوتيّة نفسها بوصفها خنقاً للتعبير وكبتاً للحريات وانتهاكاً للديموقراطية الافتراضية التي تقدمها شبكة الإنترنت.

وتخوض مصر مواجهة شرسة بين دولة الإنترنت المترامية الأطراف والمنزوعة القوانين والأطر التنظيميّة الحقيقيّة. وتقدر الـ «ويب» على التلوّن والتغيّر. إذ تلبس رداء حرية التعبير تارة، وتتجلبب بأردية الدين والتديّن تارة أخرى. ولا تنأى بنفسها عن رفع لواء الحق في المعرفة من جهة، وفرض واقع «إنترنت الدولة»، وهي لا تحتاج عدسة مكبّرة لمعرفة أولها وآخرها، بل إنّها مرصودة محلياً ودوليّاً في كل كبيرة وصغيرة، من الجهة الثانية.

 

في البدء كان الجميع سعداء

دخلت مصر عصر الإنترنت بكل قوّتها منذ قرابة عقد ونيّف من السنوات. وحينها، ظن الجميع أن عصر الإنترنت لا يحمل سوى محاسن المعرفة، ومناقب الاطلاع، ومآثر الانفتاح على العالم الخارجي المملوء بما يجمع بين العلم والمعرفة من جهة والفنون والثقافات من جهة أخرى. وحينها أيضاً، لم يبد شيء في الإنترنت مزعجاً، خلا قليلاً من المحظورات لا سيما الجنس والإباحيّة.

مرت السنوات سراعاً. انقضى عقد من السنين. وكان ذلك كافياً كي تنضح الشبكة العنكبوتية بكميّات هائلة من الثمار أغلبها لم يكن متوقعاً من الأطراف جميعها. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد هبوب رياح «الربيع العربي» في العام 2011، وفي شكل أكبر وأكثر وضوحاً بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، بات بيّناً أن الإنترنت تحولت سلاحاً في أيدي الجميع، وأداة للدفاع تارة والهجوم تارة، وخلق واقع افتراضي لأهداف سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة في حالات عدّة.

دخلت مصر في عصر العلاقة النوعيّة مع الإنترنت منذ 3 سنوات. إذ أصبح القاصي والداني على دراية شبه كاملة بما يجرى على أثير الشبكة العنكبوتيّة. ومن لم تأته الدراية عبر اطلاع شخصي، جاءته بواسطة فقرات تلفزيونيّة باتت ثابتة تنقل جوانب بما يموج به أثير شبكة العنكبوت الإلكتروني. وإن لم يكن ذاك أو ذلك، تجيء الدراية عبر ما يتناقله الأهل والأصدقاء.

في ذلك السياق، رُصِدَتْ سيول إلكترونيّة يتناقلها ناس مصر عبر الانترنت. وتشمل فيوضها تغريدة لشخصية كانت ثوريّة ثم اتضح أنها «إخوانيّة» هربت من البلاد، وتدوينة لشخصيّة إعلاميّة كانت ضمن الفلول ثم ركبت موجات ثورة يناير، ثم «ثورة يونيو»، ووصلت إلى أن تعتبر نفسها من أعمدة النظام أخيراً. وكذلك ينطبق الوصف عينه على كتابات فرديّة وتحليلات شعبيّة عن حوادث سياسيّة، وكتابات إرهابيّة وتحليلات اقتصاديّة لا تحمل من المعلومات الاقتصاديّة إلا عنواناً ورد في جريدة، لكنها مضمّخة بتحليلات ما أنزل الله بها من سلطان بهدف أن تبقى متمتعة بجاذبيّة شعبويّة، وعناصر إثارة تنافس ما تشاهده الأعين في أفلام الممثل محمد رمضان.

وفي رمضان هذا العام، تجلّت الصورة الكبيرة لما آلت إليه «دولة الإنترنت» في مصر من فوضى غير خلّاقة، واستخدامات غير بنّاءة، واستغلال مسيّس لمخاوف المواطنين الأمنيّة والدينيّة والاقتصاديّة. ويندرج في ذلك أيضاً، أنّها تعمل على الحشد والتأليب تارة، والكذب والتضليل تارة، والتلاعب ضمن الفضاء المفتوح للإنترنت، بمصائر البلاد والعباد. ومن المستطاع تلخيص ذلك بالإشارة إلى وجود حرب عنكبوتيّة غير متكافئة، تقف فيها «إنترنت الدولة» (بل كل دولة) من دون حول ولا قوة، أمام «دولة الإنترنت» التي تتجاوز الحدود والقيود والمعايير والقوانين.

 

تسريبات وأفخاخ

دخلت تسريبات امتحانات الثانوية العامة على شبكة الإنترنت، عامها الثالث في تحد واضح وصريح للدولة وأجهزتها. وركزت التسريبات الأضواء على قدرات خارقة للشبكة العنكبوتيّة تضعها في مصاف «بات مان» و «سوبرمان» وغيرهما. فكلما ضيقت الخناق هنا، وجدت مخرجاً هناك، وكلما أحكمت سيطرتك هنا، وجدت متنفساً رحباً هناك.

وعلى رغم وقوع الدولة غير مرة في فخ «إلقاء القبض على فلان بتهمة إدارة صفحة بدون ترخيص» أو «نشر مواد تدعو إلى التحريض» أو «ترويج كتابات تشجع على التدليس» وغيرها من التحرّكات الكلاسيكيّة الجديرة بالقرن العشرين وليس الـ21، إلا أن شعوراً عاماً لدى كثيرين يشير إلى أن الدولة واقعة بين شقي رحا، أحدهما عنكبوتي والآخر دولي.

وعندما تقرّر الولايات المتحدة شنّ حروب على أعدائها العنكبوتيين لشعورها أن نشاطاً هنا يعرضها لخطر ما، أو صفحات هناك تهدد أمنها واستقرارها، لا تحرك جماعات الحريات ومجموعات الحقوق ساكناً. ويبدو الأمر لديها كأن لا قمع يثير القلق، أو تضييق يدعو إلى الوجل، أو حتى حَجْر على الحريات يستدعي إبداء الحذر.

وتذكيراً، في العام 2009 أصدر وزير الدفاع الأميركي آنذاك روبرت غيتس قراراً بتشكيل قيادة خاصة في وزارة الدفاع لمقاومة الانتهاكات على شبكة الإنترنت، لافتاً إلى أنّها تعرض الأنظمة الدفاعيّة الأميركيّة للخطر. وكانت تلك المرة الأولى التي تستحدث فيها تلك القيادة في تاريخ أميركا، بل إنها وُضِعَتْ تحت لواء القيادة الاستراتيجيّة الأميركيّة. وبعدها توالت التحركات الأميركيّة للتضييق على صفحات هنا، أو مراقبة حسابات هناك، أو تعقّب أصحابها، أو حتى التدخّل المباشر لوقف نشاطات «داعشيّة» على الإنترنت. وفي تلك الحالات كلّها، لم يبرز أمين عام أممي ليبدي قلقاً، أو منظمة حقوقيّة تعرب عن أسفٍ، أو حتى مجموعات وأفراد تسخر وتنكت و «تبكّت» وتعتبر الحروب الأميركيّة ضد أخطار الشبكة الإلكترونيّة العنكبوتيّة مجرد خيالات، أو خوفها من الهجمات الافتراضيّة أضغاث أحلام، أو ترتيباتها لتطويق صفحات وحسابات رقميّة تعتنق الشبكة أداة للهجوم وسيلة لفرض السيطة أو أداة لتخويف شعبها. لماذا يتحوّل الأمر من النقيض إلى النقيض، عندما يتعلّق الأمر بقرار لحكومة مصريّة؟ لماذا تنهار الطمأنينة ويسود رعب مفتعل وتنسكب دموع التماسيح، عند صدور قرارات تشبه ما تنتهجه واشنطن، لمجرد كونها آتية من القاهرة؟


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ