الدوريات - قضايا استراتيجية
الشبكات الاجتماعية وتغيير القيم المحلية :مخاطر التحول الى اداة للانتقام الشخصي

: 16954
الاربعاء,6 يوليو 2016 - 09:02 ص
د.عادل عبد الصادق *

شهدت إحدى قرى مركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم تجريسة أو عملية فضح لمواطن بإلباسه قميص نوم حريمي والسير به في شوارع القرية وتصويره ووضع الفيديو والصور على مواقع التواصل الاجتماعي انتقاما من هذا الشخص بسبب خلافات مع زوجته وأرادت عائلتها تاديبه. وذلك بعد اتهام الزوج برفع صورة زوجته عارية على صفحته على "فيس بوك" ، وذلك بعد أن طلبت الزوجة الطلاق وجاءت طريقة انتقام عائلة الزوجة متأثرة بمشهد في مسلسل "الاسطورة" الذي عرض في شهر رمضان

الشبكات الاجتماعية وتغيير القيم المحلية :مخاطر التحول الى اداة للانتقام الشخصي
اضغط للتكبير

 
وهذه ليست الواقعه الأولى وبالتأكيد لن تكون الاخيره. التي يتم فيها استخدام التصوير والنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي او عبر اليويتوب كنمط من انماط الانتقام الشخصي نتيجة خلافات عائلية او شخصية او سياسية او اجتماعية ،وليتحول معه من الاحتجاج الشخصي الى تعبئة جماعية ومن قضية فردية الى قضية راي عام. وهو ما يكشف عن الدور الذي باتت تلعبة الشبكات الاجتماعية  في التأثير في القيم والسلوك داخل المجتمع  لما تتميز به من عناصر جذب ذاتيه ، ومنها ما يرجع الى طبيعة التحولات  التي يمر بها المجتمع ،هو ما يعكس العلاقة الجدلية بين الاعلام بشكل عام والقيم وايهما يؤثر في الاخر .
وهو ما يثير عدد من التساؤلات حول ماهية مساهمة الشبكات الاجتماعية في تغيبر القيم داخل المجتمع على نحو سلبي دون الايجابي ؟ واين يكمن الضعف هل في خصائص تلك الشبكات بان سهلت من تدفق القيم والرموز من الخارج الى الداخل ؟ ام ان الامر يتوقف على ثقافة المستخدم ومدى قدرته على توظيفها في خدمته وخدمة مجتمعه وما مدي مسئولية الفاعلين في المجال الثقافي والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والدينية ؟ ولماذا لم تؤثر حيادية الشبكات الاجتماعية والتي كونها تعكس فقط  نمط استخدامها من قبل المستخدمين؟ . وكيف يمكن أن يكون لتلك الشبكات الاجتماعية دور في التغير الاجتماعي دون احداث اضرار سلبيه ؟ وكيف يمكن وقف تحول الشبكات الاجتماعية الى وسيله للانتقام الشخصي ومنصة للتدمير الذاتي للمجتمع ؟
وما هو السبيل للحفاظ على القيم المحلية في ظل ثورة المعلومات والاتصالات ؟

      الاعلام والقيم علاقة متداخلة

  تعد العلاقة بين الاعلام والقيم علاقة متداخلة حيث يؤثر كل منهما في الاخر ،وعلى الرغم من ان الاعلام قد يكون عاكسا للقيم المحلية الاصيلة فانه في حالات اخري يكون هو الذي يملك الريادة في تغيير القيم ، وتبقى مسأله الحكم على القيم التي تتغير والاخري التي لا تتغير او تقع ضمن النسق العقيدي للجماعه متوقفا في الاخير على درجة تماسك النخبة ومستويات التعليم والثقافة داخل المجتمع ، وحالة راس المال الثقافي او الاعلامي وموقفة من قيم المجتمع .

وترجع اهمية الاعلام في العصر الجاري الى خروجة من سيطرة الدولة ومؤسساتها وهو ما يعمل على وجود تحدي في قدرة الدولة على ايجاد القيم الملائمة لخطط التنمية او التي تساعد القيادة السياسية في صياغة السياسات العامة .

وتراجع ذلك تحت اثر تصاعد دور القطاع الخاص في قطاع الاعلام ودخول رأس المال الاجنبي وظهور الثورة المعرفية والاتصالية والتي عملت على السرعة في انتقال الافكار والقيم والرموز بين المجتمعات وغيرها ، وقاد تلك الثورة الانترنت وتطبيقاته المختلفة بدأ من غرف الدردشة والمنتديات ثم المدونات ثم جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية .

 ومع انتشار موجه العولمة وحرية انتقال رؤوس الامول والافكار والبشر بين الدول برزت القيم  كعنصر هام في التجاذب بين الداخل والخارج ، وتوقف الامر على قدرة المؤسسات الاهلية المحلية في التعاطي الايجابي مع تلك الثورة المعرفية وقدرتها على تسويق قيمها وتطوير خطابها في ظل السيل الجارف من المعلومات والرموز من الخارج .

وبقيت مناعه المجتمعات من التاثير المتصاعد لذلك التيار متوقفا على ادراك القيادة السياسية والنخبة ومؤسسات المجتمع لمعطيات الثورة المعرفية الجديدة ، فاصبحت كلما امتلكت القدرة على التحديث والسرعة والاستجابة للتحديات كلما كان لها القدرة في حفظ الامن الثقافي والسيطرة على المحاور الرئيسية للتوافق المجتمعي على الاقل .

وعلى النقيض في حالة العجز وفقدان الصلة بين حجم التغييرات على الارض وملائمة السياسات المتبعه من الحكومات يحدث القطيعة الثقافية بين المواطن والمؤسسات ذاتها وتعزيز حالة الانعزال والغربة الثقافية وتدهور القيم المحلية وتراجعها في مقابل ادخال انماط جديدة لا تعمل على استقرار المجتمع بل على تفككه بنيويا وقيميا ، وعجز المجتمع عن التوصل الى بوصلة توجهه نحو الطريق الصحيح في ظل موجات العولمة الثقافية العاتية،والتي تعمل على الاستفادة الايجابية مع المعطيات الجديدة  والتخلي عن القيم  السلبية وتبني قيم جديدة ترتكز على الانفتاح والتسامح والابداع والعمل وغيرها .

ومن ثم فانه يبقي الاثر الاكبر لوسائل الاعلام في المجتمعات التقليدية كبيرا نتيجة للضعف في الثقافة العامة والضعف في تطوير هيكل المجتمع على نحو يدافع عن القيم الاصيلة .ومن ثم يظهر التقليد في المأكل والملبس  والمشرب والسلوكيات ، حيث تلعب الثقافة دور الاكل في المعدة والتي ان فرغت منه بدأ صاحبها يبحث عن ملئ معدتة باي شيئ للحفاظ على وجوده وفق ما يعتقد  .

ولا شك فان الظروف الاقتصادية الى جانب الظروف الاتصالية تؤثر كذلك على القيم حيث تشهد حالات الانتقال السياسي في المجتمع الى تغير القيم نتيجة بروز ضحايا لعمليات التحول الاقتصادي والاجتماعي ،والتي تظهر في تدهور حالة القيم داخل معينها وخزينها الاول الا وهو الريف والذي شكل دوما خط الدفاع الاول للحفاظ على القيم داخل المدن ،ولكن ما اعترى الريف من تشوهات اقتصادية وتدهور حالة الزراعه دفع  الى الهجرة سواء الى الخارج او الى المدن الحضرية ،وهو ما ساهم بشكل لا يستهان به في هذا التدهور.
وربما كان ابرز حال اذا ما تمعنا النظر في  دور الاغاني الشعبية في الكشف عن عناصر الخلل الجديد وكيف انها انتشرت من مدخل مظلوميتها التي تدافع عنها ، كحالة الشرائط الكاسيت ثم الانترنت وكيف شكلت عالما موازيا للثقافه الشعبية في مصر ، وعبرت في الوقت ذاته عن مشكلات المجتمع التحتي والذي لا يسمع صوته ولا تحل عقدته سواء من جانب الدولة او من جانب رجال الاعمال والاعلام .
Image result for ?الشبكات الاجتماعية?‎

ولا يستثني من ذلك المجتمع التقليدي -الريف - والذي تميز بوجود مناعه تاريخية ضد اختراق القيم المحلية الاصلية ،والذي اصبح  بعد تلك التطورات الراهنه معرضا لانتهاك قيمي وثقافي لم يسبق له مثيل في شراسته وادواته وفي الظروف المواتية التي تساعدة على لعب ها الدور ، وذلك  جراء هذا السيل الجارف من المعلومات التي تبث على مدار الثانية داخل المجتمع مع الاننتشار الكثيف لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات ،وذلك دون ان يكون هناك مواجهة مقابلة لا من حيث القدرة التكنولوجية او من حيث درجات التملك من ادوات التسويق القيمي .

وفيما يتعلق بفقدان مؤسسات وهيئات وادوار اجتماعية مهمتها نتيجة لبروز جيل جديد تمرد على تلك المؤسسات من منطق انها لم تعد هي مصدر الالهام المعرفي والقيمي بعد الانترنت ، ومن جهة اخرى تراجعت مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن القيام بدورها ، وهوما ادى الى واقع انفصالها عن طموحات وقضايا الجيل الجديد ، واصبحت الاسرة والمدرسة ودور العبادة  والشياخه او العمودية او راس العائلة  في مواجهة تحديات جديدة امام بسط نفوذها القيمي والولائي على الفرد .
ودفع هذا الوضع الى س
يطرة انماط التقليد  في محاولة لملئ الفراغ الثقافي والاجتماعي على النحو الذي اصبحت فية عملية التصوير للخصم قمة شهوة الانتقام والجاذبية والانتصار والتفاخر، وحتى في الكثير من الحوادث في السير او الحريق او الغرق اصبح ينشغل الناس في التصوير بهواتفهم بدلا من التغير على نحو اكثر ايجابية في كيفية المساعدة وحل الازمة ، وبدأت ثقافة الفرجة هي المعتادة بدلا من حمية "اولاد البلد "وتدخلهم لانهاء المشاجرات او الخلافات وهو ما يعكس بروز قيم الفردانية مقابل الروح الجماعية والانعزالية مواجهة الاجتماعية والتشاركية .

واثرت التكنولوجيا في قضية تسليع القيم وبخاصة ذات الطبيعة الدينية اي اعتبار القيم سلع يتم الترويج لها والانفاق على تبنيها من قبل اباطره من رجال الاعمال والاعلام ، حيث يتم الترويج للقيم الاستهلاكية للمزيد من تحقيق المكاسب لاصحاب رؤوس الاموال ودون النظر الى السلام الاجتماعي والسياسات الاحتوائية لمعدلات الفقر والبطالة في المجتمع.

وبرزت الى السطح قيم جديدة على المجتمع من اهم مفرادتها الكراهية والعنف المجتمعي واللفظي ولعل ما برز خلال مع عرف اعلاميا "بالربيع العربي " يقدم دليلا واضحا كيف كان يتعايش المجتمع في سلم ووئام في مختلف طوائف المجتمع وتعدده العرقي والمذهبي في العراق وسوريا وغيرها من البلدان المضطربه الان ،وذلك بغض النظر عن التحفظات حول سياسات الدولة القومية العربية بعد الخمسينات والستينيات .

واصبحنا نشهد الان نمط جديد من الصراع الاجتماعي والذي هو في حقيقته صراع قيمي ما بين ما يفرضة الواقع والمؤسسات التقليدية من قيم وما بين القيم الوافده من الخارج ،وسواء اكانت من خارج النسق العقيدي للفرد او من خارج الحدود الجغرافية للدولة، وما نشهده من تجاذبات عبر الشبكات الاجتماعية هو في الحقيقة كذلك انعكاس لحالة التردي الراهن في منظومة القيم ونتيجة لتراكمات عهود سابقة من سياسات تعليمية وثقافية ماضية ، والى جانب حالة القمع الثقافي للاختلافات  البينية والتهميش الاقتصادي والسياسي ، على اية حال يصعب فك الاشباك بين تلك المسببات وهو ما يدفعنا الى القول الى ان الاخطاء تعاظمت مع الفشل الداخلي في اعادة انتاج الدولة العربية على نحو يتلائم مع تصاعد الطموحات لدى المواطن تجاه الدولة  .

وياتي ذلك مع تراجع دور الدولة و الفاعليين الثقافين والمؤسسات الثقافية والاعلامية الرسمية في القيام بدورها على النحو الذي اصبحت القيم المحلية في مواجهة قيم اخري جديدة ، وعلى الرغم من كون العلاقة متداخلة بين الاعلام والقيم الا ان واقع الحال يشير الى التاثير السلبي للشبكات الاجتماعية على القيم وذلك بافتقادها عنصر المركزية في التوجيه وطغيان الفردية والعشوائية في نقل المعلومات والافكار والقيم والرموز الثقافية. 

واصبحت تستخدم المضامين الثقافية في شحن الكراهية والعنف على النحو الذي يضر في النهاية كل مكونات المجتمع ، اي ان اقدام اي طرف على استخدام الشبكات الاجتماعية على نحو سلبي يؤثر في نشر القيم السلبية من جهه ويؤثر على خلخلة السلام الاجتماعي من جهة اخري ويزيد من الاحتقان الاجتماعي والثقافي ويزيد من الهوة بين الفرقاء من جهة ثالثه .

 

حيادية التكنولوجيا وتحيزات الاستخدام

  غني عن القول ان ما نجدة في ايدنا من ادوات وتطبيقات تكنولوجية بطبيعتها محايدة اي انها لا يكون لها دور في تشكيل طبيعة ونمط الاستخدام من قبل الفرد او الجماعه ، ولكن ما يعمل على بلورة  هذا النمط او ذاك ثقافة المستخدم وبيئته التي يعيش بها ، ونمط العلاقات الصراعية او التعاونية التي يرتبط بها ، بل وربما يرتبط كذلك بحالته النفسية والاجتماعية والفيسيولوجية ، والتي ربما تلعب دور في التاثير على  الادارك ونمط التفكير ثم التاثير في السلوك سواء كان سلوكا خيريا او عدوانيا .وفي الفترة الاخيرة شهد المجتمع المصري والعربي حالة تصاعد في توظيف تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في الجريمة  والعنف ، واصبحت مسهلا ومنظما ومحرضا للعمل الاجرامي وذلك وسط بيئة ثقافية واجتماعية تعاني من خلل نفسي واجتماعي وثقافي انتج في النهاية ما نراه من انماط استخدام على شبكات التواصل الاجتماعي من اهدار للطاقات البشرية واهدار للوقت والعزوف عن العمل والعزلة الاجتماعية  وغيرها.

وياتي ذلك  في حقيقة ان الانتشار الكثيف والسريع لتطبيقات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كانت اسرع من نمو البيئة الثقافية الملائمة لاستيعاب ذلك التطور ، فالمجتمعات التي تشهد حالة من التدرج في نموها التكنولوجي يكون على مستوى الانتاج والاستهلاك بينما جاءت مجتمعاتنا مستهلكه وفقط ليس فقط للتكنولوجيا بل كذلك للسلع والخدمات .

وغذى هذا الطابع الاستهلاكي قيم الاسراف والاستغراق في استخدامات التكتولوجيا وينعكس ذلك في حجم انفاق المواطن على الاتصالات سواء اكانت مكالمات او اجهزة حديثة يجري دوما على اقتنائها ، وتحول هذا النمط لاستخدامات استهلاكية ومظاهرية وتفاخرية دون التركيز في الاهداف والجدوى،فاقتناء الهواتف الذكية للحصول على قدر كبير من امكانيات التقاط الصور وتسجيل الفيديوهات ،وذلك لتحوز على الاعجابات والمشاركات عبر التواصل الاجتماعي دون اية توظيف حقيقي لتلك التكنولوجيا في الانتاج والابتكار ، ويكون لذلك مفعولا في ظل تفكك النشاط الاجتماعي او الثقافي وغيرها من الفاعليات ذات الطبيعة الاجتماعية والتي في حالة كونها نشطة ستعمل على جذب المستخدمين من الواقع الافتراضي الى الواقع المعاش.
ومن شأن ذلك تنمية التواصل الاجتماعي بين الناس وتعزيز القدرة على التفاهم المشترك والتعارف الانساني والذي يشكل قاعدة هامة في تنمية المجتمع ، وواقع الحال يشير الى عدم وجود اسهام حقيقي للشباب في الثورة التكنولوجية وذلك على الرغم من كون اقتصاد المعرفة مفتوح للجميع دون ايه اشتراطات او محسوبيات اللهم الا امتلاك منصة الابداع والابتكار، وذلك مع وجود قاعدة شبابية عريضة من المجتمع  تزيد على 60% من هرمه السكاني وهم قوة بشرية لا يستهان بها اذا ما تم توظفيها كمعيار للقوة القومية .

      ومن شأن  طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي اذا ما جري استخدامها في مجتمع صحي ان تساهم في الحوار البناء والتعاضد الاجتماعي وتعزيز ثقافة التسامح الى جانب تنمية راس المال الاجتماعي والذي من شأنه ان يحول تلك العلاقات المتكونة عبر الشبكات الاجتماعية الى حالة ايجابية يتم توظيفها في المجال الاقتصادي وتنمية الابداع والابتكار.ولكن في الواقع حالت ثقافة مجتمعنا دون ان تتحول تلك الوسائل الى ذلك النحو  الايجابي اللهم الا استثناءات قليلة بل تحول الى اداة لبث الكراهية ونشر الشائعات وادارة الخلافات الشخصية .

     وتعكس خطورة التعاطي الاعلامي للخلافات الشخصية وبخاصة في حالة استخدام الانترنت  ان المحتوى يخرج عن السيطرة ويذهب في فضاء فسيح من المستخدمين وحتى لو تم حذف المحتوى من مكان او منصة ما فانه قد يظهر في منصة اخري وبخاصة مع امكانية الحذف والاسترجاع ، ولا تستطيع شركات مثل اليوتوب او الفيس بوك ان تحكم سيطرة كاملة على المحتوى في حالة قيامها بحذف المحتوى المسيئ من على منصاتها الرسمية ، ويتم نقل تاثير تلك المشاهد المسيئه والعابرة للاجيال لتمارس نفس التاثير السلبي وبخاصة على الاطفال والمراهقين.
وان كانت بعض المنصات الرسمية كالجرائد والصحف الورقية يبقي استخدامها لتلك القضايا محدودا الا ان منصاتها الرقمية تنعش تلك المشاهد وتعمل على زيادة استخدام المحتوى المسيئ لجذب المزيد من المتابعين او لزيادة الاعلانات الالكترونية ،وعلى الرغم من التقدم في مجال امكانيات حجب المحتوى او الابلاغ عن محتوى مسيئ الا ان عملية التقدير تخضع للموقع او الشبكة الى جانب صعوبة السيطرة على نشر المحتوى من ايه وسيط رقمي،وقد طورت جوجل تعاطيها مع المحتويات المسيئة في  بروز "الحق في النسيان "، وهو حق اي مستخدم للانترنت في حذف اي محتوى يسئ له نفسيا او اخلاقيا او تجاريا وذلك بعد جهود كبيرة لمحكمة العدل الاوربية  الا ان هذا الحق لا تطبقة جوجل في منطقة الشرق الاوسط .
واصبحت تستخدم الشبكات الاجتماعية في التاثير القيمي داخل المجتمع عبر بث حالة من الاغتراب الاجتماعي والتاثير السلبي على القيم الدينية او قيم اجتماعية كقيم الاسرة والزواج والعائلة والجيره ، واصبحت تستخدم  تلك المنصات في بث الكراهية والعنف ضد التنوع العرقي والمذهبي والديني داخل المجتمع على الرغم من وجود تلك المكونات قبل ظهور الانترنت والشبكات الاجتماعية .
وظهرت انماط جديده من الجريمة داخل المجتمع تعكس حالة التغير في القيم كجرائم العنف المنظم والعنف المجتمعي والتحرش  الجنسي واستغلال الاطفال والاعمال المنافية للاداب العامة ، وحتى بروز توجهات قيمية جديدة لدى فئة محدودة كالدعوة للالحاد او اعتناق مذاهب دينية مختلفة او جديدة او التحلل التام من قيود المجتمع وذلك في مقابل استقطاب اخر تقودة قوى التطرف والارهاب ونشر الكراهية والاقصائية  .
وعلى الرغم من ان تلك قد تكون حالات فردية الا ان طبيعة التواصل الاجتماعي تجعل منها قضية كبري نتيجة الى التغطية الواسعه لها داخل الشبكات الاجتماعية ووجود اليات الاعجاب والمشاركة بما يعمل على زيادة تاثيرها داخل مجتمع التواصل الاجتماعي ، وما يزيد كذلك من تاثيرها تحولها الى مادة خبرية للصحف والفضائيات بما يعمل على اتساع نطاق التاثير من الانترنت الى خارجه .



المواجهة الذكية في بيئة ثقافية

على الرغم  من حالة الاعتيادية التي اصبحت متصاعدة بين الجريمة والانترنت والشبكات الاجتماعية بشكل خاص فان الواقع يكشف عن عدد من الدلالات تنطلق من رصد حالة من التغير القيمي داخل المجتمع  ، والتي تظهر اما  عبر دور التطبيقات التكنولوجية في الكشف عن سلبيات المجتمع سواء ما يتعلق بدور الفاعلين او المؤسسات او بانتقاد القيم المعتاده ، ومن جهة اخري فان التكنولوجيا  ساعدت بطريق غير مباشر في ظهور انماط قيمية نتيجة الى سوء الاستخدام من جانب المواطن اما بجهل منه او بتعمده في استخدام تلك الاليات الجديدة  في  جذب الاهتمام له والبحث عن الشهره والاثاره،ومن هنا تظهر حالة انتشار حالات فردية يحاول اصحابها ابرازها كقضية راي عام او لها اولوية  لديه ،

فاحتكام المواطنين الى حل خلافاتهم  خارج اطار القانون او الاطر العرفية يكشف عن خلل في سيادة الدولة وفي ثقافة المواطن ، وعن الى اي درجة استطاعات التطبيقات التكنولوجية ان تلعب دور في تشكيل القوة بين الاطراف وفي التاثير في الخلاف وادارته وذلك على حساب آليات محلية  وعرفية لحل النزاع ، وتكشف ايضا عن الوقع تحت تأثير مغريات الشبكات الاجتماعية في النشر وفي هذه الحالة "التشهير"، وعن سيطرة الاعلام بشقة التقليدي والجديد على ادراك وسلوك المواطنين،وهو ما يكون له اثرا سلبيا على دور القضاء كمؤسسة من مؤسسات الدولة .

واصبحت الشبكات الاجتماعية منصة متاحة لكل طرف في الحصول على ما يراه من حقة في التشهير بالاخر دون التفكير في حل عملي يطفئ نار الحقد بين الطرفين .

وبذلك يمكن ان يلعب الاعلام الجديد دور في التاثير في  القيم  داخل المجتمع اما على  نحو ايجابي عبر دوره كمحفز للقيم التقليدية الاصيلة  ، او ان يعمل ذاته في طمس الهوية وادخال قيم جديدة ذات طابع سلبي على المجتمع وتجد الاخيرة انتشارا في ظل بيئة تشهد حالة من ضعف التماسك الاجتماعي مع زيادة معدلات الطلاق والعنف والعنوسة والجريمة داخل المجتمع .

ان  تغلغل شبكات التواصل الاجتماعي والاتصالات عاما في العلاقات الانسانية والشخصية  يكشف عن مخاطر تجميد تلك العلاقات  وسرعه نمو حالات سوء الفهم وعدم الثقة المتبادلة ، وهو ما يدفع الى اهمية الموازنة بين التفاعل الطبيعي وبين الاخر الالكتروني ليكون الفرد عضو صحي داخل الجماعه .

ان تحول الشبكات الاجتماعية كادة للانتقام جاء في صور متعددة مستفيدة من خصائصها الذاتية تاره ومن حالة الاحتقان المجتمعي تاره اخرى ،واخذت انماط ذلك في التعدد والتي منها نشر صور خاصة ونشر مكالمات صوتية على اليوتوب ونشر فيديوهات في اوضاع مخلة ونشر وثائق او خطابات خاصة ، او فبركة تسجيلات او صور او اجتزاء فيديوهات عن سياقها ونشر الشائعات والمعلومات المغلوطة وغيرها.

وهو ما ياتي في النهاية في طريق رغبه كل طرف في تغيير الصورة الذهنية عن كل طرف في صراع على عقل وقلب المشاهد لتلك المحتويات الاعلامية والتي تأتي في الغالب بانتاج تطوعي  فردي مع انتشار الهواتف الذكية وكاميرات المراقبة والتجسس والخصائص الفائقة للشبكات الاجتماعية في النشر السريع والتي لا يكسب من تداول تلك القضية وغيرها الا شركات الدعاية والاعلام والصحافة .

وذلك بتوفير مادة جاذبة اعلامية وينتج من ذلك تحول ما هو" خاص "الى ما هو "عام" ، واشغال المجال العام بقضايا ثانوية ولا ترتبط باجندة الراي العام ،والتحول من خلاف شخصي الى تعبئة جماعية ، والمعالجة في اطار محلي وتقليدي الى ما هو اعلامي وهو ما ينعكس في النهاية في تضخيم القضية محل الجدل المثار وتعقد المشكلة ودخول اطراف جديدة وتزايد الضغط الاعلامي على  اطراف النزاع .

والملاحظ ان هذا النمط من الاستخدام لشبكات التواصل الاجتماعي كمنصة للاعلام الفضائحي سيظل ما بقيت هناك بيئة ثقافية حاضنة لنوازع الانتقام وعدم التسامح والحوار والذي ان وجد من البداية ما كان لمثل تلك الافعتال ان تحدث ،فانتفاء ثقافة الحوار وحل الازمات من شانها ان تزيد الاحتقان الشخصي والذي يتحول الى احتقان عائلي ثم عشائري ثم جهوي ثم الى ديني او مذهبي .

ان  مواجهة هذا النمط الفضائحي يجب ان تستهدف اولا العمل على الحد من تاثيراته وثانيا  الحد من استخدامة ، وثالثا العمل على تغيير البيئة الحاضنة لمثل تلك السلوكيات ، وهو ما يتطلب القيام بعدد من الاجراءات التي قد يأخذ بعضها مدى زمني طويل لانها ترتبط بتغيير قيم سلبية داخل المجتمع وهو ما يحتاج الى جهد كبير ، ويمكن كذلك القيام بالتحديث المستمر لقوانين الجريمة الالكترونية وتطوير جرائم السب والقذف لتاخذ في جالها هذا النمط الجديد من التشهير.
وياتي اهمية دور وسائل الاعلام والتي تلعب دور في بعض الاحيان مدمر للقيم الاجتماعية عبر ما يتم بثه من قيم وافكار غريبة ويتم تقديما في صورة اكثر اغراءا عبر اعلانات او مسلسلات او اغنيات ، وهو ما يستلزم اهمية الرقابة المجتمعية على ما يتناولة الاعلام ودرجة حفاظة على قيم الاسرة والمجتمع . ولعل ثقافة المستخدم للشبكات الاجتماعية كذلك محور هام حيث ان المساعدة في نشر تلك الاساءات -بغير قصد- يعمل على اتساع نطاق التأثير واصابة اطراف اخري باضرار ليس لهم علاقة بموضوع الحادث كحالة تأثر الاطفال على سبيل المثال .

ان تنمية ثقافة الحوار والتسامح وحل الخلافات لمن الاهمية بمكان يجعلها هي اساس معالجة ما يعتري مجتمعنا من مشكلات ، ويجب ان يتم الدفع بتيار مدني قوي عبر المنظمات الاهلية والمؤسسات الثقافية بالاهتمام بتنوير الشباب والمواطنين ورفع الوعي والمعرفة  وتحديث دورها وادواتها من اجل التاثير،ولا شك ان العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله وبخاصه ان الضغط المادي يؤثر نفسيا على المواطن وعلى الجماعه بشكل عام،ومن ثم فان العمل على تحسين الدخول والمستوى المعيشي جزء مهم في عملية الحد من تدهور القيم الاجتماعية ولا ينفصل ذلك عن اهمية مكافحة الفقر والبطاله وخاصة بين الشباب وهم الكتله الحرجة داخل المجتمع وهم الاكثر استخداما لها والاكثر ناشطيه ومعاناة  في نفس الوقت من ظروف الواقع المعاش.
ان عملية انقاذ الفرد و المجتمع من تدميرالقيم الاصيله عبر تلك الوسائط الاعلامية تتطلب  التحرك على عدة مستويات للعمل على الحد من التاثيرات السلبية للاعلام والشبكات الاجتماعية ، ويمثل  الفرد منصة الانطلاق في تلك المواجهة ، وركيزتها من خلال تعزيز ثقافتة العامة ورفع مستويات التعاطي الثقافي للمؤسسات الدينية والثقافية والاعلامية ليكون لها الدور الحاضن للشباب وتساهم في  في تنمية الفرد والمجتمع ، وتشجيع روح التسامح والحوار والابتكار والابداع،وذلك لان ثقافة المستخدم هي السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر الاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية .
 

كل ذلك وغيره من شأنه ان يوقف الضجيج بدون طحن وان يتم وضع حبات الزيتون أوالقمح بين فكي الرحي لتخرج دقيقا او زيتا يستنفع به الفرد والمجتمع والدولة.


**خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
  • أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة ...المعارف الفلكية الإسلامية
  • الفضاء الإلكتروني وأثره على الأمن القومي للدول: الحروب الإلكترونية نموذجاً
  • كيف يتم صناعة الفقاعات داخل المجتمع في العصر الرقمي ؟
  • الصراع المسلح في الفضاء الخارجي بين التطبيقات والسياسات والمستقبل
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ