المقالات -
هل تأخذ الصحف نصيبها من ارباح شركات الانترنت من الاعلانات ؟

: 4566
الخميس,23 فبراير 2017 - 01:11 م
د.عادل عبد الصادق*

يتردد ان من ضمن الوظائف التي ربما ستندثر في المستقبل القريب مهنة الصحافة الا ان هناك فرص للبقاء بشرط القدرة على التأقلم وفهم المتغيرات المحيطة . وجاء ذلك بعد ان بدأت رويدا رويدا تتحقق توقعات سابقة بالتحول الرقمي للصحف الورقية ،والتي جاءت مدفوعة بفضل تلك الثورة الهائلة في مجال صناعه الأخبار والمعلومات وإنتاجها رقميا ونشرها ، ولكن جاءت خطوة الصحف الورقية في مواجهة تلك التحديات متأخرا أو أنها لم تشعر بان تلك اللحظة ستأتي بهذه السرعة ،

هل تأخذ الصحف نصيبها من ارباح شركات الانترنت من الاعلانات ؟
اضغط للتكبير
وفرضت تحولات الإعلام الالكتروني تغيرين كبيرين تعلق الأول بالجانب المهني الذي تعلق بضرورة أن يتمتع الصحفي بتعدد المهارات للتفاعل مع البيئة متعددة الوسائط والخدمات، وثانيا ،تصاعد دور الصحافة الالكترونية على الجانب المهني ، وفرض ذلك ،ثالثا ،أعباء جديدة على الصحفي في مجال الإعلام الالكتروني.
وبخاصة ان الصحفي اصبح هو من يقوم بتحرير الأخبار عبر الانترنت ولا يعمل في صحفية ورقية من جهة ، واصبح القارئ من جهة اخرى لدية القدرة على المشاركة والتفاعل والتعليق ، ومن جهة ثالثه أصبحت سرعة الخبر وبثه هي معيار الاهتمام والتاثير .
وكان التغير الرابع الاكثر اثارة هو ما يتعلق بالجانب المالي وكيفية البحث عن مورد مالي جديد للصحف حال تحولها الرقمي ، وبخاصة مع ضعف ثقة المعلنين في الإعلانات الالكترونية وهي تلك الثقة التي أرى أنها أخذه في التصاعد مع حجم التحول الرقمي وانتقال الخدمات إلى الانترنت
وبخاصة مع ظهور بوابات إخبارية قام بتدشينها صحفيين وهواة استطاعت أن تجذب وتؤثر في المشهد الإعلامي وبدون أن يكون لها رديف ورقي أو مؤسسي أو حتى كيان ولائي لها كالنقابات ،وبدأت تنكسر عملية احتكار انتاج المعلومات والاخبار من الطابع المهني الذي يقوم به الصحفيين الى أناس من خارج ذلك الصندوق ،وذلك مع تعزيز القدرة على الاتصال والتواصل والتفاعل بين المواطن والانترنت بما ادى الى بروز ظاهرة "المواطن الصحفي " .
وبدا السؤال يتم طرحه بشده في حال تحول الصحف الورقية إلى الكترونية كيف يمكن مواجهة انخفاض العائدات المالية والتي كانت تأتي من حصيلة بيع النسخ الورقية والاشتراكات وجزء أخر مهم من حصيلة الإعلانات والتي شكلت العمود الفقري للوفرة المالية للعديد من الصحف ، وفي بداية دخول الانترنت وصعود الصحافة الالكترونية .
وفي البداية اجبر المعلن الصحف الورقية في كثير من الحالات بالاستمرار بنمطها التقليدي بدعوى أن الوجود المادي للجريدة هو الأكثر ثقة لديه وجذبا للجمهور،ولكن يواجه ذلك على ارض الواقع بالتغير في ثقافة المعلن الذي ادر ك ان غالبية المستهلكين للاعلانات من الشباب والنساء هم الاكثر استخداما لتلك التطبيقات الالكترونية لمطالعه الصحف والاخبار.
وتواجهه الصحف الورقية عدد كبير من الصعوبات المالية الى جانب تدني الوضع الاقتصادي .والذي أدى كذلك إلى التأثير السلبي على معدلات الإنفاق على الإعلانات والدعاية ، وجاء ذلك إلى جانب ارتفاع أسعار الورق والطباعة ، وفي نفس الوقت انخفاض المبيعات الورقية من الصحف جراء ظروف اقتصادية تتعلق بالمستهلكين مع ارتفاع الأسعار والى اعتمادهم ايضا على وسائل أخري بديلة لاستهلاك الأخبار كالقنوات الفضائية.
وكان التغير الأكثر اثاره أيضا زيادة معدلات استخدام الانترنت والشبكات الاجتماعية وبداية اعتماد المواطن على تلقي الأخبار إما من اشتراكه في خدمات الرسائل الإخبارية أو اشتراكه في باقات الانترنت ،وجاء ذلك مدفوعا بالعروض التنافسية لشركات المحمول في مصر في تقديم خدمات الانترنت وانخفاض سعره مقارنه بغيره مع وجود أنظمة متكاملة توفر خدمة المكالمات مع الرسائل مع استهلاك الانترنت..
وكنت قد شاركت منذ عامين تقريبا في ندوة في ساقية الصاوي وتحدثت خلالها عن مدى إمكانية فرض ضرائب على شركات الانترنت الدولية وبخاصة العاملة في مجال الإعلانات الالكترونية والتي بدأت تتوسع في السوق المصري بل والعربي كذلك ، وأصبح لتلك الشركات دور في جذب رأس المال الوطني وتسريبه إلى الخارج إي خارج إطار الدورة الرأسمالية بمعنى أخر لو إن شركة محلية حققت أرباح من نشاطها تقوم تلك الشركة بإعادة استثمار على الأقل جزء مهم من تلك الأرباح أما في توسيع نشاطها أو في توظيف شباب أو في خدمة المجتمع المحلي .
وبذلك يشعر المجتمع بالدورة –يدفع مال ثم يعود إلية بطريقة غير مباشره – بينما إن كانت هناك شركات أجنبية ليس لها مقر داخل البلد أو تخضع لقانون الاستثمار الأجنبي فإنها غير ملزمة بدفع ضرائب للدولة على الرغم من شركات مثل شركات جوجل والفيس بوك وتويتر وغيرها تستغل البنية التحتية المعلوماتية التي تنفق عليها الدولة بالإضافة إلى أنها أنها تدخل السوق الاستهلاكي مباشرة دون المرور بأية مؤسسة من مؤسسات الدولة.
ومن ثم فان عدم وجود مقر لتلك الشركات داخل مصر يخرجها من إمكانية فرض ضرائب عليها ، وهو جدل طال العديد من الدول حيث إن هناك دول نجحت في فرض ضرائب على شركة جوجل على سبيل المثال في ألمانيا حيث حكمت المحكمة العليا الألمانية بأحقية الصحف الألمانية في اقتسام عائدات أرباح شركة جوجل لأنها تستغل وتوظف المحتوى الصحفي في بث إعلاناتها ودعايتها ، وهناك دول أخرى نجحت في ذلك .
وتواجه ذلك بتحدي مقتضيات اتفاقية التجارة العالمية "الجات"والتي ألزمت الدول بتحرير التجارة والأسواق ، إلى جانب إن تلك الشركات هي شركات أمريكية ومن ثم يتم تحصيل ضرائبها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية ومن ثم تبقي إعادة فرض عليها ضرائب تدخل في حماية اتفاقيات عدم الازدواج الضريبي الا ان ذلك لم يقف امام ممارسة ضغوط على تلك الشركات او على الدول التي تدفع لها ضرائب من عائدات ارباحها.
والجانب الأخر من القضية تتعلق بإمكانية تطبيق ذلك على شركات الانترنت والمحمول داخل مصر والتي تعزز من أرباحها من استهلاك الانترنت اعتمادا على المحتوى الصحافي والذي يجعل المستخدم يستهلك وقتا أطول من الانترنت ومن ثم يكون عرضة لاستقبال عدد كبير من الإعلانات المعروضة من جهه والى زيادة انفاقه على خدمة الانترنت شهريا من جهة اخري
ومن ثم فان المحتوى الصحفي في حال تحوله الرقمي سينتج دون عائد مالي حقيقي يعود على الصحفيين أو على المؤسسات التي يعملون بها اللهم الا اذا نجح في جذب الاعلانات الالكترونية على المنصات الخاصة ، وفي حال الفشل في ذلك الجذب على نحو يغطي جزء من تكاليف الصناعه فانها ستعاني من نقص التمويل الامر الذي سيؤثر على هيكلها ومهنيتها ووضعها التنافسي ، وفي ظل ذلك يكون هناك طرف ثالث داخلي واخر خارجي يستفيدون دون أية أعباء ،
وهو ما يفرض أن تقوم تلك الشركات التكنولوجية بضغوط منظمات المجتمع المدني والراي العام في القيام بمسؤوليتها تجاه المجتمع من قبيل الدفع ببرامج المسئولية الاجتماعية وان تساهم في دعم صناعه الصحافة والأخبار للمساعدة في استمرارها وتجددها بما يعد مكسب غير مباشر لها . ومن جهة أخري إن ذلك الدعم سيمثل جانب هام من تعزيز شركات الانترنت والمحمول المحلية العامله في مجال الاعلانات مقابل الأخرى الأجنبية بما يعود بالنفع على المجتمع
ومن ثم فان عملية زيادة عائدات الصحف الالكترونية تتطلب العمل على فتح حوار مجتمعي لإنقاذ الصحافة والفكر والثقافة بشكل عام عن طريق إنشاء صندوق وطني تشارك فيه شركات اتصالات والانترنت ويفتح أمام مساهمة كافة الفاعلين الثقافيين في المجتمع ، ومن جهة أخري يتطلب ذلك العمل على تحديث الأطر التشريعية المنظمة للصحافة والإعلام والثقافة بشكل تعمل على تنمية المحتوى الرقمي وحماية الملكية الفكرية لمنتجيه .
والعمل على مواجهة انخفاض مبيعات الصحف الورقية والتي على الرغم من تراجعها إلا إني أتوقع إنها لم تختف نهائيا ،والعمل على استثمار اتجاه القراء إلى استخدام المواقع الالكترونية الإخبارية والتي توفر تغطية لحظية ومتجددة والعمل على تعزيز ثقة المعلنين في الإعلانات الالكترونية .
وحماية الملكية الفكرية للمحتوى الصحفي حيث اتجهت العديد من المواقع الالكترونية إلى إعادة نشر محتوى الصحف الورقية دون احترام حقوق الملكية الفكرية على النحو الذي اثر في أصالة النص والمحتوى ومن شأن تلك الخطوة إن تعمل على نمو المحتوى الإعلامي الثقافي،وتعمل على جذب الشباب من الاهتمام بهوامش الأمور إلى الاهتمام بالعلم والمعرفة والإبداع .
وأهمية العمل على مواجهة احتكار الدعاية والإعلان لصالح كيانات تكنولوجية عابرة للحدود تعمل على تسريب رأس المال الوطني للخارج والى تقويض نمو قطاع الإعلانات الوطنية. وان من شأن دعم الصحافة الوطنية العمل على تعزيز دورها كحائط صد ضد الشائعات والأخبار المضللة والاتجاهات المشبوه التي تستهدف الوطن .
واهمية السعي الى ادخال الصحافة الالكترونية في الكيانات النقابية الشرعية وحصول مؤسسي المواقع ورؤساء تحريرها على فرص الانضمام الى الكيان النقابي التنظيمي ،ولان من شأن ذلك العمل على ترشيد الاداء المهني ومواكبة التطورات الحادثة في مجال الصحافه وقطع الطريق امام تاسيس كيانات موازية غير شرعية تتحدث باسم الصحفيين
ولا شك إن العمل على نمو ثقافة المواطن هي الضمانة الحقيقة لتفعيل دور تلك التطبيقات التكنولوجية في خدمة المجتمع عبر الاهتمام بتطوير نظم ومناهج التعليم والتدريس بشكل يكون قائما على الفهم والابتكار والإبداع بدلا عن الحفظ والتلقين .
وأهمية التوظيف الأمثل لفرص الثورة المعلوماتية والتي تعطي لنا الفرصة التاريخية لنكون فاعلين في الحضارة الإنسانية التي أصبح عمادها قوة وعلم وثقافة العنصر البشري في مواجهة تحديات لقيمنا وأمننا وذاتنا في عالم متغير .

* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ