المقالات -
عسكرة الفضاء الالكتروني بين التحديات وفرص المواجهة

: 4775
الثلاثاء,14 مارس 2017 - 10:21 ص
د.عادل عبد الصادق*
مجلة لغة العصر ،مؤسسة الاهرام ، عدد مارس 2017

في ظل تحول الفضاء الالكتروني كمجال جديد للتفاعلات الدولية برزت حالة توظيفه في الاستخدامات المدنية والاخرى ذات الطبيعة العسكرية ،وأضحى مثل غيره من المجالات الدولية كالبر والبحر والجو،

عسكرة الفضاء الالكتروني بين التحديات وفرص المواجهة
اضغط للتكبير
وتبلورت الانشطة العدائية العنيفة في ظاهرة الحروب السيبرانية التي اتسمت بتعدد مظاهرها وخصائصها والفاعلين فيها،والتي ظهرت عبر نمطين اساسين نمط يتعلق بتوظيف القوة الناعمة في الصراع عبر الفضاء الالكتروني، والنمط الاخر يتعلق بتوظيف القوة الصلبة في الصراع عبر الفضاء الالكتروني وهو ما يعكس تنامي في القدرات والتهديدات وتعاظم التاثير على أمن البنية التحتية الكونية للمعلومات.
وكان للفضاء الإلكتروني دور في وجود أهداف ووسائل ومصالح إلكترونية جديدة، وفي نفس الوقت أتاح القابلية لخطر التعرض للهجوم،وهوما أوجد نوعًا جديدًا من الضرر دون الحاجة للدخول الطبيعي والمادي لإقليم الدولة،وذلك لاعتماد الدول على الأنظمة الإلكترونية في كافة منشآتها الحيوية بما يجعل من تلك الأنظمة هدفًا للهجوم،وخاصة أن تلك الأنظمة تحمل طابعًا مدنيًّا وعسكريًّا مزدوجًا. وذلك بعد أن تمخض عن الثورة التكنولوجية ثورة أخرى هي الثورة في الشؤون العسكرية وتطور تقنيات الحرب.
وتتميز الحروب السيبرانية بأنها قليلة التكلفة، فقد يتم شن حرب بتكلفة دبابة عبر أسلحة جديدة ومهارات بشرية،ويتم استخدامها في أي وقت،سواء أكان وقت سلم أم حرب أم أزمة.ولا تتطلب لتنفيذها سوي وقت زمني محدود، وتعد تكلفة إطلاق تلك الهجمات أقل من أي سلاح تقليدي آخر.
وساعد في ذلك عدد من التحولات لعل اهمها، ارتباط العالم المتزايد بالفضاء الإلكتروني بما عمل على زيادة خطر تعرض البنية التحتية الكونية للمعلومات لهجمات إلكترونية.واستخدام الفاعلين من غير الدول للفضاء الإلكتروني لتحقيق أهدافهم وتأثير ذلك على سيادة الدولة. وانسحاب الدولة من قطاعات استراتيجية لصالح القطاع الخاص وخاصة بالمنشآت الحيوية.وتأثير مواجهة الحرب الإلكترونية على حرية استخدام الفضاء الإلكتروني.
إشكالية تعامل الدول مع الشركات التكنولوجية متعدية الجنسيات والتي أصبحت تفوق قدراتها بعد ان أصبحوا فاعلين دوليين. وأدت علاقة الفضاء الإلكتروني بعمل المنشآت الحيوية سواء أكانت مدنية أوعسكرية لقابلية تعرضها لهجوم من خلاله إما يستهدفه كوسيط وحامل للخدمات أوبشل عمل أنظمتها المعلوماتية،‏ويكون من شأنه التأثير على القيام بوظيفتها ومن ثم فإن التحكم في تنفيذ هذا الهجوم يعد أداة سيطرة ونفوذ استراتيجية بالغة الأهمية سواء في زمن السلم أو الحرب.
أصبح للفضاء الإلكتروني دور فيما يطلق عليه "القوة المؤسسية"في السياسة الدولية والتي تعني أن يكون لها دور في قوة الفاعلين وتحقيق أهدافهم وقيمهم في ظل التنافس مع الآخرين،والمساهمة في تشكل الفعل الاجتماعي في ظل المعرفة والمحددات المتاحة والتي تؤثر في نظريات العلاقات الدولية وتشكيل السياسة العالمية.
واثر المجال الالكتروني في تشكيل قدرة الأطراف المؤثرة، والتي يعد من أبرزها الأطراف الدولية الناشئة، مثل الولايات المتحدة التي كان لديها ما يشبه الاحتكار لمصادر القوة منذ نهاية الحرب الباردة،ولتظهر عملية انتقال القوة وانتشارها بين أطراف متعددة سواء أكانت دولاً أو من غير الدول.
وشهد المجتمع الدولي اتجاهات التحول في قضية التعامل مع تهديدات الفضاء الالكتروني وامكانية تحول الفضاء الالكتروني نحو العسكره وبرز ذلك في عدة اتجاهات لعل اهما ، تصاعد الهجمات الالكترونية ومخاطرها على امن الفضاء الالكتروني ،والتطور في مجال سياسات الدفاع والأمن الالكتروني ، وتصاعد القدرات في سباق التسلح السيبراني عبر الفضاء الإلكتروني وتبني سياسات دفاعية سيبرانية لدي الاجهزة المعنية بالدفاع والامن ،وتصاعد حجم الاسثتمار في مجال تطوير ادوات الحرب السيبرانية داخل الجيوش الحديثة.
وهو ما دفع العديد من الدول الى العمل على ، ادخال الفضاء الالكتروني ضمن استراتيجية الامن القومي لديها ، تحديث الجيوش بتدشين وحدات متخصصة في الحروب الالكترونية ، واقامة هيئات وطنية للامن والدفاع الالكتروني ، والقيام بالتدريب وإجراء المناورات لتعزيز الدفاعات الالكترونية ، والعمل على تعزيز التعاون الدولي في مجالات تامين الفضاء الالكتروني. والقيام بمشروعات وطنية للامن الالكترونية
وتبنت العديد من الدول استراتيجية حرب المعلومات باعتبارها حربًا للمستقبل،والتي يتم خوضها بهدف التشتيت وإثارة الاضطرابات في عملية صناعة القرارات عبر: الدخول إلى أنظمة الطرف الآخر،استخدام ونقل معلوماته بعد الأهمية المتزايدة للفضاء الإلكتروني. وترى الدول الكبرى أن من يحدد مصير المعركة ليس من يملك القوة، وإنما القادر على شلِّ القوة والتشويش على المعلومة.
ودفع ذلك العديد من الدول الى ان تكون على قدر من الاستعداد لتلك التحديات الأمنية الجديدة من خلال العمل على تحديث النشاطي الدفاعي لمواجهة مخاطر الحرب السيبرانية ،ومن جهة أخرى الاستثمار في البنية التحتية المعلوماتية وتأمينها ، وتحديث القدرات العسكرية في مجال الحرب الالكترونية وتدشين وحدات حرب خاصة بها ، ورفع كفاءة الجاهزية للحرب السيبرانية عن طريق التدريب والمشاركة الدولية في حماية البنية المعلوماتية ،والاستثمار في رفع القدرات البشرية داخل الاجهزة الوطنية المعنية ، ويتعلق التوجه الأخطر بنقل تلك القدرات من الدفاع الى الهجوم عن طريق استخدام تلك الهجمات في اطار إدارة الصراع والتوتر مع دول اخرى .
وقام عدد من الدول بتشكيل وحدات للحرب الإلكترونية ضمن قواتها المسلحة، وقامت الولايات المتحدة بتشكيل قيادة عسكرية للفضاء الإلكتروني وأصبحت تتجه بعض الدول إلى تخصيص ميزانيات للدفاع والأمن الإلكتروني.واتجهت الدول لتعزيز دفاعاتها ضد خطر التعرض للهجمات الإلكترونية،ولكن الاتجاه الأكثر خطورة هو التحول من اتخاذ إجراءات وقائية ذات طابع دفاعي إلى الاتجاه إلى تبني سياسات هجومية.
وتبقى المشكلة في أنه عند دخول العالم سباق التسلح الإلكترونيA Cyber Arms Race يكون لدينا مشكلة في تحديد ماهية تلك الأسلحة التي يمتلكها الآخرون، ومن ثم لا يصبح لدى المجتمع الدولي قدرة سريعة على التدخل لاحتواء التقدم في مجال تلك الأسلحة ولا يوجد مجال لتفعيل التفتيش كآلية مراقبة مثل حالة الأسلحة النووية.
وتشمل عملية بناء القدرات العسكرية في مجال الأسلحة الإلكترونيه السعي إلى امتلاك التكنولوجيا وأنظمة الحماية وتطوير قدرات هجومية تعمل على تحقيق التفوق التقنيّ، والهدف الثاني،تطوير القدرات الهجومية إما عبر بناء القدرات الذاتية أو بالاستعانة بالأفراد والشركات المتخصصة وتطوير القدرة على اختبار مدى الجاهزية لمواجهة الهجمات الإلكترونية،والثالث،العمل على توفير الميزانيات المخصصة لتطوير القدرات الهجومية والدفاعية وبخاصة مع قلة تكلفتها مقارنة بحجم ما ينفق على الجيوش التقليدية. وتتمثل متطلبات توافر الأمن الإلكتروني الدولي في: اختبار سلامة الدفاعات الإلكترونية، التأكد من سلامتها، عدم تعرُّضها لأي خلل فني طارئ، ألا تعالَج هذه المسألة منفصلة عن غيرها وإنما من ضمن ترسانة شاملة للدفاع تشكل إطارًا رادعًا لأي حرب استباقية.
*مدير المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ