المقالات -
الفتاوي الدينية والفضاء الالكتروني بين تحدي الفوضى وفرص التوظيف

: 9115
الاربعاء,18 اكتوبر 2017 - 01:28 م
د.عادل عبد الصادق*

كان لي شرف المشاركة في المؤتمر العالمي للافتاء والذي نظمته دار الافتاء المصرية على العام الثالث على التوالي في الفترة من 17-19 اكتوبر الماضي وذلك بمشاركة 63 دولة حول العالم، وجاء مؤتمر هذا العام تحت عنوان"دور الفتوى في استقرار المجتمعات"،

الفتاوي الدينية والفضاء الالكتروني  بين تحدي الفوضى وفرص التوظيف
اضغط للتكبير

وشمل المؤتمر ثلاثة محاور تناول " المحور الأول، العلاقة بين الإفتاء والسلم المجتمعي وحفظ هوية الدول والأمم والتصدي للإلحاد والآثار السلبية للفتاوى الشاذة.

وكشف "المحور الثاني،فتاوى الجماعات المتطرفة وفوضى الإرهاب وآثار الإسلاموفوبيا، ودور المقاصد الشرعية لمواجهة الفوضى،فيما يركز المحور الثالث على أهمية الفتوى للبناء والعمران والتنمية الاقتصادية ولدعم القضايا الإنسانية المشتركة. وكان من ضمن ورش العمل ورشة خاصة بالفتاوي المتشددة والفضاء الالكتروني.

 

الدين والفضاء الالكتروني

 

يشكل الفضاء الالكتروني جمهورا واسعا للرسالة الإعلامية، وفرصا أكبر للاتصال الدائم بين العديد من ملايين الافراد حول العالم، وهو ما ينعكس فى إعادة تشكيل الحدود بين المجالين العام والخاص. وارتباط الافراد باستخدام الانترنت بشكل يومي ويرتبط بحياتهم والتعبير عن مشاعرهم ومواقفهم وافكارهم، وكوسيلة لنقل القيم والرموز المرتبطة بهم، وساعد على ذلك تقنية الوسيلة وطبيعه المحتوى وسرعه الانتشار.

وعلى الرغم من اشتراك المستخدمين حول العالم في استخدام شبكة انترنت واحدة الا انها كشفت عن حجم تحيزاتهم الفكرية والدينية وهذا التمايز اصبح يتم ترجمته في شن صراع ياخذ تاره اطر فكرية واخرى بالتحريض على العنف، واصبح يستخدم لاذكاء الصراعات العنصرية وتنمية اتجاهات الكره لدى الكثير من الفئات المناهضة لفئات أخرى.

وجاء ذلك مع تراجع الاعلام الجماهيري الذي كانت تسيطر علية الدولة الى اعلام يقودة الفرد ويحركة وفق مصلحته ودوافعه الذاتية بغرض التاثير في الراي العام وشحنه تجاه قضية ما، وساعد على ذلك رخص التكلفة، وسرعة الانتشار وتنوع طرق صياغه الرسالة الاعلامية من نص وصور وفيديو. للتعبير عن القيم الثقافية والدينية واتاحة الفرصة للمساهمة في طرح القضايا وتكوين الاجندة، وظهور فاعليين دينين غير تقليدين وفي شكل جديد واكثر تواصلا مع اتباعهم في شكل مواقع واغاني ورسائل نصية ونغمات وغيرها.

وبدأ يتم استخدام المعلومات الدينية كسلعه تجارية يتم تسويقها عبر الانترنت وحدث المزج بين الدين والتكنولوجيا على الرغم من الاختلاف في درجات الاستجابة السريعة للتغيير، واتفاقهما في الرغبة في الانتشار عبر الحدود، وبينما يميل الدين بطبيعته إلى مجموعة من القواعد والمعايير الأخلاقية المحافظة تتميز التكنولوجيا بطبيعتها المتغيرة وتتطورها بتغير الابتكارات والمهارات الفردية لمستخدميها. وإلارتباط بمعايير السوق والمال والابتكار.

وقد استفادت الأديان كغيرها من مزايا الانترنت لتوفير مادة مستمرة وسريعة ومتفاعلة عن الدين، وللرد على منتقديه، والتأكيد على النزعة الكونية له، و كان للإسلام والمسيحية السبق لاعتمادهما على الدعوة التبشيرية بخلاف اليهودية وبث مبادئهما والوعى بها وتجنيد أتباعهما.

وشهدت العلاقة بين الدين والفضاء الالكتروني  نقلة جوهرية مع  ادخال تغييرات في معالجه الظاهرة الدينية برمتها سواء بوجود تحديات جديدة امام القيم الدينيه في ظل حالة التقدم العلمي والتكنولوجي .

وتتعدد أهداف المواقع الدينية عبر تطبيقات الفضاء الالكتروني بتعدد الموضوعات التى تركز عليها،

 فهناك أولا ،مواقع تركز على بث المادة الدينية الموجهة لأتباع الدين من خلال بث التعاليم والخطب والحوارات الدينية حول إحدى القضايا المثارة، وكذلك عرض النشأة التاريخية للدين وكيف تطور إلى الآن مع استخدام كافة الوسائل التقنية لجذب القارئ.

 وثانيا، هناك مواقع تركز على زرع الشك فى أتباع الدين المخالف من خلال الاستناد إلى بعض الكتب الدينية القديمة غير المعروفة، أو الاستناد إلى ممارسات معينة ووصمها بأنها تمثل ذلك الدين، وكذلك اختلاق بعض الحوارات مع من يدعون أنهم تحولوا إلى الدين المخالف ثم قرروا العودة لدينهم الأصلي والاستهزاء ببعض الرموز والشعائر من خلال رسوم الكاريكاتير، ونشر إشاعات وأخبار كاذبة كجزء من حرب نفسية.

 وثالثا ،هناك الأقسام الخاصة فى بعض المواقع المتعلقة بحوار الديانات، ولكن يتم عرضه بشكل غير موضوعى، بحيث يظهر التحيز سواء فى المساحة أو فى تقييد حرية الرد، فتفرد مساحات واسعة لمعتنقى دين صاحب الموقع. وعامة فإن تلك الأقسام تنتهج أسلوب التحريض غير المباشر.

 ورابعا ،فهناك بعض المواقع والمنصات الالكترونية التى تتحدث عن الأديان السماوية، ولكنها تحاول التشكيك فى كل تلك الأديان من خلال مجموعة من اللادينيين أو من غلاة العلمانيين أو الشيوعيين. وخامسا هناك بعض المواقع التى تتناول الأديان بشكل خبرى مثل المواقع ألإخبارية والتى تكون امتدادا لإذاعات أو فضائيات

وثمة الكثير من مسببات استخدام تطبيقات الفضاء الالكتروني كمنصات لزرع الكراهية الدينية ، إلا أن أهمها يتمثل ،أولا، فيما يتعلق بخصائص وطبيعة الإنترنت وما توفره من مزايا نسبية مقارنة بالوسائل التقليدية الأخرى، سواء من حيث انتشارها أو قدرتها على صياغة الرسالة بشكل جيد. وثانيا حدوث تشابك للعامل الثقافى مع احتقانات داخلية تأخذ شكل تباينات اقتصادية وعرقية أو إثنية خاصة فى الدول الضعيفة فى بنائها القومى. وثالثا، محاولة الاستغلال السياسى للدين وخاصة من قبل  اليمين المتطرف فى أوروبا كنوع من التمييز ضد الأقلية العربية والإسلامية، أو من قبل الجماعات الارهابية المتشددة في العالم الاسلامي عبر استغلال الدين فى التعبئة والحشد . ورابعا، هناك عامل يتعلق بأهمية وتصاعد دور الدين فى العلاقات الدولية بعد فشل الايدلوجيات التقليدية في نموذج التنمية وانتهاء الحرب الباردة  ،وخامسا ،زيادة انتشار تكنولوجيا المعلومات خلال العقدين الاخرين بمعدلات متسارعه على مستوى الاستخدام والتأثير. وسادسا : دفعت التكنولوجيا إلى الإحساس المتزايد بالأنا مقابل محاولة الآخر فرض قيمه ومعتقداته، و كشفت عن الانتماءات الأولية والهويات التى كانت تعتبر سرية من قبل.بما اصبح له تأثير في الوعي الشخصي والجماعي .

 

الفتاوي الدينية والخروج من المرجعية

 

ان لعملية الإفتاء مكانة خاصة ومتميزة بين المسلمين على النحو الذي يتحمل من يقوم بالفتوي مسئولية كبيرة امام الله وامام المسلمين ، ويكون مصدر ذلك الافتاء محل ثقة كبيرة لدي جمهور المؤمنين ، الذين يحاولون الالتزام بتعاليم دينهم والموائمة بين تحديات الواقع المعاش مع القيم الدينية ، ويكون لعملية الافتاء والتي تحمل الاجابه عن تساؤلات محيره دور اساسي في بث الطمانينة والسلام الداخلي للفرد وينعكس ايجابيا على المجتمع وعلاقته بالاخر ، وعلى الرغم من ذلك فقد اثرت الطفرة الهائله في انتشار القنوات الفضائية من جهة والثورة الاتصالية عبر تطبيقات الانترنت المختلفة وبخاصة شبكات التواصل الاجتاعي في اضفاء تاثيرات مختلفة حيث ساعدت في الانتشار السريع للفتاوى الشاذه ، وهو ما يكون له تأثير في سلوك أفراد المجتمع.

وادت عملية تصاعد دور الاعلام الالكتروني في المجتمع وبخصاصة المتميزه في سرعة الانتشار ورخص التكلفة الى اتساع دائرة الفاعلين في استخدامة من اجل بث رسائل مختلفة والتي كان منها المحتوى الديني ،والذي خرجت عملية انتاجة واخراجة ،وخروج السيطره الروحية من كنف المؤسسات الدينية ،وهو ما ادى الى تعدد مصادر الفتوى الدينية واتساع دوائر التاثير بين الشباب والمجتمع ،وبخاصة تلك التي تتعلق بتغذية التطرف والكراهية والارهاب ،والتي استخدمت بشكل بارز في تبرير ممارسات التنظيمات الارهابية .

ومن جهة اخرى فقد اثر ذلك في  تعدد في الفتوى مصدرا ومنهجا مما أدى إلى تضاربها وفوضويتها في الكثير من الأحيان، وهو ما فرض تحديات جديدة على الهيئات العلمية، والمؤسسات المعنية وذلك من اجل اتخاذ الموقف المناسب من أجل تنظيم هذه العملية .

واضاف الفضاء الالكتروني عاملا ضاغطا وكاشفا عن حجم تلك التحديات وتاثيرها الكبير في امن واستقرار المجتمعات الإسلامية ، والتي تمثلت في خروج الفتوى عن الضوابط والقواعد التي سطرها العلماء، ناهيك عن ان التطورات الحادثة في المجتمع من الناحية العلمية والتكنولوجية قد فرضت  تغييرات في السلوك  الفردي والجماعي.

إن شيوع الفتاوى الفردية والفتاوى العابرة للقارات عبر الفضاء الالكتروني وتطبيقاته مثل الشيكات الاجتماعية جاء مع غياب دور فعال للمجامع الفقهية المتخصصة التي يجتمع فيها العلماء من كل التخصصات ومن كل الاتجاهات.

وساعدت الشبكات الاجتماعية على سبيل المثال في ظهور مشايخ جدد او ممن يدعون تلك الصفه دون اتاحة الفرصة للتحقق من شخصياتهم او من خلفياتهم العلمية ، واصبحت تستخدم عملية الترويج للحسابات على تويتر والفيسبوك كدليل المصداقية للثقة في المحتوى الديني الذي يبث عبر حسابات شبكات التواصل الاجتماعي .

وهو ما يساعد في احداث مخاطر كبيره  كون هؤلاء المدلسون يستخدمون النصوص المقدسة والسنة النبوية في تبرير خطابهم الديني المتطرف ،وفي محاولة لاصباغ صبغه شرعية في ظل غياب الساحة من العلماء والمؤسسات الدينية .

واصبح هناك خطر اخر يتعلق بالفوضي في تناول القنوات الفضائية للقضياا الدينية ورغبتها في الحصول على المزيد من المشاهدين وهو ما يدفعهم الى الاثاره حتى على حساب اصول الدين ،وما يزيد من مخاطر تلك البارمج هو امكانية نشر تلك المقاطع عبر الشبكات الاجتماعية بما يعمل على زيادة التاثيروالانتشار للمحتوى  من الفتاوي الدينية.وبخاصة انه تكون هناك صعوبة في تدارك الاخطاء بعد الانتشار والتاثير الموسع لها .

وادي انتشار تطبيقات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الى تحولات فيما يتعلق  الموقف من المادة الدينية والنصوص المقدسة والفقه وكتب التفسير وكل ما يتعلق بالجانب المعرفي ،والذي تحول الى طبيعة رقمية سريعة الانتشار والقابلة للتعليق عليها من غير المتخصصين ، ومن جهة اخري فتح الباب كذلك امام جمهور المستخدمين للمساهمة في نشر وتداول المواد ذات الطبيعة الدينية وتخزينها ، وأصبح هناك تاثير على قدرة الفاعلين الدينين و رجال الدين  فيما يتعلق اولا بمدى المامهم بمهارات التعامل عبر الانترنت. وثانيا بقدرتهم في مواجهة التعليقات والتساؤلات حول الشئون الدينية ،وثالثا ، بالقدرة على مواجهة المستحدثات من  التفاعلات بين الناس بشأن التعاملات او بشأن الطقوس والعبادات الدينية ،او بشأن وجود رؤى مختلفة حول تفسيرات النصوص الدينية والتي تخرج من غير المتخصصين .

وظهر جيل من المفتين الجدد الذين لا يتمتعون بأية خلفية علمية او اكاديمية دينية بل بالاستناد فقط الى قدرتهم في تحصيل كم من المعلومات والمعرفة المتواجدة عبر الانترنت وإعادة انتاجها بخطاب سهل للجمهور .

وهو ما اثر على حقيقة دور  رجال الدين كمصدر المعرفة الدينية او الروحية بعد ان اصبح للفرد ان يصل الى المعرفة التي يريد ووقت ما يناسبه ،وهو افرز فاعلين دينيين من خارج المؤسسات الدينية .

ومن جهة أخرى فقد أدت زيادة حجم المعرفة والمعلومات الدينية  عبر الفضاء الالكتروني الى بروز حالة من الوعي والإدراك لدي المستخدمين بشان الامور الدينية وبما اتاح لهم او بعضهم القدرة على الجدل واثارته حول التفسيرات الدينية .

ودفعت الثورة العلمية والتكنولوجية الى بروز قضايا جديدة شكلت تحدي للقيم الدينية من جهة والى بروز اتجاهات الالحاد والتطرف من جهة اخري .

وادى غياب المؤسسات الدينية عن الساحة السيبرانية الى وجود فراغ ديني ملئته الجماعات المتطرفة والمتشددة في بث افكارها المسمومه .

 وأصبحت  طرق نشر وتداول المعلومات الدينية ينتقل من " دار العبادة " الى الفضاء الالكتروني ومن المتخصصين ذوي المرجعية الدينية الى غير المتخصصين ، ومن التحدث بشأن القضايا الدينية  بين المتخصصين الى الانفتاح على العامة من المستخدمين ، والى اتاحة الفرصة لمن يملك القدرة في توظيف تلك التطبيقات الحديثة بشن حرب نفسية وتعبئة دينية راء افكار وفتاوي دينية لا توجد مصدر واضح لها ، وتحول الفضاء الالكتروني الى منبر لتقديم الدروس الدينية ،وجامعه"افتراضية " يتخرج منها دعاة جدد ينطلقون في بث رؤاهم الاحادية الى الجمهور بدون العودة الى المرجعيات الدينية،

 وانتقلت تلك القدرة وتحولت مع تطور الاجيال التقنية بدء من المواقع الالكترونية والمنتديات وغرف الدردشة ثم المدونات ثم جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية،والتي افرزت  مشاكل اجتماعية جديدة علي المجتمع وأحدثت  حالة من السيولة الفكرية، في أمور الفتوي، مما يؤدي لحالة من الفوضى ، بالإضافة الى زيادة الشغف بالمعرفة الدينية.

 وأصبحت هناك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة تويتر تقوم ببث فتاوي دينية ويتابعها الالاف دون معرفة حقيقة من يقف ورائها وهو ما فتح المجال الى انتحال صفة رجال الدين للحديث في الامور الدينية وإصدار الفتاوي بغية الحصول على المزيد من المتابعين وانتشار دائرة التأثير بغض النظر عن السند العلمي والشرعي وراء تلك الفتاوي ، وهو ما كان من شأنه ان عزز من الفتنة والفرقة والبلبله ، ومن جهة اخري فقد اتاحت شبكات التواصل الاجتماعي الى اعادة بث مقاطع لـ"رجال دين" يصدرون احكاما او فتاوي غريبة ويتم تداولها بما يعمل على الانتشار ونقل صورة سلبية عن رجال الدين .

واتخذت الفتاوي الدينية ثلاثة مسارات رئيسية تعلق ،المسار الأوّل،عن طريق  القنوات الدينيّة المموّلة من فئات دينية متشددة ، وفيما يركز المسار الثاني على بعض المساجد  والزوايا التي يسيطر عليها تيارات متطرفة ويمارسون الخطابة الدينية بعيدا عن الرقابة من الدولة . وجاء المسار الثالث ، بالفضاء الالكتروني والتطبيقات المختلفة كالشبكات الاجتماعية والتي تحولت الى منبر للجماعات المتطرفة سواء عبر تدشين مواقع الكترونية او تملك حسابات عبر الشبكات الاجتماعية وقنوات على "اليوتوب ".

ويستهدف ذلك الخطاب الديني المتطرف خمسه أنواع من الجماهير، وهم: المسلمون المؤمنون بدور المؤسسات الدينية الرسمية ،باعتبارها المرجعية ،وهناك المسلمين غير المؤمنين بدور تلك المؤسسات او بما يسمي بـ"|لاسلام الرسمي " ،الى جانب جمهور غير المسلمين من اجل اما جذبهم للاسلام او بشن حرب نفسية ضدهم ،وياتي ذلك الى جانب استهداف الفئات الاكثر عرضة للتجنيد والتعبئة لافكارهم المتطرفة من الشباب والمراهقين والنساء .

مواجهة سرقة المنبر والعمامه

تأتي اهمية تنظيم ومعالجة الفتاوي الدينية والتي اصبحت تؤثر في استقرار المجتمع الاسلامي من جهة والى التأثير بالسلب على علاقته بالمجتمع الغربي ،والى جانب تأثيرها السلبي على تصعيد المذهبية والطائفية داخل الاسلام ، والى دور تلك الفتاوي المتشددة في تقديم الغطاء الروحي للجماعات الارهابية التي عاثت في الارض فسادا وتدميرا ،

وتتطلب مواجهة ذلك ضرورة التنسيق بين الدول الاسلامية في مجال الافتاء لمواجهة المتدخلين من غير المتخصصين من جهة والى مواجهة سيل الفتاوي الدينية التي اصبح لها تأثير على تذكية الصراع داخل الاسلام ،والي تحويل الدول الاسلامية الى منصات لنشر الارهاب والتطرف وبما كان له انعكاسات تدميرية على البنية التحتية وعلى النيل من وسطية الاسلام ، وعلى الرعم من تشكيل الثورة التكنولوجية منصات لهؤلاء المتطرفين الذين يستخدمون المنصات الالكترونية في نشر فكرهم المتطرف وبخاصة بين الشباب ،وهم الاكثر استخداما وارتباطا بتلك التطبيقات ن وجاء ذلك في ظل غياب المؤسسات الدينية الرسمية في الاهتمام بالمجال السيبراني في المجال الدعوي ،وأهمية ان تكون للمؤسسات الدينية منصات موثوقة الكترونية لنشر الفكر الصحيح ،والوصول الى الشباب .

ومواجهة التحديات التي تواجه عالم الإفتاء المعاصر،و التي من أسوأها إشاعة الفوضى وزعزعة السلم المجتمعي،والعمل على الكشف عن الأدوار التي يمكن للإفتاء المعاصر الاضطلاع بها في علاج المشكلة، فضلاً عن اهمية الخروج بميثاق شرف"افتائي – إعلامي"، يعمل على تنظيم وضبط فوضى الإفتاء في وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني.

والعمل على تحديد العلاقة بين الافتاء والسياسة، وذلك الى جانب الادوار التي يمكن التاثير  والتأثر من خلالها،وان يتم احداث نقله في مجال الافتاء بحيث لا يقتصر فقط على حل المشكلات الى دعم القدره على  التدابير الوقائية من المشكلات؛ وان يساهم الافتاء في البناء والتعمير، والعمل على وضع ضوابط محددة لعملية الاستنباط من كُتب التراث، و التنبيه على خطورة الفتاوى التاريخية إذا تمت دراستها بعيداً عن سياقاتها التاريخية والواقعية.

ان عملية المواجهة تتطلب العمل على ملئ الساحة واستخدام الوسيط الالكتروني وعدم تركه للمتشددين ،وذلك بالعمل على نشر الاسلام الوسطي عبر تجديد الخطاب الديني ورفع قدرات القائمين على الدعوة الاسلامية في مجال الخطابه والتواصل واستخدام الوسائط الالكترونية وفهم طبيعتها ،واستخدام اللغات الاجنبية في مخاطبة غير الناطقين بالعربية ،وإطلاق مواقع الكترونية وبناء القدرات للعاملين  في مجال الفتوى، وأهمية التواصل والتنسيق عبر التشبيك الالكتروني مع دور الفتوى في العالم الاسلامي .   

وأهمية الاهتمام بالمحتوى الديني بشكل يكون قادر على الجذب وسهل الفهم بما يعمل على تقديم دعم معرفي للمستخدمين وتعزيز المنهج العلمي والفكري ،وتوفير منصات الكترونية تشمل محتوى تعليمي ويحفز التفكير من انماط المحتوى الصوتي والمرئي والخطب والدروس الوعظية .وتقديم محتوىات من العلوم الفقهية والطبيعية .

وتشجيع حالة التفاعل بين المتلقي وبين الواعظ او مقدم الفتوى واستخدام كافة الوسائط لتلقي الاستفسارات والأسئلة ، والرد على الفتاوى المغلوطة والمتشددة، ونشرها عبر وسائل الإعلام المتنوعة وشبكات التواصل الاجتماعى .وقد قامت عدد من المؤسسات الدينية بجهود حثيثة فقامت "دار الافتاء المصرية" على سبيل المثال بتدشين صفحة "داعش تحت المجهر" باللغتين الانجليزية والعربية، واصدرت مجلتى "بصيرة" و"ارهابيون".

 

من سيفوز  في معركة مكافحة التشدد ؟

لابد من الإشارة إلى أن التطرف ليس له مستقبل، كون مسألة التطرف ليست بجديدة، وقد مثل الفضاء الالكتروني  مجالا خصبا لتلاقح الأفكار من اجل الخروج بفكر إنسانى مشترك، فجودة الفكرة واستمراريتها هى الأجدر على البقاء فى ظل سوق ثقافى تنافسى مفتوح ، وهنا تأتى خطورة تغافل المثقفين ورجال الدين عن مواجهة تلك الظاهرة المتعلقة بنشر الفتاوي الدينية المتشددة عبر الفضاء الالكتروني، وخطف الاسلام لصالح جماعات ارهابية لا تعمل لصالح الاسلام بل لصالح اعدائة ،وهو ما يتطلب اهمية تجديد الخطاب الديني والتوافق حول المسائل الخلافية وبث روح الاجتهاد ، وتفعيل المنصات الالكترونية للعمل على نشر قيم التسامح ،وان يكون هناك رجال دين على قدر من المسئولية والفهم للتطورات العالمية ، وفهم الدور الجديد المنوط به رجل الدين ، وتعزيز الثقة في المؤسسات الدينية والتي لا يجب التعويل على ان مواجهة التطرف مشكلة دينية فقط .

ومن ثم فان نجاح المواجهة يتطلب تبني استراتيجية ترتكز على  التعاون البناء من كافة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والاعلام والقطاع الخاص والشركات التكنولوجية ،والعمل على سن تشريعات تنظيم عمل الفتوى وتحدد من له الحق في الاصدار وتعاقب المخالفين  والعمل على ترشيد علاقة رجل الدين بوسائل الاعلام ،وتجديد الخطاب الديني عبر الفضاء الالكتروني، ولكون نشر الفتاوي المتشددة هي قضية عابره للحدود من خلاله ،فان عملية المواجهة تتطلب كذلك تعاونا دوليا ليس فقط داخل العالم الاسلامي بل عبر المنظمات الدولية الاخري المعنية ، ويجب ان تدور المواجهة  في فلك المستويات المحلية والاقليمية والعالمية، وذلك من اجل ان يتحمل الجميع  المسئولية المشتركة في مكافحة التطرف للعمل على جعل الفضاء الالكتروني منصة للتقدم والبناء والتسامح والسلام. وحفظ الامن والاستقرار للمجتمع العالمي،وتعزيز دور الدين في الحضارة الانسانية .

وتتطلب مواجهة حالات بث الكراهية الدينية عبر الفضاء الالكتروني  ان يتم تعزيز دوره في نشر السلام والتسامح ورفع الوعي حول مخاطر الاستخدام السلبي للشبكة على امن المجتمع الدولي، وبخاصة انها تظل مورد ممتد ومتوافر بالفيديوهات المحرضة على العنف والكراهية، وهو ما يتطلب ان يتم تعزيز الحوار البناء بين اتباع الديانات في العالم مع الالتزام بقواعد الحوار وعدم نشر التعليقات المسيئة او الصور او الفيدوهات، ولا يتم ذلك بدون دور واعي للمستخدمين كطرف رقابي على استخدام تلك الفيدوهات وعلى اداء الشركات المقدمة للخدمة.

وهو ما يوفر بيئة خصبة لنشر الشائعات والمعلومات المغلوطة في ظل نقص الوعي والمعرفة والمعلومة بين الشباب حتى من غير المستخدم للانترنت والذين لم يتاثروا فقط بما يتم تناوله في وسائل الاعلام التي تنقل، بل ايضا بدور نشطاء الانترنت وتاثيرهم في المجتمع.

فعملية مواجهة وسائل الفتنة في المجتمع تتطلب شعب واعي يستطيع ان يغلب العقل على العاطفة ويواجه ذلك بسد منيع من الفهم والادراك لحجم المخاطر الناجمة من محاولات تحريك المشاعر الدينية في اتجاه ممارسة العنف كوسيلة للتعبير عن الراي بدلا من استخدام الوسائل السلمية للمعارضة والاحتجاج التي هي الجديرة فقط على كسب معركة الافكار، وهو ما يساعد في ترسيخ قيم الحوار والاختلاف والتنوع واحترام الاخر التي هي من اسس المدنية والحضارة الانسانية
* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني.


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ