الدراسات -
كيف وظفت الصين الشبكات الاجتماعية في خدمة التنمية؟

: 2805
السبت,12 يناير 2019 - 04:28 م
د.عادل عبد الصادق*

تعد الصين من الدول التي استطاعت ان تقود عملية التنمية التكنولوجية باعتبارها السبيل الوحيد لدعم المكانة الوطنية والدولية،وكان هناك اهتمام مبكر لدي القيادة الصينية بالاقتصاد الرقمي ،ودوره في خدمة التنمية المستدامة الى جانب ابعادة الاستراتيجية لخدمة الامن القومي الصيني

كيف وظفت الصين الشبكات الاجتماعية في خدمة التنمية؟
اضغط للتكبير
ولتحقيق ذلك اتبعت الصين عدد من السياسات والتطبيقات ،والتي من شأنها تعزيز القدرة على تقوية المناعة الوطنية أولا ،وكأساس للتعاطي مع العولمة ثانيا،وبخاصة في التعامل مع الانترنت كأحد مؤسساتها ، ونجحت الصين في  التقدم في مجال الصناعات الالكترونية الى جانب التطبيقات ،مثل اطلاق علاماتها التجارية في مجال صناعه الهواتف الذكية ،او تدشين محرك البحث عبر الانترنت ،الى جانب تطبيقات التجارة الالكترونية .وحظيت تطبيقات الشبكات الاجتماعيةعلى اهتمام خاص من قبل الحكومة الصينية في بلد يتميز بالبيانات الضخمة والرقابة الصارمة والسوق الضخم والنظام التسلطي الذي يسيطر فية الحزب الشيوعي على مؤسسات الدولة والمجتمع ،وهو ما اثار العديد من التساؤلات حول مدى قدرة الصين على التقدم التكنولوجي في ظل تلك البيئة الاستبدادية ؟وكيف تم توظيف ذلك في تعبئة الموارد لتحقيق الاهداف القومية ؟وكيف تم توظيف خصائص ومقدرات البيئة المحلية في خلق نموذج عالمي؟ وما هي اهمية الشبكات الاجتماعية للصين ولماذا تحظي باهتمام صيني في وجودها المحلي ؟وفي نفس الوقت تزيد معها قدرة الحكومة الصينية على السيطرة عليها ؟وما هي الدوافع لشعبية الشبكات الاجتماعية وما يميزها عن غيرها ؟ وماهي ابعاد ذلك الاقتصادية والامنية وانعكاسها على المجتمع والدولة في الصين ؟ وهل حققت الصين بديلا وطنيا للشبكات الاجتماعية في مواجهة المنافسة العالمية ؟وما هي الدورس المستفادة من التجربة الصينية في تقدمها في مجال الشبكات الاجتماعية ؟ 

رؤية استراتيجية للتعامل مع الانترنت

نشأ أول اتصال في الصين مع الإنترنت في 20سبتمبر 1987 بين "أي سي ايه" بكين وجامعة "كارلسروه" في ألمانيا،وبذلك فقد دخل الانترنت الى الصين منذ ما يقارب  28 عاما ،وكانت اول رسالة الكترونية ترسلها الى العالم "من وراء سور الصين العظيم، يمكننا الوصول إلى أى ركن فى العالم" ،وربما كشفت تلك الرسالة عن الاستراتيجية الصينية على المدى القصير والطويل ،والتي تمكنت في غضون بضعه عقود من الوصول بالفعل الى العالم ليس كمستهلك بل كمنتج ومساهم في التطور العلمي والتكنولوجي ،وتبنت الصين الانترنت في عام 1989،فى 20 ابريل 1994، تم تدشين اول خط اتصال بالانترنت يربط الصين بالعالم بجهود اكاديمية العلوم الصينية وبالتعاون مع جامعه ستانفورد في الولايات المتحدة .وشهدت الصين خلال تلك الفترة طفرات هائلة في الانتشار والاستخدام للانترنت حتى أصبحت تستضيف أكبر قاعدة لمستخدمي الإنترنت في العالم ، الى جانب ظهور الإنترنت في الصين كظاهرة جديدة كما هو الحال في الغرب حيث التمايز الديني والإيديولوجي والثقافي والسياسي.

ويتحرك الموقف الصيني من الانترنت وفق سبعة خطوط حمراء، لا يجوز المساس بها أو تعريضها للخطر على الإنترنت هى قيم الحفاظ على القانون،و الاشتراكية، والنظام السياسي، ومصلحة الدولة،وحقوق ألآخرين والأنظمة الاجتماعية والأخلاق، وصحة المعلومات.ومرت طريقة التعامل تلك بثلاثة مراحل اساسية لعل اهمها ،اتخاذ الصين موقفا متحفظا من حالة الانفتاح العالمي ،ثم في مرحلة تالية اتجهت الى التعامل مع المتغيرات الدولية ،ثم انتقالها الى مرحلة الفاعل الدولي ،وهو ما يعد نموذجا لبناء تجربة  وطنية للتعامل مع المتغيرات العالمية المتصلة بالعلم والتكنولوجيا بشكل عام ،و بناء رؤية مضادة او بديلة للمنظور الغربي ،حيث انها لم تربط تمددها التكنولوجي باية تدخلات سياسية او مساعي ظاهرة للهيمنة ،بل احتفظت بكونها شريكا تجاريا نشطا للعديد من دول العالم ،واعتبرت نفسها طول الوقت دولة نامية ،واصبحت شريك لكبري الماركات العالمية في مجال التكنولوجيا ،ونجحت الصين في جذبها في البداية الى سوقها الذي يتسم بالضخامة ،وبالتمتع بمزايا العمالة الرخيصة وبتشجيع لافت من الحكومة الصينية ،ثم استطاعات في مرحلة لاحقة من اطلاق "علاماتها  "التجارية في مجال الصناعات والتطبيقات التكنولوجية.

على الرغم من حجب مواقع للانترنت من قبل الحكومة الصينية وعن تصنفيها في موقع متقدم في عداء حرية الانترنت ،استطاعت الصين ان توظف ذلك في بناء تطبيقات وطنية بديلة لتلك التي تمتلكها الشركات الغربية ، وبخاصة في مجال بناء شبكة انترنت محلية وبناء جدار نار خاص للحماية وتدشين محركات للبحث ومنصات للتجارة الالكترونية والشبكات الاجتماعية ، وحظت الاخيرة باهتمام بالغ من قبل الحكومة الصينية اما لاسباب ترجع لتخوفها من تاثيرات الشبكات الاجتماعية الغربية على استقرارها من جهة والى التاثير الاقتصادي السلبي المحتمل على الداخل الصيني  من جهة اخرى،  

ولا تمارس الرقابة على الانترنت من قبل الحكومة الصينية بمفردها بل يتعاون معها شركات الانترنت الخاصة وبعض المؤسسات الاهلية ،وترى الصين ان الهجوم الغربي على سياستها تجاه الانترنت مبعثه الخوف من الصعود الصيني واستخدام الانترنت كورقة ضغط عليها ، الى ان تلك الضغوط خفت في الفترة الاخيرة مع سعي الصين لان تكون لاعبا في صياغة السياسيات الدولية المتعلقة بالانترنت ، ومطالبتها بتدويل ادارة الانترنت ،وحشد المجتمع الدولي في فاعليات صينية متعلقة ،ومن جهة اخرى اقدمت الدول الغربية والمصنفة ديمقراطيا على تعزيز رقابتها على الانترنت ،وهو الامر الذي كان محل نقد للصين ،والتي كانت رائدة في مجال الحجب للمواقع  التى تبث الشائعات أو دعاوى إسقاط الدولة أو الطائفية أو المواد الإباحية،وهناك تفهم واضح من الشعب الصيني وبخاصة مع نجاح الخطاب الصيني المرتكز على اهمية الحفاظ على الطاقات البشرية التي تنعم بها الصين من اخطار الانترنت ناهيك عن تأثير ذلك على قيم العمل والوقت والجماعة وهي قيم صينية اصيلة تعمل على تعزيز الاستفادة من الانترنت .

 ملامح الصعود الصيني في التواصل الاجتماعي

ادركت الصين اهمية العلم والتكنولوجيا في ممارسة الهيمنة في الساحة الدولية ومن ثم لجأت الى العمل على تعزيز قدراتها الذاتية في مواجهة الهيمنة الغربية ،والتي حملت مضامين ثقافية وسياسية واقتصادية ،والتي ترسخت بتطبيقات العولمة ، والتي رات فيها الصين وسائل للاستعمار الجديد ،وعلى هذا الاثر بدات في تحويل ذلك التحدي الى استجابه تقودها الدولة ،من خلال تبني سبل الحفاظ على الخصوصية الصينية. ونجحت في تحقيق استراتيجيتها بان باتت تتبوء مركز عالمي في مجال الصادرات التكنولوجية ،وفي مجال التطبيقات الى جانب حجم الانتشار والنفاذ للانترنت ،وحظيت بالمركز الاول عالميا في عدد مستخدمي خدمة الانترنت عام 2017،في سنة واحدة ارتفع عدد المستخدمين الى 41 مليون ،وزاد الاستخدام بنسبة 5,6 % ،وصل عدد المستخدمين الى 772 مليون ،وهو ما يمثل ما نسبته  55,8 % من مجموع السكان البالغ عددهم 1,4 مليار نسمة، ، وهناك 753 مليون صيني يستخدمون الانترنت من خلال المحمول وهو ما يمثل 97,5 % من عدد المستخدمين.

وهو ما كان له انعكاس كبير في نمو التجارة الالكترونية  ، بلغ عدد المتعاملين معها 14,3 % عام 2017 ، وارتفع ليصل 533 مليون من بينهم 68% يقومون باجراء العمليات عبر هاتفهم الذكي ،وياتي الى جانب ذلك الاهتمام الذي تولية الحكومة الصينية بدعم البنية التحتية واطلاق خطة ""انترنت بلاس" التي تهدف الى تعزيز نمو الاقتصاد الرقمي وتشجيع الشركات الناشئة والابداع والابتكار .وترتكز الرؤية الصينية على دعم الاستقلالية من خلال تشجيع التطبيقات الوطنية بالرغم من المشكلات التي واجتها في البداية ،فاحتلت الصين مركزا متقدما في مجال التجارة الالكترونية من خلال موقع "علي بابا" ،واحتل محرك البحث الصيني "بايدو " Baidu مركز مستقل عن محركات البحث العالمية ،ولم تفلح الضغوط الغربية على الصين بالسماح لشركة "جوجل " للعمل في الصين بحجة حرية التجارة وبمستقبل العلاقات بين امريكا والصين .


وهناك موقع "تاو تاو" للدفع الالكتروني وهو المقابل لمنصة "اي باي" ،وهناك أيضا "إيكاشاو"إيكسونويقومان مقام موقع "فليكرلتبادل الصور، ويقابل موقع "ويكيبيدياالموسوعى نظير آخر صينى هو "هودونج"، وتوجد منصة يوكو وتودو في مقابل اليوتوب ،وتستخدم  منصات الفيديو عبر الإنترنت في الصين بشكل مختلف تمامًا عن كيفية استخدام الأمريكيين لموقع YouTube. فبدلاً من مقاطع الفيديو القصيرة الخاصة التي قد تحظى بشعبية بين مراقبي YouTube ، تمتلئ Youku و Tudou بمحتوى أطول ، ويتم إنتاج ما يصل إلى 70 % منها بشكل احترافي. يقضي المستخدمون في الصين ما يصل إلى ساعة يوميًا في الموقع ، مقارنةً بأقل من 15 دقيقة قضاها الأمريكيون على YouTube.

وتوجد منصة  "كايشينو"تيسينت"، و"سينا " و"ويبو" في مقابل تويتر ،حيث يتم نشر تغريدات من 140 حرفا الا انه يتميز بنشر الفيدوهات والصور والتعلقيات يُترجم 114 حرفًا في الصينية إلى 434 حرفًا باللغة الإنجليزية ، إلى ما يتجاوز حد النص "تغريدة" باللغة الإنجليزية. هذه الكفاءة اللغوية تحول المدونات الصغيرة في الصين إلى منصة تشبه المدونة.وعلى الرغم من انتشار الفيسبوك في الدول الغربية كشبكة اجتماعية الا انه توجد شبكات عدة في الصين بما يعمل على تقسيم المستخدمين بينهم. الا انه تهيمن شركة "تنسنت"Tencent على الشبكات الاجتماعية والتي يعتقد أنها مجرد واجهة للحكومة الصينية ،وذلك عبر موقعها "كوزون"Qzone ،والذي يضم قرابة 606 مليون حساب نشط، وهو الاكثر شهره بين الناطقين باللغة الصينيّة .الى جانب "ويتشات WeChat ، والتي تضم 963 مليون مستخدم شهري نشط. ويقضي اكثر من ثلث المستخدمين ما يزيد عن أربع ساعات في اليوم على الخدمة. مقارنة بمتوسط ??الوقت المستغرق في Facebook،وهو 22 دقيقة في اليوم. فإن شبكة  QQ لا يزال لديها حوالي 850 مليون مستخدم نشط شهريًا ، وقد تم تسجيل أكثر من 266 مليون مستخدم باستخدام QQ في وقت واحد.

وارتفعت أسعار أسهم "تنسنت"وهي أول شركة آسيوية تنضم إلى نادي الشركات التي يتم تداول أسهمها بشكل عام وتقدر قيمتها بأكثر من 500 مليار دولار. وفي هذه العملية ، وتم إقصاء الفيسبوك من أكبر خمس شركات عالمية من حيث القيمة السوقية.وبلغ صافي الارباح عام 2017 ما يقترب من 7 مليار دولار ،مقابل صافي دخل الفيسبوك بـ4 مليار دولار في النصف الاول من عام 2017.

دوافع شعبية الشبكات الاجتماعيةفي الصين

بلغ عدد  الحسابات على الـشبكات الاجتماعية 596 مليون مستخدم في عام 2017 وبما يزيد على 520 مليوناً حسابا نشطا ، والمتوقع ان تصل نهاية عام  2018 الى 616 مليون مستخدم ، ومتوقع ان تصل الى 725 مليون مستخدم عام 2025 ، ويصل معدل الانتشار الحالي ما يزيد عن 40%، بما يقترب من المعدلّ العالمي وهو  38%.وتتميز الشبكات الاجتماعية في الصين بانها تحوي نسبة كبيرة جدا من الحسابات النشطة ،وهو برهان على مواجهة الحسابات المزيفة ،واستخدام الاسماء الحقيقية في التسجيل ،وهي بذلك تختلف عن الشبكات الاجتماعية الاخري مثل الفيس بوك ،والذي يحوي الالاف من الحسابات الخاملة ،والى جانب المزيفة او المكررة ،وهو ما ينعكس على حجم التفاعل وانتاج المحتوى ،وعدد المستخدمين الفعلي بما يكون له انعكاس على الفاعلية والتاثير .

وتتيح الشبكات الاجتماعية المحلية للحكومة الصينية القدرة على مواجهة قدرة تلك الشبكات في تعزيز مشاركة المواطنين في المجال العام، واتساع نطاق المشاركين وتزايد عدد القضايا المثاره ،والذين توفر لهم منصات الشبكات الاجتماعية القدرة على التعبئة والحشد والانتشار ، ويتيح ذلك من جهة اخرى القدرة على التنبؤ واتخاذ القرار اللازم من قبل السلطات الرسمية كحالة احتواء الاحتجاجات في عام 2014.

 وتعزز الشبكات الاجتماعية من فرص التحرك في مجال مكافحة الفساد ،وخلق وظائف جديدة من خلال بناء راس المال الاجتماعي من خلال العلاقة المباشرة بين الشركات والعمال "المحتملين"، ووجود وظائف جديدة ترتكز عل مهارات الاقتصاد الرقمي،وهو الامر الذي  يفيد خطط التنمية من قبل الحكومة الصينية ،ودمج الشباب في سوق العمل ، وتحقيق اهداف التنمية المستدامة للامم المتحدة 2030 .
Related image

وهناك العديدمن الدوافع وراء شعبية الشبكات الاجتماعية في الصين ،واهتمام الحكومة المتصاعد بها من جهة اخرى ،

اولا،  يساهم محتوى الشبكات الاجتماعية في تعزيز الوعي والمعرفة لدي المواطنين بما تشمله من معلومات ،بما يعمل على تقييد قدرة الحكومة على تعزيز رقابتها .

ثانيا ،ان استخدام تلك الشبكات لا يحمل فرص توجيه اتهامات بالعمالة او بالتدخل الخارجي في الشئون الداخلية نتيجة الطابع الصيني لها سواء في اللغة المستخدمة او في حجم المستخدمين الضخم بمايزيد على نصف الشعب الصيني او في الطابع المحلي لإنتاج تلك التطبيقات .

ثالثا ، خضوع تلك الشبكات المحلية للرقابة الحكومية الصارمة بما عمل على توجية نمط الاستخدام وترشيدة وتوجية طاقات الشباب الى العمل وتعظيم الفائدة من الاستخدام .

رابعا ،قيام الحكومة الصينية بحجب الشبكات الاجتماعية الخارجية لاعتبارات تتعلق بامنها القومي ،الى جانب تاثير علاقاتها الخارجية مع الغرب على نمط تعاملها مع الشركات الغربية

خامسا ،تزايد شعبية الشبكات الاجتماعية جاء نتيجة الهجرة من الريف الى الحضر التي تعزل الاسر عن ذويهم ،وبخاصة في المناطق الاقتصادية البعيدة .

سادسا ، ادى تبني الصين سياسة" الطفل الواحد" الى انعكاس ذلك في العزلة والشعور بالوحدة لدي هذا الجيل بما يجعل هناك رغبة في التعارف وبناء العلاقات الاجتماعية .

سابعا ،عدم الثقة في المعلومات من وسائل الاعلام التي تسيطر عليها الحكومة جعل هناك حوافز للجوء الى الاعلام البديل كمصدر للمعلومات

ثامنا ،نمط الاستخدام والاستهلاك حيث أن مستخدمي الإنترنت في الصين متواجدون عبر الإنترنت بمعدل 2.7 ساعة في اليوم ، أي أكثر بكثير من البلدان النامية الأخرى وبالتقارب مع  أنماط الاستخدام في اليابان والولايات المتحدة  .

تاسعا، ضخامة عدد سكان الصين والذي وصل إلى 1.4 مليار ، يعيش قرابة 65 % منهم في مناطق حضريّة ،وهو ما يكون له دور في جذب السوق الصيني للاستثمار المحلي في مجال الشبكات الاجتماعية ،وهو سوق تتكالب علية كبري الشركات العالمية.

اخيرا ، ادت عملية فرض الشروط للتسجيل ناهيك عن الرقابة ضد الانتهاكات من قبل الحكومة ساهم في تعزيز الثقة في الاستخدام ،وزيادة الحسابات النشطه وهو ما يكون له تاثيرات ايجابية.


Image result for china and social media

انماط الاستخدام وتنظيم الشبكات الاجتماعية

 يشير نمط الاستخدام في اسيا للشبكات الاجتماعية الي ان المستخدمين يكون لديهم عدد متقارب من  الاصدقاء ما بين الشبكات الاجتماعية ومن خارجها ،بينما يشير نمط الاستخدام الصيني الى ان المستخدمين للشبكات اجتماعية يكون لديهم اصدقاء يفوق ما لديهم في الواقع.وهو ما يكشف عن مدى اندماج تلك الشبكات الاجتماعية في حياة الصينين .وتختلف انماط الاستخدام لمنصات التواصل الاجتماعي في الصين ، عن مثيلاتها في الدول الاخري ،وهذا ليس مبعثه حالة الرقابة من قبل الحكومة كما هو الحال في بعض دول اسيا،بل يرجع بالدرجة الاولي الى التنوع في اللغه والثقافة ومستويات التنمية الاقتصادية وحالة التطور في البنية التحتية ، وهذا التوجه نحو التطبيقات المحلية موجود كذلك في اليابان وكوريا الجنوبية.

بالنسبة للشركات العاملة في الصين ، فإن ظهور الشبكات الاجتماعية يفتح فرصًا للتواصل مع المستهلكين ، وفي بعض الأحيان تجنب المشاكل ،ومن ثم فان تجاهل الشبكات الاجتماعية قد يؤدي الى أزمة بين المستهلكين والشركات المنتجه.حيث تستخدم الاخيرة الشبكات الاجتماعية لإجراء أبحاث التسويق ومعرفة اذواق المستهلكين ، وتغيير تفضيلات العلامة التجارية ، والاعلان عن المنتجات ، ومتابعه المحادثات والتعليقات عنها عبر الشبكات الاجتماعية ،والتي اصبحت تلعب دورا تجاريا ووسيطا بين المنتج والمستهلك .

وترى الحكومة الصينية ان الشبكات الاجتماعية ليست فقط منصة غير جذابة لتنظيم حركات الاحتجاج الاجتماعي مع حالة الرقابة ،ولكنها ايضا مفيدة كوسيلة لمراقبة الموظفين وقياس المشاعر العامه ومنصة لنشر الدعاية من قبل الحكومة،بينما يرى المواطنين ،ان قياس اية فوائد مبتغاة من الشبكات الاجتماعية امر يتوقف على  السياق العام لفرض التشريعات الجنائية،والممارسات الامنية للرقابة عليها.

يستفيد النظام ومستخدمو الشبكات الاجتماعيه من محاربة الفساد المحلي وإساءة استخدام السلطة من قبل القادة المحليين.وتلعب دور إيجابي في الشؤون العامة على المستوى المحلي ، مما يحسن من فرص وصول الجمهورإلى المعلومات ، والمشاركة في النقاش العام ، وقدرتها على تنسيق حزمة  الإجراءات والاستجابة للمشاكل المحلية.

وهناك محدودية في مشاركة المسئولين الحكوميين والقادة المحليين اما لاعتبارت تتعلق بممارسةالرقابة الذاتية على نشاطهم الالكتروني او الخوف من الرقابة الحكومية الصارمة ،او لعقوبات الحزب الشيوعي الصيني .

ومن ثم فان خطورة توظيف تلك الشبكات الاجتماعية في الاحتجاجات او العصيان المدني او ما شابه ذلك تكون محدودة الاثر ،على الرغم من صعوبة السيطرة الحكومية على كل النشاط عبرها او من خلالها ، وبخاصة مع توظيف الحكومة المركزية في بكين الشبكات الاجتماعية في تعزيز سلطتها ومركزيتها تجاه الاقاليم المحلية.وذلك من خلال  نقل رسائل الشبكات الاجتماعية في شكل إلكتروني من خلال بنية تحتية يتحكم بها عادة الحكومة. وساعدت التطورات الحديثة في تحليل المحتوى وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمه والحوسبة في تخفيض التكاليف الى حد كبير، ويمكن للحكومه استخدام هذه الطرق لتتبع وتحليل الأنشطة عبر الإنترنت ، لقياس الرأي العام ،واحتواء التهديدات قبل انتشارها.

بدءاً من شبكات التواصل الاجتماعي إلى الإنفاق على بطاقات الائتمان. وتعتزم الدولة منح جميع المواطنين تصنيفاً للضمان الاجتماعي بهدف القضاء على المشاغبين المحتملين. وبالإضافة إلى ذلك، تجبر السلطات شركات التكنولوجيا على الامتثال للقوانين الصارمة الجديدة ومتطلبات الهيئات التي تتعامل مع الأمن السيبراني. وترى الصين ان المجريات الاخيرة بشأن مزاعم عن التدخل الروسي في الانتخابات الامريكية  تفرض الاستمرار في السيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي ،وبخاصة مع فرص توظيف الشبكات الاجتماعية في نشر الاخبار الزائفة وسرقة البيانات الشخصية خاصة بعد فضيحة شركة "كامبريدج اناليتكا " عبر الفيسبوك ، وتطالب الحكومة الصينية  بتخصيص مقاعد في مجلس إدارة تطبيقات ويشات، ويبو وتينسنت، فضلاً عن الوصول إلى البيانات الشخصية لمستخدميها وبخاصة مع نجاحها في اجبار شركة "ابل" مؤخرا على اقامة مركز للبيانات عن المستخدمين في الصين  .

وتتضمن الشروط الصينية لاستخدام الشبكات الاجتماعية المحلية باستعمال الاسماء الحقيقية ويتم الدخول ببطاقة الهوية الوطنية،وعدم محاكاة ألقاب لشخصيات مشهورة او السخرية منها  أو بتدشين حسابات تدعو للإرهاب، او تلك التي تروج للعب القمار او العنف او الاباحية او نشر الاخبار الكاذبة او الشائعات،ويتم إعطاء مهلة معينة لأصحاب الاسماء المستعارة لتغييرها وفي حال عدم تغييرها يتم إغلاق حساباتهم الشخصية ،الى جانب حجب المواقع العالمية مثل فيسبوك وجوجل ،وذلك بحجة ضمان وحماية الأمن القومي.وترى الدول الاخرى تلك القيود على انها منافية لحرية التعاملات التجارية .

واطلقت الصين نظام جديد يعتمد على منح ترخيص السفر اعتمادا على متابعه الحسابات الشخصية للافراد على التواصل الاجتماعي ،وتحاول الصين الان ربط ذلك باعتماد نظام تقييم المواطنين بنقاط على اساس السلوك المالي والاجتماعي والاخلاقي على الشبكات الاجتماعية ،يتم اخذها في الاعتبار عند حصول هذا المواطن على الخدمات الحكومية مثل الضمان الاجتماعي.ومن المقرر ان يتم الانتهاء من تكوين هذا النظام الجديد بحلول 2020 .

الدروس المستفادة من التجربة الصينية

تكشف التجربة الصينية عن كونها أنموذجا تنمويا ليس فقط في مجال الشبكات الاجتماعية بل كذلك فيما يتعلق بسياسات الانترنت ،وتعد حالة فريدة في خصائصها وفي ملامحها وسبل تطورها ،ولكنها تحمل دروس وخبرة يمكن تطبيقها خارج حدود الصين ، ومن ابرز ملامح تلك التجربة ان تنمية القدرات الذاتية هي السبيل الوحيد لرفعة المكانة الوطنية ، والدولية كذلك ، والاعتماد على العناصر الوطنية في التطوير والتنمية وليس بالضرورة على شركات اجنبية ،وان تمت الاستعانه بها يتم وفق مقضيات المصلحة الوطنية .

ولعل ضخامة السوق قد ساعدت في نجاح التجربة الصينية الى جانب عوامل اخري ،وهو ما يجعلنا نبحث عن حدود الاختلاف والتشابه مع التجربة المصرية ،وحيث تمكنت مصر في الفترة الاخيرة من زيادة صادرتها من الصناعات التكنولوجية ،وهناك محاولات لاطلاق تطبيقات جديدة ،الا ان تطبيقات الشبكات الاجتماعية وغيرها يتطلب استراتيجية وطنية شاملة لتوفير بديل وطني من المنصات ،ويتوقف نجاح الشبكات الاجتماعية على الخدمات التي تقدمها ،وحماية امن المستخدمين ،وتوفير مرونة كبيرة في التعامل مع المستخدمين ،ومواكبة زيادة الطلب ،والتحديث بشكل مستمر ،واعتماد نموذج اعمال لها يتميز بالاستدامه ، فعلى سبيل المثال لن يكون هناك شبكة اجتماعية ناجحة بدون القدرة على وجود مشغلات فيديو ،لانه لم يتم اجازة استخدام اليوتوب عليها الا باذن مسبق من الشركة ،وفي سوق تنافسي يتطلب امتلاك كافة وسائل القوة في مجال الشبكات الاجتماعية .

وتكشف لنا التجربة الصينية ان المواطنين شركاء في نجاح الشبكات الاجتماعية مع شعورهم بالانتماء واستخدامهم للبديل الوطني ،ناهيك عن ان مقتضيات الامن القومي حال استخدامها ،المساهمة في ترشيد الاستخدام من خلال وضع الضوابط والشروط والتحقق منها بما يكون له انعكاس على حجم التفاعل الايجابي .

وتساهم عملية ايجاد بدائل وطنية للشبكات الاجتماعيه في منع التدخل في الشئون الداخلية، وتعبئة الموارد لتحقيق الاهداف القومية ،وتحول الشبكات الاجتماعية الى مساهم في عملية التنمية الاقتصادية ،وساهم البعد الثقافي للمجتمع الصيني في التاثير في نمط الاستخدام ،وذلك من خلال تعزيز قيمة العمل والوقت وقيم الجماعه وهي قيم لازمة لمواجهة الاستخدام السيئ للشبكات الاجتماعية .


 

ويتطلب ذلك المنحى في التطور استثمار القدرات المصرية  في مجال البنية التحتية وفي الكوادر البشرية وحجم الانتشار والنفاذ للانترنت والهاتف المحمول ،حيث يوجد في مصر 50 مليون مستخدم للانترنت و38 مليون مستخدم للفيس بوك، وما يزيد على 100 مليون مشترك في خدمة التليفون المحمول ،وبلغ مستخدمي الانترنت في العالم العربي ما يزيد عى 170 مليون مستخدم ، ناهيك عن انتشار الهواتف الذكية ،ودعم البنية التحتية للمعلومات ، كل ذلك وغيره يفضي الى القول ان عملية استثمار ذلك يمكن ان يتم من خلال اطلاق شبكة تواصل اجتماعي موجه باللغه العربية كمرحلة اولي وذلك للاستفادة من السوق الضخم وبالقدرات المالية خاصة في دول الخليج  العربي .

 ويتوقف نجاح عملية اطلاق شبكة تواصل اجتماعي وطنية على التوسع في السوق العربي ،والقدرة على تقديم الدعم اللازم من قبل الدولة سواء في مجال دعم الصناعات التكنولوجية او التطبيقات ،بالاضافة الى الرؤية الشاملة المرتكزة على تعزيز البعد الوطني او العربي في استخدام الانترنت بشكل عام من خلال تبني تطبيقات متكاملة مثل مشغلات الفيديو او بوابات الدفع الالكتروني او التجارة الالكترونية او محركات البحث او في مجال الشبكات الاجتماعية ،وبخاصة ان الشركات الكبري تستفيد من السوق العربي دون ان تدفع شيئا من وعائها الضريبي الى الدوله ، وتعزيز سيطرة  الشركات العابرة للحدود على السوق المحلي ،وجني ارباح طائلة سنويا من الاعلانات بما يؤدي الى خسائر للاقتصاد القومي نتيجة تسريب رؤوس اموال محلية الى الخارج والاضرار بقطاع الاعلانات الوطنية ، ناهيك عن التاثير الامني على المجتمع والدولة ، بالاضافة الى تعرض البيانات الشخصية للمستخدمين المحليين للخطر من قبل شركات عابره للحدود ، وصعوبة السيطرة على تيار تدفق المعلومات من الخارج ونشر التطرف والارهاب .

وهذا لا يعني ان هذه المنصات الموجود شريرة على طول الخط بل يتوقف الامر على طبيعة الاستخدام فتلك المنصات هي حيادية بطبيعتها ومن ثم فانها تحديا لمن لا يستطيع التعامل معها وفرصة كذلك للقادر على فهمها ،بما يكفل له دور في عالم الحاضر والمستقبل ،وما يشكل ذلك ثقافة المستخدم ومن ثم فعلينا الاستثمار في تنمية العقول وفي التعليم ،

ان عملية الاستثمار في الابداع والابتكار هي السبيل للدخول الى العصر الرقمي ،وهو ما يتطلب توظيف ادارك القيادة السياسية لأهمية التحول الرقمي في المجتمع ،والتقدم على المستوى التشريعي والتقني والعلمي واصلاح المناهج التعلمية ،وتعزيز دور وسائل الاعلام كافة في خدمة التنمية المستدامة.  
* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاسترتيجية -مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • علم الأحياء الحاسوبي: خوارزمية تَعَلُّم آلة تتنبأ ببِنْية البروتينات
  • علوم اجتماعية: ديناميكيات خطاب الكراهية على الإنترنت
  • فيزياء تطبيقية: تحسين تجارب الواقع الافتراضي والواقع المعزز باللمس
  • إلكترونيات: استشعار المؤشرات الحيوية دون ملامسة الجسم
  • سلوك البشر: التكنولوجيا الرقمية تحت المجهر
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ