نشر الفائزون الثلاثة أعمالهم التي أحدثت ثورة عام 1998، في دراستين منفصلتين هم الأميركيان سول بيرلموتر وآدم ريس، والأميركي - الأسترالي بريان شميت. وعرف العلماء منذ عشرينات القرن الماضي أن الكون يتمدد نتيجة الانفجار العظيم الذي حدث قبل نحو 14 مليار عام، لكن اكتشاف أن هذه العملية آخذة في التسارع لا التباطؤ، كما ظن كثيرون، هزت المجتمع البحثي.
وإذا استمر التوسع في التسارع فسيتحول الكون في النهاية إلى جليد ودرس العلماء العشرات من النجوم المتفجرة التي تدعى سوبرنوفا، واكتشفوا أن الكون يتوسع بوتيرة متسارعة أكثر فأكثر»، ويساهم هذا الاكتشاف في تغير فهم الإنسان للكون، واكدت نظرية طرحها بداية ألبرت آينشتاين وأطلق عليها اسم الثابت الكوني (الكوزمولوجي).
وتحقق هذا الكشف من خلال مراقبة نجوم بعيدة تنفجر، وبدلا من أن يزداد بريق النجوم كان ضوؤها يخفت، وكانت النتيجة المدهشة هي أن التمدد الكوني لا يتباطأ بل على العكس يتسارع. وهناك اعتقاد أن هذا التسارع وراءه طاقة داكنة، وإن كان علماء الفلك لا يعرفون كنهها، وهم يقدرون أن هذه الطاقة هي جاذبية عكسية تبعد المادة التي تقترب منها وتشكل نحو ثلاثة أرباع الكون.
وهدفت الاعمال حول السوبرنوفا في الأساس إلى قياس تراجع سرعة توسع الكون بتأثير من الجاذبية، وأظهر تسارعه.واشارت النتيجة الى أن الجزء الأكبر من الكون، أي 75 %، قد يكون مؤلفا من طاقة لم تكن معروفة في تلك الفترة، وتدعى الآن (الطاقة السوداء) المسؤولة عن تسارع توسع الكون ،وهذه الطاقة «القاتمة» أو «السوداء» تتحكم بدينامية الكون منذ مليارات السنوات، وبحسب الاكتشاف الذي توصل إليه الفائزون الثلاثة فهذه الطاقة هي بمثابة قوة مضادة للجاذبية، الأمر الذي فتح أمام علماء الفيزياء حقول أبحاث جديدة لفهم الكون.
وهذا النوع من السوبرنوفا يعتبر ضوءا مرجعيا في الكون، وهو انفجار نجوم يعرف العلماء بالتحديد قوة إشراقها وتستخدم لقياس المسافات في الكون.
من تاريخ المشاكل الكونية
عندما نبحث عن القنوات التلفزيونية نرى بقع بيضاء تظهر على شاشة التلفزيون قبل العثور على قناة عاملة. حوالي 1% من هذه النقاط يرتبط اصلها بالانفجار الكبير الذي وضع نقطة البداية لبدء الحلقة الراهنة من التطور. هذه الإلكترونات صدرت عند الانفجار وجاءت كموجات تسمى ميكرووايف، وتشكل اليوم الخلفية الكونية.
هذه الموجات الصوتية اصبحت المساعد التي اعطى جواب العديد من الاسئلة الغامضة حول الكون. من خلالها نعرف عمر الكون ومما يتألف. كما نعرف لماذا توجد المجرات ولماذا يتجه الوقت بأتجاه واحد. الاجوبة لم تأتي بالطبع فقط من هذه الموجات بل ايضا من الترابط مع ظاهرة التوسع الكوني.
نظرية اينشتاين إكتشفت تمدد الكون قبل إينشتاين نفسه
نظرية التوسع الكوني ظهرت منذ عشرات السنين، وتتطورت بفضل مجموعة من العلماء، احدهم كان البريت إنشتاين. عام 1915 طرح إينشاتين نظرية النسبية المشهورة. هذه النظرية حلت مجموعة معقدة من الظواهر واعطت اجوبة على الكثير من المشاكل الفيزيائية. لقد تتطابقت النظرية مع الملاحظات. غير ان نظرية النسبية كانت تملك مشكلة خطيرة، عند استخدام المعادلة بالمنظومة الكونية ، يظهر من الواضح ان الكون غير مستقر فهو إما في حالة توسع وإما في حالة تقلص.
في ذلك الوقت كان كل إنسان متعلم " يعلم" ان الكون بلا حدود وابدي. إينشتاين وجد نفسه تحت تأثير الافكار المسبقة ملزما بإضافة مُعامل ثابت، اسماه المُعامل الكوني، الى المعادلة الذي قام بخلق ضغط الى الداخل يعادل ضغط التباعد، وفي نفس الوقت حافظت نظرية النسبية على مقوماتها الاخرى. غير ان إينشتاين تخلى سريعا عن المُعامل الذي اضافه. عام 1929اكتشف الفلكي ايدوين هوبله ان جميع المجرات تبتعد عن بعضها. الكون لم يكن غير متغير كما كان العالم يعتقد سابقا وبالتالي لاحاجة له الى قوة دافعة. لقد اعتبر إينشتاين الإضافة خطيئة العمر.
الاكتشاف جلب معه مشكلة جديدة، من حيث ان الموجات القصيرة للغاية كانت ذات حرارة واحدة في كافة الاتجاهات. لننظر الى المثال التالي: إذا بدأت بقياس حرارة الاشياء بمنزلك ووجدت ان جميع الاشياء لها درجة حرارة واحدة بالضبط ولنفترض انها 2,727 مئوية بالرغم من ان حرارة الغرفة تختلف من مكان الى اخر إختلافا كبيرا. هذا الامر لايمكن ان يكون بلا سبب. عند قياس درجة حرارة الثلاجة تجدها ايضا 2,727 وبالتالي لابد ان تكون جميع الاشياء ذات الحرارة الواحدة قادمة من الثلاجة. من هنا توصل العلماء الى ان المواد المتشابهة الحرارة لها مصدر واحد.
المشكلة مع الموجات القصيرة انهم ليسوا من مكان واحد. اماكنهم تبعد عن بعضها البعض مسافات هائلة الى درجة انه حتى الضوء لايمكنه قطع هذه المسافة خلال منذ لحظة بدء المرحلة الكونية والى اليوم. بتعبير اخر المناطق المقاسة لها درجة حلرارة واحدة بالرغم من انهم لم يتصلوا ببعضهم ابدا. هذه المشكلة إطلق عليها " المشكلة الافقية" وتمكنوا من حلها بعد عشرين عاما من اكتشافها، بفضل اكتشاف تمدد الكون.
المفاجئة بأكتشاف تمدد الكون لاتقل عن الانفجار الكبير
عالم الفيزياء الشابAlan Cuth من معهد Massachussets Institute of Technology, MIT هو الذي فتح الباب لنظرية تمدد الكون عام 1979، عندما كان يسعى للوصول الى معرفة كثافة الجزيئات الكونية، ولكنه توصل الى نظرية نشوء الكون عوضا عن مسعاه الاول.
حتى في الفراغ الكوني يجابه الجسم مايمكن تسميته بحالة "التلكؤ"وهو تبديل السرعةعندما يمر الجسم بحقل التلكؤ مما يدل على ان الحقل له كثافته التي تختلف عن كثافة بقية الفراغ. كلما إزدادت قيمة التلكؤ كلما كانت كثافة الجسم اكبر. من اجل ايضاح حالة التلكؤ بالجسيمات الكونية درس العالم الشابAlan Cuth ظاهرة تعرف بأسم حقل Higgs، والاسم اطلق على مكتشفه Peter Higgs. بالضبط كما ان حركة الجسم في حوض ممتلئ بالعسل ستكون اكثر تلكوء من حركة في حوض ممتلئ بالماء، نرى ان حقل Higgs يتواجد في كل الكون الخالي وكأن هناك " مادة" من نوعية خاطئة، تقدم مقاومة للجسيمات الكونية السابحة ضد زيادة سرعتها. نعرف ان بعض الجسيمات اثقل من غيرها من كونها تجد عبأ اكبر في مقاومة حقل Peter Higgs والخروج منه.
عام 1979 شكل انعطافا كبيرا عندما قامAlan Cuth بتجربة حقل هيغس Higgs في الظروف المشابهه لما كان علية الامور في لحظة الانفجار العظيم. المفاجأة ان حقل هيغس اظهر خواصا دافعة عنه، وعندها اجرى تجربة فيزياء حقل هيغس Higgs على الكون بأكمله. النتائج كانت غير متوقعة. حقل هيغس لديه قدرات هائلة على الدفع والابعاد الى درجة انه لحظة الانفجار وخلال 10 مرفوعة الى ناقص 35 من الثانية انتفخ الكون الى 10 مرفوعا الى 100 مرة من حجمه اليوم. ان الارقام خيالية الى درجة ان العلماء يتساءلون لماذا لم ينفجر البالون الكوني؟ الحسابات تشير الى ان التمدد كان غاية في الكبر ولكن بسرعة جرى التقلص، وخلال بضعة مليارات من الاعوام وصل الى الحجم الطبيعي الخاضع لقوى الجاذبية .
بهذه الحسابات اصبح واضح ان الانفجار العظيم ليس إلا نتائج لقوى حقل التمدد وحلقة من حلقاته.
المعضلات الكونية تجد حلولا
تمكنت نظرية التمدد من حل مجموعة معضلات كونية كانت مستعصية على الحل ومن بينها " المشكلة الافقية". التمدد يتضمن تسارع مستديم للسرعة. هذا يعني ان السرعة تتصاعد بسرعة عبر الزمن، ولكن ايضا تعني انها تتضاءل عند كل خطوة الى الوراء عبر الزمن. إذا استمرينا بالعودة الى الوراء نصل الى لحظة عندما كانت فيه جميع اجزاء الكون بصف بعضها البعض مايسمى" ضوء الافق"، وبالتالي توصلنا الى توضيح المشكلة الافقية.
غير ان هذه النتائج لم تكن كافية لاعطاء نظرية التمدد الاعتراف الكافي. كانت النظريات الكلاسيكية تتمتع بوضع افضل بسبب انهم عدة مرات استطاعوا التنبأ بالنتائج المختبرية ومعطيات المراقبة بدقة تصل الى بضعة ديسمتر. لفترة طويلة كانت التساؤلات قائمة الى اي درجة تستطيع نظرية آلان الوصول الى معطيات مماثلة من الدقة.
تشكك العلماء انتهى عندما ثبت بما لايدع مجال للمقارنة ان التمدد للبالون الكوني جعل صوت الانفجار العظيم بما يماثل مثيله الصادر من الاداة الموسيقية الهوائية المسماة مزمارة الاورغيل، اي يملك نغمة سطحية ونغمة اخرى خلفية تحمل بصمة خاصة مرتبطة بالانفجار ذاته، والتي امكن قراءتها من صور الموجات الخلفية.
الاصوات المرتدة عن موسيقى الاورغيل يمكن قياسها بدقة بمساعدة طول اسطوانة الاورغيل وسرعة الصوت. التجربة تثبت ان القياس تتطابق فيه المعطيات النظرية مع العملية. معطيات ميكانيك الكفانت يظهر ان حقل التمدد كان ملئ بالالتفافات والتشويش ذو موجات مختلفة. في كرة الانفجار العظيم وصل مستوى التشويش الى مستوى الموجات الصوتية. تماما كما في اسطوانة الاورغيل ، يصبح الصدى ثابتا (غير متحرك) وطول الموجة يعتمد على بعد الكرة. نغمات الانفجار العظيم لم تفقد وانما حفظت في موجات قصيرة في البالون الكوني. بفضل الضغط الصوتي حدث إحماء مناطق الضغط، في حين المناطق التي بها ضغط اقل بقيت ابرد. ومن هنا نرى ان نظرية التمدد تنبأت بطول وارتفاع كل موجه على حدة بدقة عالية، ومنذ عام 1990 اصبح العلماء يتسارعون لاجراء القياسات في الواقع العملي.
افضل القياسات حتى الان للموجات الخلفية جاءت من القمر الصناعي ويلكينسونWilkinson Microwave Anisotropy Probe, WMAP. . بتاريخ 16 آذار عام 2006 وبعد خمسة اعوام من المراقبة ، تم الحصول وللمرة الاولى على صورة كاملة لمجمل القدح الصوتي (على غرار قوس القدح) للكرة الكونية. منحنيات القدح الصوتي تتطابقت مواضعها بالضبط كما تنبأت نظرية التمدد الكوني. من المهم الإشارة الى ان النظرية تمكنت من تحديد شكل القدح الصوتي للكون فيما لو لم يكن هناك تمدد له،وظهر ان صورته ستكون مخالفة للغاية. إن التمدد يشكل جوهر الكون ومحركه.
تعديل صورة الكون
بربط التمدد بالصورة الخلفية للموجات القصيرة اصبح من الممكن إعادة بناء مكونات الكون. قبل الحصول على القياسات القادمة من Wilkinson Microwave Anisotropy Probe, WMAP.. قبل هذه القياسات كان بمقدور العلماء تقدير عمر الكون بين 12 الى 18 مليار سنة، اما اليوم فنعرف ان عمره بين 13,6 الى 13,8 مليارد سنة.
بالطريقة نفسها تكشف طول موجات الصدى ان الكون يتألف من 4% ذرات، 22% مادة مظلمة، 74% طاقة مظلمة. بمعنى اخر 96% من الكون يتألف من مادة وطاقة غير معروفة لنا حتى الان. المعطيات تتطابق تماما مع مجموعة دراسات سابقة. في التسعينات قام فريق امريكي واوسترالي بدراسة مايعرف ب"لا-سوبرنوفLa-Nova ا". هذا النوع من السوبرنوفا يتكون من نجمة قزمة تمتص المادة من النجوم المحيطة بها. في اللحظة التي تصل بها النجمة الى حجم معين بدقة، تنهار بأنفجار هائل مطلقة طاقة عظيمة. بمساعدة الاشعاعات المنطلقة يتمكن العلماء من قياس ، ليس فقط البعد الى تلك النجمة ولكن ايضا سرعتها ووقت اصدارها للضوء.
بفضل هذه النجوم بالذات تمكن العلماء من رؤية سرعة تمدد الكون في لحظات زمنية مختلفة بعد حدوث االانفجار العظيم. كان علماء الفلك على قناعة بأن سرعة التمدد ، بالضرورة، ستتباطئ في النهاية، وقوة الجاذبية ستبدأ بأعادة الشد الى الخلف.