الدوريات - مفاهيم استراتيجية
نظرية تمدد الكون المقولات والادلة

: 9774
الجمعة,31 اغسطس 2012 - 04:51 م
اعداد عادل عبد الصادق ، فريق الرصد ، مواقع نت

كان ثلاثة علماء فازوا بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011 لاكتشافهم المذهل لتسارع التمدد الكوني، وهو ما يعني أن الكون قد يتحول يوما إلى جليد. وتعد نظرية التمدد الكوني من احدث النظريات الكونية وقد تمكنت من الاجابة على اسئلة عويصة، بالرغم من حداثتها، واهم الاسئلة هي:: 1-كم عمر الكون و2- لماذا يملك الوقت اتجاه؟ و3-كيف نشأت المجرات؟ 4-لماذا يتمدد الكون؟

نظرية تمدد الكون المقولات والادلة
اضغط للتكبير

 

نشر الفائزون الثلاثة أعمالهم التي أحدثت ثورة عام 1998، في دراستين منفصلتين هم الأميركيان سول بيرلموتر وآدم ريس، والأميركي - الأسترالي بريان شميت. وعرف العلماء منذ عشرينات القرن الماضي أن الكون يتمدد نتيجة الانفجار العظيم الذي حدث قبل نحو 14 مليار عام، لكن اكتشاف أن هذه العملية آخذة في التسارع لا التباطؤ، كما ظن كثيرون، هزت المجتمع البحثي.

وإذا استمر التوسع في التسارع فسيتحول الكون في النهاية إلى جليد ودرس العلماء  العشرات من النجوم المتفجرة التي تدعى سوبرنوفا، واكتشفوا أن الكون يتوسع بوتيرة متسارعة أكثر فأكثر»، ويساهم هذا الاكتشاف في تغير فهم الإنسان للكون، واكدت  نظرية طرحها بداية ألبرت آينشتاين وأطلق عليها اسم الثابت الكوني (الكوزمولوجي).

وتحقق هذا الكشف من خلال مراقبة نجوم بعيدة تنفجر، وبدلا من أن يزداد بريق النجوم كان ضوؤها يخفت، وكانت النتيجة المدهشة هي أن التمدد الكوني لا يتباطأ بل على العكس يتسارع. وهناك اعتقاد أن هذا التسارع وراءه طاقة داكنة، وإن كان علماء الفلك لا يعرفون كنهها، وهم يقدرون أن هذه الطاقة هي جاذبية عكسية تبعد المادة التي تقترب منها وتشكل نحو ثلاثة أرباع الكون.

وهدفت الاعمال حول السوبرنوفا في الأساس إلى قياس تراجع سرعة توسع الكون بتأثير من الجاذبية، وأظهر تسارعه.واشارت  النتيجة الى أن الجزء الأكبر من الكون، أي 75 %، قد يكون مؤلفا من طاقة لم تكن معروفة في تلك الفترة، وتدعى الآن (الطاقة السوداء) المسؤولة عن تسارع توسع الكون ،وهذه الطاقة «القاتمة» أو «السوداء» تتحكم بدينامية الكون منذ مليارات السنوات، وبحسب الاكتشاف الذي توصل إليه الفائزون الثلاثة فهذه الطاقة هي بمثابة قوة مضادة للجاذبية، الأمر الذي فتح أمام علماء الفيزياء حقول أبحاث جديدة لفهم الكون.

وهذا النوع من السوبرنوفا يعتبر ضوءا مرجعيا في الكون، وهو انفجار نجوم يعرف العلماء بالتحديد قوة إشراقها وتستخدم لقياس المسافات في الكون.

من تاريخ المشاكل الكونية

عندما نبحث عن القنوات التلفزيونية نرى بقع بيضاء تظهر على شاشة التلفزيون قبل العثور على قناة عاملة. حوالي 1% من هذه النقاط يرتبط اصلها بالانفجار الكبير الذي وضع نقطة البداية لبدء الحلقة الراهنة من التطور. هذه الإلكترونات صدرت عند الانفجار وجاءت كموجات تسمى ميكرووايف، وتشكل اليوم الخلفية الكونية.

هذه الموجات الصوتية اصبحت المساعد التي اعطى جواب العديد من الاسئلة الغامضة حول الكون. من خلالها نعرف عمر الكون ومما يتألف. كما نعرف لماذا توجد المجرات ولماذا يتجه الوقت بأتجاه واحد. الاجوبة لم تأتي بالطبع فقط من هذه الموجات بل ايضا من الترابط مع ظاهرة التوسع الكوني.

حسب نظرية التوسع الكوني يتزايد تباعد المكونات الكونية بأستمرار عن بعضها البعض مباشرة بعد الانفجار الكبير. في الخلفية الكونية لازالت هذه الموجات تعكس فترة اقدم من فترة التوسع، الامر الذي يسمح بدراسة الحالة الاولى للكون.

نظرية اينشتاين إكتشفت تمدد الكون قبل إينشتاين نفسه
نظرية التوسع الكوني ظهرت منذ عشرات السنين، وتتطورت بفضل مجموعة من العلماء، احدهم كان البريت إنشتاين. عام 1915 طرح إينشاتين نظرية النسبية المشهورة. هذه النظرية حلت مجموعة معقدة من الظواهر واعطت اجوبة على الكثير من المشاكل الفيزيائية. لقد تتطابقت النظرية مع الملاحظات. غير ان نظرية النسبية كانت تملك مشكلة خطيرة، عند استخدام المعادلة بالمنظومة الكونية ، يظهر من الواضح ان الكون غير مستقر فهو إما في حالة توسع وإما في حالة تقلص.

في ذلك الوقت كان كل إنسان متعلم " يعلم" ان الكون بلا حدود وابدي. إينشتاين وجد نفسه تحت تأثير الافكار المسبقة ملزما بإضافة مُعامل ثابت، اسماه المُعامل الكوني، الى المعادلة الذي قام بخلق ضغط الى الداخل يعادل ضغط التباعد، وفي نفس الوقت حافظت نظرية النسبية على مقوماتها الاخرى. غير ان إينشتاين تخلى سريعا عن المُعامل الذي اضافه. عام 1929اكتشف الفلكي ايدوين هوبله ان جميع المجرات تبتعد عن بعضها. الكون لم يكن غير متغير كما كان العالم يعتقد سابقا وبالتالي لاحاجة له الى قوة دافعة. لقد اعتبر إينشتاين الإضافة خطيئة العمر.

بعد عام 1929 يكتشف الفيزيائيون ان الكون ينقصه احد الاشعاعات. من المعروف ان جميع مصادر الحرارة تطلق اشعة مميزة خاصة بالمصدر المطلق، وبأعتبار ان الانفجار العظيم كان مصدر حراري، يفترض به ان يطلق إشعاعاته الخاصة. بالرغم هذه المعرفة والسعي للوصول الى هذا الاشعاع لم يتمكن العلماء حتى عام 1965 من اكتشافه وحتى هذا حصل عن طريق الخطأ. في مختبراتAT&T Bell Labratories كان العالم Arno Penzias & Robert Wilson يعملون من اجل ايجاد نوع جديد من المستقبلات (انتين) ولكن لم يتوفقوا من التخلص من الذبذبات التشويشية المزعجة، ولذلك حاولوا ايجاد مصدر إرسال هذه الذبذبات، يبنتهي الامر بحصولهم على جائزة نوبل في الفيزياء، لإكتشافهم ذبذبات الانفجار العظيم.


الاكتشاف جلب معه مشكلة جديدة، من حيث ان الموجات القصيرة للغاية كانت ذات حرارة واحدة في كافة الاتجاهات. لننظر الى المثال التالي: إذا بدأت بقياس حرارة الاشياء بمنزلك ووجدت ان جميع الاشياء لها درجة حرارة واحدة بالضبط ولنفترض انها 2,727 مئوية بالرغم من ان حرارة الغرفة تختلف من مكان الى اخر إختلافا كبيرا. هذا الامر لايمكن ان يكون بلا سبب. عند قياس درجة حرارة الثلاجة تجدها ايضا 2,727 وبالتالي لابد ان تكون جميع الاشياء ذات الحرارة الواحدة قادمة من الثلاجة. من هنا توصل العلماء الى ان المواد المتشابهة الحرارة لها مصدر واحد.

المشكلة مع الموجات القصيرة انهم ليسوا من مكان واحد. اماكنهم تبعد عن بعضها البعض مسافات هائلة الى درجة انه حتى الضوء لايمكنه قطع هذه المسافة خلال منذ لحظة بدء المرحلة الكونية والى اليوم. بتعبير اخر المناطق المقاسة لها درجة حلرارة واحدة بالرغم من انهم لم يتصلوا ببعضهم ابدا. هذه المشكلة إطلق عليها " المشكلة الافقية" وتمكنوا من حلها بعد عشرين عاما من اكتشافها، بفضل اكتشاف تمدد الكون.


المفاجئة بأكتشاف تمدد الكون لاتقل عن الانفجار الكبير
عالم الفيزياء الشابAlan Cuth من معهد Massachussets Institute of Technology, MIT هو الذي فتح الباب لنظرية تمدد الكون عام 1979، عندما كان يسعى للوصول الى معرفة كثافة الجزيئات الكونية، ولكنه توصل الى نظرية نشوء الكون عوضا عن مسعاه الاول.

حتى في الفراغ الكوني يجابه الجسم مايمكن تسميته بحالة "التلكؤ"وهو تبديل السرعةعندما يمر الجسم بحقل التلكؤ مما يدل على ان الحقل له كثافته التي تختلف عن كثافة بقية الفراغ. كلما إزدادت قيمة التلكؤ كلما كانت كثافة الجسم اكبر. من اجل ايضاح حالة التلكؤ بالجسيمات الكونية درس العالم الشابAlan Cuth ظاهرة تعرف بأسم حقل Higgs، والاسم اطلق على مكتشفه Peter Higgs. بالضبط كما ان حركة الجسم في حوض ممتلئ بالعسل ستكون اكثر تلكوء من حركة في حوض ممتلئ بالماء، نرى ان حقل Higgs يتواجد في كل الكون الخالي وكأن هناك " مادة" من نوعية خاطئة، تقدم مقاومة للجسيمات الكونية السابحة ضد زيادة سرعتها. نعرف ان بعض الجسيمات اثقل من غيرها من كونها تجد عبأ اكبر في مقاومة حقل Peter Higgs والخروج منه.

عام 1979 شكل انعطافا كبيرا عندما قامAlan Cuth بتجربة حقل هيغس Higgs في الظروف المشابهه لما كان علية الامور في لحظة الانفجار العظيم. المفاجأة ان حقل هيغس اظهر خواصا دافعة عنه، وعندها اجرى تجربة فيزياء حقل هيغس Higgs على الكون بأكمله. النتائج كانت غير متوقعة. حقل هيغس لديه قدرات هائلة على الدفع والابعاد الى درجة انه لحظة الانفجار وخلال 10 مرفوعة الى ناقص 35 من الثانية انتفخ الكون الى 10 مرفوعا الى 100 مرة من حجمه اليوم. ان الارقام خيالية الى درجة ان العلماء يتساءلون لماذا لم ينفجر البالون الكوني؟ الحسابات تشير الى ان التمدد كان غاية في الكبر ولكن بسرعة جرى التقلص، وخلال بضعة مليارات من الاعوام وصل الى الحجم الطبيعي الخاضع لقوى الجاذبية .

بهذه الحسابات اصبح واضح ان الانفجار العظيم ليس إلا نتائج لقوى حقل التمدد وحلقة من حلقاته.

المعضلات الكونية تجد حلولا
تمكنت نظرية التمدد من حل مجموعة معضلات كونية كانت مستعصية على الحل ومن بينها " المشكلة الافقية". التمدد يتضمن تسارع مستديم للسرعة. هذا يعني ان السرعة تتصاعد بسرعة عبر الزمن، ولكن ايضا تعني انها تتضاءل عند كل خطوة الى الوراء عبر الزمن. إذا استمرينا بالعودة الى الوراء نصل الى لحظة عندما كانت فيه جميع اجزاء الكون بصف بعضها البعض مايسمى" ضوء الافق"، وبالتالي توصلنا الى توضيح المشكلة الافقية.

غير ان هذه النتائج لم تكن كافية لاعطاء نظرية التمدد الاعتراف الكافي. كانت النظريات الكلاسيكية تتمتع بوضع افضل بسبب انهم عدة مرات استطاعوا التنبأ بالنتائج المختبرية ومعطيات المراقبة بدقة تصل الى بضعة ديسمتر. لفترة طويلة كانت التساؤلات قائمة الى اي درجة تستطيع نظرية آلان الوصول الى معطيات مماثلة من الدقة.

تشكك العلماء انتهى عندما ثبت بما لايدع مجال للمقارنة ان التمدد للبالون الكوني جعل صوت الانفجار العظيم بما يماثل مثيله الصادر من الاداة الموسيقية الهوائية المسماة مزمارة الاورغيل، اي يملك نغمة سطحية ونغمة اخرى خلفية تحمل بصمة خاصة مرتبطة بالانفجار ذاته، والتي امكن قراءتها من صور الموجات الخلفية.


الاصوات المرتدة عن موسيقى الاورغيل يمكن قياسها بدقة بمساعدة طول اسطوانة الاورغيل وسرعة الصوت. التجربة تثبت ان القياس تتطابق فيه المعطيات النظرية مع العملية. معطيات ميكانيك الكفانت يظهر ان حقل التمدد كان ملئ بالالتفافات والتشويش ذو موجات مختلفة. في كرة الانفجار العظيم وصل مستوى التشويش الى مستوى الموجات الصوتية. تماما كما في اسطوانة الاورغيل ، يصبح الصدى ثابتا (غير متحرك) وطول الموجة يعتمد على بعد الكرة. نغمات الانفجار العظيم لم تفقد وانما حفظت في موجات قصيرة في البالون الكوني. بفضل الضغط الصوتي حدث إحماء مناطق الضغط، في حين المناطق التي بها ضغط اقل بقيت ابرد. ومن هنا نرى ان نظرية التمدد تنبأت بطول وارتفاع كل موجه على حدة بدقة عالية، ومنذ عام 1990 اصبح العلماء يتسارعون لاجراء القياسات في الواقع العملي.

افضل القياسات حتى الان للموجات الخلفية جاءت من القمر الصناعي ويلكينسونWilkinson Microwave Anisotropy Probe, WMAP. . بتاريخ 16 آذار عام 2006 وبعد خمسة اعوام من المراقبة ، تم الحصول وللمرة الاولى على صورة كاملة لمجمل القدح الصوتي (على غرار قوس القدح) للكرة الكونية. منحنيات القدح الصوتي تتطابقت مواضعها بالضبط كما تنبأت نظرية التمدد الكوني. من المهم الإشارة الى ان النظرية تمكنت من تحديد شكل القدح الصوتي للكون فيما لو لم يكن هناك تمدد له،وظهر ان صورته ستكون مخالفة للغاية. إن التمدد يشكل جوهر الكون ومحركه.

تعديل صورة الكون
بربط التمدد بالصورة الخلفية للموجات القصيرة اصبح من الممكن إعادة بناء مكونات الكون. قبل الحصول على القياسات القادمة من Wilkinson Microwave Anisotropy Probe, WMAP.. قبل هذه القياسات كان بمقدور العلماء تقدير عمر الكون بين 12 الى 18 مليار سنة، اما اليوم فنعرف ان عمره بين 13,6 الى 13,8 مليارد سنة.

بالطريقة نفسها تكشف طول موجات الصدى ان الكون يتألف من 4% ذرات، 22% مادة مظلمة، 74% طاقة مظلمة. بمعنى اخر 96% من الكون يتألف من مادة وطاقة غير معروفة لنا حتى الان. المعطيات تتطابق تماما مع مجموعة دراسات سابقة. في التسعينات قام فريق امريكي واوسترالي بدراسة مايعرف ب"لا-سوبرنوفLa-Nova ا". هذا النوع من السوبرنوفا يتكون من نجمة قزمة تمتص المادة من النجوم المحيطة بها. في اللحظة التي تصل بها النجمة الى حجم معين بدقة، تنهار بأنفجار هائل مطلقة طاقة عظيمة. بمساعدة الاشعاعات المنطلقة يتمكن العلماء من قياس ، ليس فقط البعد الى تلك النجمة ولكن ايضا سرعتها ووقت اصدارها للضوء.

بفضل هذه النجوم بالذات تمكن العلماء من رؤية سرعة تمدد الكون في لحظات زمنية مختلفة بعد حدوث االانفجار العظيم. كان علماء الفلك على قناعة بأن سرعة التمدد ، بالضرورة، ستتباطئ في النهاية، وقوة الجاذبية ستبدأ بأعادة الشد الى الخلف.


من هنا، الصدمة كانت هائلة عندما ظهر ان التمدد قد تباطئ بعد المليارات السبعة الاولى من لحظة الانفجار العظيم، ثم بدأ بالنمو من جديد. المعطيات الجديدة تعارض تنبوأت الاعوام السابقة وتظهر ان هناك قوة مجهولة اطلقت المادة. ولكن اي قوة لديها "فضاء هائل" بما يكفي من اجل تعطيل قوة الجاذبية؟

هنا اضطر العلماء الى إعادة تذكر القيمة الثابتة في نظرية إينشتاين الكونية وإعادتها الى المعادلة بأسم جديد " المُعامل الثابت للطاقة المظلمة". بالرغم من انه لااحد يعرف ماهي الطاقة المظلمة، نعلم انها تشكل 74% من الكون في حين المادة المتأثرة بها تشكل 4% فقط.

معضلة الزمن: من النظام الى الفوضى، من اطلقه؟
لماذا يتحرك الزمن بأتجاه واحد فقط؟ سؤال كان يعاني منه الفيزيائيون منذ عشرات السنين. وهنا تجيب نظرية التمدد.

جميع قوانين الفيزياء الكلاسيكية متناظرة بغض النظر عما إذا كان الزمن بأتجاه واحد ام لا. قوانين نيوتن يمكن استخدامها من اجل حساب مواقع الكواكب بعد مئة عام ولكن ايضا يمكن استخدامها لمعرفة مواقع الكواكب قبل مئة عام. نقطة الضعف في قوانين الطبيعة انهم لايستطيعوا تفسير سبب وجود إتجاه واحد للزمن.

الفيزيائي Ludwig Bolzmann الذي عاش في القرن الثامن عشر كان الاول الذي طرح الذرة كطرف في السبب. عالَم الذرة يتجه بأستمرار نحو الفوضى، وبالتالي إذا عرفنا الزمن باللانظام، يزيد الوقت بالتوازي مع زيادة اللانظام وفي إتجاهه. لننظر الى المثال التالي: صفيحة من البتزا اُخرجت للتو من الفرن تعكس القضية برمتها. بالنسبة لجو المطبخ البارد فأن البيتزا اسخن وذراتها تتحرك بسرعة اكبر. الفرق بين الذرات الحارة والذرات الباردة هو درجة النظام القابل للتغيير، من حيث ان ذرات البيتزا تتصادم بأستمرار مع ذرات الجو البارد، سيؤدي ذلك الى تغيير سرعة كلا منهما، يصلا الى قيمة المتوسط المشترك من الطاقة، وهذا التغيير المستمر بإتجاه الوصول الى القيمة المتوسطة المشتركة تمثل " اللانظام". مبدأ التحول بأتجاه زيادة المجموع الكلي " لللانظام" هو الذي يشكل محرك عمليات الفيزياء برمتها.

لسوء الحظ يجلب هذا الامر معه مشكلة كبيرة. إذا تابعنا الزمن الى الوراء يبدأ الكون بالتقرب من حالة النظام كلما اقتربنا اكثر الى لحظة الانفجار الكبير. ليصل الى حالة خاصة من النظام، حالة من الصعب التفكير بوجود قدرة على خلخلتها وبالتالي هذه الحالة من النظام تصبح اكثر فأكثر غير محتملة من وجهة نظر قانون الاحتمالات، لتصل درجة احتمالها الى درجة احتمال ان لص بيد واحدة يحصل ثلاث آسات متتابعة. من هنا نرى ان العملية الكونية قد انطلقت في ظروف غاية في الندرة ومن الصعب تصوراحتمال تجمع مكوناتها.

 

التمدد هو القوة التي رفعت التفاعل. عند الانفجار انتشرت المادة والطاقة بدرجات وطبقات متساوية للغاية في البالون الكوني بأسره. نقاط التمايز كانت كافية فقط لإنشاء المجرات . يمكن الاعتقاد ان ذلك كان سينشئ حالة من الانتظام العالي، غير ان المسافات الهائلة بين المجرات تجعل ان التغييرات والتأثيرات المتبادلة تجري فقط من خلال تأثير قوة الجاذبية. ومن حيث ان قوة الجاذبية تقوم بعملية الشد، تصبح هذه القوة ممثلة للإحتمال المؤكد بأن "اللانظام" سيتجمع من جديد في نقطة واحدة، في حين الغير محتمل ان المادة ستبقى موزعة بدون انتظام. التمدد خلق كون يملك نسبة عالية من النظام، ولذلك امكن للزمن ان يتجه بأتجاه اللانظام الذي يحقق غاية الاحتمال المؤكد بالعودة الى نقطة واحدة.

بالرغم من ان نظرية التمدد تشكل واحدة من اهم نظريات علم الفلك الحديث واهم منابع معلوماته، لازالت نظرية التمدد تملك الكثير لاخبارنا عنه وكشف اسراره ، فالنظرية لم تملك الوقت الكافي لرفدنا بالمعلومات.


«الانفجار الأعظم» ما الذى فجره؟

"الانفجار الأعظم"
انه لغز الكون الأول الذى ما يزال يثير الحيرة فى عقول العلماء من مختلف اختصاصات الفيزياء والرياضيات والكيمياء والهندسة وغيرها.
وفى حين يفترض الكثير من هؤلاء العلماء ان الكون بشكله الحالى نشأ عن ذلك الإنفجار، إلا انهم يختلفون حول السبب الذى أدى إليه، وما إذا كانت هناك قوة دافعة وراء حدوثه.
وأهمية هذا الموضوع تكمن فى أن له أبعادا كثيرة، فهو الذى سوف تبنى عليه كافة معارفنا "وعقائدنا" عن هذا الكون، فالأساس الفيزيائى الموثق لطبيعة وخصائص الكون، هو الذى يسمح لنا معرفة خصائص الوجود وبالتالى معرفتنا أنفسنا وكل شيء فى هذا الوجود.



ولعله مما يثير العجب كثرة العلماء الذين يعتبرونها صحيحة ويبنون القوانين الكونية التى تعتمد عليها، ولكن هناك عدة آراء لعلماء تحاول التشكيك بها.
وتنطوى نظرية الانفجار الأعظم على تناقضات كثيرة يجرى تبريرها بطرق غير دقيقة، وأهم هذه التناقضات هو عمر الكون وعمر المجرات التى يظهر أحياناً أنها أكبر منه.
وفى المقابل، تستمد نظرية الانفجار الأعظم صحتها عن طريق 3 قضايا أساسية:
الأولى:
أن المجرات تتباعد عن بعضها بسرعة أكبر كلما كانت أبعد عنا، وهذا بالاعتماد على "ظاهرة دوبلر" التى تقول بانخفاض التردد عندما يتحرك مصدره مبتعدا عنا.
الثانية:
الخلفية الإشعاعية أو الحرارية التى أثبت وجودها منتشرة فى الكون المنتشر حولنا.
الثالثة:
كمية الهيدروجين والهليوم ونسبته فى الكون تؤيد هذه النظرية.
كان خلق الكون مفهوماً غامضاً ومهملاً لدى الفلكيين، والسبب فى ذلك هو القبول العام لفكرة أن الكون أزلى فى القدم وموجود منذ زمن لا نهائي. وبفحص الكون افترض العلماء أنه كان مزيجاً من مادة والطاقة، ويظن أنهم لم يكونا ذا بداية، كما أنه لا توجد لحظة خلق تلك اللحظة التى أتى فيها الكون وكل شيء للوجود، وتضمنت أن المادة والطاقة كانتا الشيء الوحيد الموجود فى الكون، وأن الكون وجد منذ زمن اللانهائى وسوف يبقى إلى الأبد.
اكتشاف تمدد الكون



كانت الأعوام التى تلت 1920 هامة فى تطور علم الفلك الحديث. ففى عام 1922 كشف الفيزيائى الروسى ألكسندر فريدمان حسابات بين فيها أن تركيب الكون ليس ساكناً. حتى أن أصغر اندفاع فيه ربما كان كافياً ليسبب تمدد التركيب بأكمله أو لتقلصه وذلك طبقاً لنظرية أينشتاين فى النسبية.

لم تحظ التأملات النظرية لهذين العالمين فى تلك الفترة باهتمام يذكر، غير أن الأدلة التى نتجت عن الملاحظات العلمية فى عام 1929كان لها وقع الصاعقة فى دنيا العلم. ففى ذلك العام توصل الفلكى الأمريكى الذى يعمل فى مرصد جبل ويلسون فى كاليفورنيا إلى واحد من أعظم الاكتشافات فى تاريخ علم الفلك.
ادوين هابل هو باختصار الشخص الذى غيّر رؤيتنا إلى الكون، ففى العام 1929 اثبت أن المجرات تبتعد عنا بسرعة متناسبة مع المسافة التى تفصل ما بينها. وتفسير ذلك بسيط مع انه ثوري: الكون يتوسع.
ولد هابل فى ميسورى فى العام 1889. وأدى فى مطلع العشرينيات دوراً مهما فى تحديد ماهية المجرات. وكان من المعروف أن بعض اللولبيات السديمية تحتوى على نجوم من دون أن يكون هناك إجماع فى أوساط العلماء حول ما إذا كانت هذه مجموعات صغيرة من النجوم فى مجرتنا أو إذا كانت مجرات منفصلة أو حتى أكوانا مستقلة لا يقل حجمها عن حجم مجرتنا لكنها ابعد بكثير.

وفى العام 1924 قاس هابل المسافة التى تفصل الأرض عن سديم "اندروميدا" "المرأة المتسلسلة" التى تبدو كمجموعة خافتة الضوء ولا يزيد قطرها عن قطر القمر واثبت انه مجرة منفصلة تبعد مئات آلاف المرات عن اقرب نجم إلى الأرض.
وكان هابل قادراً على قياس مسافات عدد محدود من المجرات إلا انه أدرك امكان احتساب درجة لمعان المجرات كمؤشر على بعدها عن الأرض، والسرعة التى تتحرك بها إحدى المجرات اقترابا من الأرض وابتعادا عنها كانت سهلة القياس نسبيا بفضل تفسير دوبلر لتغير الضوء.
مع استخدام محدد دقيق لألوان الطيف تمكن هابل من قياس درجة احمرار ضوء المجرات البعيدة، وعلى الرغم من أن المعلومات التى توفرت لهابل فى العام 1929 كانت عامة جدا إلا انه نجح فى التكهن، سواء كان مقادا بحدسه العلمى آو بحسن حظه، بالعلاقة بين درجة الاحمرار وابتعاد المجرات.
وقام هابل باختباراته على أفضل منظار فى العام الذى كان موجودا فى تلك الحقبة على جبل ويلسون جنوبى كاليفورنيا. ويحمل اسمه اليوم أفضل تلسكوب فى العالم الموجود فى مدار حول الأرض، ويكمل منظار هابل العلمى ما بدأه هابل نفسه من رسم خريطة للكون وتقديم أفضل الصور للمجرات النائية.



وهابل لم يكتف بذلك بل استمر بأرصاده وحساباته وبدأ يستخدم طرقا أخرى لقياس مسافات المجرات عنا فوجد أن العديد منها يبتعد عنا بسرعات تزداد كلما كانت المجرات أبعد، وهذا ما جعله يخلص إلى استنتاج تناسب السرعة التى تبتعد بها تلك المجرات مع بعد هذه المجرات عنا.
وهكذا خلص فى عام 1929 إلى القانون الذى يعرف باسمه والذى يربط بعد المجرة عنا بمقدار عددى يسمى اصطلاحا بثابت هابل 0 V0= H0 d "و الذى يستحسن أن نسميه بعامل هابل لأنه ليس ثابتا أبدا ولم ينفك يتغير منذ أن أعلنه هابل وهو حتى الآن غير محدد القيمة بدقة". ونتيجة لعمل هابل بشكل كبير جدا فقد تمكن من حساب سرعات العديد من المجرات وهذا أدى فيما بعد إلى نتائج علمية هامة.
وقد أظهرت أرصاد هابل وفق هذا المبدأ أن المجرات تتحرك بعيداً عنا، وبعد فترة وجيزة توصل هابل إلى اكتشاف آخر مهم، وهو أن المجرات لم تكن تتباعد عن الأرض بل كانت تتباعد عن بعضها البعض أيضاً، والاستنتاج الوحيد لتلك الظاهرة هو أن كل شيء فى الكون يتحرك بعيداً عن كل شيء فيه، وبالتالى فالكون يتمدد، ومع تقدم العلم والتقنيات ظهرت صحة استنتاج هابل. فالمجرات تبتعد عنا والكون يتمدد، ومع نظرية النسبية العامة التى وضعها ألبرت اينشتاين فى العام 1915، أصبح من المسلم به أن جميع المجرات والكون برمته يتوسع.

وبفضل جميع هذه الأدلة كسبت نظرية الانفجار الكبير القبول شبه الكامل من قبل الأوساط العلمية. وفى مقالة صدرت فى عام "1994" فى مجلة "الأمريكية العلمية" ذكر أن نموذج الانفجار الكبير هو الوحيد القادر على تعليل تمدد الكون بانتظام، كما أنه يفسر النتائج المُشاهَدة.
أن الكون الذى يتوسع باستمرار تنقص كثافته شيئا فشيئا منذ بداية ولادته، ففى اللحظة التى ولد فيها الكون كان حجمه صغيراً وكثافته عالية جداً، وفى اللحظة التى ابتدأت فيها ولادة الكون ابتدأ التوسع وأخذت الكثافة تنقص شيئا فشيئا. والمراحل التى مر بها الكون منذ ولادته سنوردها موجزة "مع التذكير بأن ما يلى هو فى إطار نظرية الانفجار الأعظم والنظرية التضخمية التى تعتبر أن ولادة الكون هى اللحظة التى ولد فيها الزمن أيضا" وهذا يعنى أنه لا يصح أن نسأل عما قبل ولادة الزمن لأن ما قبل الزمن أو ما قبل الكون سؤال ليس له معنى من وجهة نظر هذه النظرية.
نظرية التضخم هى نظرية فيزيائية تتنبأ بأن الكون كان فى البداية أكثر حرارة بكثير مما ترى نظرية البيغ بانغ الأساسية وأنه قد تعرض لفترة توسع كونى هائل فى اللحظات الأولى "ما بين 10 34- و 10 32- ثانية" فى بداية ولادته.
تشير نظرية البيغ بانغ التضخمية إلى أن الكون ابتدأ حياته بكثافة عالية جدا "كثافة المادة أكثر من 10 93 كغ/م3 فور ولادته"، ومعدل توسع مرتفع جدا 10 61 "نانومتر/سنة"/كم وهذا المعدل يقابل بلغة مفهومة 100 مليون مليار سنة ضوئية فى كل ثانية ولكل نانو متر من أبعاد الكون أو بشكل آخر تضخم الكون خلال هذه الفترة 10 150 مرة.
وهذا المعدل المرتفع جدا لو تتابع لأدى لانحلال الكون خلال الجزء الثانى من الثانية. ولكن هذا التوسع السريع جدا رافقه انخفاض درجة الحرارة والكتلة الحجمية مما أتاح للكثافة الكونية أن تنخفض إلى معدل أصبحت معه ولادة الكون بالشكل الذى نراه اليوم ممكنة. هذا الانخفاض هو الذى أدى إلى هذا التوسع الكونى اللا معقول، بحيث أصبح هناك فى الكون تناسب بين التوسع والكثافة لضبط هذا التوسع والتخفيف من حدته:
تنخفض الكتلة الحجمية بفعل التوسع الكونى وهذا الانخفاض فى الكتلة الحجمية يجعل معدل التوسع أكثر انخفاضا.
وتشير النظرية إلى أنه فى فترة التضخم من 3310- ثا إلى 3210- ثا لم يكن فى الكون سوى نوع واحد من الجسيمات يخضع لقانون فيزيائى واحد تتوحد من خلاله القوى الكونية الأربعة "الجاذبية، القوية، الضعيفة والإلكتروكهرطيسية".


 

 


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
  • أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة ...المعارف الفلكية الإسلامية
  • الفضاء الإلكتروني وأثره على الأمن القومي للدول: الحروب الإلكترونية نموذجاً
  • كيف يتم صناعة الفقاعات داخل المجتمع في العصر الرقمي ؟
  • الصراع المسلح في الفضاء الخارجي بين التطبيقات والسياسات والمستقبل
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ