استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بين الأمن و الحرية

11-08-2012 09:51 AM - عدد القراءات : 7160
كتب عادل عبد الصادق*
على الرغم من دور الشبكات الاجتماعية في عملية الحراك السياسي في مصر بعد ثورة 25 يناير إلا أن لها دورا سلبيا أخر على المجتمع سواء ما يتعلق بالاستخدام السيئ لحرية التعبير التي تتيحها او ما يتعلق باستخدامها كأداة للجريمة او التحريض على العنف او بث قيم وتيارات وأفكار دخيلة على المجتمع المصري ، وهو ما يكشف الى أي مدى أصبح هناك مخاطر لاستخدام الشبكات الاجتماعية وخاصة مع تميزها بسيطرة الطابع الفردي على استخدامها ومحاولة التأثير في الرأي العام باستخدام كافة انواع الاستمالة العقلية والعاطفية
استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بين الأمن و الحرية

وهو ما يفرض تساؤلات حول أهمية الوعي بمخاطر الاستخدام وأشكاله و مدى إمكانية خضوع ذلك لضوابط تحكم وتنظم عملية الاستخدام وما هو موقف القانون في عملية المواجهة وما هي التحديات أمام تفعيل دوره ؟ وكيف يمكن حماية المجتمع من تأثيراتها السلبية على استقراره وقيمة ؟

أداة جديدة لحرية التعبير ‏‏

تميز الإعلام الالكتروني بدور الفرد كفاعل في صياغته وتشكيله وانتشاره ، وظهرت الشبكات الاجتماعية كاحد روافد ذلك الاعلام الجديد مع الحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع امكانية تجاهل المصدر‏.‏والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي لتوجية الراي العام والحشد عبر مجموعات او صفحات على ” الفيس بوك “.
وخاصة مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين المستوى الداخلي للدولة وما بين المستوى الدولي . واصبح للشبكات الاجتماعية دور في التعبير عن كافة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع في ظل حوار يكون ركيزته الندية بين الفرد والنخبة والجماهير، ‏ ولم تعد تمارس النخبة دورها المعتاد في صياغة الرأي العام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها.وأصبح للفرد دور إنتاج المعلومات وصياغة الرسالة الإعلامية لدعم تأثيرها في الرأي العام‏. وهو ما كشف عن بيئة إعلامية جاذبة يستخدمها العديد من النشطاء بعد أن اتسع عدد المشاركين وحجم القضايا والاهتمامات بعد ثورة25 يناير.عبر عن ذلك تصاعد ظاهرة استخدام الشبكات الاجتماعية داخل المجتمع وخاصة بعد وصول عدد مستخدمي الانترنت في مصر إلى 35 مليون مستخدم و9 مليون مستخدم للشبكات الاجتماعية و80 مليون مستخدم للمحمول .
واصبحت الشبكات الاجتماعية اكثر من مجرد وسيلة لنقل الخبر او التعليق عليه ليصبح لها دور في معالجته ومتابعته واثارة ردود الافعال حوله مع القدرة الهائلة علي الانتشار‏،ويتم نقل الأخبار عن الصفحات ومؤسسيها علي الفيس بوك إلي الصحف الورقية والبرامج الفضائية بما يزيد من حجم تأثيرها وانتشارها. وأصبح بإمكان أي شخص لدية دراية بصنع مادة إعلامية تعكس وجهة نظره وتحيزاته، خاصة في ظل القدرة الهائلة في نقل الصور ومقاطع الفيديو واستخدامها عبر الشبكات الاجتماعية،والتي أصبحت تمارس الدور الرقابي على الحكومة والمجلس العسكري بل على البرلمان وأداء النواب داخله ،وعملية نقل المطالب وممارسة الضغط وتمثيل قوي جديدة في المجتمع. والتأثير في عملية صنع السياسات العامة.
واصبحت التعليقات وعلامات الاعجاب والمشاركة وتبادل ملفات الفيديو والصور عبر الفيس بوك وتوتير تستخدم في ادارة الصراع السياسي والاجتماعي وأداة هامة من أدوات المشاركة السياسية ولها دور في دعم اشكال الاحتجاج والتعبير عن المواقف والمصالح ‏،سواء من جانب الاحزاب السياسية او المهتمين بالشأن العام ، او بكونها وسيلة للحشد والتعبئة لتكوين التحالفات وتنظيم الفاعليات السياسية كـ”المليونات” ‏.‏
وتتنوع الرسالة الاعلامية عبر الشبكات الاجتماعية منها ذات الطابع الساخر ومنها ذات طابع متمرد علي الواقع او اخري عشوائية الهدف او ذات طابع شخصي او انها تخدم علي مصالح حزبية وسياسية ودينية‏.‏ ومن هنا تظهر العلاقة بين الشبكات الاجتماعية والتعبير عن الرأي بما يجعلها في مصاف الصحف الورقية بل تفوقها بالنظر الى معدل استخدامها مقارنه بأعداد توزيع الصحف ، وخاصة بما يتوافر لها من وسائط إعلامية متعددة ومستمرة ومتجددة بما يساهم في صياغة الرسالة الاعلامية بشكل جيد وسرعة انتشارها وقدرتها علي الكشف السريع للأحداث وتغطيتها المستمرة بالمقارنة بالصحف الورقية،

مخاطر فوضى الاستخدام

على الرغم من دور الشبكات الاجتماعية كأداة في دعم حرية التعبير وقيم الديموقرطية الا انها قد أثارت مخاوف تتعلق بدورها السلبي على المجتمع والدولة ، والتي منها حالة الكشف الهائل عن معلومات تشمل كل تفصيلات الحياة الخاصة والعامة.
وخاصة ما يتعلق بتأثير دخول الفيس بوك الى المصالح الحكومية والتي تعرض المعلومات الخاصة بها الى الخطر بل قد تعرض الأنظمة المعلوماتية لها الى الاختراق والقرصنه ،بالإضافة إلى استخدام الشبكات الاجتماعية في القرصنة على صفحات أشخاص عبر الفيس بوك او استخدام الصور والفيدوهات “المتحيزة لوجه نظر معينة ” لشحن الرأي العام والتي قد يتم تركيبها او اختلاقها او إعادة استخدامها بشكل يؤثر في تحريك الأحداث .
وتستخدم الشبكات الاجتماعية في شن الحروب النفسية والتي منها نشر الشائعات التي قد تضر بمصالح قومية ، وقد تستخدمها بعض الجهات الخارجية المعادية للتأثير على الاستقرار الداخلي والتي منها دعوات لشل اجهزة الدولة ومرافقها الحيوية .لتنتقل من التعبير عن الرأي الى ممارسة الضغط ثم خطر التحول الى سلوك عنيف باستخدام القوة ضد مؤسسات الدولة. وتبقى مجهولية المصدر الحقيقي خلف مستخدمي الشبكات الاجتماعية دافعا أحيانا الى استخدامها في الابتزاز وانتحال الشخصية ونشر المعلومات المضللة وتشويه السمعة او في الجريمة كالدعارة او السرقة او الاختطاف او الترويج لأفكار تستهدف تقويض سلطة الدولة وسيادتها وحقها المشروع في استخدام القوة او بالترويج إلى أفكار هدامة داخل المجتمع او استخدمها في السب والقذف بين الأفراد ، إلى جانب تأثيرها النفسي ك”إدمان الدخول” او بتأثيرها على العلاقات الزوجية وعلى الأسرة و إهدار الموارد البشرية والوقت .
وقد تستخدم الشبكات الاجتماعية كاداة للتضخيم من مصالح فئوية وخاصة ومحاولة استخدام سرعه انتشار المعلومات وزيادة حجم التفاعلات الاتصالية لترويج لها كقضية تشكل أولية للرأي العام بالاستفادة من الزخم الإعلامي الذي يتم إثارته حولها. ومن أهم الإشكاليات التي تطرحها قضية التعامل مع الشبكات الاجتماعية ما يتعلق بكيفية الموزانه بين الحق في حرية التعبير والرأي عبر صورة المتعددة التي يكفلها القانون ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وما بين ما يمثل استخدامها من تهديد لأمن الأفراد والمجتمع بشكل عام ، واشكالية الفصل بين الاستخدام الايجابي للشبكات الاجتماعية وبين دورها السلبي ، الى جانب مدى إمكانية التمييز بين التصرف الاحتجاجي السلمي وبين تحوله الى عمل إجرامي يعاقب علية القانون . كالدعوة لشل مؤسسات الدولة في الدعوة الى اضراب 11 فبراير الماضي .
وتمثل تلك المظاهر وغيرها خروج عن الاستخدام المعتدل او السليم للشبكات الاجتماعية وهو ما ينقلها من كونها اداة مهمة وقناة للتعبير عن الراي الى اداة للتخريب وتهديد السلم الاجتماعي والامن القومي وخاصة مع تعدي حدود استخدامها الى الخارج، وهو ما يصطدم مع النظام العام الذي يستهدف حماية الدولة والمجتمع والافراد من خلال قواعد اخلاقية وقانونية وسياسية او اجتماعية .
 
الموازنة بين الامن والحرية
 
وتبقى مسألة تنظيم الحريات العامة والخاصة من سمات الدول المتقدمة في الحريات التي يجب ان يتم الحفاظ عليها بشكل متوازي مع الموازنة بين الحقوق والواجبات .وبين حرية الفرد وامن المجتمع . ومثلت الشبكات الاجتماعية واستخدامها صوره جديدة للتعبير عن حقوق الانسان ، وهو ما فرض العديد من التحديات في اطار نمو حقوق الانسان المعاصر واعتبار خدمة الانترنت هي حق اصيل من حقوق الانسان “الرقمية “الى جانب الحق في الاتصال والاجتماع والتعبير عن الراي.
وأصبحت طريقة تعامل الدول مع الشبكات الاجتماعية تؤشر لدرجة التحول السياسي والديمقراطية لدي العديد من دول العالم‏.‏ وتتطلب طريقة التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام الأخذ بعين الاعتبار أهمية التوازن بين حرية الاستخدام لها كأداة لحرية الرأي والتعبير وبين ضرورة وجود ضوابط تحكم عملية الاستخدام وتحاول ان تسخرها فيما يفيد المجتمع والأفراد والحيلولة دون تحولها إلى اداة خطر على امن المجتمع ، وعلى الرغم من صعوبة فرض قيود على عملية الاستخدام مقارنه بالوسائل التقليدية الا أنها تتطلب تعامل يتواكب مع طبيعتها .
وهناك دور الدولة المتمثل في العمل على مواجهة الأسباب الدافعة الى لجوء الشباب للاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر وهي تربة خصبة لنمو الأفكار الشاذة والجريمة داخل المجتمع .
وهناك دور وسائل الاعلام العامة والخاصة ودورا في تبني الموضوعية والحيادية في تناول المواد الخبرية وعدم سيطرة راس المال ونمط ملكية وسائل الاعلام على توجهاتها والسعي الى تشكيل كيان اعلامي مستقل يراقب اداء تلك المؤسسات الاعلامية . فحرية الراي والتعبير تحتاج الى تنظيم استخدامها للحيلولة دون إلحاق الضرر النفسي والمادي بالافراد او مؤسسات الدولة وهو ما لجئت الية اعتى الديموقراطيات في العالم حيث اقدمت بريطانيا والولايات المتحدة الى فرض قيود على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بعد دورها في دعم الاحتجاجات والشغب بهمها .
وعلى الرغم من اهمية المواجهة الامنية للاستخدام السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي الا انها لم تعد كافية بل تحتاج الى استراتيجية شاملة يدخل بها كافة الابعاد الاخرى ذات المنحى الاخلاقي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي .
ويتطلب ذلك العمل على نشر ثقافة امن المعلومات وحماية المستخدم على شبكة الانترنت وخاصة الاطفال ، وتغليظ العقوبات لمكافحة الجريمة الالكترونية وتحديث الاطار القانوني الذي يحافظ على خصوصية الافراد وامنهم بتبني قانون مكافحة الجريمة الالكترونية. والذي يتركز اهميته في العمل على تنظيم عملية الاستخدام للشبكات الاجتماعية وحماية المجتمع من مخاطرها المادية والمعنوية بما يعزز الثقة والمنفعه للمجتمع .
ولعل اهم عامل يستطيع ان ينجى المجتمع من المخاطر هو دور الفرد ذاته ووعيه وثقافته التي تؤهله الى عدم الاستجابة الى الشائعات وتفنيد المعلومات التي ترد إلية ، بالاضافة الى اهمية نشر الوعى بالاستخدام السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي واهمية دور المواطن في تعزيز ثقافة امن المعلومات والتي تعد قوة لمن يمتلكها .

*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – مدير المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>