الإبداع والابتكار في النمو الاقتصادي والمكانه الوطنية

13-11-2014 07:50 AM - عدد القراءات : 1680
كتب د. عادل عبد الصادق *
اذا كانت الافكار تصنع القوة في مجال الحرب والعدوان فانها تصنع ايضا المجد التفوق والمكانه والسعادة للمجتمع البشري ،مع امكانية توظيف العقل البشري في التطبيقات التي تجعل من الانسان اكثر رفاهية .
الإبداع والابتكار في النمو الاقتصادي والمكانه الوطنية

في سعى مصر للخروج من وضعها الاقتصادي تأتي اهمية اهتمام  الدولة بمجال الابداع والابتكار،وكيفية تحويل ذلك الى تطبيقات قادرة على احداث التحول المنشود في النمو الاقتصادي،وبخاصة مع تمتع مصر بعدد من عناصر النجاح تؤهلها للاندماج في السوق العالمي، وتعزيز التحول من الطابع الاستهلاكي الى الدور المنتج والفاعل في صناعه التكنولوجيا، كجزء من تحرير الارادة الوطنية وتعزيز المكانه الدولية . 

ويأتي هذا بعد أن أصبحت عملية الاستثمار في العلم مدخلا هاما للاستحواذ على القوة في العالم المعاصر ، وبخاصة بعد أن أصبح عنصرا من عناصر الإنتاج ،وارتباط ذلك بتوافر بيئة حاضنه تتمثل في قدرات البحث العلمي وحجم الإنفاق وعدد الكوادر العلمية ،والتي باتت تشكل عناصر القوة الشاملة للدولة. وترتبط عملية الإبداع التكنولوجي بدرجة النشاط العلمي والمالي والتجاري وبمدى تبني المنتجات الجديدة والأساليب الفنية واإدخاله للسوق أو استعماله في أساليب الإنتاج

وجاء ذلك في ظل تصاعد العلاقة بين التكنولوجيا ورأس المال ،وهو ما يشير الى حجم التحول في دور  الاقتصاد الرقمي في النمو الاقتصادي ، وليعكس حجم التغير الى الوضع الذي أصبح "المال يصنع المال" وليس الإنتاج أو السلع.وفي سبيل ذلك توجهت العديد من الدول الى الدخول في مجال المنافسة في إنشاء أودية للتكنولوجيا وفي تخصيص ميزانيات تتعلق بالإنفاق على البحث والتطوير والابتكار،وبخاصة مع قدرة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على توفير منافذ جديدة لخلق الوظائف التي يمكن أن تساعد على معالجة البطالة وزيادة حجم الصادرات للمنتجات والخدمات التكنولوجية ناهيك عن تغطية سوق محلي تتنافس علية شركات خارجية. ويأتي ذلك في ظل وجود سوق عالمي مفتوح ومستقبل لعملية التطوير المستمر في المنتجات والخدمات ،وفي ظل تضائل الفجوة الزمنية بين البحث العلمي وتحويلة الى التطبيق وعملية ربطه بالسوق .

 وعلى الرغم من البعد الاقتصادي للإبداع التكنولوجي إلا أنه له أبعاد أخرى إستراتيجية ومتشابكه مع غيرها من العوامل الأخرى الفاعلة في التغيرات النسبية أو المطلقة في القدرة التكنولوجية. وتتطلب عملية الاختراع أو الابتكار توافر مهارات وخبرات متعددة. ولا يعتمد نظام الاختراع على الفكرة نفسها، وإنما على كيفية تطوير الفكرة وجعلها إنتاجاً واسعاً، وهو ما أعطى أهمية كبرى لدور المهارات التقنية والقانونية والإدارية في المحافظة على الموقع الصناعي والحفاظ على النوعية والكفاءة الإنتاجية، وأصبح الصراع بين الدول يرتكز على المنافسة في تبني الابتكارات وتحويلها إلى تطبيقات عملية وهو ما جعل الدول تتطلع إلى تنمية قدراتها التكنولوجية، والتي أصبحت تعبيرًا عن المكانة والنفوذ والقوة الى جانب تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعه .بعد ان اصبح الاقتصاد الرقمي المحرك الرئيسي للاقتصاد على حساب تراجع دور الاقتصاد التقليدي المعتمد على معايير جغرافية كالمساحة والموارد الطبيعية .

ويتم تفعيل دور الاقتصاد الرقمي استنادا على قدرات الدولة في مجال  الابتكار والابداع والذي يأتي كعملية مستمره ومتصلة في اطار  استراتيجية واضحه تعزز من دور  التعليم والبحث والابتكار، وليس التلقين والتقليد،وهو ما يكون له انعكاس على تحول القوة الاقتصادية من دول كبري بالمعايير التقليدية الى دول صغرى قياسا على حجم الناتج القومي الاجمالي لديها .

وحدث  تراكم في الثروة  لدى جيل جديد من الشركات العاملة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات واصبح لها القدرة الاكبر في الاتساع والانتشار مقارنه بالشركات الاخرى العاملة في المواد الاولية ، بل واصبح المدى الزمني لتراكم الثروة قصير  الى الحد الذي جعل في  قائمة اغنياء العالم  من  هم من الشباب ومن العاملين في المجال الالكتروني، وبخاصة مع انتقال الاستثمار  في التكنولوجيا من الدولة الى القطاع الخاص ، وجاء ذلك في بيئة اقتصادية جديدة تتميز بالتنافس الشديد بين عمالقة الدول والشركات العالمية حول الاستحواذ على السوق العالمي والذي اتسع مجاله بعد تجاوز حدود الدول وشموله الأسواق المحلية والعالمية.

واصبح يتم تصنيف الدول وفق مؤشرات الابتكار والابداع ويتم احتساب مؤشر الابتكار العالمي بتحديد متوسط مؤشرين فرعيين. وأولهما مؤشر المدخلات الذي  يقيس عناصر الاقتصاد التي تجسد الأنشطة المبتكرة والتي يتم رؤيتها وفق خمسة ركائز هي قدرة المؤسسات الفاعلة ، وحجم رأس المال البشري والبحوث،ومدى توافر البنية التحتية ، وحجم التطور في السوق، وفي  الأعمال . وثاني تلك المؤشرات ما يتعلق بالمخرجات الخاصة بطبيعة  المعرفة والتكنولوجيا و المخرجات الإبداعية  والتطبيقات المرتبطة بها،

ونظرا لأهمية الابتكار والإبداع في مجال التكنولوجيا وفي قوة الدول، فقد تصارعت الدول على الاستحواذ على التكنولوجيا أما عبر نمو حجم الأنفاق على البحث والتطوير أو عبر استخدام أساليب غير شرعية كالتجسس والاختراق لسرقة الأسرار الصناعية والتجارية ،والتي تعمل على تنفيذ اسرع عملية لانتقال الثروة من مكان الى اخر في لمحات البصر ، والجدير بالذكر ان الولايات المتحدة تخسر بليون دولار سنويا جراء سرقه الاسرار الصناعية لديها ،وبخاصة فيما يعرف بالاتهامات الي يتم توجييها الى الصين ،وهو ما جعل المجتمع الدولي الجديد يشهد حالة من التنافس الشديد حول حماية الأفكار والتطبيقات والعقول البشرية.

ويفرض ذلك على مصر  اهمية تفعيل استراتيجية وطنية في مجال تعزيز دور الابتكار والابداع في الاقتصاد تتضمن الاهتمام بالتعليم وبالمناهج الدراسية، وبتبني مبادرات الشباب وابتكاراتهم، والعمل على حماية الملكية الفكريه لها ،والاهتمام بالمراكز البحثية ،ويأتي ذلك الى جانب أهمية توفير  رؤوس الاموال اللازمة لتحويل الابتكارات الى تطبيقات اما بمساعدة الدولة او القطاع الخاص اوالمؤسسات المالية والبنكية للعمل في ذات الوقت على تعزيز فرص الصناعه الوطنية  وبخاصة ان حجم التوغل للشركات العالمية في الاسواق الوطنية حمل معه اخطار تتعلق بتسريب رؤوس الاموال المحلية الى الخارج ، والى جانب تحول بعضها الى مصدر  تهديد للامن القومي . وبخاصة في ظل ان عملية الحفاظ على الامن والحماية والمواجهة ضد الاخطار  تتطلب ان يكون لدى مصر القدرة على تملك اسرار الصناعه في الابتكار والابداع وفي مجال الاجهزة والتطبيقات ، وهو ما يحتاج الى الوعي من قبل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص الى جانب اهمية وعي الشباب بالمساهمة ببناء الوطن . ولعل توافر الارادة السياسية الى جانب غنى مصر بطاقات بشرية هائلة من اهم عناصر النجاح في طريق المستقبل. 

* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني




© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>