علم الأنساب.. يبحث في الجينات عن أصول الأجداد

16-12-2014 08:29 AM - عدد القراءات : 200
كتب لندن: «الشرق الأوسط»
منذ زمن قريب كان علم الأنساب من حصة الهواة الذين كانوا يهوون البحث في الأرشيفات القديمة التي يغطيها الغبار، ومن ثم ملء الاستمارات البيانية. لكن خلال العقد الماضي، ونظرا إلى بروز السجلات الرقمية، واختبارات الحمض النووي التي لا تكلف كثيرا، يبدو أن الماضي الطريف قد تحول إلى صناعة تجارية مربحة.
علم الأنساب.. يبحث في الجينات عن أصول الأجداد
منذ زمن قريب كان علم الأنساب من حصة الهواة الذين كانوا يهوون البحث في الأرشيفات القديمة التي يغطيها الغبار، ومن ثم ملء الاستمارات البيانية. لكن خلال العقد الماضي، ونظرا إلى بروز السجلات الرقمية، واختبارات الحمض النووي التي لا تكلف كثيرا، يبدو أن الماضي الطريف قد تحول إلى صناعة تجارية مربحة.
 
 


وقد استثمرت الشركات التي تتعامل بالبحث عن الأنساب بالأشخاص الراغبين بالبحث عن أصولهم بفضول لا ينتهي. وتناشد زعيمة هذه الصناعة الجديدة وهي Ancestry.com على صفحتها على الإنترنت الأفراد بالقول: «انضموا إلينا في رحلة عبر التاريخ لمعرفة من أنتم، ومن أي البلاد جاء أجدادكم، وهل كانوا أثرياء؟ ومغامرين؟ وأقوياء؟ وكيف انحدرت أنت منهم؟».

والأجوبة عن هذه الأسئلة تتعدى المجتمع الذي تنتمي إليه، أو إذا كنت من صلب الخط الذكوري لجنكيز خان، الذي ينتمي إليه 16 مليونا من البشر. فهذه الأجوبة قد تقلب حياة الإنسان رأسا على عقب، خاصة أولئك الذين جاءوا من التبني، أو من سلالة العبيد.



* علم الأنساب



* لكن الأمر الذي لا يحظى باهتمام كبير هو كيف يقوم علم الأنساب بالكشف عن أسرارنا وبسرعة، ومعرفة أجناسنا وأنواعنا، والتاريخ السياسي للعالم، وأصول التركيب الاجتماعي الذي يملي حياتنا العصرية. وكما كتبت كريستين كنيلي في كتابها الجديد الذي استحوذ على اهتمام كبير، فإن هذا الانتعاش في علم الأنساب من شأنه أن يوفر لنا «شفافية تاريخية» بصورة لم يسبق لها مثيل. فالتاريخ غير المنظور للجنس البشري مليء بقصص تبرز هذا الأمر، لكن الأكثر إثارة للفضول، يأتي من نسب كنيلي ذاتها، كما تقول فيرجينيا هيوز في «نيويورك تايمز»، فقد ولدت بأستراليا، لكن بعد التنقيب في نسبها اكتشفت ما يثير الاهتمام جدا، وهو وجود شخص مدان قضائيا في عائلتها، فأحد أجدادها القدماء أرسل في سن 15 سنة من دبلن إلى مستعمرة تؤوي مدانين محكوما عليهم بجرائم، تقع في جزيرة فان ديامين لاند التابعة لأستراليا، لأنه سرق منديلا.

ومعرفة ماضي أجدادها المظلم لم تزعزع شخصيتها الخاصة، لكنها قادتها إلى بعض الاكتشافات والرؤى العميقة، حول كيفية قيام الجماعات بالحفاظ على أسرارها. فبعد بطلان هذا النظام الجنائي في منتصف القرن الثامن عشر، قام سكان فان ديامين بتغيير اسم الجزيرة إلى تسمانيا، وتوقفوا عن الحديث عن جذورهم الإجرامية. وخلال بضعة أجيال قليلة توقف سكان تسمانيا عن معرفة أي شيء عن ماضيهم، وأن كل فرد منهم ينحدر من أشخاص مدانين بأحكام قضائية.

ويحمل الحمض النووي في طياته عددا لا يحصى من الأسرار، فالأحداث الكبرى في التاريخ، مثل الهجرات، والحروب، والأوبئة، أثرت إلى حد كبير في كيفية اقتران الأشخاص ببعضهم البعض وفي تكاثرهم. ومع وجود تقنيات اليوم، فإن الكشف عن الإرث الجيني سهل للغاية. فمقابل 99 دولارا، أو أقل، تقوم أكبر 3 شركات متخصصة بالبحث عن النسب الجيني، وهي «23 أند مي»، و«أنسستري دي إن ايه»، و«فاملي تري دي إ» بمسح لعاب الزبائن بحثا عن مئات، لا بل آلاف العلامات الجينية. وكانت كنيلي قد زارت مقر شركة «فاملي تري دي إ» في هيوستن في أميركا لتصاب بالذهول من مظهرها العام الاعتيادي، ووجود غرفة خلفية تعمل كمختبر للحمض النووي تضم بضع آلات مضجة، مع ثلاجة فريزر غالية الثمن.



* أدلة جينية



* علامات الحمض النووي هذه من شأنها أن توفر لنا أدلة عن تطورنا وارتقائنا كجنس بشري في أفريقيا منذ نحو 200 ألف سنة خلت، وبالتالي حول جماعة صغيرة غادرت هذه القارة قبل 60 ألف سنة. وفي بداية هذا الشتات حصلت مواجهات بين البدو الرحل للإنسان الحديث، مع أجناس آخرين، من الإنسان البدائي، نظرا لأن البصمات الجزيئية لهذا الاقتران والارتباط ما تزال موجودة بقوة في أحفادهم وذريتهم.

ويسلط الحمض النووي الضوء أيضا على الأحداث التاريخية القريبة، فالكروموسومات «واي» للمواطنين الأميركيين التي يحملها الذكور فقط، تميل إلى حمل البصمات الأوروبية على سبيل المثال، في حين أن حمض الميتوكوندريا النووي الذي انتقل من الأمهات لا يبين ربما أن المستعمرين من الذكور قد قاموا بقتل الرجال من السكان الأصليين، والنوم مع زوجاتهم المواطنات.

وعلم الأنساب جعل الكثيرين ذوي حساسية مفرطة نظرا لارتباط ذلك مع العنصرية. وعندما نقبت كنيلي عميقا في جذور حركة تحسين النسل، والرايخ الثالث، وجدت الكثير من البشاعة، والتمييز العنصري، وتعقيم النسل الإجباري، وبرامج تحسينه. وأظهرت كيف أن قمع علم الأنساب قد يكون مؤذيا أيضا. فخلال الثورة الثقافية في الصين على سبيل المثال، غالبا ما كان الحرس الأحمر يقتل النساء اللواتي يمتلكن سجلات تدل على أن أيا من أجدادهن كان ثريا أو قويا. كما منع خلال القرن الماضي مئات الآلاف من الأطفال في العالم الذين تربوا في كنف المؤسسات، من الحصول على معلومات حول عائلاتهم، حتى في بعض الأحيان أسمائهم الحقيقية.

ولا بد من القول إن علم الأنساب هو علم حيادي على الصعيد الأخلاقي، إذ يمكن استغلاله للخير أو الشر. والعلماء يستخدمونه اليوم لدحض فكرة الجنس البيولوجي كلية، فكما تقول كنيلي، فإن الفئات التي نستخدمها للحديث عن العرق أو السلالة، أبيض كان أو أسود، من أصل آسيوي أو إسباني، هي في غالبيتها ثقافية، لأن الفروقات الجينية بين البشر لا تحدها حدود واضحة.

وفي الواقع إذا ما علمنا الجينوم شيئا فهو أن حمضنا النووي لا تأثير له على حياتنا، كما هي الثقافة التي نولد في كنفها. وهذا هو أفضل حديث عن علم الأنساب، الذي ينقب عن طبيعتنا، والبيئة التي احتضنتنا، لكشف التاريخ، حرا أمام الجميع ليعرفوه، ومن ثم الحكم عليه.


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>