شبكات التواصل الاجتماعي بين تحديات التنظيم وعجز الدولة*

14-01-2015 12:34 PM - عدد القراءات : 2310
كتب د.عادل عبد الصادق**
ارتبطت شبكات التواصل الاجتماعي بكونها منصة هامة امام جيل الشباب في التعبير عن موقفهم وقضاياهم ومشاركتهم في الجدل العام ،وتنوعت انماط استخدامهم لها مع تعدد المواقف والاتجاهات وتغير طبيعة ظروف السياق المحلي
شبكات التواصل الاجتماعي بين تحديات التنظيم وعجز الدولة*

   ارتبطت شبكات التواصل الاجتماعي بكونها منصة هامة امام جيل الشباب في التعبير عن موقفهم وقضاياهم ومشاركتهم في الجدل العام ،وتنوعت انماط استخدامهم لها مع تعدد المواقف والاتجاهات وتغير طبيعة ظروف السياق المحلي،كالدور الذي قام به الشباب في موجتي التغيير في 25 يناير وفي 30 يونيو ،وجاء ذلك مع تصاعد دور التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي،وفي نفس الوقت تصاعدت الاخطار  المرتبطه بها،والتي أصبحت تؤثر على امن المجتمع واستقرار الدولة،وتمثل في ذات الوقت تهديدا لحرية الراي والتعبير  في ظل تنامي دور تلك الشبكات في تناول القضايا الشائكة في المرحلة الانتقالية .

اعلام خارج السيطرة ومنصة غير تقليدية

تعد الشبكات الاجتماعية احد الروافد الهامة للاعلام الالكتروني،ويكمن دورها في الحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع امكانية تجاهل المصدر‏.‏والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي لتوجية  الراي العام. وخاصة مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين المستوى الداخلي للدولة ومابين المستوى الدولي.
 واصبح للشبكات الاجتماعية دور في التعبير عن كافة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع في ظل حوار يكون ركيزته الندية بين الفرد والنخبة والجماهير،وهو ما أثر بدوره على دور النخبة المعتاد في صياغة الرأي العام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها.
وهو ما من شأنه التأثير في صياغة الرسالة الإعلامية ومدى نجاحها في التأثير في الرأي العام‏.واتاحة الفرصة امام اتساع عدد المشاركين وحجم القضايا والموضوعات التي يتم تناولها ،وجاء ذلك في ظل بيئة الكترونية متصاعدة وجاذبة للاستخدام من قبل الشباب.
ولم تصبح بذلك الشبكات الاجتماعية مجرد وسيلة لنقل الخبر او التعليق عليه بل أصبح لها كذلك دورأ في معالجته ومتابعته واثارة ردود الافعال حوله مع القدرة الهائلة علي الانتشار والتأثير‏،خاصة في ظل القدرة الهائلة في نقل الصور ومقاطع الفيديو  عبر الشبكات الاجتماعية.
والتي اتاحت انماط استخدام جديدة لتصبح التعليقات وعلامات الاعجاب وحملات الهاشتاج والمشاركة وتبادل ملفات الفيديو والصور يتم توظيفها في ادارة الصراع السياسي والاجتماعي،وتحولت الى أداة هامة من أدوات المشاركة السياسية الجديدة ،الى جانب دورها في دعم اشكال الاحتجاج والحشد والتعبئة لتكوين التحالفات وتنظيم الفاعليات السياسية .
وعلى الرغم من ان مستخدمي تلك الشبكات لا يمثلون بالضرورة الراي العام او جموع المصرييين الا ان هناك فرص لانتقال التاثير عبر الصحف والقنوات الفضائية او وجود برامج تهتم بالنشطاء عبرها،أو عن طريق احتلال القضايا التي يتم اثارتها من خلالها مكانا في التغطية في وسائل الاعلام الاخرى.
وعلى اية حال يتم النظر الى النشاط الالكتروني ذو الطابع السياسي على انه مجموع ردود الافعال والاستجابات على السياسات العامة للدولة في اطار تزايد دور الاعلام في المجال العام،وليأتي ذلك مدفوعا بعدد من الاسباب لعل اهمها
،اولا،ضعف قدرة
المؤسسات السياسية وبخاصة مع غياب المؤسسات التمثيلية كالبرلمان ،وفي  ظل اتجاه ممارسة السياسة خارج تلك الاطر التقليدية .
 وثانيا ،ادت عملية سيطرة راس المال على الاعلام ثم على السياسة الى ضعف القدرة في  امتصاص مطالب الجماهير  وبخاصة الشباب ،وهو ما عمل على زيادة الفجوة بين المجتمع والدولة .
 وثالثا، عجز النخبة السياسية في ادراك حجم التغير في الراي العام  وبخاصة بين الشباب والذي اصبح يمتلك القدرة على النقد والتحليل ويملك ادوات جديدة للحصول على المعلومات بعيدا عن سيطرة الدولة.
 رابعا ،حالة العجز عن تحسين نوعية العملية الديموقراطية بإتاحة الفرصة الأكبر للمواطنين في صنع القرار مع تنوع المشكلات وتعقدها
وخامسا ، الانتشار الواسع للإنترنت واجيالة التفاعلية والتي كان اخرها الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية ، وهذا ما أدى إلى زيادة القدرة الإتصالية والتفاعلية بين الأفراد بما عمل على انتشار القوة السياسية داخل المجتمع.

منصة الجيل الثائر  وتحولات الاستخدام

كانت الحركة الشبابية   كأي حركة اجتماعية تؤسس على  مجموعه من المطالب دافعا لان يكون الشباب  اكثر قربا من الشأن العام وبخاصة في ظل تصاعد الآمال بتاسيس نظام جديد يتيح الفرصة للشباب لان يكونوا شركاء في صناعه مستقبلهم ،وسيطر على طبيعة نشاط الحركه  الشبابية في استخدامها الانترنت عاما في العمل السياسي عاملين احدهما يتعلق بتطور طبيعة الاوضاع السياسية في البلاد ، واما الاخر، فيرتبط بحالة التطور "التكنولوجي التفاعلي "والتي تحولت من غرف الدردشة والمنتديات الى المدونات - كما حدث ابان التعديلات الدستورية عام 2005 ،-ثم الى الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية-"الموجات الاحتجاجية" كاحتجاج 6 ابريل 2008 – او "الموجات الثورية " كما حدث في -25 يناير او 30 يونيو .
وظهرت عملية استخدام الحركة الشبابية لشبكات التواصل الاجتماعي في التعبئة لثورة 25 يناير ثم في ممارسة الدور التمثيلي والرقابي وتعبيرا عن جزء من الارادة الشعبية عبر الدعوة الى الحشد والتعبئة للمليونات والاحتجاج على اداء المجلس العسكري او الحكومات في المرحلة الانتقالية الاولي،وربما كانت هذه الحماسة في حينها سببا في استغلال التيارات السياسية الاخرى لهؤلاء الشباب كواجهة لتحقيق اطماعهم في السلطة بدعوى تمكينهم.
 ومن جانب اخر فقد اثرت سلباً شبكات التواصل الاجتماعي الى جانب عوامل اخرى  في تفتيت الحركة الشبابية الثورية الى ما يزيد على 200 ائتلاف ،وهو ما عمل ايضا على ضعف قوة الحركة الشبابية وذلك بعد الدور التاريخي الذي لعبته تلك الشبكات في التجميع والتوحد.

وتميزت عملية الاستخدام للشبكات الاجتماعية بالتحول عبر عدة مراحل هي،

 اولا ، مرحلة ما قبل 25 يناير حيث سيطر على شبكات التواصل الاجتماعي النشطاء الذين كان لهم دور في الحراك السياسي وكانوا الاكثر رصانه وحضورا اعلاميا وأحدثوا حينذاك حالة من الاختراق في المجال العام –كوائل عباس -،وكان الخطاب السياسي من قبل الشباب في تلك المرحلة به قدر ما من العمق وكان اقل تركيزا على التغير السياسي،وكانت النخبة النشطة اكثر حضورا في ساحات المعارضة السياسية.
 وثانيا، في مرحلة ما بعد 25 يناير حدث تراجع للنخبة الثورية  لصالح قوى اخرى اكثر تنظيما في الشارع وتنوعا في الادوات ،وادت الزيادة المضاعفة لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الى دخول فئات اخرى،انعكس دورها في بروز السطحية وقلة الثقافة السياسيه مثل حالة الدعوة الى الجهاد وفتح الحدود مع اسرائيل او الهجوم على سفارة السعودية وغيرها  .
وثالثا ،وفي 30 يونيو  تميزت الناشطية السياسية للشباب في تلك المرحلة بانخفاض دور شبكات التواصل الاجتماعي اعتمادا على اليات اخرى تقليدية في الحشد والتعبئة مثل جمع التوقيعات عبر استمارات "تمرد" . وذلك على الرغم من دور تلك الشبكات في ممارسة النقد السياسي للرئيس السابق "مرسي "،وتحولها الى ساحة للصراع السياسي بين الليبرليين والاسلاميين باستخدام الصور والفيدوهات المجزئة .
ورابعا،على الرغم من عدم وجود تفائل لدى قطاعات عريضة بمحاكمة مبارك الا ان  صدور الحكم النهائي بتبرئة ومعاونية مثل نقطة انطلاق لاعادة الدعوة الى توحيد الصفوف بين الشباب على اختلاف توجهاتهم من اجل اعادة الكره مرة اخري الا ان طبيعة الظروف الامنية والسياسية ربما تحول دون ذلك .

المعارضة الشابه تنتقل مرة اخرى للتواصل الاجتماعي فقط   

على الرغم من انتقال نشطاء التواصل الاجتماعي من الانترنت للعمل في الشارع بعد 25 يناير  الا ان  طبيعة الاوضاع الامنية في البلاد بعد 30 يونيو وما ارتبط بها من سياسات ادت الى تركز  نشطاء المعارضة في التواصل الاجتماعي ،وبخاصة مع تصاعد الاخطار الامنية مع قيام المشتبه بهم بالانتماء لجماعه الاخوان المسلمين والتي تم اعتبارها "جماعه ارهابية "،بتصعيد الاحتجاجات ضد الرئيس السيسي هذا الى جانب تصاعد العمليات التي تقوم بها "انصار بيت المقدس "، والتحول في العمليات الارهابية من سيناء الى العاصمة والدلتا ،ومن العشوائية الى العمليات المنظمة ضد الدولة ، اما عن الوضع السياسي فقد غضب عدد من القوى الشبابية من استمرار  تبني الدولة لما اقره  الرئيس عدلي منصور -الرئيس الانتقالي -بتبني مشروع  قانون التظاهر .
وتحولت المعارضة الجديدة للرئيس السيسي الى نمطين الاول ،منها ذو طابع مسلح وعنيف عبر تدشين صفحات تدعو الى العنف ضد الامن ومؤسسات الدولة مثل صفحات "ضنك"،وكتائب حلوان"، واحرار،ومولوتف وحركة 19 يوليو ، وعفاريت ضد الانقلاب ، والتراس ربعاوي ، ونبض رابعه ، ومصر اسلامية ، وغيرها .
اما عن النمط الثاني ،فقد تميز  بالطابع السياسي عبر تدشين صفحات وحسابات على الفيس بوك او القيام بحملات الكترونية معارضة عبر استخدام "هاشتاج"، ويلاحظ اختفاء الدور السياسي لصفحة "كلنا خالد سعيد"  بعد 30 يونيو الا ان  صفحة حركة 6 ابريل استمرت في المعارضة وانتقاد سياسات النظام الحالي ولكن قلت حدتها ،وقام عدد من النشطاء بانتاج برامج مصوره على اليوتوب مثل "حلقات "جيوتوب" و"عطوة كنانه"و"باكوس" على نسق الدور الذي لعبته حلقات "باسم يوسف" ضد الرئيس السابق "مرسي"  .
وعلى اية حال فقد كشفت تلك المتغيرات عن  تراجع في دور القوى المدنية في التوظيف السياسي لشبكات التواصل الاجتماعي بعد 30 يونيو  لصالح قوى اخرى اكثر تطرفا سياسيا، وجاء ذلك مع احساس الكتلة الحرجة التي  خرجت وضحت ومارست النضال السياسي الجديد عبر منصاتها الخاصة تخرج بلا أي مكاسب حقيقية ، بل واصبحت محل اتهامات بالعمالة والخيانه وتزايد تحمل تكلفة الاعباء الاقتصادية ، وجاء ذلك مع ضعف قدرة مؤسسات الدولة ووسائل الاعلام في مخاطبة الشباب والذين انقسم استخدامهم  لشبكات التواصل الاجتماعي الى عدة انماط منها  شباب اصبح يهتم بالسياسة عبر انضمام بعضهم بالفعل الى حزب سياسي واخر اصبح لدية لا مبالاة بالوضع القائم،ويضاف الى ذلك وجود فصيل من الشباب اصبح متطرفا سياسيا عبر التمسك بالاطر غير الشرعية للمعارضة،وتلك الفئة الاخيرة اخذت بالتقلص مع التمدد في حالة الاستقرار السياسي والامني ،الا ان البقية منها ازداد تطرفها العنيف بالقيام بهجمات ارهابية والى اللجوء الى شبكات التواصل الاجتماعي  لاختراق الكتلة الحرجة للتجنيد والتعبئة.

 حدود تحول الحشد الالكتروني الى قوة سياسية فاعلة .

تميزت الحركة الشبابية الجديدة في موجتي التغيير الثوري في 25 يناير و30 يونيو  بانها كانت اكثر عنفوانا واكثر تعبويا من سابقتها في التاريخ المصري ومقارنه بجيل السبعينات ودوره في السياسة المصرية ،وتحولت الحركة الشبابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي الى فاعل سياسي في المشهد المصري ،وتحولت الى قوة ضغط سياسية، ولعبت تلك القوى الجديدة دور المؤسسات السياسية الوسيطة ما بين الحاكم والمحكومين كمؤسسة البرلمان والحزب السياسي ، وهو ما افرز قوى جديدة غير تقليدية في اسلوب عملها او في قدرتها على الحشد والتعبئة او في حجم المعلومات التي تمتلكها مقارنه بما لدى مؤسسات الحكم والسلطة . وأثرت على دور النخبة التقليدي في صناعه القرار والرقابة على تنفيذه.

 الا ان تلك الكتلة النشطه عبر شبكات التواصل الاجتماعي عانت من العديد من عناصر الضعف لعل اهمها ،افتقادها الى القيادة السياسية الموحدة والقادرة على امتلاك رؤية واضحة للتحول السياسي في مصر ، واثرت من ناحية اخرى طرق الحشد ذات الطابع الالكتروني في اضافة ضعف التفاعل الانساني والمباشر بين القيادات الشابه على النحو الذي ادى الى ضعف الصلات والتفاهم المشترك حول ارضية واضحة للتعامل مع القضايا الانتقالية.

 ومن ناحية اخري فقد ادى الاعتماد المفرط من قبل تلك القوى الجديدة على استخدام شبكات التوصال الاجتماعي الى ضعف الزخم حول الاهتمام بها مع مرور الوقت والى ضعف عملية التحول من الطباع الالكتروني الى الطابع المؤسسي ، وادت شبكات التواصل الاجتماعي وسهولة تدشين مجموعات او صفحات او هاشتاج او حسابات على تويتر الى المزيد من التفتيت للقوى الشبابية،وهو ما اثر في اختفاء قادة شباب فى المشهد الثوري من العمل السياسي .

 وربما جاء كل ذلك من عناصر الضعف بسبب ،اولا ،ضعف دور القيادة الجديدة في امتلاك رؤية وبرنامج للاصلاح والتحول في مصر .

ثانيا،كانت موجة التغييرات الاقليمية عاما ضاغطا امام تصاعد الاخطار الامنية والتي اثرت بالسلب على العملية الديموقراطية.

 وثالثا،ان الحشد الالكتروني الذي استطاع ان يعبر عن القوة الشبابية لم يتحول بالضرورة الى قوى سياسية ومشاركة على ارض الواقع ، ورابعا ، لم يتم تحويل النشاط الالكتروني والقدره على التعبئة الى قوة مؤسسية فاعلة لها القدرة على الاستمرار والتجديد ، وخامسا ، ان الطابع الفجائي للتغييرات جاء في ظل عدم نضج تيار سياسي مدني.  وسادسا ،عانت تلك القوى الجديدة  من التفتت والتجزء والذي ظهر بتعدد الائتلافات الثورية وهو ما ساهم في اضعاف التيارات المدنية مقابل ذات التوجهات الاسلامية ،وسابعا ، في مرحلة ما بعد 30 يونيو  ظهر الخوف من عودة سيطرة المال على السياسية مرة اخرة بعودة رجال اعمال سابقين الى المشهد وساسة محسوبين على النظام الاسبق  ، و ثامنا ، نقص الوعي والخبرة السياسية لدى الشباب، واخيرا ، حالة استهلاك أدوات الاحتجاج في ظل  الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبه.

منصة الجيل ومسارات دور الدولة

تلعب الشبكات الاجتماعية دورا في دعم حرية التعبير والقيم الديموقرطية الا انها قد أثارت مخاوف تتعلق بدورها السلبي على العلاقة بين المجتمع والدولة،و دورشبكات التواصل الاجتماعي في تنامي التهديدات للامن القومي ،وهو الامر الذي دفع الدولة الى تبني عدة مسارات للتعامل مع تلك القضية على المستوى الثقافي والامني والاقتصادي والتقني والتشريعي،فعلى المستوى السياسي اتجهت العديد من مؤسسات الدولة الى انشاء حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي او الاهتمام بتعيين مستشاريين اعلامين ومتحدثين رسميين،في محاولة الى  الاقتراب من التكتل والحشد ومجالات التاثير ، وتشجيع الشباب للانخراط في الحياة السياسية .

ومن جهة اخرى قامت الدولة بتحديث سياساتها السيبرانية  لتاخذ في اعتبارها البعد الالكتروني في عملية صنع القرارت ،وعلى المستوى الاقتصادي سعت الدولة الى توفير فرص العمل ومكافحة البطالة واطلاق مشروعات اقتصادية كبري .

وفي محاولة لمواجهة عملية الترويح للانشطة الارهابية والعنف ضد مؤسسات الدولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي،فعلى المستوى الامني اتجهت المؤسسات الامنية الى رصد الانشطة المشبوه عبر شبكات التواصل الاجتماعي واعتقال بعض النشطاء المسئولين عن صفحات تحرض على العنف فضلا عن تعقب الفيدوهات التي تحرض ضد الجيش.

وعلى المستوى التقني قامت وزارة الداخلية بالاعلان عن تنفيذ مشروع "للرقابة التقنية "على الشبكات الاجتماعية وعن تشطيل وحدات الكترونية لتعقب الدعوات المحرضة على العنف والارهاب،واما على المستوى التشريعي تم نشر مسودتين لقانون لمكافحة الجريمة الالكترونية واخري لمكافحة  الارهاب حيث جاء في الاخيره عملية فرض الدولة الرقابة على  الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لضمان عدم استخدامها في الأغراض الإرهابية المنصوص عليها، والتي تضمنت "القيام بأعمال من شأنها الاعتداء على المواطنين، وعلى منشآت الدولة، وتعطيل المؤسسات التعليمية والدينية عن القيام بأعمالها، وتعطيل مؤسسات الدولة الحيوية عن القيام بأنشطتها".

ونصت المادة 21 من تلك المسودة، على معاقبة من يقوم بالترويج بطريق مباشر أو غير مباشر  للارهاب والتحريض علية باستخدام  المواقع الإلكترونية والتى يمكن للغير الاطلاع عليها،بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات. ،وجاء نص المادة (27) بـ "يعاقب بالسجن الذى لا تقل مدته عن خمس سنين، كل من أنشأ موقعاً على الانترنت بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى استخدام القوة أو العنف، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية أو القضائية في شأن جرائم الإرهاب، أو لتبادل الرسائل وإصدار  التكليفات بين الجماعات أو المنظمات الإرهابية أو المنتمين إليها.

وجاءت تلك الجهود القانونية مع نص  المادة " 57 " من الدستور فى فقرتها الثانية على أن «للحياة الخاصة حرمة، ومصونة لا تُمس، وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة وفى الأحوال التى يبينها القانون".، ونجريم  المادة "99 "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم.

 التوزان بين حق الفرد والمجتمع والدولة

  لعله من أهم إشكاليات التعامل مع الشبكات الاجتماعية ما يتعلق بكيفية الموازنه بين الحق في حرية التعبير والرأي عبر صورة المتعددة التي يكفلها القانون ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وما بين ما يمثل استخدامها من تهديد لأمن الأفراد والمجتمع بشكل عام ،ويضاف الى ذلك اشكالية الفصل بين الاستخدام الايجابي للشبكات الاجتماعية وبين دورها السلبي ، الى جانب مدى إمكانية التمييز بين التصرف الاحتجاجي السلمي وبين تحوله الى عمل إجرامي يعاقب علية القانون .
وتبقى مسألة تنظيم الحريات العامة والخاصة من سمات الدول المتقدمة في الحريات التي يجب ان يتم الحفاظ عليها بشكل متوازي مع الموازنة بين الحقوق والواجبات .وبين حرية الفرد وامن المجتمع،وهو ما يكشف عن تحول الشبكات الاجتماعية الى صور جديدة للتعبير كحق اصيل من حقوق الانسان “الرقمية “الى جانب الحق في الاتصال والاجتماع والتعبير عن الراي.

وأصبحت طريقة تعامل الدول مع الشبكات الاجتماعية تؤشر لدرجة التحول السياسي والديمقراطي ،وتتطلب طريقة التعامل معها الأخذ بعين الاعتبار أهمية التوازن بين الحرية في الاستخدام وبين ضرورة وجود ضوابط تحكمه،والحيلولة دون تحولها إلى اداة خطر على امن الفرد المجتمع والدولة.وبخاصة انه قد يتم التضخيم من مخاطرها لايجاد مبرر للسياسات القمعية وتوغل نفوذ المؤسسات الامنية.
وتبقي اهمية دور الدولة في العمل على مواجهة الأسباب الدافعة الى لجوء الشباب للاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر وهي تربة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة والجريمةداخل المجتمع .
وعلى الرغم من اهمية المواجهة الامنية للاستخدام السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي الا انها لم تعد كافية بل تحتاج الى استراتيجية شاملة يدخل بها كافة الابعاد الاخرى ذات المنحى الاخلاقي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.والقانوني
 ويأتي الى جانب ذلك اهمية دور منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والفرد الى جانب الدولة في مواجهة تلك الاخطار  الناتجة من الاستخدام السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي. وغني عن القول ان  العلاقة بين الشباب والدولة يجب ان تكون متصله بدور الاخيرة  في توظيف تلك الطاقات الشابه سياسا من ناحية ،ودمج مطالب الحركة الشبابية بتنوعايتها المختلفة في جسد الدولة وسياساتها التنموية.وان يتم النظر الى المعارضة كجزء اصيل من بيئة عمل النظام السياسي وانه لا يوجد استقرار سياسي بدون معارضة قوية ،
ومن جهة اخرى فعلي الشباب المؤيد او المعارض للنظام السياسي الحالي ان يعترف بقواعد اللعبة السياسية ،وعلى الدولة من جانبها ان تتبني سياسة المصالحة مع من يعترف بالطرق الشرعية ويحترم  القانون والدستور من اجل العمل على عزل العناصر المتطرفة واسقاط قدرتها على التعبئة وهو ما يعلي في الوقت ذاته من اهمية المواجهة الفكرية .

ونافلة القول انه ربما يستمر هذا الزخم حول الشبكات الاجتماعية وانماط توظيفها من جانب الشباب حالة قائمة حتى بناء المؤسسات السياسية كالبرلمان والتقدم في المسيرة الديموقراطية،الا ان ذلك لا يعني بالضرورة انتهاء دورها في الحياة السياسيه مستقبلا بل ستظل بوقا للمهمشين وساحة للمعارضة البديلة.

* المصدر ، الملف المصري ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ، العدد4،السنة الاولى ،ديسمبر 2014،ص ص 12-15
** خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>