مواقع التواصل الاجتماعي مرآة سياحة الحياة

31-03-2015 04:27 AM - عدد القراءات : 176
كتب جاكوب سيلفرمن
شبكات التواصل الاجتماعي تشوبها مشكلة اجتياح السائر لها. وتتصدر أولويات مستخدميها بث لحظات الحياة اليومية. وعليه، تغرق مواقع مثل «فايسبوك» و «إنستاغرام»
  مواقع التواصل الاجتماعي مرآة سياحة الحياة

شبكات التواصل الاجتماعي تشوبها مشكلة اجتياح السائر لها. وتتصدر أولويات مستخدميها بث لحظات الحياة اليومية. وعليه، تغرق مواقع مثل «فايسبوك» و «إنستاغرام» بسيل من رسائل فردية على صورة صور وجبات أو تمارين رياضية أو حال الطقس أو المشتريات الحديثة أو الإعلانات الترويجية المضحكة أو الاحتفال. ولسان حال هذا العصر تكاد أن تكون: «من لم يقطع عمله ليلتقط صورة ويبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، فليرمه بحجر». ونجمت عن مشاركة أفعال الحياة كلها على الشبكات الاجتماعية طريقة عيش جديدة. ففي المشهد الرقمي، ونواته مؤتلفة من المرئي والمشكوف، لا يتصدر سلم الأهمية المضمون بل واقع أنه منشور. وقد يتساءل المرء عما يحمله على التمسك بمواقع مثل «فايسبوك» أو «إنستاغرام»، وتتبع سيل الصور والستاتوسات. ووراء هذا النازع إلى اللهاث باستمرار وراء جديد صفحات هذه المواقع هو إقبال الجميع على ذلك. فثمة بليون شخص على فايسبوك، ومئات الملايين موزعون على مواقع التواصل الأخرى. فمن يرغب في البقاء في معزل عن هذه الموجة؟ وفي عهد هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي، أسوأ ما قد يحل بالساعي إلى الظهور والبروز هو عدم تلقيه أي إشعار باستلام تعليق أو «تلييك» على نحو ما يقال بالعامية (الضغط على زر لايك - إعجاب). ومشكلة هذه الإشعارات هي أنها، شأن ما ينشر، من غير نهاية أو غاية. فالناس على الدوام يلهثون وراء خبر جيد وجديد. وعلى نحو ما يقض ضجيج المدينة الصمت، تطيح الإشعارات التأمل وما يقتضيه من عزلة وتفكير. فيبقى المرء في حال انتظار دائمة: انتظار شيء آخر ربما يكون رسالة تأخذه إلى عالمها بعيداً مما يفعله أو يحدث معه.

والصلة بالصور التي نلتقطها تغيرت وانقلبت من حال إلى أخرى. وأفل عهد درج فيه الناس على تظهير الصور وعرضها في إطارات أو ألبومات. ولم تعد الغاية من الصور حفظ ذكرى وقت مضى، بل عرض واقع اللحظة وما يحصل فيها على الآخرين. وكأن صاحب الصورة يقول انظروا كم نتسلى! ما رأيكم؟ هل الوقت الذي نمضيه جميل؟ ولو سمحتم، ومن فضلكم، باركوا ما أفعل أو أيدوه وأعطوه قيمة ومشروعية، وأعدكم أنني سأفعل المثل. والتقاط الصور صار جزءاً لا يتجزأ من أمسياتنا، وشاغل الناس. وكأن الانشغال بالتقاط الصور هو عمل يملأ الوقت عوض أن يزجّيه المرء وأن يعيشه فحسب. وعيش اللحظة الراهنة يقتضي اليوم التقاطها أو القبض عليها وامتلاكها. فيصبح الناس بمثابة سياح في حيواتهم الخاصة.

ورجحت مكانة شبكات التواصل الاجتماعي في حياة الناس وبلغت مبلغاً صار فيه بعضهم معلمين ملمين بأصول رصد «لحظة فايسبوكية» بامتياز: وضع أو جملة أو مشهد سينال الإعجاب على «فايسبوك» ويحصد أكبر عدد من «اللايكات». وقد يسوغ المرء نشره مقالات على مواقع الاتصال الاجتماعي بالقول أن حاديه إلى ذلك هو الإعجاب بمضمونها. ولكن، في الواقع نرجسية واحدنا هي وراء مثل هذه المشاركة: فالغاية منها هي إظهار أننا أذكياء ومطلعون على ما يجري. والوجود في هذا السيل السائل من غير انقطاع وفي هذا العالم الهائم والزائل والعابر يقتضي الكلام ولفت الأنظار والآذان، وإلا غرق المرء في الضجيج وانتهى إلى عزلة مطبقة.

 

 

* صحافي وناقد أميركي، عن «غارديان» البريطانية، 26/2/2015، إعداد منال نحاس.




© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>