مواجهة انتقال ارهاب داعش من سيناء الى العاصمة

11-07-2015 01:38 PM - عدد القراءات : 4504
كتب د.عادل عبد الصادق*
وقع صباح يوم الحادي عشر من شهر يوليو الجاري انفجار وقع بوسط القاهرة استهدف مبني القنصلية الايطالية ،وهو الامر الذي ادى الى الحاق اضرار جسيمة ، وذلك جراء استخدام الجماعات الارهابية سيارة مفخخه في الحادث .والذي اعلن لاحقا تنظيم داعش مسئوليته عنه.
مواجهة انتقال ارهاب داعش من سيناء الى العاصمة
وتجدر الاشارة الى ان المستهدف من العملية الارهابية ليس مبني القنصلية في حد ذاته بل الهدف هو العمل على التأثيرعلى الوضع الامني بالقاهرة ،وربما كانت تستهدف ايضا قوات التامين خارج مبنى القنصلية ، وتحاول الجماعات الارهابية ادخال مصر في موجه من التفجيرات المتعاقبة والمتزامنة،وهو الاسلوب الذي تعتمد علية الجماعات الارهابية في تكتيكاتها ضد الدولة ،وهو ما يعزز ان الهدف من عملية القنصلية هو رسالة للدولة المصرية وبخاصة ان مبني القنصلية مهجور وسهولة كشفه امنيا بقربة من كوبري اكتوبر المواجه للمبني ، وهو ما يفسر توقيت تنفيذ العملية فيما يقارب الخامسة فجرا وذلك لضمان عدم وجود كثافه مرورية من المواطنين .
وياتي  تبني تنظيم داعش عملية القنصلية ليكشف عن تحول خطير في اداء التنظيم وفي مصادر تهديدة للامن المصري وفي تطوير خططه، وتبني ما يسمى  جنود "الدولة الاسلامية" المسئولية عن الحادث،وهو ما يكشف عن نجاح تنظيم داعش في نقل عملياته من سيناء الى القاهرة والي التحول من العمليات الصغري الى العمليات النوعية.
وربما يؤشركذلك  الى تبلور خلايا تابعه للتنظيم في الوادي والدلتا وبخاصة مع اعلان سابق بقيام دولة داعش في الصعيد. وياتي ذلك في ظل محاولة تنظيم داعش والجماعات المرتبطة به توظيف الظروف الامنية والسياسية والقضائية في توجيه ضرباته ضد مؤسسات الدولة ، وبخاصة ما يتعلق بعملية التقدم في محاكمات قيادات الاخوان واحكام الاعدام الصادرة ، والتي تستخدم كذريعة لبعض الموالين للاخوان في القيام بعمليات عنف ضد الدولة بما يوفر غطاء سياسي للعمليات الارهابية ضد الدولة .
وهو ما يحمل خطورة تحالف جماعات السلفية الجهادية بقيادة داعش مع جماعات العنف السياسي الموالية لجماعه الاخوان المسلمين ، فضلا عن ارتباط تلك التنظيمات بالحصول على دعم مباشر وغير مباشر من دول واجهزة استخبارات خارجية تعادي الدولة المصري مثل موقف قطر وتركيا والتي هددت على لسان رئيسها بان الشرق الاوسط سيتحول الى الدماء في حالة تنفيذ حكم الاعدام بحق الرئيس المعزول محمد مرسي .
وهو  ما سيكون له تاثيرا على عملية التحول السياسي ومستقبل عملية المصالحة مع الجيل الثاني من جماعة الاخوان المسلمين .ويعزز من فرص حرمانهم من الممارسة السياسية مستقبلا وبخاصة مع عدم لجوء الاخوان الى المسلك السياسي في انهاء خلافهم السياسي مع القيادة السياسية .  
وعلى الرغم من ضعف تاثير تلك التنظيمات الفرعية في ان تشكل قوة تهديد حقيقية للامن الا انها تحاول ان تستخدم تاره القوة الناعمة عبر شبكات التواصل الاجتماعية وتاره اخري عبر استخدام القوة الصلبة عبر شن عمليات تفجيرية ضد الدولة المصرية ، وشهدت الاونة الاخيرة تقدم نوعي في اداء التنظيم عبر قيامة باختراقات للتشديدات الامنية ، وتحدية واصراره على معاداة الدولة المصرية .
ولعل طريقة تفجير القتصلية الايطالية جاء مشابها لعملية اغتيال النائب العام المصري ،حيث جاءت العملية بنفس نوع السيارة "سبرانزا"، والقوة التفجيرية ونوعية المواد التفجيرية . الى جانب التوظيف الاعلامي ومدى ادراك التنظيم لاهميتة في الضغط على السلطات الامنية واعطاء صورة غير حقيقية عن الواقع عبر تضخيم عملياته عبر قنوات محسوبة او متعاطفة مع تلك التنظيمات المتطرفة ، فضلا عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الترويج والدعاية لنشاطات التنظيم.
وتكشف كلا العمليتن عن توظيف الثغرات الامنية ونجاح المتورطين في الحادث في المراقبة الجيدة والقريبة لموقع الاحداث قبل التنفيذ ،وهو ما يدل على ان من يقوم بمثل تلك العمليات من العناصر التي تم تجنيدها لتنظيم داعش ولكنها لم تحارب معه في منطقة سيناء ،ولكنها توظف قدراتها التدريبية في صنع المتفجرات والعبوات الناسفة وجمعها للمعلومات في زعزعه الاستقرار الامني داخل القاهرة في محاولة لتخفيف الضغط على التنظيم في سيناء.
واعطاء بعد دولي للحادث عبر استهداف احدى القنصليات الاجنبية الى جانب ان القنصلية الايطالية كانت هدفا مثاليا وسهلا لتحقيق اهداف تنظيم داعش على المستوى الداخلي ولم يكن موجها بالضرورة ضد ايطاليا او سياستها الخارجية ،وانما جاءت تلك العملية  لاعتبارات تتعلق بالموقع السهل كمنطقة الاستهداف بما شكل فرصة سانحة للتنظيم لتوجية ضرية يتم توظيفها على انها استمرار لموجة التهديدات وكونها اختراقا لقلب القاهرة .
وبخاصة ان القنصلية تم ضربها لكونها هدفا سهلا لخلوها شبه الكامل حيث انها لا تعدو عن كونها مبني مهجور كما يحيط بالمبني قطعه ارض فراغ من الناحية الخلفية بما يوفر فرصة للتخفي عن اعين الامن ، وايضا كون القنصلية قريبة من كوبري 6 اكتوبر بما يتيح الفرصة الى مراقبة عملية التنفيذ والتخطيط للقيام بالعملية ، وتاتي القنصلية ايضا في موقع يقع في وسط القاهرة وبالقرب من مناطق حيوية .
وتاتي خطورة  تلك العملية انها جاءت عقب عملية التفجير النوعي لموكب النائب العام وعمليات تنظيم داعش للاستيلاء على الشيخ زويد الفاشلة ، وهو ما يحاول التنظيم ان يضع الدولة المصرية في حالة حرب مستمرة بما يعمل على ارهاقها والعمل على زعزعه الثقة في اداء المؤسسات الامنية .
وفي محاولة لتوظيف تلك العمليات الارهابية في الخارج على انها مؤشر لعدم الاستقرار ، وبخاصة مع سعي مصر في شهر اغسطس القادم لافتتاح قناه السويس الجديدة والسعي الى جلب الاستثمارات الاجنبية الى جانب سعى مصر الى التقدم في المسيرة السياسية عبر الدعوة الى انتخابات مجلس النواب .
وتسعى مصر الى تعزيز المواجهة التشريعية لنمو وتصاعد نشاط الحركات الارهابية في مجال استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ، ويعرف هذا القانون اعلاميا بقانون مكافحة الارهاب.
وقد قام تنظيم داعش في السابق في نقل معاركة الى الوادي والدلتا عبر القيام بتفجيرات سابقة استهدفت مديريات الامن مثل مديرية امن الدقهلية و القاهرة او استهداف رجال الشرطة او عبر القيام باغتيالات كحالة النائب العام او المحاولة الفاشلة لوزير الداخلية محمد ابراهيم ، وتكشف تلك العمليات عن طابعها النوعي والتصعيدي والمتزامن مع مواجهات يخوضها الجيش المصري ضد التنظيم في سيناء .
والذي يحاول ان يجعل سيناء اولى انتصارته عبر ولاية سيناء ، الا ان واقع الحال يكشف ان التنظيم نجح فقط في العمل على وجود حالة من الاسنتفار الامني وعمل على وجود تكاتف شعبي وراء القيادة السياسية ، ونجحت الدولة في افشال مخطط التنظيم باعلان ولاية سيناء او السيطرة على الارض وهو امر يرمي الية التنظيم المتطرف في محاولة لاستعادة نموذج داعش في العراق وسوريا وطريقة تمددة وانتشاره .
 ولعل اهم عائق كذلك الى جانب العائق الامني المتمثل في قوة وتماسك الجيش المصري في المواجهة والمسنود بدعم شعبي ، وجود عائق اقتصادي يتمثل في طبيعة سيناء الصحراوية وضعف الموارد وضعف الكتلة السكانية بما يحول دون نجاح التنظيم في تجنيد اتباع جدد له او اقامة دولة على نسق داعش في الرقة او الموصل . ومن جهة اخري اتجاه الدولة المصرية الى محاصرة البيئة الحاضنة لنمو التنظيم وبخاصة في سيناء بالاهتمام بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية .
والتي تحول دون ان يستغل التنظيم بعض ممن تضرروا اقتصاديا سواء جراء عمليات الجيش العسكرية او عملية ترحيل جزء من سكان رفح الحدودية . او حتى المتضررين من ضرب تجارة الانفاق وارتباطها بتجارة السلاح وتهريب المواد الغذائية  والبترولية ناهيك عن ارتباط اعضاء تلك التنظيمات الاجرامية سواء العاملين في تجارة المخدرات اوالبشر اوالسلاح والذين يتلاقوا مع اهداف التنظيمات الارهابية في معاداة الدولة المصرية .
وتحتاج تلك التحديات العمل على تحرك الدولة المصرية على عدة مسارات متوازية الى جانب البعد الامني في مكافحة الارهاب عن طريق العمل على تحقيق عده اهداف ، لعل اهمها العمل على ضرب التنظيم والبنية التحتية له وبخاصة الانفاق السرية ومراكز ومخاذن الاسلحة والذخائر ، والعمل على قطع الصلة والعزلة بين تنظيم داعش وغيره في الخارج عبر قطع  الامداد والرقابة على الاتصالات في سيناء .
ثانيا ، ان يكون الغطاء الشعبي هو الاساس في القيام بالعمليات العسكرية على النحو الذي يجعل المواطنين شركاء في المكافحة والمسئولية ايضا ، ثالثا ، ضرورة القيام بمشروعات اقتصادية داخل سيناء داخل التجمعات المحرومة من الخدمات وتقديم المساعدات الانسانية للمحتجين ، ورابعا ، تشديد الرقابة الامنية على المرافق الحيوية داخل القاهرة والمحافظات والطرق الرئيسية . وزرع الكاميرات للرقابة على المنشآت الحيوية .
خامسا ، ان البعد الثقافي في مواجهة الارهاب عامل هام وحيوي والذي يجب ان يتم عبر المؤسسات الرسمية والدينية من اجل تصحيح المفاهيم ومواجهة نشر الفكر المتطرف . سادسا ،ضرورة العمل على رفع مستوى تدريب وتسليح الجنود وتامين مراكزهم واتباع سياسة امنية نشطه ومرنه لمواجهة اية تغييرات او تهديدات امنية سابعا ، ان اتخاذ تشريعات قانونية مناسبة تستطيع ان توازن ما بين الحفاظ على الامن وحماية الحريات امر هام وحيوي لتعزيز سيادة القانون وهيبة الدولة .
ثامنا ، على الرغم من الاتفاق على نبذ العنف ضد الدولة على المعارضة الوطنية ان تمارس دورها وفق احترام الدستور والقانون على النحو الذي يسحب البساط من تحت قدم جماعات المعارضة العنيفة ،وعلى النظام السياسي ان يحترم وجود معارضة قوية وفق احترام قواعد اللعبة الديموقراطية.
تاسعا ، ان استقلالية السلطات الثلاث لها اهمية في تعزيز دورها في الحياة الديموقراطية والعمل على مكافحة الفساد داخلها والعمل على تعزيز الشفافية والمساواة بين المواطنين وتعزيز سيادة القانون.
 
* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاسترتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>