«بنك المعرفة» قبلة حياة في جسد التعليم المصري المترهل

30-11-2015 07:16 AM - عدد القراءات : 883
كتب القاهرة – أمينة خيري
تشابكت وتعقدت واستعصت... لكن ربما يتمكن أحدهم من العثور على طرف الخيط حيث أول الغيث قطرة اسمها تطوير المعرفة وتنمية المهارات لشباب مصر وصغارها.
«بنك المعرفة» قبلة حياة في جسد التعليم المصري المترهل

تشابكت وتعقدت واستعصت... لكن ربما يتمكن أحدهم من العثور على طرف الخيط حيث أول الغيث قطرة اسمها تطوير المعرفة وتنمية المهارات لشباب مصر وصغارها.

عقود طويلة عاشها طلاب مصر من التظليم المدرَس تحت مسمى التنوير، والتجميد المقدم تحت عنوان التطوير، والتحديد والتخويف والترهيب وكأنها تمكين من أجل التفكير. هذه العقود يجني المصريون ثمارها اليوم، حيث نظام تعليم يخرج الملايين من أشباه المتعلمين وأسلوب تدريس يذر كماً هائلاً من المعلومات، بعضها منتهي الصلاحية، لإعادة ضخها على ورقة الامتحان، وجيش من الشباب والشابات من حملة الشهادات إما غير قادر على سد رمق سوق العمل نظراً الى تدني القدرات وتضاؤل الكفاءات، أو غير قادر على دخول سوق العمل أصلاً.

أصل المعضلة التعليمية في مصر يقبع في طفل مصري لا يملك مهارات القرن الـ 21 وشاب مصري قتل التعليم إبداعه وقضى المعلم على قدراته وأطبق نظام التعليم على مهاراته. وفي محاولة الخروج من المعضلة، تبذل جهود مصرية غير تقليدية وغير مسبوقة بهدف الإصلاح وإن كان بعيداً من الطريقة «العنترية».

عميد كلية العلوم والهندسة في الجامعة الأميركية في القاهرة والأمين العام للمجالس المتخصصة في رئاسة الجمهورية الدكتور طارق شوقي يلمح الى خطة تطوير معرفي وإصلاح مهارات تجري بسرعة شديدة ويتم إدماجها في المجتمع من دون أن يشعر أحد بأن زلزالاً تعليمياً يهز أركان مصر.

اطفال مصر وشبابها كانوا موضوع المائدة المستديرة التي عقدتها الجامعة الأميركية في القاهرة قبل أيام تحت عنوان «استراتيجية التعلم مدى الحياة: تطوير معرفة ومهارات الشباب في مصر». هذا التطوير وتلك المهارات لن تخرج إلى الحياة إلا ببداية منظومة التعلم المستمر حيث انطلاق «برنامج إعداد الشباب للقيادة»، و «المعلمون أولاً»، ونظام رخصة مزاولة المهنة، وإطلاق «بنك المعرفة».

«بنك المعرفة» الذي سيتيح لـ 90 مليون مصري كماً هائلاً من المحتوى العلمي والمعرفي من 26 دور نشر عالمية أبرزها «ديسكفري» و «سبرينغ نيتشر» و «كامبريدج» و «أوكسفورد» و «رويترز» وغيرها على شبكة الإنترنت هو المشورع الأول من نوعه في العالم. ويتوقع أن تساهم إتاحة هذه المصادر في تغير المفهوم السائد بأن المعرفة قاصرة على العلماء فقط.

المعرفة التي يؤمل أن تمد يد العون والإنقاذ لشباب مصر هي شكل من أشكال التعلم مدى الحياة أو التعليم المستمر الذي ترى أستاذة وعميدة كلية التعليم المستمر في الجامعة واستشارية البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة الدكتور دينا برعي أنه ينبغي أن يكون سمة من سمات الشباب. هذه المعرفة ستتيح مجتمعاً يتعلم ويفكر ويبتكر. وتشير برعي إلى أن ربع الملتحقين ببرنامج التعليم المستمر في الجامعة هم من الطلاب، ما يعني وجود إدراك شبابي بحاجة ماسة إلى صقل ما يتعلمونه بعلم ومعرفة حقيقيين. لكنها أشارت في الوقت ذاته إلى ظاهرة طريفة، ألا وهي إصابة عدد محدود من الطلاب بـ «انهيار عصبي» بعدما اكتشفوا أن البرامج التي التحقوا بها لا تحوي كتباً أة مناهج دراسية، ما دفعهم إلى استرداد أموالهم والانسحاب. تقول برعي: «على رغم أن الكتاب والمنهج الثابت لم يعودا من أساسيات التعليم الحديث، حيث التجديد المستمر والمواد العلمية الإلكترونية، إلا أن مفهوم الكتاب الورقي والمنهج الثابت مازالا يشكلان عصب العملية التعليمية حتى بين الشباب».

الشباب الذي يصاب بصدمة– على حد قول الدكتور طارق شوقي- بعد تخرجه والتحاقه بالعمل لأن قدراته وملكاته ومهاراته وتعلميه لا تمكنه من القيام بالعمل بالطريقة المطلوبة يلخص حال التعليم في مصر. «نسبة كبيرة من أولئك ذاكروا وحفظوا ودخلوا الامتحان وسكبوا المعلومات على ورقة الإجابة ونجحوا بتفوق، وتخرجوا بتقديرات مرتفعة، ودخلوا سوق العمل ليفاجأوا بقصور شديد في قدراتهم المعرفية وقدرتهم على التفكير النقدي».

ويتساءل شوقي مستنكراً: «كيف يمكن للمعلم – وهو الذي نشا على نبذ وكراهية التفكير النقدي- أن يزرع لدى طلبته ويدربهم عليه؟» فبين طريقة اختيار المعلم، اضافة الى أسباب اختيار المعلم نفسه لمهنة التدريس، والى قدرات المعلم، وأسلوب الترقي والمكافأة المعتمدين على الأقدمية والكادر وأشياء أخرى لا تمت بصلة للعملية التعليمية المطلوبة، أصبح المعلم المصري نقطة ضعف شديدة في البنيان التعليمي. وهنا ينطلق برنامج «المعلمون أولا»في بداية العام المقبل.

ويلفت عميد كلية الدراسات العليا في التربية في الجامعة الأميركية في القاهرة الدكتور تيد بيرنتون إلى معضلة كبيرة تختص بالمعلم في مصر، ألا وهي المكانة الاجتماعية. يقول: «كثيرون يستشهدون بنموذجي سنغافورة وفنلندا في مجال إصلاح التعليم، لكن من أبرز ما قامت به هاتان الدولتان هو الوضع الاجتماعي الممتاز الذي صنعتاه لمهنة المعلم. وللعلم حال التعليم في الدولتين لم يكن مختلفاً كثيراً عن مصر».

مصر وشبابها وصغارها الموعودون بطفرة معرفية وتعليمية في أوائل 2016 مطلوب منهم كذلك العمل على تغيير طريقة التفكير والتعامل. يقول شوقي: «ليس من المعقول ألا تكون هناك آلية لمكافأة المتميز وعقاب المتقاعس. الجميع يطالب بمكافآت وزيادات طيلة الوقت من دون إنجاز. كما من غير المنطقي أن يعارض الموظفون والمدرسون فكرة إصدار ترخيص مزاولة مهنة يتم تجديدها كل مدة بعد اجتياز اختبارات. ومن الجنون أن يخرج ملايين حاملين شهادات دراسية ليعلقوها على الحائط وتكون من مصوغات الزواج فقط لا غير. لدينا أشباه كل شيء، في الطب والهندسة والسباكة والنجارة والتدريس. وهذا لا يبني أوطاناً».

إحدى لبنات البناء الأولى تحدد لها الأسبوع الأول من العام المقبل حيث المعرفة للجميع والتعلم مستمر والمعلم أولاً والقيادة للشباب علها تبث الحياة في جسد التعليم المترهل.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>