الموبيل : السلطة في مواجهة انتقال القوة في يد الشعب

20-02-2016 01:16 PM - عدد القراءات : 1155
كتب د.عادل عبد الصادق*
موبيل وحدث وضحية وجاني وتفاعل وردود افعال ... تلك هي عناصر الثورة الجديدة التي اتاحت للمواطن ان يكون مراقبا لأداء الاجهزة الامنية كالدور الذي يفترض ان تقوم به الاجهزة الرقابية والسلطة التشريعية ، والتي من شأنها الـتاثير على العلاقة بين المجتمع والدولة في مصر وهي تلك العلاقة التي عانت من تشوهات جراء بعض تجاوزات جهاز الشرطة ضد المواطنين والكشف عن وقائع قتل وتعذيب وسحل وتحرش ورشوة وغيرها من الجرائم ،والتي على الرغم من كونها احداث فردية الا انه يتم توظيفها من قبل المواطنين انفسهم للتعبئة الجماعية ضد جهاز الشرطة واستخدامها كعنصر ضغط للدفع نحو الاصلاح الامني.
الموبيل : السلطة في مواجهة انتقال القوة في يد الشعب

من أهم التحولات في عالمنا المعاصر الانتشار الهائل لتطبيقات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات من ناحية والتقدم في عملية الدمج بين وظائف الاجهزة والتطبيقات في مجال الاعلام والاتصال ،ومن جهة ثالثة انتشار القدرة على التاثير بين المواطنين في مواجهة الفاعلين التقليدين ، وارتبطت تلك القوة المتمثلة في امتلاك المواطن منصة اعلامية متكاملة تتمثل في جهاز محمول او موبيل ، اعطته القدرة على نحو غير مسبوق على التعبير عن قضاياه ومشكلاته وتوثيق ما يجري معه او مع من حولة او القيام بنقل الحدث والتعليق علية على النحو الذي جعلة مواطنا صحفيا ، وهو عمل على اتشار القوة السياسية والإعلامية من الاجهزة الرسمية الى المواطن البسيط ، وهو ما جعله شريكا في التعاطي مع السياسات العامة ، وفرض ذلك في الوقت نفسة عدم تجاهلة بقدرته على نقل الاحتجاج الفردي الى التعبئة الجماعية ، وبخاصة مع تراجع دور المؤسسات الرسمية واجهزة الدولة على القيام بدورها من ناحية وعدم قدرتها على مواجهة التطلعات والطموحات التي اصبح المواطن يحملها جراء تفاعلة مع ثورة المعلومات والاتصال والتي مكنته من  رفع وعيه حول الحقوق والحريات والواجبات وطبيعة دور الدولة واجهزتها المختلفة ، وتعاظمت قدرة المواطن كذلك على جمع المعلومات ونقلها والتفاعل حولها، وبما جعلة يلعب دور الناقد والباحث والمحلل ،وهو ما كان من شأنه ان عمل على كسر احتكار  الاجهزة الرسمية والإعلامية  للسيطرة المعرفية على المواطنين ،

 وعلى الرغم من التعريف الشائع للديمقراطية بانها حكم الشعب الا انه على مدار عقود طويلة تم تفسير ذلك في قدره الشعب على اختيار ممثلين له في السلطة النيابية ،والتي يصبح لها القدرة على صنع السياسات العامة والرقابة على اداء السلطة التنفيذية ، ولكن حتى هذا الدور  حدث تهديد له بتفريغه من مضمونه جراء تنامي دور القوى الاقليمية والدولية في صنع السياسات المحلية  بالاضافة الى  سيطرة رجال الاعمال وجماعات الضغط  على العملية السياسية ،والى جانب ذلك  استغلال الفقر والعوز في تزييف ارادة الناخب ، وبتحول نظم الحكم في بلاد اخري الى شللية سياسية او عائلية سياسية ، وانغراق النخبة وسيطرتها على مقاليد الامور بمعزل عن دورها في التعبير عن ارادة الشعب والتاثير في من يحكم وكيف يحكم في تلك الدول ، وهذه الديمقراطية التمثيلية اصبحت في تحدي عظيم بعد جملة التغييرات الكبيرة التي حدثت بعد تأكل دور تلك المؤسسات السياسية وعدم قدرتها على التعبير عن ارادة الشعب و عجزها عن مواكبة حجم التغيرات في مجال الحصول على المعرفة والقوة لدى الشعب بما جعل العالم ينتقل مرة اخرى الى ما يشبه الديموقراطية المباشرة ،

وجاءت الثورة المعلوماتية لتقدم المعرفة والمعلومات والاخبار للمواطن الى جانب القدرة على اعادة توجية تلك المعلومات لتعبئة الجمهور من جانب الفرد ، وجاء الى جانب ذلك توافر اجهزة اتصالات وتطبيقات الكترونية ساعدت المواطن في القيام بهذا الدور سواء عبر امتلاك هاتف محمول او باستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي وغيرها ، والتي تحولت الى منصة  امام المواطن في مواجهة الاعلام الرسمي واجهزة الامن وسطات الدولة ، وعلى الرغم من الجوانب السلبية لتلك التطبيقات والتي جاءت في ظل ثقافة مهترءه وغير ناضجة ساهم في تشيكلها نظم حكم متعاقبة كان لها التاثير في انخفاض الوعي الثقافي لدى المواطن بالحقوق والواجبات او بالتعريف بالذات وبالتاريخ او بالمصلحة الوطنية ككل . وعلى الرغم من ذلك التحدي الكبير كان هناك من استخدم تلك التطبيقات في الكشف عن ممارسات الاجهزة الامنية وكشف تجاوزاتها بعيدا عن الدور التقليدي  للسلطة القضائية او حتى دور الاعلام الرسمي وشبة الرسمي .

واصبحت تستخدم الشبكات الاجتماعية في ممارسة نوع جديد من الرقابة المباشرة من المواطن على اجهزة الدولة من ناحية ومكافحة الجريمة من جهة اخري ،على النحو الذي يدلل ان تلك القوة الشعبية الجديدة  يمكن توظيفها في خدمة الامن المجتمعي بدلا من ان تلعب دور في اضعاف الثقة بين الشعب والنظام الحاكم ، حيث اثرت تلك الثورة المعلوماتية في تغير طبيعة المجتمع وفي الادوات التي يمتلكها في قدرته على التاثير والتفاعل والتعبئة الجماهيرية .

وتبقى العلاقة بين الشعب والسلطة من اشد العلاقات ترسيخا للامن باعتبار ان كلا منهما شريكين في حفظة او في انتهاكة او تعرضة للخطر ، ومن المعروف تقليديا ان حفظ الامن هو مسئولية الدولة ومؤسساتها باعتبارها تملك الحق الشرعي والدستوي في احتكار استخدام القوة لانفاذ القانون دون غيرها ،   

فالعلاقة بين الشرطة والشعب تحكمها الثقة المتبادلة فاذا اهتزت فان كلا منهما يعرض الوطن للخطر ، ومع زيادة حالة الفاعلية الاجتماعية والسياسية عبر الشبكات الاجتماعية اصبح يتم الكشف عن تجاوزات للشرطة كما يتم الكشف عن الجرائم وتوثيقها او باستخدام الفيديوهات والمنصات الاجتماعية لتعبئة الراي العام او بالضغط على مؤسسات الدولة لمواجهة المقصرين او المجرمين ، وعلى الرغم من ان عدد الحالات قد يكون فرديا الا انه يتم تضخميها عبر معالجتها الكثيفة سواء من جانب مرتادو الشبكات الاجتماعية او بنقل اخبار تلك التجاوزات عبر الاعلام الخاص والرسمي بما يعمل على اتساع رقعه الانتشار والتاثير .

  وعلى الرغم من الطابع الفردي لتجاوزات الشرطة الا انها تحتاج فورا وفي عالم اليوم الى معالجة اسرع والعمل على الحد من انتشار تاثيرها الممتد والمرشح بالتصاعد في المستقبل ، وبخاصة مع تغير طبيعة المجتمع وبرز دور فاعلين جدد بداخلة لا ينتمون الى مؤسسات اعلامية او حكومية وما يحركهم فقط هو الانتماء للقيم التي تعبر عنها القضية محل الاهتمام كالدفاع عن قيم الكرامة والانسانية والعدالة وغيرها ، والتي يصعب على الجهات الامنية تسييس تلك القيم او التقليل من دور تلك الاحداث الفردية في انتهاك قيم المجتمع في مواجهة محاولة بث الخوف او الرعب .

فكشف تجاوزات الشرطة او سلبيات المجتمع اصبح امرا مسلما به ولكن تبقي القدرة على مواجهة ذلك على المحك ، لان الدولة الان واجهزتها اصبحت تتعامل مع مواطن ليس فقط ذكيا من الناحية العقلية من خلال قدرته الفائقة على اتخاذ ردود الفعل بل كذلك بامتلاكه للتطبيقات الذكية التي تساعده في تنفيذ اهدافة ، وبخاصة بعد رفع الوعي لدى المواطن المصري بالحقوق والحريات سواء عبر التغيير الوجداني او السلوكي الى جانب الخبرة السياسية التي مر بها والمتمثلة بانتفاضتين في 25 يناير و30 يونيو كانا لهما الدور في تغيير راس السلطة في كلا منهما وعكست القوة الشعبية في مواجهة قوة الحاكم.

وهو ما يجعل عملية الردة في الحريات او حتى الاصطدام بطموحات الناس البسطاء يمثل مخاطره في سبيل تحقيق الامن والاستقرار السياسي ، والتي ترتبط بالعمل على معالجة التهميش الاجتماعي والاقتصادي ومكافحة البطالة والتي تمثل وقود يمكن توظيفة في القيام باعمال ارهابية او اجرامية ، او التعبير عنه بشكل سياسي عن طريق الاحتجاجات والمظاهرات السلمية .

 

 

 

 


وعلى قدر ما ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في التعبئة لدى قطاع من الراي العام خلف قضايا قد لا تعبر عن اولوية لدى مجمل الجمهور  المصري الا انها تعكس نمط معين من الاستجابات والتي تعكس ثقافة المستخدم للتطبيقات الالكترونية ،والتي قد تعبر عن خلل في المواطنة وفي الوعي مثل حالة مراقبة ومتابعه الفيديوهات التي خرجت للرد على تجاوزات "تيمور السبكي ضد نساء مصر " والتي تكشف السرعه في شحن وتعبئة بعض المتعصبين واستخدام خطابا اكثر تطرف وعنصرية وانتقام  بما ينذر بان تلك القوة الكامنة يمكن امتصاصها في امور ثانوية او طائفية او عائلية او جهوية ، وهو ما يكشف طبيعة الثقافة لدى المواطن من جهة ومدى ثقته في اجهزة الدولة والجهات القضائية المخولة وحدها بالحكم والتنفيذ من جهة اخرى  ،والى جانب ثالث تكشف عن تحول تلك القضايا الى متنفس يحاول المواطن ان يعبر عن احتجاجه او موقفة او بؤسة من خلال تنفيذ طاقة الاحتجاج تلك والتي سرعان ما تختفي ولا يتم بناء عليها ايه موقف ايجابي .

ومن ثم فان فديوهات تجاوزات الشرطة ضد المواطنين تلعب دور في الرقابة الشعبية على اداء الشرطة من جهة وتكشف وعي المواطن وطموحة باداء امني يتناسب مع ثقافته وقيمة ولا يتجاوز حقوقة وحرياته من جهة اخرى .

وذلك على الرغم من ان تلك الادوات الجديدة يمكن ان تساهم في جعل المواطن شريكا في المنظومة الامنية من خلال  تحول المستخدمين للموبيل او الشبكات الاجتماعية الى محققين وضابطين للجريمة وممارسين لدور الضابط الاجتماعي ، وذلك في واقع يشهد تصاعد المخاطر الامنية ،وهو ما يساهم في مساعدة الشرطة في تقديم تفاصيل عن الجريمة ومكان وقوعها واطرافها وطبيعة القضية . من خلال التصوير والتوثيق والتعليق والنشر بصورة اسرع انتشارا من وجهة نظر غير رسمية بما يشكل ضغطا على موقف الجهات الرسمية ،وبخاصة بعد ان يتم  تغطية الحادثة عبر وسائل الاعلام التقليدية ، وتحولها الى مواضيع اساسية على القنوات الفضائية  .

 وهو ما يساعد على ان يقوم الافراد بدور ايجابي في مكافحة الجريمة والارهاب داخل المجتمع ، ومن اجل تعزيز ذلك الدور يتطلب ان يكون لدي المواطنين الوعي الكافي باستخدام الموبيل في توثيق الجربمة وذلك على الرغم من عدم الاعتراف بذلك قانونا كدليلا جنائيا الا بأذن من السلطات القضائية الا انه يدخل في اطار القرائن والدلائل المحركة للقضية ،وعلى الرغم من اهمية دور المواطنين او المستخدمين للشبكات الاجتماعية في مكافحة الجريمة الا انه توجد عده محاذير تواجه تفعيل ذلك الدور ، ولعل من اهمها ان عملية اطلاق الفيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي يمكن ان يساعد مرتكبي الجريمة في التخفي او الهرب او تمويه الجريمة على النحو الذي يضر من سير التحقيقات ، ومن ناحية اخري ان عملية اطلاق الفيديوهات يمكن ان تلعب بها البعد الشخصي او تعمد الواقعه او محاولة تصفية حسابات شخصية او نشر معلومات مضلله ، ويمكن ان يكون ذلك مدخل لانتهاك الخصوصية وتصفية حسابات شخصية وتشويه السمعه لبعض الاشخاص واستباقا لسير التحقيقات ، وتؤثر على  استقلال القضاء وبخاصة ان تناول الاعلام  للقضية يعمل على الاضرار بالادلة وبالشهود . وقد تثبت التحقيقات براءة  من يتم  اتهامهم او ظهورهم في الفيديو وهو ما يصعب بعد ذلك  ازالة على الاقل الاضرار النفسية للمتهمين .ولا ينفي ذلك اهمية دور شبكات التواصل الاجتماعي في ممارسة دور الرقابة على اداء المؤسسات الامنية والقيام بتعزيز شرطة ذات طابع مجتمعي تستخدم ادوات غير تقليدية لمكافحة الجريمة والعنف داخل المجتمع ، وتعمل كذلك على النظر الى المواطن على انه شريك في صناعه السياسات الامنية.

والمشاركة في مجال التوعية بمخاطر الجريمة والوعي القانوني والثقافة القانونية التي تحمي المواطن من تجاوزات الشرطة ، ومكافحة العنف داخل المجتمع.وكشف الفساد او الاهمال ودعم الحقوق والحريات وممارسة الدور الرقابي على السلطة التنفيذية فيما يتعلق بالسياسات العامة  . 
ان التحول في نظريات الامن القومي اصبحت تركز على دور الفرد اولا في الدفاع عن امنه الشخصي ثم قيامة بالمشاركة كذلك في دور الضابط الاجتماعي .وبخاصة مع امتلاك الفرد لادوات جديدة جعلت منه مصدر تهديد للامن الجمعي وفي نفس الوقت جعلت منه الفرصة لان يلعب دورا في امن المجتمع ،

ان فيدوهات الكشف عن تجاوزات الشرطة على الرغم من التسليم بفردية الحدث الا انها يمكن ان تساعد في المعالجة لعناصر الخلل الامني والتقدم في الاصلاح الامني الذي يبني علاقة متوازنة بين المواطن ورجل الأمن على ارضية الاعتراف المتبادل بدور كل منهما،والى جانب  تحسين  عملية تنفيذ السياسات الأمنية وحسن اختيار العناصر الامنية والشرطية والعمل على رفع قدراتها في مجال حقوق الإنسان وبحجم التغير في ادراك ووعي المجتمع والراي العام كل ذلك من شأنه تدعيم  الثقة بين المجتمع والدولة والتي تمثل حصن الامان ضد اية تاثيرات خارجية ، والإقرار بان رجل الامن هو خادم للدولة كما يخدم باقي المواطنين برطق مختلفة ولا تعبر طبيعة وظيفة الامن عن منحة تميزية على باقي افراد الشعب بل هو اختلاف ينبع من طبيعة الدور الذي يقوم به فقط والذي يخدم في النهاية سياسة الدولة المعبره عن مصالح الشعب .فرجل الامن هو شريك للمواطن وليس سيدا علية في اطار القانون والدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات.

وتكشف ظاهرة نقل وتصوير مشاهد تجاوزات بعض من افراد الشرطة  عن تحول في ادراك المواطن نحو تلك الاجهزة الامنية كونها وضعت لحمايته ويشارك في عبئها المالي عبر الضرائب ،ومن جهة اخرى تحول المواطن الى عين مراقبة على الاداء بغية تحسين الخدمة الامنية ، وان المواطن اصبحت لدية القدرة على ممارسة الرقابة كما تمارسها الشرطة !! ولكن يكمن الفرق في القدرة بينهما على التعبئة الجماعية ضد تجاوزات الطرف الاخر ، وهو ما يفرض اهمية احترام المواطنة وحقوق الانسان والحريات وان تنفذ مؤسسات الدولة ارادة الشعب والذي اصبح لدية قوة من نوع خاص من اهم اسلحتها على الاطلاق هو "الموبيل" ، في عصر المعرفة وانتشار القوة داخل المحيط المحلي والعالمي .

  *خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>