الوجه الآخر للإنترنت: شبكة سوداء معدة للجرائم والإرهاب ودفن أسرار الدول

28-08-2016 02:29 PM - عدد القراءات : 542
كتب العرب د. حسن مصدق
الشبكة السوداء لا تنحصر في الأنشطة والعمليات الإجرامية فهي أيضا مسرح غني بشتى الخدمات ووسيلة ناجعة للتعرف إلى الكثير من الأسرار والحقائق.
الوجه الآخر للإنترنت: شبكة سوداء معدة للجرائم والإرهاب ودفن أسرار الدول

إن تنامي دورالشبكات ومرونتها في استيعاب تعقيدات التداخل بين مختلف الفاعلين والروابط والتدفقات الرقمية، جعلت منها شكلا من أشكال القوة الجديدة، وموجة جديدة متصاعدة الأهمية في التأثير الذي يطال مختلف المجالات الإنسانية.
ويقتضي ذلك تقصي دور الشبكة المظلمة وفحص تعدد أشكال التشبيك العابر للحدود عبر العالم، بحيث تتوزع مجالات الإنترنت بين ثلاثة عوالم مختلفة، يتمثل الأول في الشبكة الظاهرة أو السطحية، والتي تضم معلومات متاحة لجميع الناس، ويتم ولوجها دون صعوبة تذكر عبر محركات البحث المعروفة التي تستخدم البروتوكول الشائع “هيتش تي تي بي” التي لا تغطي أكثر من 5 بالمئة من مجموع صفحات الشبكة العنكبوتية، بحيث أن كل ما ينشر ويؤرشف يعتبر حقا عاما مشاعا.

ولا يمكن في هذا الباب الخلط بين الشبكة السطحية والطبقة الثانية من الإنترنت التي تضم الشبكة العميقة أو السرية غير المرئية، لأن هذه الأخيرة إذا كانت تضم مواقع متاحة، فإنها ليست مفهرسة وغير مؤرشفة على محركات البحث لأن خوارزميتها الحسابية لا تتيح ذلك أو لأنها محمية، وتحتاج بياناتها ومعطياتها لهذا السبب إلى مفاتيح خاصة، تمكن من الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالشبكات الداخلية للمؤسسات البنكية والمكتبات والهيئات وبنوك المعطيات، ومضامين مواقع الاتصال الاجتماعي، بحيث تشمل أكثر من 90 بالمئة من صفحات الشبكة العنكبوتية.

لكن الذي يثير الاستغراب والقلق اليوم، هو “الشبكة السوداء” ذات الأسطورة المخيفة، والمعروفة بالإنترنت الداكن والمظلم أو الفوضوي غير الخاضع للقانون، فهي تضم عددا ضخما من الشبكات المستقلة والمرتبطة عبر برنامج تور الذي يعتبر بمثابة بوابة للشبكة العميقة، والذي حظي بجائزة البرنامج الحر في عام 2010، بحيث بات يملك محرك بحث خاصا يشكل وسيطا بين شبكة تور والإنترنت المتاح، مما يمكّن من إظهار بعض محتويات الشبكة المظلمة إلى السطح، وهو يحتوي اليوم على أكثر من 750 ألف صفحة كلها مستمدة من الشبكة العميقة، لكنه في حال استخدامه، فهو يجرد متصفحه من أي حماية لهويته الرقمية التي يوفرها له برنامج تور.

وعلى خلفية هذا الإعجاب والخوف الراهن بالشبكة المظلمة، تدور في نفس الوقت استراتيجيات هجومية وتكتيكات دفاعية، تحاول حماية أو اختراق هوية المتصفح، ومضمون ما يتصفح، وكل الأنشطة التي تقع في العالم السفلي والعميق لشبكة الإنترنت. وفي ذلك، يتم استعمال برنامج تور كطريقة إبحار، تمكن المتصفح من مراقبة معلوماته وعدم إفشائها على عكس بروتوكول نقل النص التشعبي “هيت شتي تي بي” المستعمل في الغالب بالشبكة السطحية أو النظيفة، حيث وصل عدد مستعمليه حوالي 2.5 مليون شخص في بداية 2016، أغلبهم في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، خاصة أن متطلبات الحفاظ على أسرار الحياة الشخصية وحمايتها عالية جدا.

تضم الشبكة السوداء عوالم خفية غير مسموح بالاطلاع عليها فهي تقع في أعماق الإنترنت وفي مستويات سحيقة منه

غير أنه تحوم حوله اليوم العديد من الشكوك بسبب تمويل 60 بالمئة من برنامجه من طرف الإدارة الأميركية، لكن أنصاره يردون بأن الإدارة الأميركية تساعد في تمويل المشروع حفاظا على الحياة الخاصة، وهي ترغب في حمايتها بالرغم من اهتمام وكالاتها الأمنية بما يجري فيها وتعقب آثار العمليات الإجرامية والرقمية. ويحيط بعوالم الشبكة المظلمة أو السوداء غموض كبير، وهو يفرض تمييزها عن الشبكة العميقة والشبكة الخفية والشبكة السرية.

ولتبسيط الصورة، إن كل هذه الشبكات تشمل الإنترنت المتاح الوصول إليه بما فيه الشبكة غير المرئية التي لا يمكن الاطلاع عليها عبر محركات البحث التقليدية. غير أن الشبكة السوداء عالم يهم كل ما هو في تعداد المحجوب عن العموم، ولا يعترف بحقوق الملكية الفكرية أو الرقمية، تجعل منه مجموعة من الشبكات والتقنيات المستعملة التي تسهل أمر تبادل المضامين الرقمية بشكل لا تستطيع المراقبة التعرف على هوية أصحابه، ويختلط في معطياته المُشفرة ما هو قانوني بما هو غير قانوني. كما يرجع سر تسميته بالشبكة السوداء لأن مضامينه غير متاحة ولا يمكن رصد محتواه كليا ولا الاطلاع عليه عبر محركات البحث التقليدية.

لذلك من السهولة بمكان، أن ينشط فيه كل الراغبين في العمل بالأنشطة المشبوهة والممنوعة، وتعج مواقعه بعمليات بيع وشراء المعلومات السرية وجمع الأموال للمنظمات الإجرامية والإرهابية، الأمر الذي يساعدها على تثبيت أنشطتها غير الشرعية في الواقع الافتراضي بالقياس إلى أنشطتها الإجرامية على أرض الواقع، غير أن الشبكة السوداء لا تنحصر في الأنشطة والعمليات الإجرامية، فهي أيضا مسرح غني بشتى الخدمات ووسيلة ناجعة للتعرف إلى الكثير من الأسرار والحقائق والمعلومات، فضلا عن كونها تحظى بمراقبة حثيثة من طرف وكالات الاستخبارات والمؤسسات الأمنية، ويستعملها أيضا الكثير من النشطاء خوفا من أن تطالهم الاعتقالات والتضييق على آرائهم في مناطق الصراع السياسي.

ويبقى أنها تضم في كنفها عوالم خفية غير مسموح بالإطلاع عليها بسهولة، فهي تقع في أعماق الإنترنت وفي مستويات سحيقة منه، يفرض الغوص في أعماقها أن يكون المتصفح سباحا ماهرا في هذه العتمات، فهي موطن للبيانات والمعلومات السرية وعقود الاغتيالات والقتل والخدمات الخفية، بحيث يعج هذا المستوى ببرامج القرصنة والتجسس، كما أنها لا تخضع لأي رقابة، فيما لا ينصح الاقتراب منها، لأن تأثيراتها وتداعياتها السلبية مدمرة، كما أنها تضم كل المحتويات الداخلية والبرامج التي أصبحت الدول مهووسة بالحفاظ على سريتها.

باحث بجامعة السوربون



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>