طريق التكنولوجيا تحتاج إلى تمهيد ثقافي أولا

19-10-2016 03:32 PM - عدد القراءات : 659
كتب العرب -لندن
يتخيل رجال أعمال كثر أن إدخال التكنولوجيا الحديثة على شركاتهم سيكون عصا سحرية لإنقاذها من الركود. لكن ما ثبت إلى الآن هو العكس تماما، إذ ستتحول التكنولوجيا إلى عامل مدمّر ما لم يغير أصحاب الأعمال ثقافة العمل أولا، مثلما حدث داخل نادي ليستر سيتي الذي حصد لقب الدوري الإنكليزي لكرة القدم الموسم الماضي.
طريق التكنولوجيا تحتاج إلى تمهيد ثقافي أولا
أعطى حصول فريق لستر سيتي على بطولة الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم الموسم الماضي درسا لرجال الأعمال البريطانيين يتمثل في أنهم بحاجة إلى إنفاق ثروة من أجل تجميع النقاط.

ويقول مراقبون إن كل ما يحتاجه الإنسان لتحقيق النجاح، هو روح القيادة وأخلاق العمل في إطار الفريق. والضجة التي شهدتها الشركات الحديثة في مجال التكنولوجيا هي أشبه بتلك التي يحدثها أحد فرق كرة القدم وهو يطارد أحد كبار نجوم اللعبة لضمه إلى صفوفه على أمل أن يعثر على الحلقة المفقودة في طريقه إلى النجاح.

وهناك روايات كثيرة تتحدث عن بدع المديرين التنفيذيين منها، أن أحدهم اشترى أجهزة أيباد لجميع الموظفين لمجرد أن أحدهم تجاهل طلب صداقة منه على شبكات التواصل الاجتماعي، مع أن شراء جهاز واحد للمعني بالأمر من شأنه أن يكون كافيا.

ويقول متخصصون في التكنولوجيا إنه في المكان الذي يجب أن تكون فيه الإنتاجية والأمن في قلب التحول الرقمي والتعامل مع تركة تكنولوجيا المعلومات الثقيلة، فقد أثبتت مطالب التنظيم وثقافة التغيير أنهما من أبرز التحديات.

تواجه المسألة الثقافية صفعات من نقص في التواصل، أو على الأقل الثقة في مطالب قادة تكنولوجيا المعلومات، والتي تناولها رأي الأغلبية من المتحدثين والوفود المشاركة في مؤتمر نظمته صحيفة الغارديان البريطانية حول التحول الرقمي، بدعم من شركة أن.تي.تي للاتصالات، في وقت سابق من هذا العام.

هناك فرق هائل بين المديرين الذين يحافظون على الأعمال الجارية والقادة الذين يقدمون التوجيه ويشجعون الابتكار

وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وضعف الإنتاجية في المملكة المتحدة، وفقا لإحصاءات مكتب الإحصاءات الأخيرة، فإن هناك قلقا متزايدا من دور التكنولوجيا الذي يمكن أن يظهر سلبيا في توجيه أو تعطيل الإنتاجية والتقدم.

ويظهر التأثير المدمّر للتكنولوجيا في ما أصبحت عليه شركات مثل كوداك، وبوردرز، وولورثس، وما يمكن أن يحصل داخل الشركات التي لم تواكب موجة التغيير.

ويفيد تقرير العولمة الرقمية الصادر عن معهد "ماكينزي غلوبال أنستيتيوت" هذا العام، بأن "القدرات الرقمية المتقدمة هي المصدر الرئيسي للميزة التنافسية".

واعترف الاتحاد الأوروبي بأن هناك حاجة إلى التأقلم مع المشهد الرقمي المتغير، على النحو المبين في مقترحات سوقه الرقمية الوحيدة، إلى جانب وضع خطة للحد من القيود التنظيمية وتعزيز خدمات الحوسبة.

وقالت وزيرة العمل في بريطانيا نوفيل رولفي “نحن نعيش زمن الثورة الصناعية الرابعة، التي سوف تغير بطريقة جذرية طريقة أدائنا لأعمالنا على نحو قاس”.

إذن لماذا تبدو الشركات البريطانية مثل مجموعة مختلطة عندما يتعلق الأمر بالإعداد للتحول الرقمي؟

ويقول سوراش باتيل، المدير العام بشركة الهواتف المحمولة “أم.غايج”، إنه “في الكثير من الأحيان يبدو الأمر صعبا جدا، الشركات لا يمكن أن تتقدم إذا كانت هناك اعتبارات معقدة لم يتم النظر فيها منذ حوالي 10 أو 15 عاما -البنية التحتية القديمة التي لم تتغير منذ زمن هي التي تعرقل الآن عملية صنع القرار".

سايمون هايز: أكبر التحديات التي تواجه التحول الرقمي هي ثقافة الأعمال، وطرق العمل، والتأكد من أن هناك علاقة بين الأعمال والتكنولوجيا

ولكن ماذا عن التكاليف الخفية لعدم تحسين البنية التحتية الرقمية، والوقت الضائع، والالتزام والمخاطر التي تتعرض لها البيانات؟ هل هذه فجوة معرفية؟ هل يتحدث مسؤولون عن المعلومات إلى الرؤساء التنفيذيين بالقدر الكافي عن ذلك؟

ويقول جون فوكس، أحد المتحدثين في المؤتمر ومستشار في مجال التحول الرقمي، إن “ثقافة الشركة هي مشروع عملاق في غرفة التحول الرقمي. إذا لم يتم إصلاح الثقافة، فإن كل شيء يمكن فعله بالتكنولوجيا دون الذهاب إلى العمل. يحتاج صاحب الشركة إلى بطل حقيقي في أعلى المناصب الوظيفية في الشركة يكون بمقدوره أن يحدد جدول الأعمال”. وجلب تعليق فوكس إيماءات بالموافقة من المتدخلين في المؤتمر.

وقال سايمون هايز، مدير الاستشارات في شركة التكنولوجيا الحديثة “موزاييك أيلاند”، “لقد اكتشفنا أن أكبر التحديات التي تواجه التحول الرقمي هو ثقافة الأعمال، وطرق العمل، والتأكد من أن هناك علاقة بين الأعمال والتكنولوجيا".

وأضاف أن هناك "انهيارا في العلاقة" بين تكنولوجيا المعلومات ورواد الأعمال، ولهذا "لا يوجد شيء من هذا القبيل كمشروع تكنولوجيا متوفر في جميع المشاريع التجارية".

وذكر أحدث تقرير لشركة الاستشارات “هارفي ناش” وشركة الخدمات المهنية “كي.بي.أم.جي”، بعد إجراء مقابلات مع أكثر من 3 آلاف من متخصصين في تكنولوجيا المعلومات، أن حوالي الثلثين (63 بالمئة) من مشاريع صناعة الأموال في مجال تكنولوجيا المعلومات هي من أهم أولويات الرئيس التنفيذي، في حين يرى حوالي الثلث (37 بالمئة) أن الرئيس التنفيذي أكثر اهتماما باستخدام تكنولوجيا المعلومات على أنها أداة لتوفير التكاليف.

ومع ذلك، قال هايز، إنه شهد حالات كبيرة تم خلالها تطبيق نظام تكنولوجيا المعلومات لاستبدال التكنولوجيا القديمة. وعلى سبيل المثال، فقد قامت جمعيات الإسكان في بريطانيا بعملية تحديث كبرى عبر أقسام تكنولوجيا المعلومات و”لم يتم تسليمها بعد” لأن المشروع لا يزال يعتمد على التكنولوجيا المركزية. وكان ذلك مثالا يدل على كيف أن أي مشروع تحول رقمي يحتاج إلى أن يكون موجها من قبل إحدى القضايا التجارية والاندماج مع العديد من الإدارات إذا كان ذلك ممكنا.

الضجة التي شهدتها الشركات الحديثة في مجال التكنولوجيا هي أشبه بتلك التي يحدثها أحد فرق كرة القدم وهو يطارد أحد كبار نجوم اللعبة لضمه إلى صفوفه

وتقول ليون باديلا، نائبة رئيس استراتيجية المنتجات في شركة “أن .تي.تي كومينيكيشن” للاتصالات، إن “الخطر يكمن في الاندفاع نحو ما هو مجاني دون التفكير في المخاطر”، مشيرة إلى أن أمن البيانات لن يكون قويا بالقدر الكافي إذا لجأ الموظفون إلى استخدام نسخ مجانية من البرامج المتوفرة على الإنترنت.

وأضافت أن “وضع جميع المخاطر على عاتق قسم تكنولوجيا المعلومات خطأ. هناك فجوة في الوقت الراهن. نحن بحاجة إلى مجالس إدارة قادرة على التحكم في هذا الخطر. ويجب أن تحدد الشركات احتياجاتها الأمنية بشكل دقيق. هذا هو التحدي الذي نواجهه في الوقت الراهن. ليس مجرد السماح لقسم التسويق باختيار أروع شيء. أنت في حاجة إلى محادثة أكبر حول ما هو الجيد بالنسبة إلى رجال الأعمال”.

ووفقا لهايز، فإن إزالة المفهوم التقليدي لتكنولوجيا المعلومات باعتبارها مجرد مركز تكلفة، تعتبر أمرا أساسيا لفكرة أن شركات تحتاج إلى “إعادة الهندسة”، بما أن أدوات التكنولوجيا الحديثة للبنية التحتية والإنتاجية تحتاج إلى طريقة مختلفة تماما في التفكير.

وعلى سبيل المثال، التكنولوجيا السحابية تدمر الطرق التقليدية في العمل ولكنها تمثل عملية تحسين للأعمال التجارية، بشكل خاص، بالنسبة إلى أقدم الشركات وأكثرها رسوخا.

وكمثال على ذلك، تحدث هايز عن تشجيع شركة “سكاي” لروح المبادرة من خلال خلق “ثقافة قائمة على المنتج”، حيث تمتلك فرق البرمجيات حقوق ملكية الأشياء التي تصمّمها. وأشار أحد المحاضرين الآخرين إلى أن شركة “إي.بي.أم” تمنح جائزة مالية كبيرة من أجل الحصول على أفكار الموظفين.

أكبر التحديات التي تواجه التحول الرقمي هو ثقافة الأعمال

وليس سرا أن البعض من الشركات الكبرى تعترف بأهمية الابتكار، لا سيما في مواجهة الطبيعة التخريبية التي تشهد نموا نتيجة لضعف النفقات العامة في البنية التحتية وطرق التوزيع السريعة. ولكن هناك مؤسسات لا تزال بطيئة في مجال التغيير.

وقال جون كروسبي، وهو شريك في مؤسسة “برايس ووترهاوس كوبرز ليغال”، إن "الابتكار يجب أن يأتي من مختلف مجالات العمل. هناك ابتكارات في سوق العمل، والموظفون الذين يعرفون الكثير عما يفعلونه وكيف يفعلونه، ويرون أن أمامهم فرصا لفعله بشكل أفضل. يتعلق الأمر بتراجع ثقافة الشركة عن كيفية القيام بهذا التطوير".

مرة أخرى يعود الأمر إلى الثقافة، ولكن في الوقت الذي تتغير فيه أو لا تتغير أساليب العمل، حيث يقول كروسبي إن البيانات لها دور ريادي في عملية التغيير. كيف يمكن أن تصبح عملية إدارة وتأمين البيانات من طرف الشركات لصيقة بالتحولات الرقمية، وفي النهاية تحدد النجاح أو الفشل؟

وأضاف كروسبي أن “هناك مخاطر في استخدام الموظف لجهازه الخاص في العمل. إذا حدث شيء ما سوف تكون له تداعيات كبرى على بيانات الشركة”. ووافق على “أننا بحاجة إلى تحول في كيفية تعامل الشركات مع البيانات. فقدان الحسابات للعديد من المرات يجعل الناس يقولون إنهم يواجهون باستمرار مشاكل البيانات، وهو ما جعل عملهم في غاية الصعوبة”.

وتحدث كروسبي عن أحد العملاء الذي يرغب في الاستفادة من التقنيات السحابية من أجل المزيد من “الكفاءة وخفض التكاليف”، ولكن كشركة عالمية لها تدفقات للبيانات عبر عدد من السلطات القضائية اضطر أصحابها إلى “إعادة التفكير إلى حد كبير في ما إذا كان هذا الحل مناسبا”.

ويمكن للاتفاقات الدولية بشأن تدفق البيانات أن تحدد كيف يمكن تخزين بيانات المواطن في مكان ما واستخدامها في مكان آخر، وهي لديها تأثير على صنع القرار في قطاع الأعمال، وهذا بدوره يؤثر على خيارات التكنولوجيا.

وخلص أعضاء الفريق إلى أن التعقيد يبدو واضحا في وجود حواجز مشتركة في مجال إنشاء الشركات، وهو ما يتطلب مهارات معينة لتحديد العملية الأساسية ومجموعة البيانات التي ينبغي توفرها داخل الشركة وتطويرها، باعتبارها استراتيجية لنمو الأعمال التجارية، وضمان الالتزام بها منذ البداية.

وقال باديلا إن “التغيير يتطلب القيادة. هناك فرق هائل بين المديرين الذين يحافظون على الأعمال الجارية والقادة الذين يقدمون التوجيه ويشجعون الابتكار".

وأضاف أن الشركات تحتاج إلى التفكير في التحول أولا وفي الرقمنة ثانيا، عندها فقط سوف تجني الشركات الفوائد الإنتاجية للاقتصاد القائم على التكنولوجيا الحديثة.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>