كاميرات المراقبة وحماية الخصوصية والمعلومات الشخصية

11-11-2016 05:38 AM - عدد القراءات : 3810
كتب د. عادل عبد الصادق* المصدر مجلة لغة العصر العدد نوفمبر 2016
مع تصاعد المخاوف الامنية وبخاصة في ظل حالة عدم الاستقرار الامني التي شهدتها مصر عقب سلسلة من التحولات عقب احداث 25 يناير 2011 ، طفى على السطح زيادة الطلب على الامن في مواجهة اخطار السرقة والبلطجة والاختراقات الامنية للجهات الخاصة والعامة والمنشات المدنية والعسكرية ،
 كاميرات المراقبة وحماية الخصوصية والمعلومات الشخصية

 ودفع ذلك الى زيادة الانفاق الشخصي على الامن من قبل المواطنين وكذلك من قبل العديد من المؤسسات التجارية والحكومية ، وارتبط ذلك بتصاعد دور رجال الامن داخل المؤسسات في مواجهة الابعاد المهنية الخاصة بكل مؤسسة ، وكانت عملية البحث عن الامن الشخصي متمثلا في تغيير الأبواب والمنافذ الى المكونات الحديدية بديلا عن الخشبية وجاء معها زيادة نفوذ البوابين وموظفي الامن داخل المؤسسات! .
 وذلك الى جانب زيادة الطلب على تطبيقات المراقبة والرصد مثل تركيب كاميرات المراقبة او الكروت الذكية للدخول او تطبيقات بصمة العين ، وظهرت من جهة اخري شركات امن خاصة لحماية المنشآت الخاصة والعامة ، وهو ما عمل على خصخصة الامن حيث اصبح من مهام المواطن سواء على مسكنة الخاص او على متجره وليس بالضرورة من مهام الشرطة والأجهزة الأمنية ، وبدأت تنظر تلك الجهات لدور المواطن او التاجر بان دوره مكملا للجهود الامنية وانه يجب ان يكون له دور في حماية مسكنة او متجره كجزء من حماية اكبر للشارع والحي والمدينة ، وعلى الرغم من ايجابية هذا المنحى الا انه كان هناك عدد من السلبيات وبخاصة مع الزام الهيئات المعنية بالامن الصناعي للمنشات التجارية بتركيب كاميرات مراقبة كدليل على الصلاحية ، وذلك دون الاخذ بعين الاعتبار الكفاءة والفاعلية او الحديث حول محددات استخدام تلك الادوات الجديدة التي ترصد المواطنين وتصورهم دون علمهم والتي قد تتحول من اداة للحماية الى قنوات للتجسس وانتهاك الخصوصية .
وبخاصة ان تلك المحال التجارية في اغلبها لا تكتب او تشير الى لافته "ان المكان مراقب بالكاميرات "، ودفع هذا الوضع ان اصبح العميل او الزبون في معرض استغلاله وانتهاك خصوصيته حتى دون علمة ، وبخاصة ان فلسفه الامن تتعلق بمدلول العقد الاجتماعي غير المكتوب والذي بمقتضاه ان يتنازل المواطن بجزء من حريتة او خصوصيته مقابل الامن الشخصي له، ويحتاج الامر كذلك الى ثقاقة احترام الخصوصية ولعل ابرز مثال على ذلك هو ان ميكنة بطاقات التموين على سبيل المثال لم تؤد الى مكافحة الفساد بل الى ضخامته وسهولة تنفيذه وتعاظم خسائرة ، وذلك لان عملية تطبيقها تمت دون الاخذ بعين الاعتبار اهمية ان تكون هناك بيئة حاضنة للتطبيقات التكنولوجية مشجعه لاستخدامها وتحدد الواجبات والحقوق في الاستخدام على النحو الثقافي والتشريعي .
ويأتي الى جانب ذلك اهمية التدريب على كيفية توظيف تلك الكاميرات في حماية الامن ووضع مؤشرات على تحليل المخاطر وليس ان تتحول الى مجرد تخزين كم هائل من المعلومات الشخصية عن الموظفين او المواطنين ، ففي حالات لم تفلح تلك الكاميرات في الحد من الجريمة وبخاصة انها ادت الى زيادة الوعي منق بل المجرمين بمخاطرها ، والذي يدفعهم اولا الى تعطيل او كسر تلك الكاميرات او تمويه أوجهم او لبس جوارب او قناع على الوجه. وهو ما يشير كذلك الى ان العامل الشخصي في تحليل الاخطار الامنية لا غنى عنه في ظل التقدم في تكنولوجيا تطبيقات المراقبة والرصد.
ولكن يبقي التساؤل الاهم المتعلق بماهو مصير المعلومات الشخصية التي يقوم اصحاب المحال التجارية بتخزينها وما الذي يحول دون استخدامها على نحو  يضر بامن وخصوصية المواطن وبخاصة اننا جعلنا مواطن بلا صلاحية امنية يراقب مواطن اخر بدعوى احتمالية  ان يشكل خطرا على المنشأه ، وامكانية ان يتم استخدام تلك الكاميرات بانتهاك خصوصية الزبائن او بالعمل على نشرها وان يتم توظيفها في معارك شخصية او بالعمل على بيعها الى من يكون له مصلحة في تلك المعلومات عن اشخاص بعينهم .
ونجد عدد كبير من الفيديوهات على اليوتوب من داخل المحال التجارية ويتهم فيها من يقوم بنشرها اشخاص بعينهم باتهامات محددة ، وذلك باجتزاء المقطع الخاص من فيدوهات المراقبة الخاص بشخص ما ،وذلك دون النظر الى سياق الفيديو كما هو دون تقطيع او بالنظر الى اهمية ان يقوم اصحاب المحال التجارية باعطاء تلك الفيديوهات الى النيابه العامة لتفسيرها والتحقق منها بدلا من ان يتحول المواطن الذي اخذ من مواطن اخر دون سند قانوني وبالعنوه معلومات شخصية عنه ، ثم يتحول هذا المواطن  الى جهة اتهام وحكم على المواطن "الضحية " "ربما"، ،ويضر ذلك في النهاية عمل جهات التحقيق وبخاصة انه اذا افترضنا صحة الواقعه فانها ستؤدي الى هرب المتهم او تخفية عن سلطات العدالة، وهو ما يضر في الاخير بسيادة القانون وسلطة القضاء .
ان عملية التوسع في تركيب الكاميرات لم يواكبها الاحساس بالمسئولية اولا والتدريب على تحليلها ثانيا ،ومن جهة ثالثه لم يتم اعتماد نظام يحدد شروط استخدام تلك الكاميرات من قبل اية جهة والتي يمكن ان تحدد الحقوق والواجبات او تفصل ما بين ما يجب ان يفعله مركب الكاميرا ومالا يجب ان يفعلة وما هو  الفاصل بين دوره ودور الجهات الامنية الاخري في التعامل مع تلك المعطيات الخاصة.
 وبخاصة انه لا يوجد قانون في مصر الان يعمل على حماية الامن والخصوصية وعدم وجود قانون اخر  يتعلق بالعمل على حماية المعلومات الشخصية اللهم الا بعض المواد في الدستور المصري  حيث تنص المادة 57 من الدستور على ما يلى: "للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون".وكذلك المادة 92 من الدستور في باب الحقوق والحريات تنص على ان "  الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا. لا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها." ، وكذلك المادة 93 والتي تنص على ان "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة."
ويدفع هذا الوضع الى القول انه من الاهمية بمكان العمل على تنظيم عملية تعاطي المواطنين مع المعلومات الشخصية الخاصة بباقي المواطنين والعمل على ايجاد تشريع قانوني ينظم ويجرم توظيف تلك المعلومات على نحو يضر بالمواطن معنويا وماديا ، والعمل على اعطاء رقم كودي لكل مكان يعمل به كاميرات مراقبة ، وان تتولي جهة تابعه للدولة الاشراف على تلك الكاميرات والتعامل مع محتواها وان تتولي التصريح لاستخدام المحتوى لاسباب امنية ، وان يحظر على صاحب المحل التعاطي او تسريب محتوى الفيديوهات الى الانترنت او  اية وسيلة اخري للنشر وان يضع صاحب المحل او المنشآه في مكان واضح اشارة "ان المكان مراقب بالكاميرات "،.
وذلك للعمل دون تحول عملية المراقبة الى عمليات تجسس على المواطنين وتعرضهم حياتهم الخاصة للضرر جراء نشر فيدوهات قد تفسر على نحو خاطي ومجتزء ،وذلك لاتهامهم بجريمة ما سواء كان سرقة او تحرش او سب وقذف او غيرها . وبخاصة ان عملية النشر وتوجيه الاتهام دون دلائل واحجية قانونية يعرض صاحب الاتهام الى اضرار معنوية ومادية مع النشر على منصات الانترنت وصعوبة الالغاء او الحد من النشر ليس فقط في الزمن الحالي بل لسنوات مديدة قادمة وبما يعمل على الاضرار معنويا بالابناء والأحفاد ويثير الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام ويضر السلام المجتمعي . 
وفي تلك الحالة يصبح من يقوم بالنشر شريكا في جريمة التحريض ، ويتطلب هذا ان يتم تنظيم عملية استخدام كاميرات المراقبة عن طريق تعزيز  ثقافة الخصوصية وحماية المعلومات الشخصية للمواطنين من التعرض للخطر  والحيلولة دون ان  تكون منصة لاستهدافهم على نحو اجرامي ، ويضر كذلك بسيادة الدولة والقانون وينتهك الخصوصية والامن الشخصي للمواطنين وبالحقوق التي كفلها له الدستور .

   *خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية –مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني
 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>