الشبكات الاجتماعية والظاهرة الارهابية .. رحلة تجنيد " ابو دجانة"

12-01-2017 04:31 AM - عدد القراءات : 3704
كتب د.عادل عبد الصادق* المصدر مجلة لغة العصر ،مؤسسة الاهرام ،عدد يناير 2017
جاءت الحادثة الإرهابية التي استهدفت الكنيسة البطرسية بالعباسية لتكشف بوضوح عن ملامح الارهاب الجديد الذي تمكن من المزج بين البعد الارضي الى جانب البعد السيبراني
الشبكات الاجتماعية والظاهرة الارهابية .. رحلة تجنيد " ابو دجانة"

.وعكست تلك الحادثة أيضا عن تصاعد دور الجماعات الإرهابية مع الارتباط بالتطبيقات التكنولوجية،وبشكل جعلها تمثل من جهة تهديدأ للامن القومي واستقرار المجتمع ،والتأثير على الطابع المدني والسلمي للثورة التكنولوجية وتطبيقاتها من جهة اخرى ،وهذا التحدي لا يتعلق بمصر فقط بل بالمجتمع الدولي قاطبة .

 توظيف عنيف للشبكات الاجتماعية

 اكتسب  الارهاب الجديد قوته باستخدامه للتطبيقات التكنولوجية بدأ من المواقع الالكترونية وغرف الدردشة والمنتديات ثم جيل المدونات ثم جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية حيث احدث الاخير تحولا في الظاهرة الارهابية بجعلها الاكثر قدرة على تعظيم مكاسبها في اختراق المجتمعات –خاصة الشباب - ونشر الخطاب العنيف والكراهية  ،و اصبحت كذلك  وسيلة للتخطيط والتنسيق والتمويل والتجنيد وجمع المعلومات ونشر الشائعات والحرب النفسية .

واستغلت الجماعات المتطرفة مواقع التواصل الاجتماعي كمنصة اعلامية مجانية وسريعة الانتشار ورخيصة التكلفة الى جانب قدرتها على التشبيك عبر تحول المجتمع الافتراضي الذي تمثله من مجموعة قليلة من الاتباع  متوزعه جغرافيا لتشكل مجتمعا خاصًا بها لدية القدرة على  الالتحام والتواصل الدائم،وهو  الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع غير محدد الأبعاد، وهو ما كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة تلك المجموعات وحجم انتشارها وتاثيرها.

وهو ما ظهر في لعب  شبكات التواصل الاجتماعي دورا محوريا في تبلور ظاهرة المقاتلين الاجانب في الصراعات المحلية سواء عبر توفير المعلومات حول كيفية المشاركة او الدعم المادي للراغبين في الانضمام ، الى جانب توثيق دورهم في تطورات الصراع وقت حدوثها ، ويتم استخدام حسابات لشخصيات دينية - قد تكون مزيفة-  لاقناع المتابعين بالجهاد ، وهو ما يمثل دعم روحي وديني لتلك التنظيمات .الى جانب القدرة على سحب البساط من المؤسست الدينية والثقافية والاعلامية وليظهر قادة دينين جدد لا ينتمون فكريا او تعليميا بالضرورة مع المؤسسات القائمة بما جعل هذا الخطاب الديني يغلب علية الفردانية والميكافيلية والانتقامية والتعصب بحثا عن الـتاثير والانتشار فقط.    

   قوة الكترونية  جديدة للتطرف

 واتاحت البيئة  الالكترونية أساليب جديدة وتكتبكات ساهمت في تعزيز القدرات الالكترونية للتنظيمات الجهادية  في مقابل الاجهزة الامنية وفي مواجهة اعدائها وفي مخاطبه مؤيديها وفي مخاطبة الكتلة الصامتة من مستخدمي تلك التطبيقات الالكترونية من الشباب.

وذلك بالاعتماد على عاملين اساسيين : اولهما، الاستفادة من الثورة التكنولوجية .وثانيهما: الغطاء الديني للاستخدام والذي يعمل على الامتزاج بين القوة المادية والقوة المعنوية الروحية والتي تشكل جناحين أساسيين لنجاح التنظيمات الجهادية في استخدام الشبكات الاجتماعية

واصبحت تستقي مصادر قوتها عبر وسائل متعددة منها ما يتعلق بتنمية معارفها الذاتية بالتقنية او باكتساب عناصر محترفة في مجال التامين والاختراق والتشفير او بضم عناصر من القراصنة مقابل المال او باستخدام برامج للحماية المتوافرة والمتداولة او عبر استخدام الانترنت الخفي او باستخدام الألعاب الالكترونية او باستخدام اتصالات عبر الأقمار الصناعية . ويتم ذلك بدعم من مؤيدين للتنظيمات الارهابية سواء في محل الصراع او من مؤيدين عابرين للحدود  سواء اكانوا دولا ام افراد وسواء اكان مشاركة فعلية ميدانية  ام عبر المجال الالكتروني .

 مراحل التجنيد واصطياد الضحايا  

 وتمر عملية التجنيد للانضمام للجماعات المتطرفة عبر ثلاثة مراحل "الأولى تتعلق بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والنعرة والغيرة الدينية بحجة الدفاع عن القيم المقدسة الدينية او البحث عن عالم مثالي لا يمت للواقع بصلة كفكرة "الخلافة"او" المدينة الفاضلة "، ويتم توظيف النصوص الدينية عبر كافة الوسائط الاعلامية .

وفي المرحلة الثانية،ترتبط بالتأثير المعرفي عن طريق دور الشبكات الاجتماعية في نقل المعلومات والبيانات التي تعبر فقط عن وجهة نظر الجماعات الجهادية.وفي تلك المرحلة تتحول الصفحات والحسابات على شبكات التواصل الى بوقا للتطرف ونقل وجهات النظر الاحادية  تجاه الاخر .

وتأتي المرحلة الثالثة، والتي هي أخطر المراحل،لانها تعمل على تحويل الفكر الى سلوك عن طريق التغيير السلوكي لدى المنتمي ،وان يتحول من مجرد متعاطف الى فاعل والمشاركة الفعلية في التغيير بالقوة والعنف وهو ما يظهر في التغيير السلوكي ، وهي مرحلة تتم عبر المشاركة في ارض القتال الفعلي او القيام بعمليات انتحارية بعد عملية التعرض لغسيل المخ تحت دعوى رفعة الجماعه والانتقال الى العالم الافضل .   

تحديات المواجهة في بيئة غير تقليدية

تتميز معركة  المواجهة مع ظاهرة التطرف سواء اكانت افكارا ام فاعلين  ام احداثا بانها تتحرك في ميدان مفتوح وجديد في ادواتها وفي حجم وقوة الفاعلين من الدول في مواجهة الفاعلين من غير الدول وهما ما يتطلب معالجة عدد من التحديات لعل اهما:

اولا ،تحدي ديناميكية المواجهة المتمثلة في ضرورة تنوع الاسلوب وجودته على اعتبار انها بالأساس حرب عقول يعلو بها الجانب الابداعي عن المعرفي والجانب الفردي عن الجانب الجماعي وتسيطر عليها القدرة على المبادأة عن الاستعداد ،

ثانيا :ان  المتابع لنشاط الحركات الجهادية يلاحظ انها تواكب حجم التغييرات والمهددات لأمن تواصلهم وهو ما يجعلهم يقظين في محاولات التخفي في معارك الكر والفر بينها وبين الأجهزة الامنية التي تتعقبها .

ثالثا : اتساع نطاق المواجهة ما بين الولاية القضائية الداخلية للدولة والخارج  في فضاء فسيح يصعب السيطرة عليه بشكل كامل وسهل الوصول والاتصال ما بين الداخل والخارج

رابعا :ساهمت البيئة  السرية للخصوصية في تحفيز نمو النشاط الارهابي وبخاصة بعد قيام الشركات التكنولوجية  بتشفير الاتصالات والرسائل لتحافظ على الخصوصية الا انها تشكل عقبة في التتبع والرقابة من قبل الاجهزة الامنية  .

خامسا :على الرغم من فتح شركات التواصل الاجتماعي الباب امام تلقي طلبات الحصول على المعلومات الشخصية من الحكومات الا انها سياسة غير فعالة لانها غير ملزمة بتلبية جميع الطلبات المقدمة من جانب الدول .

سادسا : ادت عملية الاحساس بالخطر من النشاط الالكتروني الظاهري الى هروب تلك الجمعات المتطرفة  الى الانترنت العميق او الشبكة السرية والتي لا يمثل الانترنت العلني بها سوى 4% من حجم الانترنت ،وهو بيئة خصبة للجريمة المنظمة والإرهابية ويصعب القدرة على مراقبتها او تحليل نتائجها .

سابعا : التحدي التشريعي بضعف قدرة التشريعات الحالية على مواكبة التطورات في الجرائم المستحدثة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعدم تبني قانون لمواجهة جرائم الانترنت الى جانب ضعف التعاون الدولي .

 

فرص للمواجهة الذكية للتطرف  

 

تحتاج مواجهة الاستخدام العنيف لشبكات التواصل الاجتماعي الى استراتيجية شاملة يدخل بها كافة الابعاد الاخرى ذات المنحى الاخلاقي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.والثقافي بنشر ثقافة الامن والخصوصية والمواجهة القانونية بتغليظ العقوبات لمكافحة الجريمة الالكترونية وتحديث الاطار القانوني على النحو الذي يعمل على تنظيم عملية الاستخدام للشبكات الاجتماعية وحماية المجتمع من مخاطرها المادية والمعنوية بما يعزز الثقة والمنفعه للمجتمع

وعلى الرغم من اهمية المواجهة التقنية والامنية اما عن طريق الرقابة او التجسس او الحجب الا انها لن تصبح فاعلة الا اذا عملت في اطار المواجهة الشاملة ، وبخاصة انه على الرغم من قيام شبكات التواصل على حذف حسابات داعمة لتنظم داعش وغيره من التنظيمات الجهادية ما يزيد على 60 الف حساب ،الا  انها تمثل غيض من فيض وبخاصة انها ما هي الا سويعات قليلة حتى ظهور حسابات جديدة.

ومن ثم فان المواجهة الفكرية والثقافة هي الاقوى لانها ترتكز على مواجهة الفكر بالفكر في معركة ناعمة بينما يتم استخدام القوة العسكرية المادية في تحطيم البنية الاساسية للتطرف والارهاب ، ومن ثم فان القضاء على دوافع تصاعد قوة داعش وقدراته العسكرية على الارض من شأنه ان يؤثر على نشاط التنظيم عبر الشبكات الاجتماعية .

وعلى المستوى المحلي على الدولة ان تعمل على مواجهة الأسباب الدافعة الى لجوء الشباب للتطرف والارهاب مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر ،واهمية دور  وسائل الاعلام العامة والخاصة  في تبني الموضوعية والحيادية  بشكل لا يجعلها عرضة لنشر التطرف والسطحية ولا تترك الساحة امام الشبكات الاجتماعية في التاثير في الكتلة الحرجة من الشباب داخل المجتمع .

واهمية دور المجتمع المدني في رفع الوعي بالمخاطر بنشر التطرف الى جانب اهمية دور المؤسسات الدينية بتحديث خطابها واستخدام الشبكات الاجتماعية لنشر ثقافة التسامح والحوار وتصحيح المفاهيم .

وان تقوم مؤسسات الدولة الثقافية والدينية بخطة شاملة للدفاع عن القيم الاصيلة في مواجهة طوفان الاختراق للقيم الغريبة والمدمرة في ذات الوقت للمجتمع ، والعمل على فتح الافاق امام الشباب لتوظيف تلك الثورة المعلوماتية على نحو يخدم التنمية ويشجع على الابتكار والابداع .

ولا ينفصل ذلك اهمية دور المجتمع الدولي في مواجهة تلك الظاهرة وعن ضرورة تفعيل ميثاق الامم المتحدة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الاخرى .وعلى مصر بصفتها تراس اللجنة الدولية لمكافحة الارهاب في مجلس الامن ان تسعى الى قيام المجتمع الدولي بالضغط على الشركات التكنولوجية لتمكين الاجهزة الامنية من سهولة الدخول على قواعد البيانات الخاصة بها لتعقب المجرمين والإرهابيين والحصول على التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لذلك  .

 *خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>