القيادة في ظل الثورة الصناعية الرابعة

05-04-2019 04:48 PM - عدد القراءات : 1886
كتب بقلم مارتي لينسكي , غالب درابيه
ما هي أشكال القيادة التي يحتاجها العالم في عصر الثورة الصناعية الرابعة؟ في هذا الزمن الذي يتسم بتغيرات غير مسبوقة، يتعين على القادة في كلا القطاعين العام والخاص تعزيز قدرات المؤسسات التي يديرونها والحكومات التي يسيّرونها عل التأقلم عبر الأوقات العصيبة التي يلفّها اللايقين والغموض.
القيادة في ظل الثورة الصناعية الرابعة

ما هي أشكال القيادة التي يحتاجها العالم في عصر الثورة الصناعية الرابعة؟
في هذا الزمن الذي يتسم بتغيرات غير مسبوقة، يتعين على القادة في كلا
القطاعين العام والخاص تعزيز قدرات المؤسسات التي يديرونها والحكومات التي
يسيّرونها عل التأقلم عبر الأوقات العصيبة التي يلفّها اللايقين والغموض. في
هذا السياق، تتعلق أصعب التحديات التي تواجه المؤسسات اليوم، هو أن تؤقلم
تلك المؤسسات نفسها من خلال موائمة سياساتها وعملياتها وقوانينها الداخلية
وخدماتها ومنتجاتها لمواكبة التوجهات والعوامل الخارجية الضاغطة عليهم
والمتغيرة باستمرار. لذلك يعتبر تعلّم كيفية التمييز ما بين التحديات التي
تتطلب القدرة على التأقلم مع المتغيرات وتلك المتعلقة بالقدرة على التعامل
مع المشاكل التقنية، أمراً حاسماً في مواجهة التغيرات الجذرية المتسارعة
والتعامل مع الضغوطات الخارجية. إلا أن تطوير القدرة على التأقلم ورعايتها
يتطلب نوعاً جديداً من القيادة، أو على الأقل يتطلب إبراز بعض السلوكيات
القيادية المحددة. فالتصدي للتحديات المتعلقة بالمقدرة على التأقلم يتطلب
ممارسة القيادة عوضاً عن ممارسة السُلطة، وتحفيز الاستكشاف، وتحمل الخسائر،
ورعاية الابتكار، وبناء كفاءات جديدة مولّدة للازدهار.
 
"فلتحيَ في زمنٍ مثير"
 
نعيش حالياً زمناً من التغير السريع والتحول الجذري لم يشهده إنسان من قبل،
بل والأرجح أنه غير مسبوق تماماً في كامل التاريخ البشري. ففي عصرنا الحالي،
تتكاثر الابتكارات والتغيرات الجذرية بشكل كثيف: من الذكاء الاصطناعي وتعلم
الآلة والبلوك تشين والقوة الحوسبية، والاقتصاد التشاركي وإنترنت الأشياء
والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتقنية النانو، إلى أدوات تحليل البيانات الضخمة،
وتقنيات الخيال المرئي (الواقع الافتراضي والواقع المعزز)، وبحوث الدماغ،
والتقنيات الحيوية، التي تفتح -جميعها- آفاقاً جديدة واعدة تنطوي على مخاطر
كامنة. وقد غيّرت هذه التطورات العلمية والتقنية السريعة، التي باتت تدعى
"الثورة الصناعية الرابعة"، مجرى التاريخ، وستواصل عملها في التغيير الجذري
في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية،
لتحوّل تماماً في نهاية المطاف، وجه العالم والمشهد الدولي.
 
في كتابه الذي يحمل عنوان "المستقبل"، يقول نائب الرئيس الأمريكي الأسبق،
آل غور، أن "ما من فترة تاريخية سابقة تشبه ولو من بعيد ما تُشارف الإنسانية
على اختباره في الفترة القريبة المقبلة. صحيحٌ أننا شهدنا فترات من
التغييرات الثورية فيما سبق، لكن جميعها لا تماثل في قوتها ولا تقارب في
حِملها المزدوج -من مخاطر وفرص- ما بدأ يتجلى أمام ناظري العالم الآن".
 
لنسأل إذاً: ماذا لو أصبح هذا العالم الذي ينكشف أمام ناظرينا الآن هو
"الواقع الطبيعي الجديد"؟ ماذا لو كان الخيار الأفضل لنا ولأطفالنا أن نشرع
في التعوّد عليه؟ كيف سيغير هذا العالم الجديد أسلوب حياتنا الحالي؟
وإجمالاً، ما هي تداعيات الثورة الصناعية الرابعة عليك وعلى عائلتك ومؤسستك
ومجتمعك؟ وكيف ستبدو القيادة في ظل تلك الظروف؟ وفيمَ ستختلف عن ممارسات
القيادة التي عرفناها في الماضي؟
 
للشروع في الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد علينا أولاً أن نستكشف وجوه
الاختلاف بين طبيعة هذه الثورة عن سابقاتها. ومع أن العديد من العلماء
ومستشرفي المستقبل يختلفون بشأن تداعيات هذه الثورة وآثارها، إلا أن جميعهم
تقريباً متفقٌ على أن عصرنا الحالي يختلف عما سبقه من ناحيتين بارزتين:
 
 
      وتيرة التغيير
 
أولها، هو أن هذه التطورات العلمية والتقنية الحالية التي تغيّر كل بُعدٍ من
أبعاد حياتنا، تمضي بوتيرة مذهلة، وبسرعة تغيير غير مسبوقة.
 
في عام 2012، أصدر مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي تقرير "الاتجاهات
العالمية"، الذي أكد حينها هذه النقطة. فقد قام المجلس في هذا التقرير
بتحليل عدد السنوات اللازمة ليصبح أحد الاختراعات في متناول ما نسبته 25
بالمئة من السكان في الولايات المتحدة، ليجد أن الطاقة الكهربائية مثلاً
استغرقت ستة وأربعين عاماً لتصل لهذه النسبة العام 1873، واستغرق الهاتف
الثابت خمسة وثلاثين عاماً لبلوغ تلك النسبة في فترة السبعينيات من القرن
التاسع عشر (1876)، في حين أن شبكة الإنترنت استغرقت سبع سنوات فقط لتحقق
هذه النسبة في مطلع التسعينيات (1991).
 
ولو ألقينا نظرة على التطورات التي حصلت في مجال صناعة الشرائح الدقيقة
للمعالجات وتقدم القوة الحاسوبية لرأينا مثالاً أكثر سرعة وأكثر وضوحاً من
ناحية التغيرات الجذرية. فاليوم، معالج شركة إنتل من طراز Core i7 يتمتع
بسرعة تصل إلى 4.60 غيغاهرتز، ما يعني تقريباً ستة مليارات (أجل مليار وليس
مليون) ضعف سرعة أول معالج اُخترع قبل ما يقل عن خمسين سنة مضت. في الوقت
الحالي، يمتلك هاتف آيفون إكس إس سرعة حوسبة تفوق مليون مرة أول حاسوب
اُخترع في العام 1975.
 
 
 
      إنها ثورة وليست محض تطوّر
 
الناحية الثانية هي الطبيعة الثورية المُزعزعة لهذه التقنيات الاستثنائية
التي تغير كل بُعد من أبعاد حياتنا بشكل جذري. فاليوم على سبيل المثال، لا
تملك شركة إير بي إن بي، أكبر شركة في العالم في مجال توفير خدماتخدماتI
الإقامة والسكن، أي فندق أو مرفق إقامة، كما أن أوبر، أكبر شركة سيارات
أجرة في العالم، لا تملك أي سيارة، بينما شركة علي بابا، أكبر شركة للبيع
بالتجزئة في العالم لا تملك أي مستودع للسلع، وفيسبوك، أكثر شركة إعلامية
استخداماً، لا تنتج أي محتوى؛ وأسرع العملات نمواً، البتكوين، لا تنتمي إلى
أي بلد. لقد قامت كل واحدة من هذه الابتكارات بقلب الصناعات والقطاعات
العاملة فيها رأساً على عقب. لذلك ما من حرج في القول أن مبدأ "الإدارة كما
هو معتاد" أضحى في عداد الأموات.
 
من ناحية أخرى يوحي ظهور الأحزاب السياسية الشعبوية المتطرفة إلى أن مدى
موجات زلزلة هذه "الثورة الصناعية الرابعة" لن يطال فقط صناعاتٍ بعينها، بل
سيمتد أثره وسريانه ليمس الاقتصادات والمجتمعات، ليزعزعها بوتيرة أسرع مما
يمكن لتلك الاقتصادات والمجتمعات مواكبته. الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق
المزيد من الفوضى والاضطراب ويحد من قدرتنا على اغتنام الفرص الواعدة التي
تنطوي عليها هذه الثورة.
 
 
      المشاكل التقنية وتحديات التأقلم
 
ما الذي يعنيه لك العيش في عالمٍ لا ثابت فيه إلا "التغيير" على مدّ الزمن؟
عالمٌ مستقبله يلفه الغموض، ويصعب التنبؤ به، ويتسم بالتقلبات؟ كيف يمكنك أن
تمارس القيادة في ظل هكذا ظروف؟ ما الوسيلة لتغيير سلوكياتك وتصرفاتك كي
تزدهر وتنجح في بيئة تفتقر لما يكفي من المعلومات عند اتخاذ القرارات، وفي
خضم وتيرة تغيير جذري لا تتوقف؟
 
في صُلب القيادة، لطالما كان امتلاك القادة لمهارتين محددتين أمر مفيد، إلا
أن امتلاك ذات المهارتين اليوم أصبح أمراً أساسياً: أولهما 1) القدرة عل
مواجهة المتغيرات ومواكبة الواقع الجديد، وثانيهما 2) التحلي بالشجاعة
لتحمل المسؤولية المترتبة عن صناعة المستقبل. يعتبر امتلاك كلتا هاتين
المهارتين اليوم، أمراً مصيرياً للبقاء والازدهار في ظل هذا العالم الجديد.
 
إن عائلتك ومؤسستك ومجتمعك وبلدك، يحتاجون منك اليوم أن تنجح في تعزيز
قدراتهم على التأقلم والتحليّ بالمرونة في مواجهة التحديات المعقدة واغتنام
الفرص الناشئة. فإن كنت تطمح أن تمارس القيادة في هذا الواقع الجديد، يتعين
عليك التحليّ بالشجاعة لتحمل المسؤولية المترتبة عن صناعة المستقبل من خلال
قيادة التغير ذاته، بدل محاولة تتبعه.
 
في إطار عملنا مع المؤسسات من كلا القطاعين العام والخاص، ومن المنظمات غير
الربحية في جميع أنحاء العالم، اكتشفنا أن أكبر ما يواجهون من تحديات مؤرقة
اليوم، هو القدرة على أن تؤقلم تلك المؤسسات ذاتها من خلال موائمة سياساتها
وعملياتها وقوانينها الداخلية وخدماتها ومنتجاتها لمواكبة التوجهات
والعوامل الضاغطة عليها والمتغيرة باستمرار. وهذه ليست فكرة مجردة، فعندما
تتجاوز التغيرات الخارجية قدرة الفرد أو الجماعة على التأقلم، يتجه منحنى
النمو حينئذ نحو الأسفل. كما وضح ذلك داروين بقوله: "إن الكائنات الحية
التي نجت بالبقاء ليست الأقوى، إنما الأكثر قدرة على التأقلم".
 
ولتطوير ورعاية هاتين المهارتين الأساسيتين، يتطلب الأمر نوعاً جديداً من
القيادة، أو على الأقل يتطلب إبراز بعض السلوكيات القيادية المحددة. أولاً
وقبل كل شيء، ينبغي على القادة مساعدة مؤسساتهم ومجتمعاتهم على تحديد
التحديات التي تحتاج للتأقلم معها، وتمييز هذه التحديات عن المشاكل التقنية.
 
فالسبب الأكثر شيوعاً للفشل في ممارسة القيادة هو محاولة الأفراد، لا سيما
من هم في المناصب الإدارية العليا (السلطة)، التعامل مع التحديات التي
تتطلب التأقلم (ما نشير إليه بمصطلح "التحديات التأقلمية") على أساس أنها
مشاكل تقنية. وهو أمر يمكن تفهمه.
 
لذلك ما من عجب في أن نرى اليوم ممارسات "إدارة روتينية" أكثر من "ممارسات
قيادية" في مؤسساتنا ومجتمعاتنا. لكن ما هو الفرق بين "تحديات التأقلم"
و"المشاكل التقنية"؟
 
من الوارد أن تكون المشاكل التقنية قضايا فائقة التعقيد وذات أهمية حاسمة
تماماً مثل استبدال صمام قلبٍ تالف أو جبر ذراع مكسورة، على سبيل المثال، أو
إصلاح نظام معلوماتي معطوب أو إنشاء نظام خاص لإدارة قياس الأداء. جميع هذه
المشاكل لها حلول معروفة يمكن تطبيقها بواسطة الخبرة والمعرفة وأفضل
الممارسات الحالية. من الوارد أن تتجاوز هذه المشاكل (كل على حدا) ما
تمتلكه (مؤسستك أو مجتمعك أو شخصك) من المهارات والخبرات. لكن ما من شك أنه
من السهولة بمكان أن تعرف شخصاً، خبيراً تقنياً مثلاً أو طبيباً أو مستشاراً
إدارياً، بمقدوره توفير المعرفة اللازمة والخبرة الكافية لحل هذه المشاكل.
فالمشاكل التقنية تنمو وتعشش في رؤوس الناس، في أدمغتهم ومنظومات فكرهم
ومنطقهم.
 
لكن ماذا لو لم تكن المشكلة إصلاح صمام قلب تالف، أو جبر ذراع، أو استعادة
نظام معلوماتي معطوب، أو استبدال نظام إدارة وتقييم أداء غير مجدٍ؟، بل كان
التحدي مثلاً هو زيادة الوزن (البدانة) أو ارتفاع نسبة الكوليسترول أو تحويل
دور هيئة حكومية من توفير أحد الخدمات إلى الإشراف على تلك الخدمة، عندئذ
لن يكفي بتاتاً الاستعانة بخبرة مبرمج أو طبيب أو مستشار إداري. لأن
الاعتماد على الخبرة الموثوقة حينها لن يجعلنا نتقدم تجاه الحلّ. ذلك أن هذا
النوع من "المشاكل" لا يقيم ويعشش في رؤوس الناس، بل يكمن فيما تحت رأس
الإنسان، في قلوب الناس وعاداتهم وممارساتهم وهويتهم ومعتقداتهم وولاءاتهم
ومخاوفهم. لذلك لا نعتبر هذه المشاكل "تقنية" في جوهرها؛ بل تتكون من عناصر
معينة تتمثل في تحديات "تأقلمية" لا بد من مواجهتها للمضي قدماً في التغلب
عليها. وهذه "التحديات التأقلمية" لا يمكن التصدي لها إلا من خلال إحداث
تغييرات في قلوب الناس وعاداتهم ومعتقداتهم وأولوياتهم وولاءاتهم. إن
مواجهة التحديات التأقلمية المتعلقة بالقدرة على التكيف يتطلب تحفيز
الاستكشاف، وتحمل الخسائر، ورعاية الابتكار، وبناء كفاءات جديدة تسمح
بتوليد التقدم والازدهار.
 
إلا أنه يصعب كثيراً تمييز المشاكل "التقنية" عن المشاكل "التأقلمية". فهي
لا تقع بكل بساطة بين يدي من وجد نفسه في موقع القيادة ضمن طرود مغلفة
ومختومة بعنوان: "هذه مشكلة تقنية"، أو "هذه مشكلة تأقلمية". بل تأتي معظم
المشاكل مختلطة وممتزجة، تتداخل عناصرها "التقنية" و"التأقلمية" مع بعضها
البعض.
 
 
 
أثناء عملنا في إحدى دول الخليج مع جهة حكومية اعتمدت استراتيجية جديدة
لتحول نموذج عملها من تقديم الخدمات إلى الإشراف عليها، اتضح لنالمؤلفيّ هذا
المقال أن جزءاً من التحدي يكمن في مساعدة هذه الجهة على التمييز بين
العناصر التقنية والعناصر التأقلمية لهذا التحدي الجديد.
 
تمثلت العناصر التقنية من هذا التحدي في إبرام اتفاقيات قانونية، وضمان
جودة أطر العمل واللوائح التنظيمية، وبناء نُظُم لرصد الأداء لتنظيم علاقات
تلك الهيئة مع مراكز الخدمة الجديدة بغية ضمان تقديم تلك الخدمات وفق أعلى
المعايير المعتمدة. قامت تلك الهيئة الحكومية، من أجل التعامل مع هذه
العناصر التقنية من التحدي، بإجراء دراسات مرجعية، أرسلت ضمنها مبعوثين
لدول ومؤسسات أخرى لاكتساب أفضل الممارسات والمنهجيات، ووظفت خبراء متخصصين
في المجال لمساعدتها في هذه الخطوة.
 
أما جزئية التحدي التأقلمي فتمثلت في أن قسماً كبيراً من الموظفين الذين
كانوا يقدمون تلك الخدمات شعروا أن اتجاه هذه الاستراتيجية الجديدة يعني
حرمانهم من شيء مهم جداً بالنسبة لهم، ألا وهو "تقديم الخدمة" بحد ذاته.
بالنسبة لهم، كان "تقديم الخدمات" عنصراً جوهرياً من هوياتهم، وجزءاً لا يتجزأ
من نظرتهم لمهمتهم في الحياة. وهكذا واجهوا قراراً صعباً عليهم اتخاذه، ففي
حال لم يرغبوا في التخلي عن تقديم الخدمات وقرروا البقاء للعمل في تلك
المراكز التي ستنتقل ملكيتها لقطاعات أخرى، فسيعرضون أنفسهم لخطر فقدان
أمانهم الوظيفي لدى جهتهم الحكومية، ويصبحون ضمن منظمات غير حكومية أو حتى
موظفين لدى شركة خاصة.
 
بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، مثّل هذا التغيير الاستراتيجي من "تقديم الخدمات"
إلى "الإشراف عليها" تحدياً تأقلمياً هائلاً. وذلك لأنه يتطلب منهم أن يتخلوا
عن شيء لطالما أحبوه بعمق، ويضطرهم أن يتعلموا من الصفر مهارات وقدرات
جديدة. ومن هنا، ما من إصلاحات سريعة أو حلول تقنية يمكنها التصدي لهذا
التحدي؛ إذ لا مفر من بذل الوقت والجهد والموارد و"التعاطف" المستحَق للحفاظ
على حماس هؤلاء الناس وشغفهم للعمل، وفي الوقت ذاته مساعدتهم على التعلم
التدريجي واكتساب قدرات جديدة.
 
وعندما تقوم مؤسسة أو هيئة ما بتكليف شركة استشارية، وتطبق أفضل الممارسات،
وتستثمر موارد إضافية، ورغم ذلك يبقى التحدي قائماً، فاعلم أن المشكلة ليست
تقنية بل هو تحدٍ متعلقٌ بالتأقلم. لذا لا شك لدينا في أن أعظم هدرٍ لموارد
المؤسسة يقع عندما يعامِل من هم في مناصب السلطة التحديات التأقلمية على
أنها مشاكل تقنية، معتقدين أنهم يطبقون حلاً سهلاً. إلا إن انتهاج أفضل
الممارسات قد يبعث على الشعور بالرضا كون المؤسسة تطبق حلاً نجح بالفعل في
مؤسسات أخرى. لكن وكما يقول أينشتاين: "تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه
مراراً وتكراراً، مع توقع حصول نتائج مختلفة". فإن أردت تحقيق نتائج تختلف
عما تحصل عليه الآن، سيتعين عليك اتباع طرق مختلفة، والتأقلم الناجح يستلزم
تجريب ممارسات جديدة وطرق مختلفة لإنجاز المهام.
 
 
      ما الذي يجعل التأقلم أمراً صعباً لدرجة أن الناس يتجنبونه؟
 
يعود افتقار مبادرات القيادة للنجاح الكافي إلى فشلها في مواجهة التحدي
التأقلم. وقد اشتهر مصطلح "التأقلم" بفضل علم الأحياء التطوري، حيث ينص هذا
المفهوم على أن التكيّف والتأقلم الناجح يتمتع بثلاثة خصائص هي: 1) الحفاظ
على الحمض النووي الأساسي للتكاثر والنجاة، 2) التخلص من الجينات (ضمن
الحمض النووي) التي تعرقل عملية التطور، و3) تطوير جينات جديدة (ضمن الحمض
النووي) تسهّل التطور والازدهار في المستقبل.
 
فكّر في عملية التأقلم التي يمر بها أحد الحيوانات أو إحدى النباتات. فعندما
تتكيف إحدى النباتات أو أحد الحيوانات، تتخلص خلاياها من بعض أجزاء حمضها
النووي (في العادة نسبة تتراوح من 4 إلى 6 بالمئة فقط) وذلك لفسح المجال
لنشوء أجزاء جديدة من الحمض النووي. تبدو عملية التكيف هذه سهلة وسلسلة.
إلا أنه في العالم الواقعي، وعندما يحاول شخص أو مؤسسة أو عائلة أو أي
مجتمع بشري التأقلم، فقد تشكل تلك الأجزاء من الحمض النووي الواجب التخلص
منها (والتي تتمثل هنا في التخلي عن ممارسة أو عادة أو معتقد ما) أغلى ما
يمتلكون من وجهة نظرهم. إن تلك الأجزاء ليست زوائد بالنسبة لهم، بل عناصر
أساسية من كينونتهم، وأجزاء جوهرية من هويتهم، ومن عبارات التعريف التي
يقدمون بها أنفسهم للآخرين ويظهرون بها للعالم من حولهم أو ما يرونه في
ذواتهم عندما يحدقون بالمرآة.
 
إن القول المأثور الذي يفيد بأن "الناس يقاومون التغيير" ليس صحيحاً تماماً.
فالناس يحبون التغيير عندما يدركون أنه أمر جيد. فلا أحد يردّ جائزة مالية
كبرى عندما يربحها أو يرفض ترقية معتبرة إلى منصب ذي سلطة. فالجميع يمكنه
عادةً تقدير مكاسب وخسائر مبادرات التغيير بشكل جيد. وبالتالي ندرك أن ما
يقاومه الناس ليس التغيير بحد ذاته، إنما يكرهون ويقاومون الخسارة.
 
إن ما يجعل التأقلم عملية صعبة وعويصة هو انطوائه على خسائر، وهذا ما يفسر
لنا لماذا يميل من هم في المناصب الإدارية العليا (السلطة) تجنب ممارسة
القيادة في تلك الحالات. فعندما يلوح للناس أن التغيير قد ينجر عنه خسارة
حقيقية أو محتملة، يتمسكون بما لديهم حالياً ويقاومون التغيير.
 
وتستند حالة أخرى من تحديات التأقلم إلى تجربتنا في العمل مع حكومة أخرى في
المنطقة، حيث أرادت هذه الحكومة الحد من اعتمادها على الصادرات النفطية من
خلال تنويع اقتصادها. ووظفت هذه الحكومة شركة استشارات معروفة عالمياً للأخذ
بمشورتها ونصحها ولوضع مسودة سياسات مرفوقة بتوصيات يمكن انتهاجها لتحقيق
الهدف. بعد ذلك وضعت الحكومة وشركة الاستشارات استراتيجية ذات مدى يمتد
لعشرين عاماً مع رؤية شاملة طموحة. وبعد ثلاث سنوات أدركت الحكومة أن مسودة
السياسات والاستراتيجية المقترحة لا تكفيان وحدهما. فالعنصر المفقود هنا
كان الاهتمام بالناس، ومساعدتهم على التحوّل خلال فترة التغيير والخسارة
الناتجة عنها، وتشجيع الناس على إعادة تجهيز أنفسهم بقدرات جديدة موائمة
للمستقبل. وفي آخر المطاف، وُجهت لنا دعوة لتصميم وتطوير برامج للقيادة لما
يقرب من 500 موظف خدمة مدنية أساسي لدى تلك الحكومة، وقد تم تطبيق البرنامج
خلال ثلاث سنوات. ولأننا كنا نعرف أن هذه الاستراتيجية الجديدة بذات نفسها
تعد تحدياً هائلاً من التأقلم ليس بالنسبة للحكومة فحسب بل بالنسبة للمواطنين
والقطاع الخاص أيضاً، صممنا برنامج القيادة بحيث يتمحور حول تحديات فردية
ومؤسساتية حقيقية من الواقع العملي، وفي ذات الوقت تطوير قدراتهم القيادية
بالتمييز بين أنواع التحديثات وتشخيصها بدقة. يتطلب مثل هذا العمل إجراء
محادثات ونقاشات جريئة بين الأطراف المختلفة المعنية لتحديد السياسات
والممارسات الحالية المتبعة التي يجب التخلي عنها (والتي عبرنا عنها من قبل
بكلمة "الخسائر") وإتقان التمييز بين المشاكل التقنية والتحديات التأقلمية.
من ثم شجعناهم على تصميم تجارب وابتكارات جديدة تتمحور حول جهود
التأقلمترمي لتنفيذ العمل التأقلمي لصناعة المستقبل وتحقيق التقدم نحو
التوجه الاستراتيجي الجديد.
 
في هذه المهمة التي توليناها، تمحورت أصعب التحديات التأقلمية حول خلق
الثقة ما بين الأطراف، وبروز المخاوف ومشاعر الارتباك بشأن الرؤية الجديدة
وإمكانية الفرد/الموظف/المواطن التلاؤم معها. فالكثير منهم كان في انتظار
تعليمات من رؤسائهم ليخبروهم بما يجب فعله، وكيف يفعلونه. عندئذ اقترحنا أن
يكون التدخل المطلوب هو تطوير قدرات جديدة لهم لمساعدتهم على فهم وإدراك
الرؤية الجديدة، وتميز التحديات التأقلمية من تلك التقنية، وتعزيز حسهم
بالمسؤولية المشتركة. ومع الوقت، حدث تحوّل في السلوكيات. حيث أظهر الموظفون
المزيد من الرغبة للمشاركة في النقاشات الصعبة بشأن التحديات الفردية
والمؤسساتية، وإطلاق مبادرات جديدة عابرة للمؤسسات والهيئات الحكومية
ومشاريع مشتركة مع مختلف الجهات المعنية. واليوم، تمكنت تلك الحكومة من
الحدّ من اعتمادها على النفط إلى درجة كبيرة، وهي تواصل عملها بهمة من أجل
تحقيق رؤيتها الطموحة.
 
إن كان العامل المشترك الذي يتسبب في فشل محاولات التأقلم هو مقاومة
الخسائر، فالمهمة الرئيسية المنوطة بالقيادة إذاً تتمثل في قدرتها على تشخيص
المشاكل واكتشاف أنواع الخسائر التي سينجر عنها هذا التأقلم عند إجراء
التغيير، سواء تلك الخسائر التي تطال الحياة الشخصية، أو حياة أحباء الشخص
المعني، إلى الوظائف، والجانب الصحي، والمكانة الاجتماعية، والسلطة، ومدى
الأهمية، ونظرة المجتمع، والولاء، والهوية، والجدارة. هكذا وعندما يتم
تحديد الخسائر المحتملة، تتجلى الخطوة التالية في تصميم وإجراء تجارب ذكية
تهدف لمساعدة الأشخاص المعنيين للمضي قدماً عبر تلك الفترة من الخسائر.
فقيادة التغيير المتعلق بالتأقلم أشبه ما يمكن لمهمة إرشاد المرء ليتجاوز
فترة من الألم والحزن.
 
ومن الأمثلة المعروفة على الفشل في مواجهة تحديات التأقلم، شركة "كوداك".
فقد رفض مجلس إدارتها إطلاق أول كاميرا رقمية في العالم موجهة للمستهلكين
رغم اختراعها من قبل العاملين في الشركة ذاتها، حيث تخوف المجلس من أثرها
على منتجاتهم في سوق التصوير السينمائي الذي تأتي منه معظم أرباح الشركة.
لقد رفضوا أن يتقبلوا خسائر قصيرة الأجل وأن يحولوا نموذج عملهم التجاري.
لكن عندما قرروا أخيراً اعتناق الواقع الرقمي الذي كان قد غزا العالم، كان
الأوان قد فات، وانتهى المطاف بشركة كوداك بإعلان إفلاسها العام 2012.
 
في هذا السياق، لا نشك في أن قيادة أي عملية تغير تأقلمي ناجحة يتمحور حول
القدرة على التخلي عما يقف في طريق التقدم وانتقاء أفضل ما في ماضيك لتقدمه
بحلة جديدة مناسبة لعالم المستقبل.
 
 
      الفارق ما بين ممارسة القيادة وممارسة السلطة
 
تختلف ممارسة القيادة التأقلمية اختلافاً جذرياً عن مفهوم "إنجاز المهام على
أتم وجه"، كما أنها تختلف أيضاً عن تولي المرء منصباً رفيع المستوى في سلّم
السلطة. والآن تأمل، كم عدد الأشخاص ذوي المناصب الرفيعة في السلطة (من
السياسيين والرؤساء التنفيذيين والمدراء) خذلوا مجتمعاتهم ومؤسساتهم
وأتباعهم في مواجهة أصعب التحديات التي يواجهونها وفشلو في إحراز أي تقدمٍ
نحو المستقبل؟ القائمة ولا شك طويلة.
 
ومع ذلك، ومن الناحية الأخرى نجد أن الكثير من الأشخاص العاديين خلقوا أثراً
وتغيراً استثنائياً كبيراً في العالم، منهم، على سبيل المثال لا الحصر،
مهاتماموهانداس غاندي، السياسي والمحامي المحنك الذي قاد أمته الهند للتخلص
من الاستعمار البريطاني دون أي منصب في السلطة، بل ودون أي مسمى وظيفي.
ومحمد يونس، الرجل المصرفي الحائز على جائزة نوبل للسلام الذي أحدث ثورة
ريادية في قطاع التمويل المصغر، وغيّر حياة ملايين الناس في جميع أنحاء
العالم. ومالالا يوسفزاي، الناشطة الاجتماعية التي لم تتجاوز مرحلة
الطفولة، والتي تعد أصغر حائز على جائزة نوبل للسلام، والتي رفضت الحظر
المفروض على الفتيات لارتياد المدارس في وادي سوات في باكستان، حيث نمت
دعوتها هذه لتصبح حركة عالمية.
 
أما إن ولينا وجوهنا شطر العالم العربي، فسنجد قصصاً مذهلة للفائزين بـجائزة
"صناع الأمل" العرب: حيث فازت نوال الصوفي بالجائزة لكونها حبل نجاة
اللاجئين الذين يركبون قوارب الموت نحو إيطاليا، وهشام الذهبي، صاحب القلب
الذهبي الذي احتضن أطفال العراق، و"الخوذ البيضاء" من سوريا، و"ماما ماجي"،
و"معالي العسعوسي" نظير نشاطهما في مجال الأعمال الإنسانية في مصر واليمن
على التوالي. وإذا ما تأملنا سِير "صنّاع الأمل" والنماذج العظيمة التي
ذكرناها قبلهم، فسنجد أن العنصر المشترك بينهم هو اغتنامهم الفرصة لممارسة
القيادة لإحداث أثر دون ضرورة تولي منصب ذي سلطة أو نفوذ.
 
كما أن تحمل المخاطر دون التمتع بسلطة رسمية، سعياً لتحقيق غرض نبيل، يعد
أيضاً سمة مميزة مشتركة بين جميع هؤلاء الأشخاص. من المفيد إذاً، أن ننظر
للقيادة بصفتها نشاطاً، وليس بوصفها انعكاساً لموقع أو لمكانة شخص في منصب
سلطة ونفوذ، وهكذا يمكن للمرء ممارسة القيادة سواءً أكان يتمتع بمنصبٍ ذي
سلطة أو يفتقر إليه.
 
معظم الناس يخلطون ما بين القيادة والسلطة. وتعد هذه الحيرة والخلط أمراً
مفهوماً وقديماً، فالسلطة تأتي بثلاثة سمات حاسمة هي: 1) التوجيه و2)
الحماية، و 3) إصدار الأوامر. فمهما كان الدور الذي تؤديه، سواءً أكنت أباً
أو مديراً أو رئيساً تنفيذياً، أو حتى رئيس دولة، فأنت تتمتع بنطاق من السلطة
مستمد من توقعات من منحوك تلك السلطة والتي تحدد في ذات الوقت مفهوم مهامك
الوظيفية. فطالما واصلْتَ الإيفاء بتلك التوقعات التي يضمها وصف مسماك
الوظيفي، سيكون مانحو السلطة (عائلتك، مجلس الإدارة، مديرك، أو الشعب الذي
دعمك أو صوّت لصالحك) سعداء وسيكافئونك بالعملة المألوفة، ألا وهي منحك
منصباً أكبر، أو راتباً أعلى، أو جائزة (ومن المثير للسخرية هنا أن بعض الطرق
التي يكافأ بها الناس جزاءً لعدم ممارستهم لأي دور قيادي، هو بمنحهم لقب
"قائد"!).
 
إلا أن اللحظة الحقيقية للقيادة تتجلى للعيان أوضح ما يكون عندما يحدث
تعارض بين الأمر الصائب الذي يجب أن تقوم به وبين ما يتوقعه منك من منحوك
السلطة أو المنصب، وعندما يختلف ما يحتاجه الناس فعلاً منك (ما هو في
صالحهم) عما يريدونه ويطلبونه منك.
 
فإذاً ممارسة القيادة في مواجهة التحديات التأقلمية تتطلب أن تتحديّ توقعات
الناس، لا سيما توقعات أكبر محبيك، لكن مع توجيه دفة التغيير بسرعة مناسبة
لهم بحيث تمكنهم من استيعاب وتحمل ذلك التغيير.
 
ويتجلى نموذج معروفٌ للتمييز ما بين ممارسة القيادة وممارسة السلطة، هنا في
العالم العربي، في شخص الشيخ زايد آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية
الحديثة وأول رئيس لها، والشيخ راشد آل مكتوم، أول من تولى منصب نائب
الرئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحاكم إمارة دبي، وذلك في خضم
جهودهما لإنشاء أنجح اتحاد من الإمارات/القبائل شهده الوطن العربي، حيث
نجحا في توحيد سبعة إمارات/قبائل مختلفة في دولة واحدة، سنة 1971.
 
قبل ذلك التاريخ، لم يكن الشيخ زايد يمتلك أي سلطة رسمية على أي إمارة أخرى
غير إمارته هو، أبوظبي. وقد كان يؤمن بأن أعظم تحدٍ يواجه المنطقة هو
انقسامها لعدة إمارات قبلية صغيرة. ورأى أنها إن تمكنت من التوحّد طواعيةً
بدون فرضٍ من قبل سلطة عليا، في ظل دولة واحدة وعَلَم واحد، فسيكون بمقدورها
الازدهار معاً وتحقيق أعظم النجاحات. لكن المهمة لم تكن سهلة، إذ بذل الشيخ
زايد أقصى ما في وسعه طوال سنوات لإقناع حكّام الإمارات الأخرى بحلمه الذي
تحقق فيما بعد. لم تكن هذه الجهود الذي بذلها سمو الشيخ ضمن متطلبات منصبه
أو من بنود مهامه كحاكم لإمارة أبوظبي، كما أن هذا الأمر لم يكن من توقعات
من منحه السلطة (أهالي أبوظبي). وما من غرابة في ذلك، فمن الطبيعي أن يتوقع
أهالي إمارته منه أن يبذل كل جهده ويصب كامل تركيزه على تعزيز رفاهم هم
تحديداً، إلا أنه مع ذلك تحدى توقعاتهم تلك وتمكن من حشد مساعيهم وإقناعهم
ببذل الجهد معه لمساعدته في تحقيق الاتحاد. ولم يكن ذلك بالعمل السهل
إطلاقاً، إذ أن قيادة هذا التغير التأقلمي كان عملاً صعباً بشكل استثنائي. فقد
مرت جهود التوحيد بالعديد من العقبات، إلا أنهم أدركوا جميعاً أنهم لو
تمكنوا منها، فسيحققون نجاحاً منقطع النظير. هكذا وبعد سبعة وأربعين عاماً،
أدت رؤية الشيخ زايد رحمه الله إلى اعتلاء دولة الإمارات العربية المتحدة
قمة العديد من قوائم التصنيفات العالمية في مختلف القطاعات التنموية.
وبالتالي يتضح أن الناس تحترم وتكافئ أولئك الذين يجازفون بممارسة القيادة
دون الاستناد إلى سلطة.
 
 
      إذاً ما الذي ينبغي على القادة فعله؟ النتائج المترتبة عن ممارستك للقيادة
 
ملخص القول، أنك إن أردت المضي قدماً وتحقيق الاستمرارية والازدهار، وردم
الهوة ما بين طموحاتك لنفسك، ولعائلتك، ولمؤسستك ولمجتمعك وبين الواقع
الراهن، ننصحك باتباع الممارسات الست التالية:
 
 1. عِوَض أن تركّز فقط على تنفيذ المهام، لا بد أن تُولي التأقلم مزيداً من
    الاهتمام. لأن مفهوما "التنفيذ" و"التأقلم" مختلفان تماماً عن بعضهما البعض.
 2. عِوَض أن توجه فكرك وجهدك لحل المشاكل، يتعين عليك أولاً أن تركز على
    إجراء التجارب. اعتبر القيادة فناً من الفنون التجريبية.
 3. عِوَض أن تفكر في منصبك على أنه مستقل وذاتيّ الحكم، فكر فيه على أنه جزء
    لا يتجزأ من منظومة أشمل تتسم بالتشابك والترابط داخلياً وخارجياً.
 4. عِوَض أن تستجيب للنزاعات أو الصراعات فقط بمحاولة حلها، انظر إلى الصراع
    على أنه فرصة لممارسة القيادة، وانظر إليه أكثر على أنه إشارة أعمق عن
    اختلافات بين القيم، ومن ثم استكشف تلك القيم وأعد ترتيبها بشكل متناغم
    ومتناسق.
 5. لا تقضي الكثير من الوقت في البحث عن أفضل الممارسات التي تتبعها
    الجهات الأخرى، وخصص المزيد من وقتك للعمل على الابتكارات الجريئة
    واستكشاف وخلق ممارسات جديدة تتناسب مع بيئتك، قد ينتهي بها المطاف لأن
    تُتبع لاحقاً.
 6. وأخيراً، وبدل استنزاف نفسك وبدنك حتى الإنهاك من أجل قضية ما، راعي
    مقولة "إن لنفسك عليك حقاً"، واعتني بجسدك ونفسيتك لأنك بحاجة لأن تكون
    بكامل عافيتك وقوياً لتحقيق الازدهار.
 
وأخيراً إليك حقيقة لا شك فيها لدينا، ألا وهي أنك لن تنجح في القيام بكل
هذه الأمور من أول محاولة، ولا حتى من الثانية، وفي بعض الأحيان لن تنجح
حتى في تحقيقها في المحاولة الثالثة، لذلك توقع الفشل وحضّر نفسك له، وتقبله
ومن ثم تعلم منه. وتذكر قول مانديلا: "أنا لا أفشل البتة، فإما أن أنجح
وإما أن أتعلم درساً". فكل فشلٍ يعتبر مصدراً رائعاً للدروس والمعارف والحِكَم
التي تزودنا بمجموعة جديدة من المهارات والرؤى التي تمكننا بدورها من
مواكبة التغيرات الجذرية سريعة الوتيرة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا
اليومية الآن.
 
إننا نمر بمنعطف حاد وحاسم في تاريخ البشرية، ولدى كل واحد منا الفرصة
والإمكانية -بشكل غير مسبوق في التاريخ- لرسم ملامح المستقبل. إن العالم،
يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أشخاص مثلك يؤمنون بعمق بهدفهم من وراء
ممارسة القيادة، والمتمثل في مساعدة عائلاتهم ومجتمعاتهم وبلدانهم على
تجاوز أصعب التحديات التي يواجهونها أثناء تأقلمهم مع هذا الواقع الجديد.
 
/مارتي لينسكي، أستاذ في كلية هارفارد كينيدي والمؤلف المشارك للكتاب
الأكثر مبيعاً: Leadership on the Line./
 
/غالب درابيه، زميل في برنامج إدوارد ميسُن للسياسات والإدارة العامة في
كلية كيندي للإدارة الحكومية، وقد قام بالتدريس في كل من كلية هارفارد
كينيدي وكلية لندن للأعمال في إطار برامجها التنفيذية "القيادة في مواجهة
التحديات التأقلمية"./
 
*المصادر:*
 
1  .دعاء بالشر، من الثقافة الصينية.
2 .حسب "المنتدى االقتصادي العالمي"
 
 


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>