الفرصة الجديدة للإعلام في البيئة الرقمية
يتميز الإعلام الالكتروني وتطبيقاته بالحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع إمكانية تجاهل المصدر.وخاصة مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين الداخل والخارج .
ويتمتع الإعلام الالكتروني بسرعة الانتشار وسهولة الوصول لها وارتفاع سقف الحرية ،وهو ما يجعل تلك المنصات متاحة امام كافة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع وإتاحة الفرصة امام اتساع عدد المشاركين وحجم القضايا والموضوعات التي يتم تناولها في ظل حوار يكون ركيزته الندية بين الفرد والنخبة والجماهير،وهو ما أثر بدوره على دور النخبة المعتاد في صياغة الرأي العام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها،وجاء ذلك في ظل بيئة الكترونية متصاعدة وجاذبة للاستخدام من قبل الشباب.
وهناك العديد من المسميات التي تطلق على ذلك النمط الجديد من الإعلام عبر تطبيقات الانترنت، فتارة يتم وصف عملية نقل الرسالة الإعلامية عبر تطبيقات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات بأنها "إعلاما بديلا"، وتارة أخري يتم استخدام مصطلح "الإعلام الجديد" وذلك على الرغم من انه يشمل عالم الفضائيات والأقمار الصناعية ، وهناك مسمى "الإعلام الإلكتروني" في مقابل "الإعلام التقليدي"،وذلك في محاولة لوصف ذلك الانتقال من روافد الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور التكنولوجي .
والتي أثرت في ملامح التغير في طبيعة الوسيلة ولا يعكس تغير في طبيعة المهمة الإعلامية أو الصحفية، وخير دليل على ذلك هو حدوث تغيرين رئيسيين يتعلق الأول بظهور مواقع إخبارية وبوابات إعلامية عبر المنصات الجديدة وبخاصة في جيلها الحديث كقنوات "اليوتوب أو الشبكات الاجتماعية أو تطبيقات الهواتف الذكية .والتغير الأخر يتعلق بان ما هو قديم وتقليدي أصبح مجبرا بحكم ذلك التطور التكنولوجي وبحكم تغير مذاق المستهلك مدفوعا نحو التحول الرقمي، ولكن بقيت على أية حال الفجوة في الطبيعة المهنية مع حدوث فوارق نسبية بين الصحف التقليدية وبرافدها الالكتروني وغيرها من المواقع الالكترونية حديثة النشأة وسريعة الانتشار، وبخاصة مع سهولة إطلاقها ولا تخضع لبيروقراطية القوانين المنظمة للوسائل الإعلامية، والتحديث الآني واللحظي للمعلومات والأخبار بشكل يلاءم احتياجات المستهلك ويواكب تطور قدراته في مجال الاتصال والتواصل عبر الانترنت .
وتصبح عملية الفصل بين ما يعد إعلاما "تقليديا" وأخر"الكترونيا" مرتكزا على التمييز بين" الرسالة الإعلامية" و"حامل تلك الرسالة"،والتي تغيرت العلاقة بينهما عبر التاريخ وفق الاختراعات في مجال الطباعة والنشر والتكنولوجيا،وفرض الاعلام الالكتروني التحديات ذاتها التي فرضها في وقت سابق التلفزيون والراديو والتلغراف،والتي سرعان ما تم تضمينها وإدماجها في التطور وعلى النسق ذاته أصبحت تطبيقات الانترنت قادرة على الدمج بين الكثير من الأنماط الاتصالية والاختراعية في وسيط واحد ومتسع ومتاح أمام الاستخدام من قبل الكافة دون تمييز.
وأضفي هذا التطور مزايا نسبية في صياغة "الرسالة الإعلامية" وحجم انتشارها والتفاعلية بين المرسل والمستقبل على النحو الذي اثري المحتوى الإعلامي. واثر ذلك التحول على نحو ايجابي فيما يتعلق بالانتقال من إعلام الهيمنة والسيطرة من قبل شركات عالمية كبري تحتكر عملية بث المعلومات ونشرها والمساهمة في بروز إعلام تحرر من تلك التوجهات المسبقة وعن تبعية رأس المال أو حتى تجاوز الانتماءات الفكرية الضيقة، وهو ما شكل ساحة بديلة للمهمشين وللمعارضين وللأصوات غير المسموعة وعن قضايا لا تجد لها طريقا للصحف التقليدية .
الإعلام الالكتروني في مقابل الصحف والإعلام التقليدي
ساهم الإعلام الالكتروني في كسر حاجز من هو" الصحفي " ومن هو "الإعلامي"،وأصبح الممارسين لهما من خارج الأطر التقليدية والمهنية،وذلك مع سهولة تدشين منصات إعلامية يتم خلالها عمليات الإنتاج والنقل والنشر والتخزين والأرشفة للمعلومات والأخبار،وفرض بذلك الإعلام الالكتروني عدة متغيرات يتعلق أهمها اولا،بضرورة أن يتمتع الصحفي بتعدد المهارات للتفاعل مع بيئة متعددة الوسائط والخدمات، وثانيا،ظهرت الصحافة والإعلام الالكتروني في المجتمع الأكاديمي والتدريبي،وثالثا،تعددت في نفس الوقت أعباء الصحفي في مجال الإعلام الالكتروني.
وظهرت إلى جانب ذلك ثلاثة تطورات رئيسية يتعلق الأول بالصحفي حيث أصبح هو من يقوم بتحرير الأخبار عبر الانترنت ولا يعمل في صحفية ورقية،وتطور ثاني يتعلق بالقارئ حيث أصبح لدية القدرة على المشاركة والتفاعل والتعليق،وتطور ثالث،يتعلق بالخبر حيث إن سرعة الخبر وبثه أصبحت من أهم ما يميز هذا التطور في مجال الإعلام الالكتروني
والذي يؤثر في الرأي العام ليس من بين مستخدمي تطبيقات الإعلام الالكتروني بل تحولت كذلك كمصدر للإخبار للصحف التقليدية والقنوات الفضائية أو بتحول نشطاء الإعلام الالكتروني إلى ضيوف ومتحدثين لوسائل الإعلام التقليدية ، أو قيام الصحف والفضائيات بتخصيص أقسام لتغطية ما يجري عبر تطبيقات الإعلام الالكتروني .
وأحدثت الشبكات الاجتماعية نقله نوعية في تطبيقات الاعلام الالكتروني وذلك لدورها في نقل الخبر و معالجته ومتابعته وإثارة ردود الأفعال حوله مع القدرة الهائلة علي الانتشار والتأثير ومدعومة بنقل الصور ومقاطع الفيديو الى جانب استخدام التعليقات وعلامات الإعجاب وحملات الهاشتاج.
وتحولت التطبيقات تلك لأدوات للتعبير عن مجموع ردود الأفعال والاستجابات على السياسات العامة للدولة في إطار تزايد دور الإعلام في المجال العام.
وانعكس ذلك في وجود تحديات امام الصحف الورقية لعل اهمها:أولا،بانخفاض مبيعاتها على نحو يؤثر في إيراداتها وثانيا،اتجاه القراء إلى استخدام المواقع الالكترونية الإخبارية والتي توفر تغطية لحظية ومتجددة وثالثا، انخفاض حصيلة الإعلانات حيث اتجاه المعلنين إلى استخدام الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الانترنت لمخاطبة الفئة الأكبر استهلاكا وهم الشباب والنساء.
رابعا، تحدي الملكية الفكرية للمحتوى الصحفي حيث اتجهت العديد من المواقع الالكترونية إلى إعادة نشر محتوى الصحف الورقية دون احترام حقوق الملكية الفكرية على النحو الذي اثر في أصالة النص والمحتوى.
خامسا، ضعف الثقافة العامة للمستخدم والتي انعكست على نمط الاستخدام للشبكات الاجتماعية حيث أنها لم تستخدم في إنتاج معلومات بل في نشر فوضى المعلومات الشخصية .
سادسا، تواجه الصحف الورقية مخاطر احتكار الدعاية والإعلان لصالح كيانات تكنولوجية عابرة للحدود تعمل على تسريب رأس المال الوطني للخارج والى تقويض نمو قطاع الإعلانات الوطنية.
سابعا،عدم القدرة على التحقق من صحة الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما يعمل على وجود تحدي نشر المعلومات والأخبار الزائفة.
ثامنا،تواجهه الصحف الورقية عزوف الشباب عن شرائها لصالح الأكبر سنا وهو ما يهدد بالتحول الرقمي لها في المستقبل دون استعداد لمواجهة التحديات.
التحول من الفوضى الى التنظيم للإعلام الالكتروني
كانت الحكومات تحتكر نقل المعلومات وتبرير سياساتها عبر احتكارها للإعلام الجماهيري بينما شكل الاعلام الالكتروني كسرا لهيمنة الحكومات من جهة على وسائل الإعلام ومن جهة اخرى كسر سيطرة نمط رأس المال على توجهات الوسائل الإعلامية والحد من احتكار وكالات الأخبار العالمية لصناعة الأخبار والمعلومات.
وجاءت تلك التغيرات لتصيب في النهاية اسس العلاقة بين الدولة والمجتمع ،ودفعت للبحث ضرورة تكيف الدولة مع الاعلام الالكتروني ،وتعزيز التحول من الفوضى في الاستخدام الى اطر تنظيمية تستطيع ان تحدد الحقوق والواجبات على مستوى المحتوى والمنصات والفاعلين.
ونتج عن ذلك تداخلات في كيفية التعامل مع الاعلام الالكتروني وتنظيمه بما طرح العديد من الاشكاليات لعل اهمها ان عملية التنظيم ليست كاشفه بالضرورة عن موقف النظام السياسي من
الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان،بل اصبحت هناك دول غربية ديمقراطية تمارس سياسات رقابية وتجسسية على مواطنيها بدعوى الامن وحماية الحريات،
وبخاصة ان اشكالية تنظيم الاعلام الالكتروني اصبحت قضية دولية ، وذلك يرجع الى حداثة الظاهرة والى التطور السريع والمتلاحق والذي يتحرك بوتيرة اسرع من الاطر الناظمة له سواء اكانت قانونية او امنية.
والى جانب ذلك ضخامة عدد الفاعلين بما يصعب من القدرة على السيطرة والتحكم والى تميز الاعلام الالكتروني ببعده العابر للحدود على النحو الذي يشكل تحديا للنظم القانونيه المحلية،ودفعت ذلك الى امكانية ان تكون للدولة دور في ضبط التفاعلات استنادا على ما لديها من قدرات تكنولوجية خاصة إلا ان تلك القدرات تتفاوت الدول فيها وفق درجة تقدمها التكنولوجي، ومن جهة اخرى دفعت حالة الانفتاح العام عبر الاعلام الالكتروني الى فتح قنوات التأثير والتأثر ما بين الداخل والخارج.
وأدت عملية تغول الشركات التكنولوجية وخاصة العاملة في مجال الشبكات الاجتماعية وعدم رضوخها للمطالب الوطنية الى ردة فعل مضادة من قبل الدول في محاولة للحافظ على وجودها او البحث عن توفيق اوضاعها بما يتلاءم مع ما تراه من المصلحة الوطنية لديها.
والتي وجدت في ذلك التطور تهديدا لنظامها السياسي واستقرارها وهو ما انتج رده فعل حمائية من قبل الدولة بمحاولتها تبني طرق مختلفة للتقنين او السيطرة اما عبر امتلاك تطبيقات تكنولوجية للرقابة والتجسس لمواجهة الاخطار الامنية او عبر استيرادها من الخارج ،
وبرز اتجاه أول ،يرى ان الاعلام الالكتروني قابل للتقنين كغيره من الابتكارات السابقة كالراديو او التلفزيون او البث الفضائي ومن ثم يمكن تطبيق قوانين المطبوعات مثلا على الاعلام الالكتروني،واتجاه ثاني اخر يرى ان ظاهرة الاعلام الالكتروني وتطبيقاتها غير مسبوقة في فرصها وتحدياتها بما يجعل عملية اخضاعها للتقنين عملية معقدة عن سابقيها.
واتجاه ثالث يرى ان طبيعة الاعلام الالكتروني تفرض ضرورة التنظيم الشامل والمتجاوز لدور الدولة التقليدي الى دور فاعلين اخرين داخل المجتمع او حتى خارج الدولة،وان اتجاه الدول للتنظيم ما هو إلا خطوه في سبيل التنظيم
وعلى مستوى التطبيق ساد توجهين في تنظيم الصحافة الالكترونية ، الاول وهو الاكثر انتشارا القاضي بإدراجها من حيث التقنين والضبط وفق طريقة التعامل مع الصحافة التقليدية، والثاني وهو تجاه الاقلية عبر اتجاه الدول بإفراد لتلك الصحافة الالكترونية قانونا خاصا بها يتواكب مع تميزها واختلافها وتحدياتها الجديدة.
وتبقي حقيقة ان عملية التشريع في حقل الإعلام الإلكتروني من جانب الدوله يجب ان يركز على فكرة التنظيم وليس السيطرة ، وبخاصة ان الدولة لم تعد الفاعل الرئيسي،وهو ما يتطلب ان لا يتم الاسراف في العقوبات لان قوة العقوبة تتطلب قوة التنفيذ،وبخاصة ان القانون المحلي لا يتجاوز حدود الدولة، وهو لا ينطبق مع الية عمل المواقع والتطبيقات الالكترونية.ولكن تبقي هناك فرص لقيام الدولة بتنظيم الاعلام الالكتروني عبر، اولا ، العمل على تحديث اجهزة الدولة بشكل يجعلها تتعاطى مع المجال السيبراني عبر الوجود المباشر للوزارات والهيئات الحكومية عبر الانترنت وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ثانيا، سعى الدول الى تحديث البني التعليمية والثقافية للعمل على تحقيق منع وطنية لمواجهة التحديات التي يفرضها الفضاء الالكتروني.
ثالثا،ان تسعى الدولة الى ان تعمل على تحديث الاطر التشريعية الخاصة سواء المنظمة لمجال الاعلام والصحافة او المتعلقة بمكافحة الجريمة وتنظيم الحريات العامة .
رابعا،:هناك مدخل محلي يتعلق بان العمل على مواجهة التحديات الاقتصادية التي يمر بها الشباب هي الكفيلة بمواجهة مخاطر التعرض للإعلام الالكتروني.
خامسا،ان التقدم في عملية تنظيم الاعلام التقليدي وترسيخ ميثاق الشرف والمهنية هي السبيل امام الحد من التأثيرات السلبية للإعلام الالكتروني
الاعلام الالكتروني في قانون الصحافة والإعلام الموحد
في ظل التزام الدولة بالمواثيق الدولية لحقوق الانسان وميثاق الأمم المتحدة،والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومع تأكيد الامم المتحدة في سابقة هي الأولي من نوعها على أن حقوق الانسان في العالم الرقمي يجب أن تكون محمية ومصانة بنفس القدر الذي تحمى به حقوق الانسان في العالم المادي، وفي هذا الاطار عالج الدستور المصري لعام 2014 لأول مره قضيه الثورة المعلوماتية حيث نص في عدد من بنوده على الحفاظ على الحريات والضمانات للحقوق ،وفتح بذلك قوة دستورية لتبني قوانين تنظم هذا المجال الحيوي الجديد،وبخاصة فيما يتعلق بالإعلام الالكتروني والصحافة الالكترونية ،ونصت المادة (70) من الدستور على حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتباريه عامة أو خاصة ،
وتنص المادة (71) على حظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الاعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها بأى وجهه،وأجازت بشكل استثنائى فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة.وعزز الدستور دور النيابة العامة والقضاء في معالجة ايه تجاوزات مقابل تحديد دور السلطة التنفيذية في ذلك.
وفي هذا السياق سعت الدولة الى تبني عدد من القوانين ذات العلاقة المباشرة او غير المباشرة بتنظيم الاعلام الالكتروني والتي منها، تبني مسودة لقانون مكافحة الجريمة الالكترونية الى جانب سن قانون لمكافحة الارهاب والذي نصت المادة (29) على السجن المشدد وبمدة لا تقل عن 5 سنوات كل من «أنشأ أو استخدم موقعا على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة فى شأن أى جريمة إرهابية، أو لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين الجماعات الإرهابية أو المنتمين إليها، أو المعلومات المتعلقة بأعمال أو تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية فى الداخل والخارج"
وعالج القانون الموحد للصحافة والإعلام قضية الاعلام الالكتروني سواء عبر تناول الصحافة الالكترونية او البث الرقمي،وعرف القانون في مادته الاولى "الصحيفة" بانها تتضمن الاصدار الالكتروني، وتمت اضافة الاعلام الرقمي الى الاعلام المسموع او المرئي،وتم تعريفة بأنه كل بث رقمي يصل الى الجمهور،وتم تضمين الاصدار الالكتروني ضمن تعريف الصحف القومية،وفي المادة (2) من القانون تلزم الدولة بضمان حرية النشر الالكتروني،وتحظر المادة (3) وقف الصحف او الرقابة او اغلاقها الا في حال الحرب وإلزام الصحيفة بحذف المحتوى على موقعها الالكتروني.
وقصرت المادة(49) من ذات القانون إصدار قرار بوقف أو حجب المواقع المنصوص عليها فى المادة(29) على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة.
وفيما يتعلق بملكية الصحف نصت المادة (43) ان الملكية تمتد الى الصحف الالكترونية والتي يصدرها اشخاص طبيعية او اعتبارية او خاصة،وحددت المادة 500 الف جنية لإصدارها في اطار تكوين شركات مساهمة،واشترطت المادة (45) ان يتولى رئاسة تحريرها والمحررين من اعضاء نقابة الصحفيين.ولا يتضمن القانون آلية الزام القائمين بذلك وهو ما يكشف عن صعوبة في التطبيق إلا انه يحمل بعدا معنويا فقط ،وعلى الرغم من تأكيد المادة (46) على حق اصدار الصحف الالكترونية مكفول للمصريين الا ان واقع الحال يشير ان مكفول بفعل الثورة الرقمية وليس بمنحة من السلطة التنفيذية،وهو ما يصطدم بما حددته المادة 47 ان يتم تقديم طلب كتابي للمجلس الاعلى للموافقة على الاصدار الالكتروني على الرغم نم عدم امتلاك المجلس سلطة المنع من الصدور الا اذا تم في اطار القضاء وان كان يحوي الاصدار محتوي غير قانوني فقط .
وهو ما كررته الماده(64) بالنص بأنه لا يجوز انشاء اية وسيلة اعلامية رقمية قبل الترخيص من المجلس الاعلى وبخاصة ان القانون لم يشمل حزمة امتيازات يقدمها في مقابل التقنين،وألزمت المادة(70) الوسيلة الاعلامية بالاحتفاظ بأرشيفها لمادة لا تقل عن عام وتقوم بإيداعها المجلس الاعلي ولم يتم تحديد الالية ومدى امتلاك المجلس قدرات لتخزين تلك المواد سواء اكانت رقمية او ورقية،وحويت المادة (71) تناقضا بنصها بضرورة اظهار الموقع الالكتروني سواء اكان نشطا"مرئي " وهو متاح اما ان كان ارشيفا "غير مرئي" فكيف سيعرفه المجلس؟!، اما المادة( 73 ) والتي نصت على انه لا يجوز ان يتم بث المواد المسموعة والمرئية والرقمية على الهواتف الذكية قبل الحصول على ترخيص من المجلس الاعلى متغافلة ان المواقع الاخبارية تحوي تطبيقات للموبيل لسهولة التصفح ام ان المشرع قصد بث رسائل اخبارية عبر الهواتف الذكية وهذا غير واضح في نص المادة، وهو ما يدخل في اختصاص الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات،وأعطت المادة( 74) للمجلس الحق في الغاء ترخيص البث الاعلامي ولم تحدد الكيفية فضلا عن افتقاد القدرات ألتقنية وكشفت الماده (130) عن تضارب بين اختصاص المجلس الاعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة وذلك بنصها بان يتولى المجلس الاعلي للإعلام تنظيم شئون الاعلام الرقمي وتنظيم الصحافة الرقمية،وتلقي اخطارات لإنشاء وسائل الاعلام الالكتروني. في حين ان ذلك الاختصاص لم يأت في عمل الهيئة الوطنية للصحافة.
نحو مواجهة شاملة لتحديات الإعلام الالكتروني
تتميز عملية مواجهة مخاطر الإعلام الالكتروني بالدينامكية على اعتبار أنها بالأساس حرب عقول يعلو بها الجانب الإبداعي عن المعرفي والجانب الفردي عن الجانب الجماعي وتسيطر عليها القدرة على المبادأة عن الاستعداد ، وتتسع نطاق المواجهة ما بين الولاية القضائية الداخلية للدولة والخارج في فضاء فسيح يصعب السيطرة عليه بشكل كامل وسهل الوصول والاتصال ما بين الداخل والخارج ،وهو ما يدفع ان تكون عملية التنظيم على مستوى القائمين بالاتصال أو بالمؤسسات أو بطبيعة الرسالة الإعلامية ،وتفرض إمكانية تطبيق القانون وإنفاذه كما هو الحال في الصحافة التقليدية أو الورقية على الاعلام الالكتروني،أن يتم تحديث الإطار التشريعي على نحو يأخذ في اعتباره التغييرات في طبيعة الوسيلة الإعلامية،ومواجهة سيل المعلومات المضللة وانتهاك الخصوصية بين العديد من المستخدمين ،وعبر سن قوانين لمكافحة الجريمة الالكترونية وحماية الخصوصية وحقوق الملكية الفكرية وحرية تبادل المعلومات .
ويوجد ثلاثة اتجاهات رئيسية ،يرى الاتجاه الأول ،بأن الطبيعة الرقمية الجديدة للرسالة الإعلامية فرضت وجود درجة عالية من الزخم والتفاعل والنشاطية على عملية استهلاك المعلومات وتداولها وتخزينها وإنتاجها وتعدد المصادر التي لم تقتصر على المصادر الصحفية والإعلامية الرسمية بل تعدت إلى دور المواطن في إنتاج المعلومات ونشرها فيما يعرف بظاهرة "المواطن الصحفي " وحالة الانفتاح بين الداخل والخارج في عملية تدفق المعلومات.
ويرى الاتجاه الثاني ،انه على الرغم من صعوبة فرض مظلة على الإعلام الالكتروني ككل إلا إن هناك فرصة لاستيعاب الجادين منه ومواجهة واحتواء المغرضين ، وذلك عن طريق الاعتراف بالصحافة الالكترونية كشكل من أشكال الصحافة والتي يجب إن تتاح الفرصة للانضمام إلى الكيانات النقابية الصحفية و الإعلامية والتي من شأنها إن تعمل على ترشيد الخطاب الإعلامي عبر الانترنت ، وان عدم إضفاء الشرعية القانونية على المواقع الإخبارية سيؤثر في جمهورها والثقة فيها من جانب الجمهور مع الحرص على تسهيل شروط الانضمام وتوافر الجدية .
ويرى الاتجاه الثالث ،إن مواجهة سلبيات الإعلام الالكتروني يتطلب ليس فقط النظر إلية كمحتوى إعلامي بل النظر إلية كمحتوى ثقافي بالأساس عن طريق الاهتمام بالبعد الثقافي لدى المواطنين عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة ،وهو ينطلق من حقيقة إن التطبيقات الخاصة بالإعلام الالكتروني هي بطبيعتها محايدة ولكن تصطبغ بثقافة المستخدم.
وان تقوم مؤسسات الدولة الثقافية والدينية والمجتمع المدني بتنمية ثقافة الحوار والتسامح وتحديث عمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة،وفتح الآفاق أمام الشباب لتوظيف تلك الثورة المعلوماتية على نحو يخدم التنمية ويشجع على الابتكار والإبداع.الى جانب اهمية الفصل بين النشاط الإجرامي وبين النشاط السياسي الذي يأتي في إطار حرية الرأي والتعبير ، وان عملية حجب المواقع الاخبارية يجب ان تتم وفق احكام القضاء والنيابة العامة وليس عبر السلطة التنفيذية.
وتبقي حقيقة ان الاستثمار في تنمية الفكر والثقافة هي الحصانة الاكبر في معارك الافكار وليست ممارسة القوة بالضرورة.
*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والإستراتجية-مدير مشروع المركز العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني
|