مستقبل الزراعة .. كيف يمكن إطعام عالم مضطرب

01-07-2022 12:45 PM - عدد القراءات : 700
كتب لورا باتيل من لندن FINANCIAL TIMES
عندما ولد والدي، في 1943، كانت مزرعتنا لا تزال تحرث بوساطة الخيول. واليوم يستخدم جرارا بقوة 345 حصانا ويتبع أحدث التطورات في مجال روبوتات "التكنولوجيا الزراعية المستدامة".

 



لطالما تضمنت الزراعة منعطفات وحالات من تشتيت الانتباه. ومنذ أن وصلت والدتي الناشطة في مجال الحفاظ على البيئة إلى المكان قبل 40 عاما، عملنا على حماية الحياة البرية وتشجيعها. لكن طوال هذا الوقت - في الواقع، منذ ولادة الحضارة الزراعية نحو 9500 قبل الميلاد - كان الغرض الرئيس للزراعة واضحا وبسيطا، إنتاج الغذاء للاستهلاك البشري والحيواني.
لم يعد هذا من المسلمات. شهد عمر والدي على أكبر تحول في الزراعة منذ عدة آلاف الأعوام - ومن المرجح أن يكون التغيير الجذري الأكبر على وشك الحدوث.
أدت الحرب في أوكرانيا إلى تعطيل الصادرات والمحاصيل المستقبلية في واحد من أكبر الدول المنتجة للحبوب، وأكدت هشاشة الإمدادات الغذائية العالمية، إلا أن التمييز بين إطعام العالم وتدميره على المحك. يعد تكثيف الزراعة، نتيجة لسياسات ما بعد 1945 المصممة لتلافي نقص الغذاء إلى حد كبير، الآن من قبل كثيرين السبب الرئيس للتدمير البيئي.
في كتابها "روتيد"، الشبيه بمذكرات عن الماضي القريب للزراعة والتأمل في مستقبلها، تقول سارة لانجفورد، "كان جدي، بيتر، يعد بطلا يغذي أمة جائعة. الآن يعد ابنه تشارلي، عمي، شريرا ويلقى عليه باللوم في كارثة بيئية ويحمل إرثا لا يرغب فيه أحد".
الحقيقة هي أننا جميعا متواطئون في عمليات الزراعة. يشير النجاح المفاجئ لكتب، مثل "ذا شيبرد لايف" للكاتب جيمس ريبانكس، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالموضوعات التي كانت غامضة سابقا، بما في ذلك إعادة الحياة البرية و"صحة التربة"، إلى أن الناس يدركون هذا الأمر، ويدركون أيضا نافذة الفرصة الحالية لضمان مستقبل أفضل بشكل متزايد. فهل يمكن للزراعة الآن أن تحل بعض المشكلات المتعددة التي ساعدت على إيجادها؟
في صلب هذا النقاش هناك سؤال حول ما إذا كان بإمكان مزارعي القرن الـ21 المزج بطريقة أو بأخرى بين وظائف منتجي الأغذية، والناشطين في مجال الحفاظ على البيئة، والساعين لعزل الكربون، ومقدمي الترفيه، وأهم العوامل الأساسية في المجتمع الريفي. أو ما إذا كانت كلمة "المزارع" ذاتها - إلى جانب الممارسة والتاريخ الاجتماعي والثقافي المرتبطة به - سيعفي عليها الزمن قريبا.
بالنسبة إلى لانجفورد - كما هي الحال بالنسبة إلى جيك فينيس، مدير الحفاظ على البيئة في هولكهام إيستيت في نورفولك ومؤلف كتاب "لاند هيلر" - يمكن تحقيق الاحتمال الأول. ساق هذان المؤلفان الحجة لعملية استمرار إنتاج اللحوم ومحاصيل الأراضي الصالحة للزراعة عبر الزراعة "المتجددة" - المعروفة على نطاق واسع كشكل من أشكال الزراعة التي تسعى إلى تجديد وتعزيز النظم البيئية الطبيعية. وينصب تركيزهما على المملكة المتحدة، وعلى التحسينات المحلية أو الفردية حتى التي يمكن أن تسهم في الصالح العام. بالنسبة إلى جورج مونبيوت، الذي يصف الزراعة في كتاب "ريجينسيس" بأنها "القوة الأكثر تدميرا التي نشرها البشر على الإطلاق"، فإن السبيل الوحيد للمضي قدما هو إصلاح جذري في إنتاج الغذاء العالمي وعادات الأكل.


يبدأ كتاب "ريجينسيس" بالطريقة الأكثر طموحا وعمقا في البحث من بين هذه الكتب الثلاثة، بفكرة أن إنتاج الغذاء العالمي قد تتطور إلى "نظام معقد" - شبكة ذاتية التنظيم يمكنها نقل الصدمات بطرق لا يمكن التنبؤ بها. إن أنواع المحاصيل وهياكل سلطة الشركات على مدى الـ50 عاما الماضية تعني أن النظام أصبح الآن عرضة للانهيار بشكل متزايد، ومع ذلك فإن علامات التحذير "نادرا ما تزعج الطبقة السطحية للوعي العام".
وبصفته ناشطا بيئيا ونباتيا، يعد مونبيوت نوعا ما من المتسابقين المحترفين - ويكشف كتابه، بأسلوب صحافي "الفجوة بين الإدراك والواقع" حول مكان وكيفية إنتاج طعامنا. ويخوض في المياه الموحلة في نهر واي، في ويلز، حيث يتسبب الجريان السطحي من مزارع الدجاج الصناعية في تكاثر الطحالب بشكل متكرر. ويذكر حقائق مروعة لا حصر لها، من كميات الجسيمات البلاستيكية في الأسمدة إلى الإحصائيات على أساس مقياس "كارثة انقراض كثير من أنواع الحشرات".
يتماشى كتاب "ريجينسيس" بدقة مع كتاب "فيريل" لمونبيوت الصادر في 2013، الذي قدم حجة مقنعة - اتضح أنها مؤثرة - لإعادة الحياة البرية. وفي حين يعتقد أبطال "التجدد" أن شكلا من أشكال تربية الماشية المختلطة منخفضة الكثافة والأرض الصالحة للزراعة هما أفضل طريقة لإنتاج الغذاء وفي الوقت نفسه رعاية الطبيعة، يستخدم مونبيوت أحدث كتبه ليقول إنه ينبغي لنا "إعادة الحياة البرية في معظم الأرض التي تستخدم الآن للزراعة". أما فيما يتعلق بكيفية تفعيل هذه الثورة، فقد اقترح اتباع نهج نباتي عالمي - من شأنه، حسب قوله، أن يقلل من مساحة الأراضي المستخدمة للزراعة حول العالم 76 في المائة - ونهج جديد تماما لزراعة النباتات.
يتضمن الكتاب بعض الحالات الدراسية الرائعة. هناك إيان تولهورست، مزارع فواكه وخضراوات في أوكسفوردشاير، وقد طور نهجا عضويا خال من الماشية "دون استخدام منتجات الثروة الحيوانية، بما في ذلك السماد الطبيعي" في البستنة. في فصل بعنوان "فارم فري"، نلتقي برائد الأعمال الفنلندي، باسي فاينيكا، الذي ابتكرت شركته الناشئة في مجال التكنولوجيا الغذائية دقيق البروتين من بكتيريا التربة. يشار إلى هؤلاء المنتجين في الغالب باسم "الفلاحين" أو "المزارعين"، إذا ظهر المزارعون في هذه الرؤية للمستقبل فسيكون ذلك في شراكة مع العلماء أو "صغار المزارعين "الذين يمارسون" الزراعة البيئية ذات العائد المرتفع".
على الرغم من أنه يعج بالأفكار والسخط، إلا أن كتاب "ريجينسيس" لا يفتقر إلى حس الفكاهة. كتب مونبيوت في مواجهة البرامج التلفزيونية الشهيرة التي تضفي طابعا رومانسيا على تربية الماشية، "إذا كانت بي بي سي أكثر حرصا على الأغنام لأصبح ذلك مخالفا للقانون". إذا كان الكتاب ينقصه شيء ما، فهو توفير مخرج، إن جاز التعبير، للمزارعين التقليديين. على الرغم من الاعتراف بأن "الثورة المضادة للزراعة ستكون مدمرة للغاية"، إلا أنه يشير إلى ما يزيد قليلا على إعادة توجيه الإعانات الحكومية "الضخمة" لتربية الماشية من "مساعدة الناس على البقاء في الصناعة إلى مساعدتهم على تركها".
وسواء تحققت تأكيدات مونبيوت في الأعوام المقبلة أم لا، فمن المنطقي بالتأكيد تشجيع المزارعين على عمل مزيد من أجل البيئة، بدلا من دفعهم نحو موقف عدواني منفر.
كان كتاب لانجفورد السابق "إن يور ديفينس"، الصادر في 2018، بيانا محزنا للغاية لإخفاقات نظام العدالة البريطاني، من خلال تجربتها الخاصة محامية جنائية وعائلية. مع كتاب "روتيد"، تتبنى لانجفورد - التي استبدلت بالقانون إدارة مزرعة عائلية في سوفولك - نهجا مشابها للتأكيد على الانفصال المتضخم بين سكان المدينة وسكان الريف، بين المزارع ذي الخدود الوردية، كما في الأسطورة الشعبية، وواقع الحياة القاسي الذي يواجه معظم المزارعين في المملكة المتحدة.
مثل فينيس، تسارع لانجفورد للإشارة إلى الضرر والنفاق الناجمين عن إلصاق جميع إخفاقاتنا البيئية الجماعية بالمزارعين، "قرأت وسمعت كثيرا من كلمات اللوم حول الزراعة، لكن القليل جدا عن المسؤولية". ومع معدل الانتحار لعمال المزارع الذكور في المملكة المتحدة الذي يبلغ ثلاثة أضعاف المتوسط الوطني للذكور، فهذه ليست مشاعر فارغة.
يناقض كتاب "روتيد" تجربة لانجفورد المكلفة، لكن المجزية، في الزراعة المتجددة في مزرعتها الخاصة مع مواقف عمها تشارلي "الداعم لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمتشكك في تغير المناخ"، الذي يشعر بالاستياء من النظر إليه على أنه شيطان لمجرد قيامه بوظيفته. ويلمح هذا إلى التحولات الزلزالية المقبلة، في بلد يقل فيه متوسط عمر المزارع عن 60 عاما، ومع ذلك تعد الزراعة واحدة من أسرع الموضوعات نموا في جامعات المملكة المتحدة.
يتبع أحد أكثر الفصول تأثيرا قصة ريبيكا وستيوارت، وهما زوجان دمرت أعمالهما في تربية الخنازير بسبب مأساة ومرض في العقد الأول من القرن الـ21، واللذان تغلبا على كثير من العقبات ليبدآ من جديد مع قطيع صغير من البقر الحلوب، مع التركيز على تحسين التربة والبيئة، وعلى متجر مزرعة ناجح.
كانت لانجفورد في بعض الأحيان شديدة الانغماس، في زيارة إلى لندن، تربط نفسها عن وعي "بالأجنحة التي تنبثق من حقول القش في هامبشاير، والضفادع التي تتكاثر في تيارات كومبريان، وشكل الأرنب الذي يجري في شريط الذرة في ريف إيست أنجليا". ودراما حياة الأفراد مبالغ فيها بعض الشيء. لكن كتاب "روتيد" يقدم منظورا منعشا لعالم ذكوري بأغلبية ساحقة، وتندمج القصص التي يحتويها في سرد قوي للنضال والابتكار.
على الرغم من أنه لا يقل تعاطفا مع المأزق الذي يواجه المزارعين، إلا أن نبرة فينيس كانت واضحة ومباشرة منذ البداية، حيث كتب في بداية كتاب "لاند هيلر"، "أعتقد اعتقادا راسخا أن العالم الطبيعي لم يفسد تماما. يمكننا إصلاحه".
ينتمي الكاتب لقبيلة فينيس الشهيرة. وفي حين أن شقيقه الأكبر رالف معروف جيدا بأدائه لأدوار شكسبير العظيمة، فإن جيك - بسحره الفظ والعادي إلى حد ما - ربما يكون شبيها بشخصيات فيلم غاي ريتشي، وإن كانت شخصية في ريف إيست أنجليا. عقب تربية ريفية، وقضاء فترة عمل في ملهى، انخرط في حماية الطرائد والمحافظة عليها لكن مع مرور الوقت طور اهتماما - ثم مهنة - في علم البيئة.
في فصل بعنوان "هيدج بورن"، يوضح أنه بدأ بتعزيز "رأس مال طبيعي" لإحدى المزارع الموجودة في الملكية، بدءا من ترك تقليم الأسيجة. وفي مكان آخر، يشرح بالتفصيل فوائد إنشاء هوامش غنية بالزهور وممارسة الحراثة الخفيفة بدلا من الحراثة العميقة.
يعترف فينيس بأنه ليس مزارعا ولا مالكا للأرض، لكن كتاب "لاند هيلر" من نواح كثيرة دليل عملي على "التغييرات الصغيرة التي يمكن أن تنقذ الريف". ومع ذلك، كان من الممكن أن يستفيد من حجة أكثر إقناعا بنيت حول تأكيد شركة كولن تابس وعلماء البيئة الآخرين على أن التنوع البيولوجي الإنجليزي بلغ ذروته في أواخر القرن الـ18، بعد أن تمت زراعة الأرض لآلاف الأعوام.
إذا كان هناك موضوع واحد اتفق عليه المؤلفون الثلاثة فهو أهمية التربة. يقدم نظام إيكولوجي معقد بشكل مذهل تم تجاهله، حتى وقت قريب جدا، التربة - وبشكل أكثر تحديدا، صحتها وخصوبتها - حلولا لكثير من المشكلات الملحة، من إنتاج الغذاء إلى الحفاظ على الحياة البرية وعزل الكربون. من الواضح أن التربة ستكون في صلب النقاش المستمر. كما كتب مونبيوت "المستقبل يكمن تحت الأرض". السؤال هو، ما هي الطريقة المثلى لاستخدام وحماية هذا المورد الهش؟
في الوقت نفسه، الأزمة الاقتصادية والإنسانية المتفاقمة في سريلانكا، التي تعود جزئيا للتحول التجريبي المفاجئ إلى الزراعة العضوية في 2021، تظهر أنه لا يوجد شيء يدعى الحل السريع. سيتعين على الزراعة أن تتكيف مع التحولات الدراماتيكية خلال الأعوام المقبلة التي تشمل تغير المناخ، ونقص الغذاء، والاضطرابات الجيوسياسية وتلك المتعلقة بالشركات ونزوات سياسة الحكومات الفردية. ستؤثر نتائج هذه التغييرات في حياة، ليس فقط المزارعين، لكن كل شخص على هذا الكوكب.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>