يشمل الإحساس لدى البشر الحواس الخمس المعروفة، وتلك الأقل شيوعًا، مثل العطش، والجوع، والتوازن. وتُشفَّر المثيرات التي تستشعرها المستقبلات الحسية في صورة إشاراتٍ كهربائية، تنتقل عبر المسارات العصبية إلى أجزاءٍ معينة في المخ، حيث تُحوَّل إلى معلوماتٍ مفيدة. والعملية برمتها معقدة.. فحاسة اللمس مثلًا تشمل أحاسيس عديدة، تتضمن الضغط، والألم، ودرجة الحرارة، وتُثار مستقبلات حاسة اللمس عبر مزيجٍ من الطاقات الميكانيكية، والكيميائية، والحرارية. وحتى الآن، كان من الصعب للغاية دمج أحاسيس اللمس في تقنيات الواقع الافتراضي، والواقع المعزز. غير أنه في بحثٍ نُشر مؤخرًا في دورية Nature، أفاد الباحث زينج يو وزملاؤه بتطوير تقنيةٍ مدمجة بالجلد، تُعرِّض المستخدِم لمؤثراتٍ معينة، مثل الضغط، أو الاهتزاز، أو الحركة، مما يتيح التواص بين المستخدِم، وآلةٍ لخلق تجارب بتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز (X. Yu et al. Nature 575, 473–479; 2019).
تتكون التقنية التي طوّرها المؤلفون من رقاقةٍ إلكترونية مرنة وخفيفة الوزن، تلتصق بالجلد، وتتوافق مع شكل الجسم بطريقةٍ ملائمة، وغير باضعة، وقابلة للنزع (شكل 1). وتحتوي الرقاقة على مجموعات من المحركات الاهتزازية، وهي مكونات ميكانيكية تحوِّل الطاقة الكهربائية إلى اهتزازات. ويتكون كل محرك منها من جزءين متصلين: ملف من الأسلاك النحاسية، محاط بقاعدةٍ محكمة من الأكريليك، ومغناطيس دائم، محمول على عارضةٍ من البوليمر. وحينما يمر تيارٌ كهربائي في الملف، يهتز المغناطيس بالتردد نفسه للتيار.
تبلغ كتلة كل محرك 1.4 جرام فقط، بأبعاد تُقاس بالملِّيمترات (يبلغ قُطْر المحرك من 12 إلى 18 ملِّيمترًا، وسُمْكه 2.5 ملِّيمتر). ونظرًا إلى أنَّ جلد الإنسان يمكنه استشعار أنماط لَمْس ناتجة عن مؤثراتٍ تقلّ أبعادها عن الملِّيمتر، فربما يمكننا التساؤل عمَّا إذا كان من الممكن تصغير أبعاد هذه المحركات، أم لا. اقترح المؤلفون طريقةً لتحقيق هذا، واختبروها عن طريق المحاكاة؛ ووجدوا أنَّ قُطْر كل محرك وسُمْكه يمكن في المستقبَل تصغيرهما بمقدار عشرة أمثال، وثلاثة أمثال، على التوالي.
تتمثل إحدى الميزات الرئيسة لجهاز يو وزملائه في أنَّ مجموعات المحركات تُدار ويُتحكم فيها لاسلكيًّا. وهكذا، فهي أقل تعقيدًا من المنصّات الإلكترونية القابلة للارتداء، التي تتطلب أسلاكًا موصلة، أو بطارياتٍ داخلية. تستخدم المنظومة هوائي استقبال رئيسًا لنقل الطاقة، وبضعة هوائيات أخرى للتحكم في المحركات وتشغيلها، إضافةً إلى هوائي وسيط؛ لتعزيز الطاقة التي يحصل عليها النظام من الهوائي الأساسي. وقد وجد يو وزملاؤه أنَّ إضافة الهوائي الوسيط زادت الطاقة التي يجمعها النظام بمقدار ثلاثة أمثال. وأجرى المؤلفون عمليات محاكاة، للتأكد من أنَّ جهازهم متوافق مع إرشادات هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، وإدارة الدواء الفيدرالية، فيما يتعلق بالمستويات الآمنة للتعرض للإشعاع، وامتصاص الأنسجة له.
ويتعين أن تقلّ المسافة بين مصدر الطاقة والجهاز عن متر تقريبًا، مما يجعل تلك التقنية ملائمةً لتطبيقاتٍ معينة في تقنيات الواقع الافتراضي، والواقع المعزز. وقد ضرب يو وزملاؤه ثلاثة أمثلة محددة لتلك التطبيقات: في المثال الأول، تلمس فتاةٌ شاشةً تعرِض بَثًّا حيًّا لجدتها، فتشعر الجدة بلمسات الفتاة من خلال أجهزةٍ مثُبتة على يدها وذراعها. وفي المثال الثاني، يلتقط رجلٌ بُتِرَ الجزء السفلي من ذراعه جسمًا بواسطة ذراعٍ صناعي ذي يدٍ آلية، فيُوَلِّد جهازٌ مُثبت على الجزء العلوي من ذراعه نمطًا من الأحاسيس يحاكي شكل الجسم. أما في المثال الثالث، فيرتدي شخصٌ يلعب لعبةً قتالية إلكترونية عدةَ أجهزة في مواضع مختلفة من جسمه، وتُفعَّل هذه الأجهزة عندما تُوجَّه ضربةٌ إلى الجزء المطابق من جسم شخصيته في اللعبة.
وهذه التقنية لا تخلو من العيوب.. فعلى سبيل المثال.. يُشغَّل كل محرك بواسطة تيارٍ ثابت، يبلغ حوالي 5 ملِّي أمبير، وهي قيمة مرتفعة نسبيًّا، مقارنةً بتلك المستخدَمة في الأجهزة الإلكترونية الرقمية الأخرى المصمَّمة للاستخدام الشخصي. وبالإضافة إلى ذلك.. قد تؤثر الطاقة المنبعثة من المكونات الأخرى في صورة حرارة على أداء المحركات، وقد تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الجلد، إذا لم تُبَدَّد تلك الحرارة بطريقةٍ فعالة. ورغم أنَّ المحرك المستخدَم في أعلى درجات كفاءته لا يحتاج سوى 1.75 ملِّي واط من الطاقة، ما زال إجمالي استهلاك هذه التقنية من الطاقة يمثل إحدى العقبات الرئيسة، التي تواجه تشغيلها لاسلكيًّا باستدامة واستخدامها في تطبيقاتٍ عملية. ويمكن أن يكون تصغير المحرّكات وسيلةً مجدية لمعالجة هذه المشكلات، حسبما يشير المؤلفون.
في عام 2002، ألهم الكثيرين ابتكارٌ ذكي قابل للارتداء، عُرف باسم «قميص المعانقة»، يسمح بإرسال العناق عبر المسافات بنفس سهولة إرسال الرسائل النصية أو المحادثات (انظر: go.nature. com/32kg1oz). هذه التقنية مزودة بأجهزة استشعار مدمجة، تستشعر قوة اللمسات، ومُدّتها، ومكانها، بالإضافة إلى دفء الجلد، ومعدل ضربات قلب المرسل، ثم تُشفِّر هذه الإشارات. ومن خلال اتصالٍ لاسلكي ودائرة تحكُّم، تُفَكّ شفرة هذه الإشارات، للتحكم في محركاتٍ تعيد إنتاج أحاسيس العناق؛ ليشعر بها المستقبِل. ويشير كلٌّ من «قميص المعانقة»، وجهاز يو وزملائه إلى أنَّ استخدام أحاسيس اللمس في تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز ما زال في بدايته، وأنَّه بإمكاننا توقُّع المزيد من التقدم المذهل في هذا الصدد في المستقبَل.
شياو مينج تاو يعمل في مركز أبحاث التقنيات الذكية القابلة للارتداء، الكائن في معهد المنسوجات والملابس في جامعة هونج كونج للعلوم التكنولوجية والتطبيقية، كاولون، هونج كونج.
البريد الإلكتروني: xiao-ming.tao@polyu.edu.hk
|