فن الحكي الشعبي من التراث الشفهي الى التوثيق الرقمي

25-06-2023 08:01 AM - عدد القراءات : 1183
كتب د.عادل عبد الصادق*
أتاحت المنصات الرقمية فرص جديدة لنقل البيانات والمعلومات و المعرفة والحكمة لتشكل هرم جديد يتطور من القاعدة الى القمة ، وأصبحت تتدرج المجتمعات الانسانية وفق قدرتها على المساهمة في حضارة العصر الرقمي ، وأثرت المنصات الرقمية على عملية التفاعل بين تلك المتغيرات الجديدة و التراث الشعبي ،وجاء ذلك في ظل العلاقة التاريخية بين التقنية والثقافة
فن الحكي الشعبي من التراث الشفهي الى التوثيق الرقمي

 ،والتي  بدأت منذ اكتشاف الانسان الكتابة على الحجر الى اختراع الورق والطباعة ثم اختراع الراديو والكاسيت والتلفزيون ثم جاءت الحلقة الأخيرة من التطور من خلال اختراع الانترنت وتطبيقاته المختلفة والتي تنوعت من المنتديات ثم المواقع الالكترونية ثم المدونات ثم جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية ،وبرزت امام الدول والمجتمعات والافراد فرص جديدة لتحقيق مكاسب مادية واخرى معنوية ،واصبح "الفرد" الذي يمتلك القدرة على الاتصال بالانترنت وهاتف لدية الفرصة في التأثير والتعبير ،
عبر  الانماط الجديدة التي اتاحتها المنصات الرقمية للتعبير عن الراي والمشاركة والحشد والتعبئة .بل وكذلك صياغة المحتوى  سواء اكان في شكل صور او فيديوهات او نص ، وهو ما يعزز  من فرص انتشاره  وتاثيره عبر الملايين من المستخدمين للانترنت والشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية  ، والتي أحدثت تطورا هاما في إتاحة فرص نقل الحكي الشعبي من النمط الشفهي إلى التسجيل الرقمي.
وبدأ يأخذ الادب والفن والامثال والاغاني الشعبية والتراثية وكافة الانماط الثقافية شكلا ومضمونا جديدا عبر التحول الرقمي للمحتوى ، والذي ارتكز على نقل ذكريات ومشاعر وافكار ومأسي الانسان وخواطره نحو المستقبل واحلامة من صيغة شفهية الى اخري رقمية ، وهو الامر الذي عمل على نقلها وانتشارها من القاع الى القمة ومن الهامش الى بؤرة الاهتمام ومن خطر الاندثار الى الحفظ الرقمي ، ومن مخاطبة المجتمع المحلي الى مخاطبة المجتمعات الاخرى عبر الحدود، وهو الامر الذي يكون له دور في احداث تغيير ثقافي واجتماعي عميق داخل المجتمع المحلي .
وجذب ذلك افراد أصبح لهم  دور في التأثير في الثقافة الشعبية من جهة وفي صعود انماط جديدة من  الثقافة الشعبية  غير الرسمية ، والتي كانت تعاني من التهميش ، بينما وفرت لها المنصات الرقمية فرص الاحياء والعودة وان يكون لهؤلاء المؤثرون الجدد صوتا وبوقا  لم يتوافر لمن قبلهم .
وتتميز تلك المنصات الجديدة بانخفاض التكلفة وسهولة الاستخدام وامكانية اخفاء الهوية الشخصية بما يعمل على تجاوز الحاجز النفسي امام الفضفضة والتكلم والحديث  ،وأصبح لذلك توظيف في مجال التعبير عن الشكوي اوالاحتجاج  اوالتعبري عن  الالام او الطموح او الموهبة ، وكان من ابرز ذلك اعادة رقمنة الحكايات والاغاني الشعبية والتراثية  كانت تنتقل عبر الاجيال شفويا وعبر منصات اجتماعية واقعية " الحارة"و"المقاهي "والمصطبة"،"القعدة"  "المناسبات" الاجتماعية "و"الدينية ".
وظهر تراث محكي وشفهي للسكان المحليين والمناطق النائية البعيدة عن الحضر ومراكز الاعلام والتاثير في العاصمة ، واصبح لتلك المنصات الرقمية دور  في عملية إنتاج الرموز والقيم والثقافة وحفظها وتخزينها ونقلها، وكذلك دور مهم في تسويقها والمساهمة في تصاعد  قدرة الفاعلين الثقافيين التقليدين من جهة ، و ظهور فاعلين جدد في العملية الثقافية من جهة اخرى ،وادت زيادة حركة التفاعلات الثقافية لبروز  ظواهر جديدة تعكس طرق معالجتها انماط الفكر والثقافة الشعبية المتداولة ، وحالة التــأثير بحالة الانفتاح ما بين الداخل والخارج  وبين الخاص والعام.
واتاحت المنصات الرقمية فرص حفظ التراث الشعبي  بصيغة رقمية وليس فقط بصورة مادية عبر المعابد والمتاحف او المقتنيات الاثرية ،  والذي كان عرضة في جزء منه ليس بقليل إلى الطمس أو التشويه أو النسيان ، ووقف وراء ذلك عوامل مختلفة  تتعلق بتعرض تلك البلدان إلى حملات للغزو الخارجي  استهدف التاثير على الهوية الوطنية ومحاولة طمسها أو تغييرها ، او من خلال  فرض لغات أجنبية في التعليم وفي التعامل التجاري والرسمي  ، ويأتي الى جانب ذلك  عدم وجود تقدم في مجال التوثيق والكتابة للتراث الشعبي المحكي، و الذي كان يعبر عن الخبرات التاريخية للشعوب و العقل الجمعي والثقافي ، وكان ذلك التراث  يساعد في  نقل الخبرات والقيم والثقافة من جيل إلى جيل.
وجاءت الثورة الرقمية وما وفرته من منصات للراي والتعبير لتضفي تطورا مهما في ليس فقط في نقل الحكي الشعبي بل كذلك في ظهور فاعلين ثقافيين جدد في المجال العام ، وفي اثراء الحكي الشعبي عبر انتشارة وتعرضة للتفاعلات المستمره عبر الشبكات الاجتماعية ،  وهو ما أدي إلى تنوع المادة الحكاية ما بين الواقع والخيال وتطوير طرق عرض الأحداث والشخصيات وتطوير الخطاب واللغة المحكي بها ،،وهو ما احدث نقله ثورية في عملية أنتاح الحكي الشعبي وزيادة الفاعلين في إنتاجه وإتاحة الفرصة لبروز حكائين محليين إلى الواجهة وتصاعد الثقافات المحلية مقابل محاولات الطمس من قبل ثقافة مركزية مهيمنة.
،وقد تشكلت عدة عناصر من الحكي الشعبي والتي تشمل طبيعة المحتوى والتعامل معه ومن جهة أخري توفير أدوات نقل الحكي الشعبي وحفظة وانتشاره ونقله ، ومن جهة اخرى انتاج محتوى ثقافي أخر  يعبر عن التراث والقيم المحلية ، واتاحة الفرصة لصعود فنانين مهمشين الى بؤر الـتأثير  ، وبخاصة مع سهولة نقل الرموز والمفردات الثقافية من مكان الى اخر بما يعزز من القوة الناعمة الوطنية ، ويعزز قيم الانتماء والمكانة  والكرامة الوطنية .
وعلى النحو الذي يجعل أية ثقافة محلية غير قادرة على إنتاج ذاتها أو نشر رموزها تكون عرضة للانقراض والتماهي وإتاحة الفرصة لإحلال ثقافات أخري وافده وهو ما يؤدي إلى إضعاف المجتمع في تماسكه وقيمه ، وأتيحت الفرصة لسماع صوت المهمشين في المناطق النائية والبعيدة عن مركز الضوء والسلطة سواء في العاصمة أو المدن ،
وأدت عملية إدخال الأدوات الجديدة إلى بروز ظاهرة ثقافة الهامش وتحولها إلى المركزية والى نقل الحكي الشعبي بأدوات جديدة ومتنوعة بتنوع المناطق واللهجات والعادات والتقاليد والكشف عن هويات جديدة لم تكن شائعة من قبل ، والدفع برموز جديده من الحكي الشعبي.
ويوجد ميل فطري لدى الإنسان على مر التاريخ في الحكي والقصص والتي تعبر عن تجارب ذاتية او اجتماعية  تتعلق  بالحياة اليومية وتتكون عناصرها من مقدمة وحبكه ونهاية لكل قصة والميل بشكل تلقائي إلى إضفاء عناصر التشويق والإثارة وشد الانتباه ، وتساعد عملية الحكي الشعبي في نقل القيم والمعارف من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر أخر، وظهرت مع تنامي دور المنصات الرقمية دور الصفحات عبر الشبكات الاجتماعية او قنوات على اليوتوب او عبر شن الحملات عبر الهاشتاجات .
وهو ما يساعد في بناء شخصية الفرد وتشكيل النسق العقيدي لدية ، وقد يتم الاعتماد على النقل الشفهي وتساعد في تنمية الخيال وبناء العزة الوطنية وتوسيع المدارك وغرس القيم الاصيله وتشكيل الهوية الثقافية وتنمية المعارف اللغوية والتي إن تم استخدام الثورة التكنولوجية بشكل جيد ستتاح الفرصة لتعظيم المكاسب في صالح الهوية والثقافة الوطنية .وبخاصة مع تميز مصر بتنوع  حضاري  ممتد انعكس على ضخامة وثراء التراث الشعبي الجمعي او المناطقي ، وتشهد مصر  تنوع ثقافي تشكل عبر فترات تاريخية ممتدة  
مدير المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني*



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>