وتأتي مرحلة الاختبار فيما بلغت قيمة العملة المحلية أدنى مستوى لها مقابل الدولار منذ مارس العام الماضي، بعد أسابيع على إطلاق موسكو حملتها العسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا.
وبينما تفكّر السلطات الروسية في إطلاق عملة رقمية منذ سنوات، فإن تطوير الروبل الرقمي بدأ بعدما منعت العقوبات الغربية موسكو من الوصول إلى أجزاء من النظام المصرفي العالمي.
وتنضم روسيا بذلك إلى 20 دولة أخرى حول العالم دخلت المرحلة التجريبية لإطلاق عملة رقمية، وفق إحصاء المجلس الأطلسي للأبحاث.
ويقول الخبراء إن هدف موسكو يبدو واضحا وهو جعل أنظمتها المالية أكثر مرونة والحد من تأثير القيود الدولية.
وقال مؤسس صندوق آرك 36 الاستثماري المتخصص بالعملات المشفّرة ميكيل مورش لوكالة فرانس برس إن الروبل الرقمي “سيعزز قدرة روسيا على الالتفاف على العقوبات”.
وأشار إلى أن الخطوة ستسمح لروسيا بتجنّب المصارف حيث تواجه قيودا، كما أن “فرض العقوبات ومهاجمة (سلاسل الكتل) يعد أمرا أقل سهولة”.
ومُنعت معظم البنوك الروسية من الوصول الى النظام الرئيسي المستخدم في التعاملات المالية الدولية، مما دفع موسكو للبحث عن وسائل أخرى لفك ارتباطها بالدولار.
ولفت مورش إلى أن إحداث عملة رقمية يأتي في إطار “حرب جيوسياسية بين الدول المؤيدة للدولار وتلك المناهضة له”، إذ تحاول الأخيرة التخلي عن العملة الأميركية في التعاملات التجارية.
وفي أكتوبر 2020، أعلن البنك المركزي الروسي أنه يسعى لروبل رقمي “لجعل عمليات الدفع آمنة ومحمية وسريعة ومريحة ويمكن الوصول إليه لأيّ فرد في أنحاء روسيا”.
لكن مورش أشار إلى أن رقمنة الروبل ستمنح السلطات أداة “سيطرة هائلة” على الروس.
وحذّر من أنه يمكن أن يُستخدم كـ”أداة للسيطرة الاجتماعية المطلقة”، إذ يعطي الحكومة سلطة إصدار غرامات أو تجميد أصول “بكبسة زر”.
ويشرف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (أف.أس.بي) على سلامة الهيكل المالي للروبل الرقمي. وحذّرت منظمات غير حكومية بالفعل من احتمال إساءة استخدامه.
تطوير الروبل الرقمي بدأ بعدما منعت العقوبات الغربية موسكو من الوصول إلى أجزاء من النظام المصرفي العالمي
وقال باحثون من المجلس الأطلسي “لدى وقوعها في الأيدي الخاطئة، يمكن أن تُستخدم هذه البيانات للتجسس على التعاملات المالية الخاصة للمواطنين”.
ويبدو أن الروس لم يقتنعوا بعد بفكرة استخدام الروبل الرقمي، إذ يبدي العديد منهم قلقا حيال مدى فعاليته وأمانه.
وأشار استطلاع لمعهد فكيوم التابع للدولة إلى أن ستة من كل عشرة روس لديهم “فهم ضعيف” لأهداف الحكومة وغير مستعدين لاستخدام العملة.
وأوضحت خبيرة الاقتصاد صوفيا دونيتس أن الشركات والمواطنين الروس العاديين لن يشعروا على الأرجح بتغيير كبير في الحياة اليومية خلال مرحلة الاختبار.
ورغم المخاوف من إمكان استغلال الخطة، قالت دونيتس إن موسكو تحاول “عدم التخلّف عن الركب في السياق (المالي) العالمي”.
وفي مسعى لإقناع الروس المشككين بالعملة، تعهّدت السلطات أن استخدامها سيكون طوعيا فيما شددت على أنها ستجعل حياة المواطنين أكثر سهولة وراحة.
ولفت النائب البارز أناتولي أكساكوف إلى أن العملة الرقمية ستتيح للوالدين السيطرة على كيفية إنفاق أبنائهم لمصروفهم الشخصي بشكل أفضل.
وقال “على سبيل المثال، ستعطي المال لطفل يرتاد المدرسة وتقول له إنه لا يمكنه إنفاقه إلا لشراء الفطور والكتب أو الدفاتر.. بغض النظر عن مدى رغبة المستخدم في إنفاق المال لأغراض أخرى، لن يكون بإمكانه القيام بذلك”.
وأكد صندوق النقد الدولي في تقرير العام الماضي أن العملات المشفرة أكثر رواجا في دول يُنظر إليها على أنها فاسدة أو لديها ضوابط صارمة على رأس المال، ما يعزّز الحاجة إلى زيادة مستوى تنظيم الصناعة.
|