المقالات -
تركيا الجديدة واستخباراتها.. من أين.. إلى أين ؟

: 485
الاثنين,29 سبتمبر 2014 - 01:03 م
جمال طوبطانجي

قبل سنوات تم اختطاف إحدى الطائرات التابعة للخطوط الجوية التركية أثناء قيامها برحلة بين مديننتي "إسطنبول - ديار بكر"، وتوجه خاطفوها بها إلى بلغاريا. وذكر صديق لي كان مسافراً على متن الطائرة المختطفة، أن الرحلة كان بها أمريكيان عاملان في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

تركيا الجديدة واستخباراتها.. من أين.. إلى أين ؟
اضغط للتكبير

خاص ترجمة وتحرير – تركيا بوست
قبل سنوات تم اختطاف إحدى الطائرات التابعة للخطوط الجوية التركية أثناء قيامها برحلة بين مديننتي "إسطنبول - ديار بكر"، وتوجه خاطفوها بها إلى بلغاريا. وذكر صديق لي كان مسافراً على متن الطائرة المختطفة، أن الرحلة كان بها أمريكيان عاملان في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وفيما يلي نص ما قاله لي: "عندما علمنا أن الطائرة تم اختطافها، كان بعض الركاب يبكون، والبعض الآخر يدعو الله أن تتم نجاتهم، لكننا لاحظنا أن الأمريكيين لم يصدر عنهم أية ردة فعل أو تأثر حيال الحدث. وفي نهاية المطاف وصلت الطائرة إلى مطار مدينة "صوفيا" العاصمة البلغارية، وبينما كنا ننتظر عودتنا إلى مدينة "إسطنبول"، سألنا الأمريكيين عن سر عدم تأثرهما بما يتناسب مع حادث الاختطاف فردا علينا قائلين: نحن واثقون دائماً أن بلدنا ستفعل كل ما في وسعها من أجل إنقاذنا، لذلك لسنا بحاجة إلى الخوف والبكاء والتأوه مثلكم".  
وبدأنا عقب ذلك نطرح على أنفسنا أسئلة مفادها: من أين إلى أين؟ ومن تسببوا في تعرضنا لحالة من اليأس والذل في الماضي؟ ولماذا لم يجعلنا القادة السابقين نشعر بنفس حالة الثقة والأمان التي كان يشعر بها الأمريكيان المذكوران؟ لماذا لم نشعر بنفس ما شعرا به طيلة تلك السنوات التي مضت؟ فلقد كانت هذه الأسئلة الرئيسية هي التي تدور في خلدنا...

مؤخراً عاد إلى أرض الوطن 49 مواطناً تركياً من العاملين في قنصليتنا بمدينة "الموصل" العراقية بعد 102 يوماً من الاحتجاز لهم من قبل تنظيم "داعش"، وكانت عودتهم أصحاء سالمين مثار فخر لنا. وقد توجه رئيس وزرائنا وأهالي المختطفين وذويهم إلى مطار "شانلي أورفا"، ومعهم الورود ليستقبلوهم لدى عودتهم، ثم انتقلوا جميعاً عقب ذلك إلى العاصمة "أنقرة" على متن طائرة واحدة.
وكانت مسألة تحرير المواطنين الأتراك مادة رئيسية في الصحف ووسائل الإعلام العالمية، فها هي الـ "بي بي سي" البريطانية تقول: "إطلاق سراح الرهائن الأتراك الذين احتجزهم تنظيم "داعش"، وكان لهيئة الاستخبارات التركية دور بارز في تحريرهم".
أما وكالة "رويترز" فقالت: "إطلاق سراح الرهائن الأتراك الذين كانوا محتجزين شمال العراق، والاستخبارات التركية كانت الجهة الفاعلة في إطلاق سراحهم".
وعلى نفس المنوال قالت "أشوسيتد برس": "إطلاق سراح 49 رهينة تركية، تم تحريرهم بعملية ناجحة تم تنفيذها بشكل سري للغاية، العملية أشرفت عليها الاستخبارات التركية، وعاد المواطنوان الأتراك جميعاً إلى بلادهم ، والبلاد تشهد حالة عارمة من الفرح والسعادة".
أما الـ "سي إن إن" فقالت: "أعلن الرئيس التركي "أردوغان" أن الرهائن الأتراك الـتسعة و الأربعين عادوا إلى أرض الوطن بعد تحريرهم بعملية لهيئة الاستخبارات التركية".
وأخيراً قالت "ديلي ميرور" البريطانية: "تحرير 49 رهينة تركية بدون دفع أية فدية لإطلاق سراحهم".

وهكذا نرى أن جميع الصحف أجمعت على أن الاستخبارات التركية كان لها الفضل الأكبر في إطلاق سراح الرهائن.
وهكذا يمكنني أن أستوعب بشكل كبير سر انزعاج الكثير -وعلى رأسهم "إسرائيل"- من وضع "حقان فيدان" ابن الأناضول على رأس هذا الجهاز المهم للغاية، ذلك الرجل الذي تصدى لامتدادت "إسرائيل" داخل تركيا. وكما نعلم جميعا فإن هيئة الاستخبارات التركية أحد المؤسسات المهمة في البلاد. لكن في الماضي كان الغموض يكتنف أعمال ذلك الجهاز بشكل مرعب للغاية، لدرجة كانت تجعل الشكوك تدب فينا نحن أبناء الوطن.

وقد ظلت هيئة الاستخبارات على ذلك الحال حتى بداية فترة "حقان فيدان". وكانت من قبل تبث فينا الرعب بشكل مقزز. فقد عاش سكان مناطق شرق، وجنوب شرق البلاد في رعب طيلة تلك الفترة.
وكان سبب خوفنا واشمئزازنا هو النظرة التي كانت توليها تلك الهيئة للمسلمين المتدينين، والأكراد، واهتمامها بهما لدرجة جعلتنا نعتقد أنه قد تم تأسيسها من أجل هذين الكائنين فحسب. كما أنها كانت تقوم بتنفيذ عمليات كانت تجعلنا نتأكد من ذلك عملياً. فلم يكن يخلُ أي مسجد من مساجدنا من عميل أو جاسوس تابع لتلك الهيئة، وكنا على علم بأن ذهاب هؤلاء الجواسيس إلى المساجد، لم يكن لورع أو تدين لديهم، وإنما من أجل كتابة تقارير ومذكرات بحق المسلمين المتدينين من مرتادي المساجد.

ثم جاء عقب ذلك انقلاب 12 أيلول الفاشي الذي أكد بكل ما قام به، ما كان لدينا من شكوك حول هيئة الاستخبارات. وكان السبب في اشمئزازنا من أي شخص نعلم أنه من هيئة الاستخبارات التركية في ذلك الوقت، هو الخوف والاستهجان الذي بثته الهيئة برمتها فينا. ولعل كون الاستخبارات التركية في الماضي دعامة وركيز للاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" و"الإسرائيلية الموساد"، يفسر لنا ما كانت تقوم به من عمليات في ذلك الوقت تصل لدرجة الخيانة وفقدان البصيرة.
ومن الأسباب الأخيرة التي وصلت بتلك الهيئة التي كانت تعمل فقط على الساحة الداخلية، إلى ما هي عليه في تلك الفترة، هو أن الأشخاص الذين كانوا يتبوؤون أعلى المناصب بها أناس ذوو خلفية عسكرية، فضلاً عن أنها كانت تقوم بعملها في ظل الوصاية العسكرية. ولعل التعليم العلماني الذي تلقاه هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يتولون أمرها، كان سبباً في اتجاههم نحو اقتلاع مواطنيهم من كياناتهم العرقية، والتعامل معم بلا رحمة أو شفقة.

لكن المرحلة التي بدأت مع "حقان فيدان"، كانت بمثابة ميلاد جديد لهيئة الاستخبارات التركية التي أصبحت -ربما لأول مرة في تاريخنا- صاحبة عقيدة وطنية، وأصبحت -بهيكتلها الجديدة التي تمت في هذا الاتجاه- تمثل تهديداً كبيراً للغرب، ولجهاز الاستخبارات "الإسرائيلي" بشكل خاص؛ لأن الهدف الرئيس لتلك الهيئة التركية بات منصباً على مكافحة كافة شبكات الخيانة التي من شأنها إزعاجنا بما لها -أي تلك الشبكات- من وجود خارج حدود تركيا، ولم يعد هدفها هو الاهتمام بالحشائش المتفرقة والضارة داخل البلاد.

لهذا السبب سنقول انطلاقاً من هيئة الاستخبارات التركية وحدها : "تركيا الجديدة هي التي تدير نفسها بنفسها"، فهذا هو التوصيف الوحيد الذي يليق بتركيا الجديدة. وبهذه المناسبة أُهنئ مرة ثانية رئيس الاستخبارات "حقان فيدان" والفريق الذي يعمل معه، وأتمنى لهم التوفيق في أعمالهم داخل البلاد وخارجها.

جمال طوبطانجي – تايم ترك



Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ