المقالات -
ثورة الإنترنت وأثرها في الرأي العام

: 489
الاربعاء,22 اكتوبر 2014 - 12:46 م
روجر أوين

استغرق أشخاص أمثالي ينتمون إلى الجيل الأكبر سناً، وقتاً لا بأس به للاعتياد على الوسائط التفاعلية، مثل موقع «فايسبوك» والتغريدات والمدوّنات،

ثورة الإنترنت وأثرها في الرأي العام
اضغط للتكبير

استغرق أشخاص أمثالي ينتمون إلى الجيل الأكبر سناً، وقتاً لا بأس به للاعتياد على الوسائط التفاعلية، مثل موقع «فايسبوك» والتغريدات والمدوّنات، لا سيّما أنّ تكنولوجيا الإنترنت تتطوّر بسرعة فائقة، خصوصاً -على ما يبدو- خلال أزمنة الأزمة الاجتماعية مثل تلك التي أدّت إلى اندلاع الربيع العربي، وبالتالي رحّبت بارتياح كبير بالكتاب الجديد الذي عمل عليه كل من ليلى هادسن وعادل إسكندر بعنوان «خيالات الشعوب، القوة الناعمة ونظريات المعرفة عشية الانتفاضات العربية» والصادر باللغة الإنكليزية عن دار النشر «بالغرايف/ ماكميلان».

أنصح بقراءة هذا الكتاب أيّ شخص يرغب في الحصول على مقدّمة إلى هذا الموضوع الضخم والمعقّد والموجود على مستويات عدّة والذي لا يمكن فهمه إلا من خلال الاطلاع على عدد من المفاهيم والمفردات التقنية الجديدة، الأمر الذي لا يعدّ سهلاً. يتألف الكتاب من 15 فصلاً من إعداد خبراء مختلفين. لكن، من خلال وضع التطوّرات التي يصفها الكتاب ضمن إطار عمل تاريخي أوسع، نرى أنه يقدّم طريقة لغير الخبراء أمثالي لفهم النقاط الأساسية الخاصة بالأحداث الدائرة.

وقد تمّ وصف عدّة عمليات أساسية حاصلة. أولاً، كما هو الحال في أي مكان في العالم، شهدنا عقدين أدت فيهما ثورة الإنترنت إلى ولادة مواقع التواصل الاجتماعي التفاعلية والعالمية الجديدة التي نعرفها، مثل «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب». ثانياً، ترافق ذلك بتراكم تدريجي لما وصفه المؤلفون بتطوّر الممارسات والبنى والتكنولوجيات والأمور الشخصية الجديدة وغير المرتبطة كثيراً بالوسائط القديمة، مثل التلفزيون والنفاذ إلى الإنترنت والتدوين الفردي بطريقة تعيد ضبط ثقافة الرأي العام العربي والطرق التي سعت فيها الأنظمة إلى استخدام هذه الظواهر والسيطرة عليها من خلال الاستعانة بتكنولوجيات مراقبة جديدة مستوردة بشكل كبير من الولايات المتحدّة.

نتيجة لذلك، ثمة جمهور معزول يشاهد التلفزيون بكثرة من جهة ومن جهة أخرى ثمة نخب ضليعة بالوسائط الرقمية وبوسائل الإعلام، بعضها مرتبط بالدولة وكلّها تتنافس من أجل كسب قلوب المواطنين غير الفاعلين وعقولهم. والملفت هو كيفية تقسيم الجمهور الذي يستخدم المدونات العربية إلى جماهير مضادة متشابكة بعضها مع بعض تمّ تحديدها على أنها مرتبطة بالإسلام والديموقراطية أو بالاثنين معاً بطريقة غريبة.

وثمة حجتان أساسيتان ومزعجتان. تفيد الأولى بأنّ إعادة ضبط ثقافة الرأي العام العربي على رغم أنها تؤدي إلى تحرك اجتماعي شعبي، مثل انتفاضات عام 2011، لم تكن ولا يمكن أن تكون فاعلة في استئصال الاستبدادية على المدى الأطول. تفيد الحجة الثانية بأنّ العملية برمّتها ترافقت بازدياد مراقبة النظام لحياة مواطنيه.

أما بالنسبة إلى المستقبل، فقد انقسم المساهمون، كما هو الحال في أمكنة أخرى من العالم، حول وعود ومخاطر واقع توفِّر فيه مجتمعات الإنترنت قنوات جديدة لأصوات المواطنين ووجهات نظر الأقليات وحشد الرأي العام. وفيما يراها البعض قوة لتحرير الأفراد من القيود العامة الاعتيادية، يقلق آخرون بشأن إنشاء جماهير مصغرة مختلفة ومعزولة وبشأن القوى الكبيرة التي يمكن أن تصل إليها الأنظمة الديكتاتورية من أجل الحدّ من هذه الحريات من خلال أشكال جديدة من التدخّل.

ويحصل ذلك كلّه على مستوى عام. والملفت أكثر هو الأمثلة التي قدمتها الأبحاث المفصلة حول مختلف وجوه كرة المدونات العربية بالاستناد إلى واقع مفاده أنّ عدداً كبيراً من الشباب يستخدمون اليوم مدوناتهم لتدوين يومياتهم الشخصية ويفكرون علناً بشأن مواضيع خاصة مثل الأمور التي يحبونها والأمور التي يكرهونها في حياتهم كأشخاص عازبين في أغلب الأحيان. تتضمن المواضيع الأخرى معلومات حول ألعاب الفيديو التفاعلية والتشجيع الذي يحصلون عليه من الحركات الدينية والجمهور الذي يشاهد برامج الدراما على التلفزيون واستخدام اللغة الإنكليزية ونشر الفتاوى.

ولفتني كثيراً في إطار هذا البحث دراسة تشمل مجموعة من المدوّنين من 18 دولة عربية قام الباحثون بتقسيمهم إلى ما يسمونها «مراكز متناسقة» مؤلفة من أفراد مرتبطين بسلسلة مشتركة من العقائد والمخاوف، مع العلم أن المراكز الكبرى موجودة في مصر والكويت والمملكة العربية السعودية. وكشفت الدراسة مثلاً أنّ نصف المدونين المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة هم من النساء. ومن ثمّ، في ما يتعلّق بالمواضيع التي تحدث عنها المدونون، أشارت الدراسة إلى أنّ 64 في المئة منها مرتبط بالمشاكل الداخلية و46 في المئة بالأخبار الدولية، فيما تشمل المواضيع العامة الأخرى الاقتصاد والإصلاح السياسي والأقليات الإثنية والدين والنساء.

ما الذي يعنيه ذلك كله؟ لا شكّ في أنّ عدد الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا سيزداد بشكل كبير. ومع الوقت، سيتقلص عدد الأشخاص الكبار في السن الذين يزيد عمرهم عن ستين سنة ولا يستخدمون الإنترنت بهذه الطريقة ولا يهتمون بها. كما يمكن التحكّم بعدد من الأشخاص بدءاً من الأهالي وصولاً إلى معلنين تجاريين وأعضاء في أجهزة الأمن في الدولة الذين يفكرون في طريقة لاستغلال المعرفة القليلة التي يملكونها لسبب أو لآخر. بالتالي، يرغب الأهالي في الحصول على تطبيقات تسمح لهم بمراقبة ما يراه أولادهم وما يقولونه. فيما يفتح ذلك نافذة بالنسبة إلى المعلن الواعي على الأذواق والرغبات الفردية، من أجل تحسين رسائلهم. في هذا الوقت، ستحاول الأنظمة العربية توظيف أفضل الخبراء الشباب في مجال الرياضيات الذين يتخرجون من الجامعات لمساعدة الحكام الأكبر سناً على فهم كيفية إدارة شريحة من شعبهم تشكّل في الوقت الحالي لغزاً بالنسبة إليهم، كما تشكل لغزاً بالنسبة إلي.

 

 

* أكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد



Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ