المقالات -
بين اعلان دمشق واعلان القاهرة والبحث عن مخرج آمن للازمة العربية .

: 4533
السبت,1 اغسطس 2015 - 10:45 م
د.عادل عبد الصادق *

في زيارة سريعة الى جمهورية مصر العربية قام العاهل السعودي بالاتفاق مع الرئيس المصري على توقيع اعلان القاهرة هكذا سمى ، وهو ما ياتي في شبية باعلان دمشق ما الفارق والذي تم الاتفاق فية على تشكيل قوات عربية تحل محل القوات المشاركة في تحرير الكويت في مارس 1991 . ولعل اهم عناصر الاتفاق هو طبيعة التغييرات في المنطقة ودور كلا من الاعلانيين في وضع سياسة عربية في مواجهة التدخلات الخارجية

بين اعلان دمشق واعلان القاهرة والبحث عن مخرج آمن للازمة العربية .
اضغط للتكبير

واستهدف اعلان دمشق في حينه العمل على اقرار نظام امني ودفاعي وتعاوني عربي جديد في منطقة الخليج ، وكان نواه هذا الاعلان تعتمد على القوات السورية والمصرية.والذي نص على " ان القوات المصرية والسورية التي تواجدت انذاك على الاراضي السعودية والكويتية، بصفتها جزءا من قوات التحالف الدولي، ستشكل نواة لقوة سلام عربية، تضمن امن الدول العربية في منطقة الخليج وسلامتها.
، وكان الاعلان في وقته قدم حلولا وامتلك نظرة استراتيجية لما يمكن ان تؤول الية المنطقة اذا لم يتم اتخاذ خطوات جدية تواكب حجم المخاطر ، ولكن للاسف لم يكتب له النجاح بعد قيام الكويت في حينه بعقد اتفاقات عسكرية دفاعية مع الولايات المتحدة واعتراض ايران وبالطبع الولايات المتحدة ،وكان فشل اعلان دمشق مقدمة لعسكره الخليج العربي بوجود امريكي امتد من الكويت الى باقي دول الخليج وتوج في النهاية بغزو العراق عام 2003 ، وتحطيم الخطر العسكري الاهم على مصالح الولايات المتحدة.
وجاءت موجة الاضطراب في العام العربي بعد يناير 2011 ، شهد العالم العربي
حالة من الفوضى الامنية ،والتي ادت الى اما مواجهات بين النظام الحاكم والمعارضة عبر اطر سلمية او عبر التحول الى العنف كوسيلة لحل الصراع السياسي ، ومثل ذلك بيئة امنية حاضنة لنمو حركة التهديدات الامنية غير التقليدية ، ونمو نشاط جماعات الجريمة والارهاب ، وتصاعد وتيرة التدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول العربية ، وتواكب ذلك مع صعوبات اقتصادية واجتماعية كان الاكثر تاثرا بها هم من الشباب القاعدة العريضة من مكونات المجتمع العربي .
وكان المحور السعودي السوري المصري في السابق هو اساس وضمانه الاستقرار في النظام العربي ولكن اصبح يشهد الان اختفاء وتدهور القوة السورية ، وهو ما وضع تحديات جديدة الى جانب تدهور حال الجيوش العربية في عدد من دول تشهد حالة صراع كالعراق بعد الغزو الامريكي واليمن وليبيا . 

واصبحت المنطقة بصدد موجه من التغييرات لا تناول فقط مكونات الدولة بل حدودها ومستقبلها واصبحت القوى الاقليمية الاكثر حرصا على التدخل لتحقيق عده اهداف اهمها العمل على مد النفوذ في الجوار الاقليمي وتحقيق اطماعها الاستراتيجية ، والسعي الى اعادة انتاج المجد التاريخي اما بدافع ايجاد مظلة وغطاء للتمدد في المنطقة او محاولة تصدير نظم تلك القوى ازماتها الى الخارج او ممارسة القمع الداخلي بدعوى السعي الى مشروع قومي يدافع عن الهوية القومية وليس الهوية الدينية ومثل ذلك ايران وتركيا وبخاصة مع سعى الاخيرة ايجاد بديل ومصدر للتفاوض حول انضمامها الى الاتحاد الاوربي .
 ومن جانبها تحاول ايران اعلان نفسها الوصي الشرعي للشيعه العرب ومحاولة توظيفهم لخدمة اهدافها في اضعاف النظم الحاكمة التي يعيشون بها وتحويل تلك القوة الناعمة التي تسعى اليها في نفوذ استراتيجي  سواء في الخليج ومنابع النفط وممر التجارة الدولية او عبر دعم الحوثيين في اليمن لسيطرة ايرانية على مضيق باب المندب او من خلال احتكار ورقة المقاومة ضد العدوان الاسرائيلي والدفاع عن القدس لتحقيق غطاء ديني وسياسي لاختراق حركات المقاومة .

 وتاتي القوة الاخرى اسرائيل وهي المستفيد الاكبر من تلاشي القوة العربية للانفراد بتسوية الملف الفلسطيني تسوية تاريخية يهودية بدعم خارجي واقليمي ، وهو ما يجعل الثلاثي المكون من ايران وتركيا واسرائيل اكبر خطر على امن واستقرار المنطقة في محاولة لتوظيف قدراتها التمويلية والاعلامية والعسكرية في دعم حركات الارهاب والتطرف الاسلامي.

ومحاولة منع قيام نهضة وطنية واقتصادية تستطيع ان تعيد ما تم هدمه لكي تصبح المنطقة عرضة للتدخل الاقتصادي ،ومفرخة للبطاله والارهاب والفقر بما يجعلها في حالة من عدم الاستقرار .

ومن هنا جاء مشروع التحالف بين تلك القوى الاقليمية وحركات الارهاب الاسلامي الذي يحاول ان يوظف الدين في خدمة اهدافها التدميرية لكي تكون ممهده للوصاية الخارجية ليس فقط الاقليمية بل كذلك من جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو والذي يحاول ان يضع المنطقة تحت مظلته الامنية تحسبا للصعود الصيني والروسي ، ومنع تمدد نفوذهما الى تلك المنطقة الاستراتيجية. 

ولعل الامور اصبحت اكثر خطرا على مستقبل التدخل الاقليمي في الشأن العربي بعد استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية مثل ليبيا وسوريا والعراق  واليمن ، وتمكن ايران من توقيع اتفاقها النووي مع الغرب بما جعلها قوة نووية دولية ، وعدم تمكن الدول العربية من تشكيل كيان عسكري للتدخل في الازمات العربية .      
   وهو ما يعطي اهمية للعمل على التقدم بشأن انشاء محور عربي من السعودية ومصر على ان يتم الانضمام اليهما الجزائر والمغرب في محاولة للتدخل في الازمات العربية والتي اصبحت تشكل تهديد للامن القومي للدول العربية الاخري مثل تفجر الوضع في ليبيا وهو ما يجعلها محط تصدير ازمات للدول المجاورة ومرتعا لاجهزة الاستخبارات الدولية مثل تركيا وقطر وغيرها في دعم حركات عدم الاستقرار داخل الاقليم العربي بالاضافة الى الاستخبارات الايرانية والاسرائيلية والامريكية .

وعلى الرغم من حركة المصالح التي تدفع تلك القوى الاقليمية الى التدخل الا انه لا يمنع ان يكون هناك محاولة للبحث عن توافق ما بين تلك القوى الاقليمية والدول العربية وما بين حركات المعارضة والنظام الحاكمة او ما بين القوى الدولية والعالم العربي ، وهو ما يحتاج الى ترسيخ ارضية عقلانية ، وتضع اطر دبلوماسية للحوار مع ايران وتركيا وبخاصة ان تلك الدولتين من المرتقب ان شتهد حركات عدم اسستقرار داخلي فايران بعد انفتاحها على الغرب سيؤثر في شرعية النظام وقدرته على التعبئة القومية خلفة والذي كان يوفرها المشروع النووي الايراني  ،ومن جهة اخرى ان الانفتاح على الغرب سيعمل على نمو الاتجاه الاصلاحي داخل ايران ، ونمو حركة الاقليات غير الفارسية والدفاع عن حقوقها والذي سيجد الغرب احرجا سياسيا كبيرا في حالة التغاضي عن تصرفات ايران القمعية ضد الاقليات .

اما تركيا فان تحالفها غير الرسمي مع تنظيم داعش ربما اوشك على الانتهاء والتي كانت تستخدمة كفزاعه لقمع الحلم الكردي من جهة والعمل على المشاركة في تخطيط مستقبل المنطقة بالتعاون مع داعش ، ولعل ازمة الانتخابات البرلمانية التركية كشفت عن اتجاه التحالف بين الاكراد واليساريين والاسلاميين ضد اتجاه اوردغان وحزبة على المستوى الداخلي او الخارجي .

ومن ثم فان تركيا اصبحت في انتظار تصدير الازمة العراقية والسورية الى الداخل التركي وبخاصة ان نجاح ايران في تسوية ملفها مع الغرب سيفتح الطريق الى الاعتراف بشرعية نظام الاسد باعتباره الخيار الاوحد للحفاظ على الدولة السورية .

وهو الاتجاه الذي اصبح يزعج السياسة التركية وربما يدفعها الى التحول للتحالف مرة اخرى مع الدولة العربية وليس مع المليشيا المسلحة الداخلية .

وربما ان عامل الوقت يقدم الخدمة للاستقرار العربي من خلال محاصرة عناصر التهديد ودفع العملية السياسية في ليبيا واليمن وسوريا وتحقيق نوعا من الانتفاح السياسي الداخلي في عدد من دول الخليج.ودفع حالة من التعاون الاقتصادي المشترك باعتباره احد روافد تعزيز الامن القومي العربي ، وعلى الرغم من عدم وضوح هذا المفهوم الى جانب النظام العربي ذاته الا انه يمكن التحرك في ظل وجود عدد من الدول لديها حجم من المخاطر المشتركة وفرص مشتركة للتعاون للوصول الى مخرج امن من الازمات العربية عابرة الحدود .

,ويمثل اعلان القاهرة بين السعودية ومصر منصة هامة لتطوير ما جاء به وبخاصة" العمل على تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة.وتعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل.وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورًا رئيسيًا في حركة التجارة العالمية.وتكثيف الاستثمارات المتبادلة بهدف تدشين مشروعات مشتركة.وتكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين لتحقيق الأهداف المرجوة في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، ومواجهة التحديات والأخطار التي تفرضها المرحلة الراهنة.وبالاضافه الى تعيين الحدود البحرية بين البلدين ".

ان عملية تعزيز تلك التوجهات العربية بين الدولين يتطلب ان تأتي في اطار ، العمل على ،البحث بجدية عن تحويلها الى واقع وبغطاء شعبي وليس مجرد جهود دبلوماسية في محاولة لمنع فشل اعلان القاهرة كما فشل اعلان دمشق على الرغم من اختلاف الظروف المحلية والاقليمية ، وبخاصة مع الوجود العسكري الكثيف الاجنبي وتصاعد نشاط الجماعات الارهابية ، والدول الاقليمية في الداخل العربي ، وحالة التهديد لبقاء الدولة العربية ذاتها ، ولكن هذا لا يمنع من المضي لمواجهة تلك التحديات وغيرها عبر القيام ،

اولا ، تحويل اعلان القاهرة الى منصة مفتوحة للدول العربية الاخري للانضمام لها ووضع خطط قصيرة الاجل وطويلة الاجل لاستراتيجية شاملة للدفاع العربي المشترك.
وثانيا ، العمل على تشكيل منصة دبلوماسية وليس فقط عسكرية للتدخل في البحث عن سبل التسوية السلمية للصراع السياسي بين الفرقاء المحليين وبخاصة تسوية الازمة في اليمن وليبيا وبالطبع سوريا .

ثالثا ، اهمية الغطاء الشعبي في دعم التوجهات السياسية للقادة العرب والعمل على توفير فهم جماهيري عربي لحجم التحديات من اجل كسب التغييرات عمقها واستمراريتها.

رابعا ، على الرغم من التحالف بين السعودية ومصر يقدم نوذج لدولة ات وفرة نفطية واخري تعاني من عجزا وفقرا في جهود التنمية وهي مصر يشكل بداية التحالف العربي بين الدول ذات الفوره النفطية والدول المصدرة للعمالة والضعيفة اقتصاديا.

خامسا ، ان ارادة دول المنطقة حكاما وشعوبا هي الفيصل في مواجهة مخططات التقسيم الطائفي والتي تستخدم كسكين لتقطيع وحدة الدولة العربية .

سادسا ، ان مواجهة الجماعات الارهابية والتي تخدم في ذات الوقت مخططات التقسيم تحت رايات اسلامية الا انها لا تمتلك رؤية لقيام الدولة في المستقبل ولا تملك القدرة على قيام الدولة العربية المدنية التي تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات .

سابعا ، ان اللحمة الوطنية في الدوله العربية و بناء تماسكها الداخلي على اسس المصلحة الوطنية ، واعطاء اولوية لحركات المعارضة داخل الدول العربية التي تعلي من المشروع الوطني على حساب المشروعات الاقليمية والدولية .

ثامنا ، على حركات المعارضة ان تتفهم اهمية الفصل بين اللعب خارج الصندوق وبين ان تكون جزءا في اللعبة وان تلعب دورا وطنيا وليس طابورا خامسا.وان تتحد في مواجهة التطرف والارهاب . 

تاسعا ، ان مواجهة الاطماع الاقليمية يحتاج الى تبني سياسة عربية او لدي دول المواجهة العربية ترتكز على اهمية البعد الثقافي والاعلامي في محاولة لكسب معركة الاستحواذ على العقول والقلوب وبخاصة ان رهانات الدول الاقليمية والدولية  قد فشلت في جلب الامان للمنطقة بل ستعمل في المستقبل الى ان تصبح هي ذاتها في مرمي نيران التطرف التي تغذيها . 

* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ