المقالات -
ما هو المغزي من اسقاط تركيا طائرة حربية روسية ؟

: 3683
الثلاثاء,24 نوفمبر 2015 - 11:17 ص
د.عادل عبد الصادق*

بعد ايام قليلة من اعلان تركيا اسقاطها لطائرة بدون طيار روسية ونفي موسكو ذلك`قامت طائرات اف 16 تركية باسقاط طائرة روسية حربية من نوع سوخوي 24 بالقرب من الحدود التركية -السورية .وذلك بحجة اختراق المجال الجوي التركي ، وهو ما نفاه الجانب الروسي ووصف بوتين الحادث بانه "طعنا في الظهر ".

ما هو المغزي من اسقاط تركيا طائرة حربية روسية ؟
اضغط للتكبير
واعلن الجيش التركي مسئوليته عن الحادث ليعيد ذلك الى الاذهان تبني داعش اسقاط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء في 29 اكتوبر الماضي ،وهو ما يضع تركيا وداعش كمصدر تهديد للوجود الروسي في سوريا ، وعلى الرغم من عدم وجود حالة عداء بين تركيا وروسيا في العلن الا ان ما وراء الكواليس وما وراء المواقف الرسمية تجعل من طبيعة العلاقة بين البلدين على المحك ،وان كادت تركيا لتبدي تحفظها على التدخل الروسي في سوريا ومعارضتها لبقاء بشار الاسد في المرحلة الانتقالية على عكس الموقف الروسي ،وكانت تركيا قد احتجت على الضربات الروسية في منطقة التركمان والتي تعتبرها تركيا محط اهتمام استراتيجي .
ومن الشاهد ان التدخل العسكري الروسي قد اماط اللثام حول المواقف الحقيقة لاطراف الازمة السورية وبخاصة مع اعتراضات علي التدخل الروسي والتي يمكن تفسيرها على انها بشكل غير مباشر دعم للجماعات الارهابية في سوريا.   
وتحمل حادثة سقوط الطائرة الروسية الحربية وفق القانون الدولي عملا حربيا معاديا وما قد تعدة بعض الدول حالة "اعلان حرب " ، وبخاصة انه على الرغم من اقرار قواعد الاشباك لعمليات الاختراق او التسلل للمجال الجوي الا انه ترجع عملية تقييم ردود الافعال على طبيعة العلاقات بين طرفي الازمة ،ويكشف ذلك ان تركيا اعتبرت روسيا مصدر تهديد لامنها القومي، وذلك على الرغم من  طبيعة العمل الحربي الروسي الهادف الى مكافحة الارهاب والذي لا تمانع تركيا على المستوى الرسمي في مكافحته .
وتحمل واقعه اسقاط الطائرة الروسية عن عمد ملامح تأثير خطير على مستقبل العلاقات التركية - الروسية وارتباط ذلك بتماسك التحالف الدولي لمحاربة داعش في سوريا في مواجهة الجبهة التي تقودها روسيا ، والى مدى امكانية خروج تحالف جديد يجمع الدول التي تضررت بشكل مباشر بالعمليات الارهابية ولديها نوايا صادقة في مكافحتة وليس لها مصالح مباشرة على حساب وحدة الدولة السورية مثل موقف فرنسا وروسيا ومصر والاردن والعراق وايران في مواجهة اطراف اخري من ضمنها تركيا .او ان تعمل حادثة الطائرة الروسية على تحويل حالة التوتر والاحتقان بين القوى الفاعلة في الازمة السورية الى تسوية الخلافات والتوافق على المصالح المشتركة لها في سوريا. 
وتحمل واقعه الطائرة تاثيرات ضخمة على الداخل الروسي خاصة انها تأتي بعد ثلاثة اسابيع  فقط من اسقاط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء وبما شكلته من ضربة نفسية لسياسة التدخل الروسي في سوريا بعد اعلان داعش المسئولية عن اسقاط الطائرة  ،وما يزيد الامر توترا هو الاعلان الرسمي التركي عن استهداف الطائرة بحجة اختراق المجال الجوي التركي في حين ان سقوطها داخل الاراض السورية يعزز موقف روسيا بانها لم تخترق المجال الجوي التركي.
انه كان يمكن لتركيا تقديم اعتذار او بالقول ان عملية استهدافها كانت بالخطأ او الاعلان عن فتح تحقيق في الحادث وهو ما من شأنه ان يخفف الاجواء بين طرفي الازمة ، ولكن الرد التركي يكشف ان الجانب التركي  كان متعمدا سواء من اجل حسابات تركية خالصة او بالتشاور مع حلفاء تركيا من الدول او من غير الدول سواء الداعمة للتنظمات المتطرفة او التي تقف ضدها على المستوى الرسمي ، وبخاصة بعد اعلان روسيا انها بصدد معاقبة الدول التي تدعم التطرف ، وقالها بوتين في قمة العشرين في تركيا بان هناك دول من بين الاعضاء تمول تنظيم داعش،ويستند الموقف التركي الى المظلة العسكرية والحماية من جانب حلف الناتو ،وذلك باعتبار ان اي اعتداء عليها يمثل اعتداء على دول الحلف كما تنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف .
وهو الامر الذي قد يتحول الى مواجهة غير مباشرة بين حلف الناتو وروسيا في سوريا ومحاولة جرها الى معركة اطول واكثر حدة عبر الفاعليين المحليين وتدخل خارجي مباشر للمعارضة السورية ، ولكن يبدو ان معركة سوريا بالنسبة الى موسكو معركة "حياة او موت" ، وذلك للدفاع عن مصالحها الحيوية والتي ما فتئ الحلف ان اخترقها في اوكرانيا واسيا الوسطى.   
ان حادث الطائرة الروسية يكشف عن  مدى قدرة الاطراف المعنية بالصراع السوري على تحقيق التوافق اولا حول مصالحها الذاتية ثم التوافق على مستقبل سوريا بعد بشار الاسد ثانيا،وهو ما قد يحول دون  التصادم بشكل مباشر بين تلك القوى الفاعلة  للحفاظ على المصالح الخاصة بها والتي ربما تأتي على حساب مسقبل الدولة السورية .
وجاء الموقف الروسي الاخير من التدخل العسكري للحفاظ بالتأكيد على مصالحها وانقاذ سوريا من مخطط التقسيم ومحاربة التنظيمات المتطرفة ،وكشف هذا التدخل عن الموقف الحقيقي على الارض من قبل اطراف ما يسمى التحالف الدولي والذي فشل طيلة عام في تحقيق اي تقدم ملموس ضد داعش .
واحتفظت تركيا منذ بداية الازمة السورية بعلاقات خاصة واستخبارتية مع التنظيمات المتطرفة كتنظيم داعش والنصرة ، وذلك مع لعب تركيا دور المعبر الامن للمقاتلين الاجانب ومصدر بيع المواد النفطية ،ودعم علاقاتها الامنية مع قيادات التنظيم على الارض وكان من ارهاصات ذلك نقل قبر سليمان شاه والافراج عن الرهائن الاتراك وغيرها ،وذلك ناهيك عن لعب تركيا دور المقاول لاعادة تشكيل المنطقة لتعويضها واعطائها ثقل للقبول داخل الاتحاد الاوربي او ضمان نفوذ استراتيجي بديل في الشرق ،والى جانب استخدام تركيا فزاعه داعش لقمع الاكراد في الداخل والخارج.
وتستهدف تركية تهيئة البيئة الامنية من اجل فتح الطريق امام تحقيق المصالح التركية والتي ترتكز على المطالبه بمنطقة امنة على الحدود السورية .
ومن جهة اخري ان من اهداف تركيا الاستراتيجية اعطائها الشرعية الواقعية والدولية لعملية فرض سيطرتها على التركمان باعتبارهم  اقلية داخل الدولة السورية ومحاولة تمرير حكم ذاتي لهم او وصاية تركية عليهم وهو ما من شأنه الاضرار بوحدة الدولة السورية في حين تعارض تركيا حق تقرير المصير للاكراد وتحاول منع قدرة اكراد سوريا على التواصل مع اكراد تركيا والعراق لمنع قيام دولة قومية للاكراد".
ويفتح حادث الطائرة المجال حول طبيعة العلاقات بين روسيا وحلف الناتو والتي هي بالفعل متوترة جراء طموحات الحلف بنشر الدرع الصاروخي على حدود روسيا .على اية حال ستكون لتلك الحادثة تداعيات على الصراع السوري وعلى نفوذ الاطراف الاقليمية والدولية . 

* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسيةوالاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ