المقالات -
مكالمة فيس تايم تنقذ الدولة التركية من الانقلاب العسكري

: 2482
السبت,16 يوليو 2016 - 02:04 م
د.عادل عبد الصادق *

هناك مثل مصري يقول" اللي مش طايق تبص في وشه بكره ربنا يحوجكك لقفاه "، هذا هو لسان حال الرئيس التركي اوردغان والمعروف عنه عداءة للصحافة والاعلام وبخاصة الشبكات الاجتماعية والانترنت ،

مكالمة فيس تايم تنقذ الدولة التركية من الانقلاب العسكري
اضغط للتكبير

 والذي وجد في الاخير طوق نجاته في قيامة باجراء اتصال عبر تطبيق :"فايس تايم " عبر تليفون ايفون لقناة فضائية ،وذلك لمخاطبة شعبة في مواجهة محاولة انقلاب عسكرية ضده ، وذلك بعد التطور السريع والمتلاحق في احداث ليله  يوم الجمعه الموافق 15 يوليو 2016 ، بعد الاعلان عن انقلاب عسكري وسيطرة الجيش على السلطة في تركيا واجبار مذيعه على تلاوه بيان الجيش الاول والذي اعلن فية فرض حظر النجوال واعلان الاحكام العرفية وسيطرة الجيش على السلطة في البلاد ، وذلك دون ان يتم التاكيد على هوية الانقلابيين او عن مطالبهم او عن تنظيمهم ، وبدا الامر مجرد حركة عشوائية غير منظمة للسيطرة على البلاد ولكنها لم  ترق الى دعم عالي المستوى من  الجيش التركي ، واكتسبت الحركة طابعا استعرضيا وافتقدت الى امتلاك القدرة و الرؤية والتخطيط الكافي لتفيذ اهدافها بالسيطرة عى مفاصل الدولة ،  .
وعلى الرغم من ضعف الحركة الانقلابيه في بدايتها الا انها كانت جديرة بالحسم اذا ما كانت قادرة على السيطرة  الكاملة على وسائل الاعلام  والسيطرة الكاملة على كافة مؤسسات الدولة و اعتقال كبار المسئولين في الدولة ، وبخاصة في حالة التمكن من اغتيال  الرئيس التركي والذي نجا من محاولة الاغتيال في الفندق الذي كان يقيم به. وتمكن اوردغان من الفرار قبيل قصف فندقة والتحليق بطائرتة الخاصة بعد الحديث عن معلومات تلقاها من الاستخبارات التركية ، والتي عملت على توفير طائرات خاصة لحمايته ولو تمت عملية الاغتبال كانت ستشكل منعطفا خطيرا في الازمة التركية، 

وعلى الرغم من حالة العداء لنظام اوردغان تجاه الصحافة والاعلام الجديد والتي وصفها بانها اداة تخريب للمجتمع التركي ومارس عمليات اعتقال للصحفيين وحجب مواقع التواصل الاجتماعي والتشديد على المظاهرات السلمية. ولكن المثير في الامر ان اوردغان قد استخدام كل ما حاربه  من وسائل في ازمته،وكانت عناصر النجاح للرئيس التركي تتمثل في استخدام تطبيق فيس تيم على جهاز ايفون وتوفير اتصال آمن من الهاتف عبر الاقمار الصناعية وربما تم تأمين هذا الاتصال بالتعاون مع الاستخبارات الامريكية بعد قطع شبكة الانترنت ، حيث تم الاعلان فور الانقلاب عن قطع خدمة الانترنت والاتصالات في تركيا قبل ان تعود للعمل مره اخرى .
واستخدم اوردغان 
تطبيق فيس تايم على جهاز ايفون  والذي يتميز بعدة مزايا  منها انه يقدم خدمة جيدة في نقل الصوت والصورة ، ويخضع التطبيق لسياسة الفيس بوك الجديدة الخاصة بالتشفير وهو ما يعرف بسياسة المرسل والمستقبل والتي تضمن خصوصية المراسلات وصعوبة اختراقها  او التجسس عليها او معرفة مكان المتحدث او المرسل ، ويسمح التطبيق كذلك امكانية اجراء المكالمات  عبر الانترنت او عبر الشبكات الهوائية " واى فاى "،ويوفر التطبيق القدرة على استخدام قدرات كبيرة للصوت والتصوير مع توافر جودة عاليه من شبكة الجيل الثالث  ولا يستهلك  سوى 3 ميجابايت فقط عن كل دقيقة اتصال.

وقيام اوردغان باستخدام تطبيق الفيسبوك للفيديو والاستعانة بقناه فضائية غير حكومية وهي قناة س ان ان التركية،وهو ما شكل تحول هام وذلك بعد ان تم نشر معلومات عن هروب اوردغان وطلبة اللجوء السياسي الى المانيا ، وشكل ذلك الاتصال او بضعه الثواني (12 ثانية ) اهمية سياسية واسراتيجية  كبري ليس فقط لمستقبل اوردغان بل لمستقبل حزب العدالة والتنمية ومستقبل النظام الديموقراطي برمته .


undefined

 

وفي هذا الاتصال استطاع اوردغان من تحقيق مزايا استراتيجية منها الاعلان عن تماسكه و بقاءة وتحدية لمن يقف خلف الانقلاب والاعلان عن خططة للقيام بحركة مضادة في الشارع عبر دعوة الاتراك الى النزول الى الشارع لحماية "ديموقرطيتهم" .وهو ما كان له الاثر الكبير في حشد مؤيدي وانصار حزب العدالة والتنمية  الى الشارع ومواجهة ومحاصرة الاليات العسكرية في الشارع ، وتطور الامر الى قيام المدنين انفسهم بالاعتداء على رجال الجيش بالتعاون مع الاجهزة الامنية . ولكن وسط هذا التطور الفجائي والمتسارع تمكن اردوغان من السيطرة على ادارة الازمة مرتكزا على نفوذه الامني داخل جهاز الشرطة والاستخبارات وجزء هام داخل الجيش ، ووسائل الاعلام والتي لم ينجح الانقلابيون في السيطرة الكاملة عليها  .

ولم يتوقف تاثير الشبكات الاجتماعية على استخدام ارودغان بل لجأ الية المؤيديون والمناصرين في خطوة استباقية للحملات الاعلامية المضادة، واعلن  رئيس الوزراء التركي "محمد على " على تويتر فشل الانقلاب ووصفهم بانهم فئة قليلة لا تمثل الجيش ، ومن جانبه ادان عبر توتير ايضا عبدالله جول ما حدث واعلن تأييدة للرئيس اوردغان ، وساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في الحشد والتنظيم للفاعليات التظاهرية التي دعا لها اوردغان في الشارع ، والقيام بنشر الصور الخاصة باستسلام الجنود واعترافاتهم وهو ما عمل على نشر المزيد من المعلومات المضادة ، وهو ما عمل على توفير غطاء امن للظهور الاول لاوردغان في مطار اتاتورك ، .
ساهم ذلك في
اعطاء الثقة في المؤيدين وفي مؤسسات الدولة وتقديم رساله سريعه الى الخارج ، وتكشف الحالة التركية كذلك عن ان السياسات الامنية تجاه شبكات التواصل الاجتماعي تعمل على منع التواصل الحكومي الرسمي مع الشعب وعن قيام المؤييدون للنظام بالمشاركة في الحرب الاعلامية ، وان شبكات التواصل الاجتماعي هي في حد ذاتها ادوات محايدة فكما يستخدمها المعارضة يمكن كذلك للنظام السياسي ان يستخدمها وبجدارة بالنظر الى قدراته الفنية والتعبوية .

مكالمة صغيره انقذت البلاد من الانجرار الى مهب حرب اهلية وانقذت الشعب التركي من الدخول الى المجهول وحافظت على نظام  ديموقراطي دفع الاتراك الغالي والثمين في الدفاع عنه ، عبر محاولات انقلابية ذات طابع عسكري كونت لدي العقل الجمعي التركي وعي وادراك بمخاطر تدخل الجيش في السياسة التركية ،وهذا الوعي والادراك واسع النطاق ساعد في بلورته وفي اخراجة وفي تسويقة  الشبكات الاجتماعية والتي كانت الاقرب والاسرع والانسب لمخاطبة من تم اجبارهم للمكوث في البيوت .

وساعدت شبكات التواصل الاجتماعي في خروج الشعب التركي من حالة التخبط وعدم اتضاح الرؤية   واستخدم الاتراك خدمة "فيس بوك لايف" للبث المباشر  وهي خدمة اطلقتها شركة الفيسبوك لاتاحة الفرصة امام المستخدمين حول العالم بتصوير ما يحدث من أمور هامة فى حياتهم بشكل مباشر ومشاركتها مع العالم عبر حساباتهم على فيس بوك،للتعبير عن موقفهم وارائهم فيما حدث في الداخل ومتابعه التطورات على الارض وتفادي مناطق الخطر ، والتواصل مع العالم الخارجي والمساهمة في اعطاء معلومات اخري عن حقيقة الوضع بعيدا عن ضبابية الموقف والذي اثر في معالجة الصحافة الدولية حول الشأن التركي . ورصد ما يحدث في المعالجات الفضائية حول الوضع الميداني وتقديم بث حي من الشارع ومناطق المظاهرات والاحتكاكات مع رجال الجيش والتي تطورت الى تصوير رجال الجيش في اوضاع غير انسانية بعد اعتقالهم وهو ما سيلحق اضرارا نفسية بالجيش ستأخذ وقتا اطول لازالة اضرارها.

، وهو يعكس الفرق في العقلية وفي المخطط  حيث لم ياخذ الانقلابيون في اعتبارهم حجم التغير في توجهات الراي العام والادوات التي اصبح يمتلكها المجتمع للدفاع عن مصلحته او قيمة وتغير الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمواطن التركي مقارنه بفترات سابقة ،ويأتي الى جانب ذلك سياسات حزب العدالة والتنمية المتراكمة لتحييد المؤسسة العسكرية ، وبخاصة ان الازمة وضعت الشعب التركي بين خيارين خيار يتعلق بالحفاظ على الدولة التركية وقيمها الديموقراطية وبغض النظر عن مدى التاييد لنظام اوردغان ، والخيار الاخر هو التفريط في مكتسبات الشعب التركي والرجوع الى الخلف في عصر الانقلابات العسكرية . ان ما حدث لو تم في غير تلك الظروف لنجح بجدارة ولكن ما عمل على فشلة هو تغير طبيعة المجتمع والادوات التي اصبح يمتلكها وقدرته على التعبئة والحشد والتنظيم عبر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ولكن بدأ الانقلاب يخطط بمنطق الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات ولم ياخذ في اعتباره حالة التطور في المجال التكنولوجي في القرن الحادي والعشرين ..  

ويقدم ذلك دليلا واضحا ان شبكات التواصل الاجتماعي تحولت الى اعلاما شعوبيا ان تم توظيفة في خدمة المجتمع سيكون له دور كبير في التنمية والاستقرار ، ويقف الفارق فقط في وعي الشعب وثقافته والتي اصبحت تشكل صمام الامان في عالم مختلف التحديات واصبحت السياسات التي تقوم بها الدولة ومؤسساتها غير كافية دون تكاتف الشعب الواعي بامنة ومستقبلة .  
ان نجاح ادارة الرئيس اوردغان  في وضع الشعب التركي في موقع الازمة ساعد في وجود حالة من التعبئة الجماهيرية ضد الخطر وهو ما يفسر تحالف المعارضة مع النظام في معارضة الانقلاب وذلك على الرغم من الاعتراض عن سياسات اوردغان وحزبه الداخلية وكذلك سياسته الخارجية ، ولكن الخوف يتزايد من تمادي  اوردغان في استخدام هذه الحالة المتولدة في ممارسة المزيد من القمع والارهاب ضد المعارضة تحت سوط الاتهام بالخيانه،
وقدرة ارودغان كذلك في استغلال تلك الظروف الطارئة لتمرير مشروعه السياسي الجديد للبلاد.
وحتى لو تمكن اوردغان من استغلال تلك الظروف  في تصفية خصومة في المدى القصير ربما سيساعد ذلك في نمو حركة احتجاجية ضده على المدى البعيد وحال انتهاء تلك الحالة الاستثنائية ،وتبقي مخاطر تحول نظام ارودغان الى نظام امني قمعي متوقفا على قدرة النظام ذاته في استيعاب المعارضة والانفتاح عليها واحترام الحريات وحقوق الانسان كمدخل للاستقرار السياسي  .
.   
*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ