المقالات -
الذاكرة الجماعية : فن الحكي الشعبي من التراث الشفهي الى التوثيق الرقمي

: 4281
الخميس,27 ابريل 2017 - 09:22 ص
د. عادل عبد الصادق *

من أهم ملامح التأثير المتعدد الأبعاد للثورة المعلوماتية هو قدرتها على التأثير في الثقافة وفي التراث المحكي والشفهي للشعوب المحلية،واثر ت تطبيقات الانترنت في عملية إنتاج الثقافة وحفظها وتخزينها ونقلها وتسويقها وعلى قدرة الفاعلين الثقافيين التقليدين ، وعلى ظهور فاعلين جدد في العملية الثقافية وعلى بروز ظواهر جديدة ذات أبعاد ثقافية مع حالة الانفتاح ما بين الداخل والخارج ، وبين الخاص والعام.

الذاكرة الجماعية : فن الحكي الشعبي من التراث الشفهي الى التوثيق الرقمي
اضغط للتكبير
وهو ما يطرح التساؤلات حول ماهية ذلك الانتقال من الحكي الشفهي الى الحكي الرقمي على عملية انتاح الحكي الشفهي ؟ وما هو تاثير ذلك على تعزيز دور الحكي الشعبي في دعم التغيير الاجتماعي وقيم الحوار والتسامح في المجتمع ؟ وما هي انماط نقل الحكي الشعبي عبر الوسيط الرقمي ؟وما هي تحديات ومشكلات عملية الحفاظ على الحكي الشعبي وتعزيز التوثيق الرفمي ؟
وانعكست تلك التطبيقات التكنولوجية على قضية الرموز والقيم ومفردات الثقافة المختلفة والتي منها عملية التفاعل بين تلك المتغيرات الجديدة و التراث الشعبي والتي منها ما يتعلق بالمأكل والملبس ومنها ما يتعلق بالجانب الثقافي المحكي .
وتنعم الشعوب التي لها حضارات ممتدة بتنوع ذلك التراث وتماسكه إلا انه كان عرضة في جزء منه ليس بقليل إلى الطمس أو التشويه أو النسيان وذلك جراء التعرض إلى عدة عوامل تتعلق بتعرض تلك البلدان إلى حملة استعمار غربي استهدفت الهوية الوطنية وعمل على طمسها والى عدم وجود تقدم في مجال التوثيق والكتابة لذلك التراث المحكي الذي كان يحمل العقل الجمعي والثقافي للمجتمع وكانت تساعد من جهة أخري على نقل الخبرات من جيل إلى جيل .
وقد كان للاستعمار الغربي وبخاصة الفرنسي دور في محو جزء ليس بقليل من تراث وثقافة الشعوب المحتلة الأمر الذي كان له دور في حالة الانقطاع بين حاضر تلك الشعوب وتاريخها التليد وإتاحة الفرصة لغربنه المجتمع ثقافة وهوية ، وهو ذات الأمر الذي ارتكبه المستعمر الانجليزي في البدء مع الهنود الحمر تجاه ثقافتهم وتصفيتهم جسديا . ومن جهة أخرى تعمد الاستعمار الغربي إلى التدخل في التعليم ونظمه بهدف التأثير في الثقافة واللغة المحلية .
إلا انه مع تطور التقدم التكنولوجي بدأ من اختراع الورق والطباعة ثم اختراع الراديو والكاسيت والتلفزيون ثم جاءت الحلقة الأخيرة من التطور من خلال اختراع الانترنت وتطبيقاته المختلفة والتي تنوعت من المنتديات ثم المواقع الالكترونية ثم المدونات ثم جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية والتي أحدثت تطورا هاما في إتاحة فرص نقل الحكي الشعبي من النمط الشفهي إلى التسجيل الرقمي بما عمل على حفظة وانتشاره .
واحدث ذلك تطورا هائلا في إثراء الحكي الشعبي سواء فيما يتعلق بموضوعات وإحداث واقعية أو أخري يكتنفها الخيال ،وهو ما أدي إلى تنوع المادة الحكاية وتطوير طرق عرض الأحداث والشخصيات وتطوير الخطاب واللغة المحكي بها ،،وهو ما احدث نقله ثورية في عملية أنتاح الحكي الشعبي وزيادة الفاعلين في إنتاجه وإتاحة الفرصة لبروز حكائين محليين إلى الواجهة وتصاعد الثقافات المحلية مقابل محاولات الطمس من قبل ثقافة مركزية مهيمنة
ويعتبر كين بيرنز Ken Burns هو أول مَن قدَّم فكرة حكي القصص الرقْمِيّة، وذلك عند حكي قصص الحروب الأهلية التي حدثت في عام 1861م ،وقد تشكلت عدة عناصر من الحكي الشعبي والتي تشمل طبيعة المحتوى والتعامل معه ومن جهة أخري تعمل على أدوات نقل الحكي الشعبي وحفظة وانتشاره ونقله وجانب أخر يتعلق بعملية إنتاج وتشكل الحكي الشعبي وتأثير ذلك على الثقافة الشعبية وقوتها في عالم أصبح مفتوحا أمام الثقافات الاخري ،
وعلى النحو الذي يجعل أية ثقافة محلية غير قادرة على إنتاج ذاتها أو نشر رموزها تكون عرضة للانقراض والتماهي وإتاحة الفرصة لإحلال ثقافات أخري وافده وهو ما يؤدي إلى إضعاف المجتمع في تماسكه وقيمه ، وأتيحت الفرصة لسماع صوت المهمشين في المناطق النائية والبعيدة عن مركز الضوء والسلطة سواء في العاصمة أو المدن ،
وأدت عملية إدخال الأدوات الجديدة إلى بروز ظاهرة ثقافة الهامش وتحولها إلى المركزية والى نقل الحكي الشعبي بأدوات جديدة ومتنوعة بتنوع المناطق واللهجات والعادات والتقاليد والكشف عن هويات جديدة لم تكن شائعة من قبل ، والدفع برموز جدد في الحكي الشعبي بالانتقال من ساحة الحارة أو الحضرة أو "الليلة" أو "القعدة" أو غيرها من المسميات التي تدل على الأماكن الخاصة بالتجمع أوقات المناسبات الاجتماعية ،
ويوجد ميل فطري لدى الإنسان على مر التاريخ في الحكي والقصص والتي تعبر عن تجار بالحياة اليومية وتتكون عناصرها من مقدمة وحبكه ونهاية لكل قصة والميل بشكل تلقائي إلى إضفاء عناصر التشويق والإثارة وشد الانتباه ، وتساعد عملية الحكي الشعبي في نقل القيم والمعارف من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر أخر .
وهو ما يساعد في بناء شخصية الفرد وتشكيل النسق العقيدي لدية ، وقد يتم الاعتماد على النقل الشفهي وتساعد في تنمية الخيال وبناء العزة الوطنية وتوسيع المدارك وغرس القيم الاصيله وتشكيل الهوية الثقافية وتنمية المعارف اللغوية والتي إن تم استخدام الثورة التكنولوجية بشكل جيد ستتاح الفرصة لتعظيم المكاسب في صالح الهوية والثقافة الوطنية .
*خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية –مدير مشروع المركز العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ