وقد حدد المنتدى هذه الأخطار، من خلال دراسة مسحية لآراء 12 ألف شخص، ينتمون إلى 121 دولة، ويشملون خبراء في شتى المجالات الأكاديمية، والحكومية، ومجالات الأعمال، والمجتمع المدني، إضافة إلى عدد من قادة الفكر. وتتضمن الأخطار المطروحة ستة أخطار اقتصادية، وستة بيئية، وستة أخرى جيو ـ سياسية، وتسعة أخطار اجتماعية، وخمسة أخطار تقنية، وهذه الأخطار التقنية هي موضوع هذا المقال.
ولعلنا قبل طرح الأخطار المستهدفة، التي أوردها التقرير المذكور، نلقي بعض الضوء على المنتدى الذي أصدره. أوردت رسالة المنتدى قوله إنه، "يعمل مع قادة المجتمع في مجالات السياسة، والاقتصاد، والثقافة، على مستوى العالم ومناطقه المختلفة، من أجل وضع جدول أعمال المستقبل". وقد أطلق توجهات هذه الرسالة، معلنا إنشاء المنتدى، الأكاديمي السويسري كلاوس شواب. وكانت البداية 1971 تقتصر على المستوى الأوروبي، ثم انتقلت إلى المستوى العالمي في 1987. وتأتي شهرة المنتدى من لقاءاته السنوية في مدينة دافوس السويسرية التي تتميز بحضور نخب متميزة من قادة العالم المؤثرين في مجالاته المختلفة، كما تأتي أيضا من الدراسات والتقارير التي ينشرها في مجالات تهم العالم بأسره، مثل التقرير المطروح في هذا المقال. والمنتدى حاليا هيئة عالمية مستقلة، وغير ربحية، تضم في عضويتها 390 مؤسسة من 60 دولة. ويعمل مع المنتدى شركاء عديدون حول العالم، بينهم معاهد بحثية تشاركه اهتماماته.
تشمل الأخطار التقنية الخمسة التي يطرحها التقرير التالي، انتشار الجرائم السيبرانية وعدم أمان الفضاء السيبراني، وانهيار البنية المعلوماتية الأساسية الحرجة، وتركيز القوة الرقمية، والأثر السلبي لمخرجات التقنية المتقدمة، إضافة إلى عدم المساواة الرقمية، ومحدودية النفاذ إلى خدماتها. وسنطرح فيما يلي تعريفا بكل من هذه الأخطار، ومستوى خطورتها في المجال التقني، أي بين هذه الأخطار الخمسة من جهة، إضافة إلى مستوى خطورتها على المستوى العام، في إطار مجمل الأخطار، في المجالات المختلفة التي يطرحها التقرير، والبالغة 32 خطرا.
إذا بدأنا بخطر انتشار الجرائم السيبرانية وعدم أمان الفضاء السيبراني، لوجدنا أن هذا الخطر يحتل المركز الأول بين الأخطار التقنية والمركز الثامن بين مجمل الأخطار. والمقصود بهذا الخطر هو زيادة هذه الجرائم وتوسع أساليبها، ويتضمن ذلك جرائم التجسس وسرقة المعلومات وتزويرها، والتعدي على الخصوصية، وغير ذلك. وقد قدرت مجلة "الجريمة السيبرانية" أن تكاليف هذا الخطر حول العالم ستبلغ أكثر من "عشرة تريليونات دولار" في 2025. لكن جمعية الإنترنت العالمية بينت في تقرير لها أن "95 في المائة" من حوادث هذا الخطر يمكن تجنبها عبر الالتزام بالضوابط اللازمة على مستوى الفرد والمؤسسات والدول.
وننتقل إلى خطر انهيار البنية المعلوماتية الأساسية الحرجة الذي يحتل المرتبة الثانية بين أخطار التقنية والمرتبة الـ16 بين مجمل الأخطار على مدى الأعوام العشرة المقبلة. وتشمل البنية المعلوماتية الحرجة كل ما يتعلق بالاتصالات السلكية واللاسلكية، والمعالجة الحاسوبية، والخدمات الإلكترونية الحكومية والتجارية، إضافة إلى الجانب المعلوماتي، الخاص بمنظومة البنى الأساسية الحرجة الشاملة، الذي يقدم خدمات معلوماتية رئيسة مهمة للأفراد والمؤسسات وللبنى ذاتها أيضا. وتشمل هذه المنظومة بنى خدمات التعليم، والصحة، والمياه، والكهرباء، والنقل، والصرف الصحي، وغير ذلك.
ونأتي إلى خطر تركيز القوة الرقمية الذي يحتل المرتبة الثالثة بين أخطار التقنية والمرتبة الـ17 بين مجمل الأخطار على مدى الأعوام العشرة المقبلة. يرتبط هذا الخطر بفكرة احتكار الدول والمؤسسات والقائمين عليها للتقنية الرقمية وتحكمهم في توزيعها على العالم، وإدارتها، وتكاليف الحصول عليها وعلى خدماتها. ويمكن لمثل هذا الاحتكار التحكم بمدى انفتاح الفضاء السيبراني على العالم، وقد يؤدي ذلك إلى التوتر وعدم الثقة بين الدول والمؤسسات على مستوى العالم بأسره، فضلا عن سلبيات مختلفة أخرى.
ونتحول إلى الخطر الناتج عن الأثر السلبي لمخرجات التقنية المتقدمة الذي يحتل المرتبة الرابعة بين أخطار التقنية والمرتبة الـ18 بين مجمل الأخطار على مدى الأعوام العشرة المقبلة. وتبرز في مجال هذا الخطر ما يمكن أن تسببه تقنيات متقدمة من أثر سلبي في الإنسان والمجتمعات. وتبرز في هذا المجال تقنيات الذكاء الاصطناعي AI، والميتا ـ فيرس، والتقنية الحيوية، وغير ذلك. وقد طرحت الخطة الوطنية الإيطالية للذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال لا الحصر، موضوع أخلاقيات التعامل مع تقنيات هذا الذكاء واستخداماتها.
ونصل إلى خطر عدم المساواة الرقمية، ومحدودية النفاذ إلى خدماتها. يحتل هذا الخطر المرتبة الخامسة بين أخطار التقنية والمرتبة الـ30 بين مجمل الأخطار على مدى الأعوام العشرة المقبلة. ويرتبط هذا الخطر بمجموعة من الأسباب المختلفة مثل، عدم القناعة بالاستثمار في التقنية الرقمية على مستويات الأفراد والمؤسسات والدول، أو عدم توافر الإمكانات اللازمة للاستثمار المطلوب، أو ربما وجود حواجز تنظيمية وإجرائية تحد من تحقيق النفاذ المطلوب توفيره للجميع.
وقبل أن نختم هذا المقال، هناك ثلاث ملاحظات يجب ذكرها. تتمثل الأولى بارتباط معظم الأخطار التقنية المطروحة بالتقنية الرقمية، ما يدل على الأهمية الخاصة والمتنامية لهذه التقنية. وتأتي الملاحظة الثانية من هذا المنطلق لتبين تداخل بعض هذه الأخطار، مثل تداخل خطر انتشار الجرائم السيبرانية مع الخطر على البنية المعلوماتية الحرجة، وغير ذلك من تداخلات. وتبرز الملاحظة الثالثة أخيرا لتبين الحاجة ليس فقط إلى طرح أخطار المستقبل، بل إلى بيان متطلبات مواجهتها. صحيح أن حل المشكلات يعتمد بداية على التعريف بها، بما يؤدي إلى استيعاب مضامينها، لكن الصحيح أيضا هو الحاجة إلى دراسة الضوابط التي يمكن أن تسهم في مواجهة هذه الأخطار.