مقدمة:
تلعب وسائل الإعلام دوراً رئيساً وفاعلاً في تشكيل سياق التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في المجتمعات المختلفة، حيث تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير، ويتوقف إسهام ودور وسائل الإعلام في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي على شكل ووظيفة تلك الوسائل في المجتمع وحجم الحريات، وتعدد الآراء والاتجاهات داخل هذه المؤسسات، بجانب طبيعة العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية المتأصلة في المجتمع، فطبيعة ودور وسائل الإعلام في تدعيم الديمقراطية، وتعزيز قيم المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي، يرتبط بفلسفة النظام السياسي الذي تعمل في ظله، ودرجة الحرية التي تتمتع بها داخل البناء الاجتماعي [1].
فوسائل الإعلام الحرة تلعب ثلاثة أدوار جوهرية في تعزيز الديمقراطية، باعتبارها محفل وطني يمنح صوتا لقطاعات المجتمع المختلفة، ويتيح النقاش من زاوية جميع وجهات النظر، وكعنصر تعبئة ييسر المشاركة المدنية بين جميع قطاعات المجتمع، ويعزز قنوات المشاركة العامة كما تعمل كرقيب يكبح تجاوزات السلطة ويزيد من الشفافية الحكومية ويخضع المسئولين العاميين للمساءلة عن أفعالهم أمام محكمة الرأي العام.
وتستهدف المقالة البحثية التعرض لدور وسائل الإعلام في عملية التغيير السياسي ومدى قدرتها على تدعيم وتعزيز التحولات الديمقراطية فى البلدان العربية من خلال ثلاثة محاور رئيسة:الأول يتعلق بإشكالية العلاقة بين وسائل الإعلام والديمقراطية، والثاني يتعرض لوظائف وسائل الإعلام في المجتمع الديمقراطي، بينما يناقش المحور الثالث الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام العربية في تدعيم عملية التطور الديمقراطي والتغيير السياسي.
المحور الأول: إشكالية العلاقة بين وسائل الإعلام والديمقراطية:
لا توجد نظرية علمية شاملة ودقيقة توضح وتشرح طبيعة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي، فالدراسات والنظريات المتوافرة حول هذه القضية يكتنفها التنافر والغموض لدرجة التعقد والتشابك إلى حد كبير، فقد أوجدت تلك الدراسات تباينات حول عما إذا كانت هناك علاقة إيجابية أم سلبية بين وسائل الاتصال والديمقراطية، وعما إذا كان ينبغي أن تسبق عملية تحرر وسائل الإعلام خطوات التحول الديمقراطي أم العكس.
فقد ذهب البعض إلى القول بعدم وجود أية علاقة مباشرة بين وسائل الاتصال والديمقراطية (Bennett 1998) [2] ، نظرا لأن الإعلام يشجع كلا من الإصلاح الديمقراطي وغير الديمقراطي، أو لأن وسائل الإعلام تلعب دورا فعالاً في إسقاط النظم الفاشية، ولكنها لا تلعب دوراً فعالاً في تأييد وتعزيز الديمقراطية، بينما يؤكد البعض الآخر على أن دور وسائل الإعلام التحريرية في عملية التحول الديمقراطي يرتبط في الأساس بدور وسائل الإعلام في الديمقراطيات القائمة، مما يعني ضرورة أن يسبق الإعلام الحر عملية التحول الديمقراطي (Unger 1990 ) [3] .
فقد وجــد ( Jones 2002 ) [4] ، من خلال تحليله لست دول أن الإعلام الحر يشكل بداية التحول الديمقراطي، كما توصل (Fox 1998) ([5])، إلى أن التحول الديمقراطي المبني على الإعلام الحر فعلاً في أمريكا اللاتينية، وفي المقابل يرى البعض الآخر أن وسائل الإعلام والديمقراطية كلا منهما مساند للآخر بالتبادل ، بما يعني أن تحرير وسائل الإعلام يعد جزءاً لا يتجزأ من عملية التحول الديمقراطي، فقـد لاحظ (Hyden and okigbo 2002 ) ([6])، التأثيرات المتبادلة بين وسائل الإعلام والديمقراطية في إفريقيا حيث وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي يساعد كل منهما الآخر في علاقة ثنائية الاتجاه ، وفي هذا الإطار يرى الباحث أنه يمكن تصنيف الدراسات المفسرة للعلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في ضوء اتجاهات ثلاثة وهي:
الاتجاه الأول: يعترف بالدور الفاعل للإعلام في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي باعتبار أن وسائل الإعلام هي أداة أساسية في الانتقال إلى الديمقراطية، والإصلاح السياسي بمعناه العام.
الاتجاه الثاني: ينظر بنظرة سلبية لدور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي والتغيير السياسي من منطلق عدم وجود علاقة إيجابية واضحة بين التحول الديمقراطي وحرية وسائل الإعلام أو التشكيك والتقليل من أهمية دور وسائل الإعلام في التحول الديمقراطي.
الاتجاه الثالث: ينظر هذا الاتجاه إلى طبيعة العلاقة بين الإعلام والديمقراطية بوجهة نظر اعتدالية تعطي للإعلام أدواراً محددة في مرحلة التحول.
الاتجاه الأول:فعالية وسائل الإعلام في مراحل التحول الديمقراطى
يتجه منظرو هذا التوجه بشكل أكثر إيجابية نحو تقدير دور وسائل الإعلام في الديمقراطية والتغيير السياسي، وقضايا الإصلاح المختلفة، وينطلق هذا الاتجاه من اعتبار أن وسائل الإعلام من المنطلقات الأساسية للديمقراطية، حيث يعد الإعلام سليل الديمقراطية، لأن انتشار الصحف، ومحطات الإذاعة والتليفزيون تزامن مع تعميم وانتشار الديمقراطية في أوروبا وأمريكا، كما رسخ القيم الديمقراطية الكبرى.
ومن المؤيدين لهذا الاتجاه ( Josh pasek) ([7])، الذي توصل إلى وجود علاقة إيجابية وفعالة بين التغيرات في حرية وسائل الإعلام وبين عمليات التحول الديمقراطي، وKatrin voltmer ([8])، الذي ناقش الاتجاهات التي برزت منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي بالدعوة لوجود رابط قوي بين وسائل الإعلام ونشر الديمقراطية، خاصة في المجتمعات التي تمر بمرحلة التغيير والانتقال السياسي، وطرح فكرة أساسية مفادها أن المعلومات والأفكار والقدرة على تفسير الوقائع والأحداث تشكل جانباً مهماً من مفهوم القوة المعاصرة وممارستها، وأنه في السابق كان من يمتلك القدرة على توجيه المعلومات والأفكار، وتفسير الأحداث يمتلك القوة وبالتالي السلطة، والإعلام المعاصر يقوم بتجزئة هذه القوة، ويحطم أسطورة احتكارها من جهة واحدة.
كما يمكن الأفراد والجماعات من حق الوصول إلى المعلومات والحقائق وتفسيرها، و Pit chen low ([9])، الذي أكد على الدور الكبير الذي لعبته الصحافة الإندونيسية في تسهيل التحول للديمقراطية في إندونيسيا ومسئوليتها بشكل جزئي في إسقاط نظام سوهارتو في عام 1998م من خلال دورها في نشر المعلومات، وإعطاء صوتها للشعب وأوضح أن الإعلام الحر والمستقـل يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في عملية الديمقراطية وتدعيم الحكم الرشيد ومراقبـة الحكومـة كمـا ذهب James, curran ([10])، إلى أن وسائل الإعلام تمارس دوراً محورياً في تشكيل سياق التحول السياسي والاجتماعي والثقافي، كما لها مشاركة فعالة في عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي في المجتمع، وحجم الحريات، وتعدد الآراء والاتجاهات داخل هذه الوسـائل.
كما توصل كل من Gunther, Mughan ([11])، إلى أن وسائل الاتصال السياسي قد ساعدت النخبة في النظم السلطوية والشمولية على البقاء في السلطة على المدى القصير ولكنها على المدى الطويل قد سهلت عملية التحول الديمقراطي بعدة طرق منها: أنها سهلت عملية تآكل مصداقية النظم غير الديمقراطية وشرعيتها، وطرحت بدائل تعددية الاتجاهات السياسية، كما أثارت تنشئة كل من النخبة والجماهير طبقاً لقواعد الديمقراطية الجديدة.
كما طرح الباحثان وجهتي نظر للدور الذي لعبه تحرر وسائل الإعلام في تقويض النظم غير الديمقراطية، الأولى، تستند في تفسيرها لمفهوم النظرية الوظيفية للإعلام Functionalist Theory ، والتي ترى أن التغيرات التي تطرأ على سوق وسائل الاتصال الجماهيري أو على التقدم التقني لهذه الوسائل، يضعف من قدرة السلطة على السيطرة والتلاعب بهذه الوسائل، وهو ما يسمح بالتالي بوجود أصوات غير مؤيدة أو مستقلة أو معارضة، بما يمهد الطريق للتحول الكامل، والثاني، هو التخفيف المتعمد لسيطرة السلطة من قبضتها على هذه الوسائل كجزء من إستراتيجية إصلاح هذه المؤسسات بما يسهم في التحول الديمقراطي على المدى الطويل.
الاتجاه الثاني: النظرة السلبية لدور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطى
ينظر مؤيدو هذا الاتجاه بنظرة سلبية إلى دور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي، فلا يرى هذا التوجه في الخبرات العملية، ما يثبت وجود علاقة إيجابية واضحة بين الظاهرتين، كما أن أصحاب هذا التوجه لا يمتلكهم إطار فكري مشترك، فالبعض منهم الذي يعتمد على النظريات الثقافية في التفسير يذهب إلى تبني مواقف إيديولوجية تفترض أن وسائل الإعلام تقوم بوظيفة مساندة السلطة في المجتمع على فرض نفوذها، والعمل على دعم الوضع القائم، وينظر لدور وسائل الإعلام في نشر الثقافة الجماهيرية التي تسهم في استمرار نفوذ الفئات المستفيدة في المجتمع، بما يعني عودة الدور التعبوي للإعلام الجديد تحت غطاء التعددية .
فقد خلص Gunther and Mughan ([12])، من خلال نتائج تحليل عشرة دراسات أجريت على وسائل الإعلام في نظم سياسة ديمقراطية، وأخرى آخذة في التحول نحو الديمقراطية، أن النظم السياسة السلطوية تتعامل مع وسائل الإعلام بطريقة واحدة، ولا توجد اختلافات نوعية في إدارة نظم الإعلام بين هذه الدولة، حيث تسعى النخبة الحاكمة في هذه النظم إلى التحكم في وسائل الإعلام من خلال التحكم في تدفق المعلومات السياسية للجمهور العام باستخدام طرق وأساليب متشابهة، كما تقوم الأجهزة الحكومية في هذه النظم بالسيطرة والرقابة والإشراف على وسائل الاتصال الجماهيرية بجانب الرقابة الذاتية، كما تعطي في الكثير من المناسبات توجيهات لوسائل الإعلام بالموضوعات التي تنشر أو لا تنشر، وبما يحظى بالاهتمام من عدمه، كما يخضع التليفزيون في هذه النظم لرقابة حكومية باعتباره الوسيلة الأكثر جماهيرية، حيث يكون الهدف العام هو الحفاظ على استمرار هذه النظم في السلطة.
ويرى McQuail ([13])، أن حرية وسائل الإعلام تكون نتيجة من نتائج التحول الديمقراطي وأن إصلاح وسائل الإعلام وزيادة قدرتها يكون فعالاً ومفيداً فقط في سياق الديمقراطية القائمة، كما يذهب McConnell and Becker ([14])، إلى عدم تجاهل إمكانية وجود علاقة سلبية بين وسائل الإعلام وبين التحول الديمقراطي، فمن الممكن أن يكون الإعلام الحر أحد المعوقات الرئيسة للديمقراطية، أو أن التحول الديمقراطي قد يتلف الإعلام الحر نظراً للافتقار إلى نموذج أساسي ثابت يحدد ويتنبأ بالتقنيات التي تربط الإعلام بالتحول الديمقراطي، ويؤكد الباحثان أنه رغم وجود بعض الدراسات التي تناولت هذه الإشكالية، إلا أنها رغم فوائدها، تمثل دراسات حالة والتي بطبيعتها لا تمكننا من التمييز بين الأنماط العامة والحوادث الفريدة، فما زلنا نفتقر للعمل الفاحص عما إذا كانت العلاقة بين الإعلام الحر والتحول الديمقراطي ثابتة عبر المكان أم عبر الزمان.
فيرى هذا الاتجاه أن هناك علاقة اعتماد متبادل بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي، وكلاهما يهدفان إلى ترسيخ نمط اجتماعي يسود المجتمع يعد هو مصدر التغيير في الثقافة، ولا يسمح بأي تغيير إلا في ضوء ما يخدم العلاقة بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي ومن هنا، فإن وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية هما أهم أداتين لاستمرار النمط الاجتماعي المسيطر، وتظل هذه الوسائل غير قادرة على الانفكاك من هيمنة القوى المسيطرة لأنها مصدر شرعيتها، وحمايتها، ومصدرها الإعلامي الذي يوفر لها القدرة على الاستمرار في المجتمع.
الاتجاه الثالث: العلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي نظرة اعتدالية
ينظر مفسرو هذا الاتجاه إلى دور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي بنوع من الحذر في المرحلة التي تسبق خطوات التحول حتى تبدأ إشارات واضحة إلى ضرورة إجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية، ويرى هذا الاتجاه، أن الكثير من الخبرات السياسية للعديد من المجتمعات تفيد بأن وسائل الإعلام لا تسهم بشكل إيجابي أو جدي في التهيئة للتحول الديمقراطي، بل تفيد بعض الخبرات أن وسائل الإعلام أسهمت في إطالة عجز الأنظمة الاستبدادية، ودعمت استمرار الوضع القائم، بينما يتبلور دورها الفعال في أثناء عملية التحول للديمقراطية نفسها، حيث تعد مهمة تطور وإصلاح وسائل الإعلام ودمقرطتها واحدة من المهام الأساسية للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي بشكل عام.
ويدعم هذا التوجه الكثير من البحوث والدراسات التي تمت في هذا الإطار والتي أشارت في مجملها إلى ضعف مساهمة وسائل الإعلام في التهيئة لعملية التحول الديمقراطي في ضوء استمرار سيطرة الحكومات على هذه الوسائل، فقد توصل كل منDavidt. James.w. ([15])، إلى عدم وجود علاقة ارتباطية ذات دلالة إيجابية بين انتشار التقنيات الاتصالية والديمقراطية، واتساع قاعدة المشاركة السياسية في ظل الهيمنة الحكومية على هذه الوسائل في الدول التي تسير في اتجاه التحول الديمقراطي المحدود.
كما يرى كل من Rawnsley([16]) ، Rumar ([17])، أنه في بداية التحول الديمقراطي الذي يتزامن مع إصلاح وسائل الإعلام تكون هناك فرص متساوية لتبادل الأدوار، فقد يتراجع النظام الجديد نحو السلطوية، ثم العودة بالتالي إلى احتكار وسائل الإعلام تحت زعم تثبيت النظام الجديد، وهنا يبرز مدى نضج وسائل الإعلام والصحافة، وقدرتها على أن تكون مصدر حماية للمجتمع الديمقراطي حينما تحاصر السياسيين الجدد بالنقد والتحريض الإعلامي، حيث تمثل هذه المرحلة خطأ فاصلاً من النضوج الإعلامي إذا اجتازتها وسائل الإعلام بالتعددية، وربطها بالمصالح الوطنية، فإن الديمقراطية الجديدة تضمن أكبر قدر ممكن من احتمالات عدم التراجع، فإذا لم يكن تحرر وسائل الإعلام مطلباً أساسياً في عملية التحول الديمقراطي، فإنه على الأقل سيكون واقعاً مبدئيا لتحقيق الديمقراطية فيما بعد التحول، كما أنه سيقضي ويقلل من قدرة أنظمة السلطة الموجودة.
كما توصل Hall and o,Neil إلى أن تحرر وسائل الإعلام وحده لا يعلل التحول الديمقراطي المتضارب في المجر، ورومانيا، وأن تحرير وسائل الإعلام قد يدعم الديمقراطية عندما يقترن بالمجتمع المدني الناشئ في المجر، عكس رومانيا التي تفتقر إلى وجود مؤسسات للمجتمع المدني قوية، بينما توصل Reljic’s ([18])، إلى أن تحديد وسائل الاتصال كان أيضاً عاملاً مهماً في التحول الديمقراطي للبلاد الوراء الشيوعية، حيث ظهر الإعلام الحر التعددي مبكراً، ولكن بعد الانهيار الأوتوقراطي ، كما أن وسائل الإعلام قد لعبت دوراً مباشراً كجزء من عملية التحول الديمقراطي.كما ذهب Ken Rogerson ([19])، إلى أن وسائل الإعلام يمكن أن تسهم بدور فعال في الأنظمة الديمقراطية السياسية ولكن لا تكون العامل المحوري في عملية التحول نحو الديمقراطية فهناك عوامل أخرى تسهم في خطوات الانتقال تكون فيها وسائل الإعلام عاملاً رابطاً، فالصحافة بمفردها تكون أقل قوة وفعالية.
المحور الثاني: وظائف وسائل الإعلام في المجتمع الديمقراطي:
تعد وسائل الإعلام من الأدوات الفاعلة والمهمة في المجال السياسي فهي لا تقوم فقط بنقل الرسائل والمعلومات من المؤسسات السياسية إلى الجمهور، ولكنها تحول هذه المعلومات من خلال مجموعة متنوعة من العمليات الخاصة بصناعة الأخبار لتحقيق أهداف وغايات محددة، حيث تعد العلاقة بين وسائل الإعلام والعملية السياسية علاقة جدلية، إذ إن وسائل الإعلام تعمل على نقل وتحليل النشاط السياسي ولكنها في نفس الوقت تعد جزءاً من العملية السياسية باعتبارها من المصادر المتاحة أمام السياسيين وقادة الرأي للحصول على المعلومات وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم وقراراتهم ومواقفهم مما يساعد على صنع القرار السياسي، فضلاً عن اعتماد الجمهور عليها في تكوين اعتقاده واتجاهاته ومواقفه المختلفة إزاء الأحداث والسياسات التي تقع داخل الواقع المحيط به، وما يترتب عليها من سلوكيات وردود أفعال إزاء هذه الأحداث )[20](.
وينظر علماء السياسة إلى وسائل الإعلام باعتبارها جزءاً من النسق السياسي تستخدمها النخبة الحاكمة، والقيادات السياسية لإضفاء الشرعية والمصداقية على النظام السياسي، وتدعيم المؤسسات السياسية القائمة، وتبرير السلوك السياسي للقادة والمسئولين([21])، كما تؤكد بعض الدراسات وجود علاقة ارتباطية بين حرية وسائل الإعلام والقدرة في الوصول إلى المعلومات، وبين توافر مؤشرات الحكم الرشيد المتمثل في الاستقرار السياسي وحكم القانون، والفاعلية الحكومية وانخفاض مستوى الفساد، فالمجتمعات التي يتمتع فيها الجمهور العام من الوصول إلى الصحف الحرة المستقلة ووسائل الإعلام الأخرى، لديها استقرار سياسي كبير ويسود فيها حكم القانون وتتمتع فيها الحكومة والنظام السياسي بالقدرة والفعالية في معالجة القضايا المختلفة، كما تنخفض فيها مستويات الفساد ([22]).
فيرى Kyu HoYoum ([23])، أن هناك نسبة كبيرة من الاتفاق على وجود علاقة قوية بين الديمقراطية وحرية الإعلام، وأنه لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية دون وجود وسائل إعلام حرة، توفر إمكانية إدارة النقاش الحر بين الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة، كما توفر المعرفة للجمهور، فكلما قلت أو ضعفت القيود على وسائل الإعلام، زادت قدرتها على القيام بوظائفها في المجتمع الديمقراطي.
وظائف وأدوار وسائل الإعلام في المجتمع الديمقراطى:
يفترض Jurgen Habermas ([24])، ضرورة توافر أربعة شروط أو محددات رئيسة حتى تتمكن وسائل الاتصال من القيام بوظائفها الديمقراطية وهي:
1- القدرة على تمثيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع: حيث إنه توجد في كل مجتمع مجموعة من الجماعات ذات الأهداف والاحتياجات والإيديولوجيات المختلفة، وحتى تستطيع وسائل الإعلام أن تمثل المجتمع في تنوعه فإنها لا بد أن تتيح لكل هذه الاتجاهات فرصة الوصول إلى الجماهير، وأن تعرض أفكارها دون أية قيود من السلطة الحاكمة، وعندما يتحول استخدام وسائل الإعلام إلى نوع من الامتياز والاحتكار لبعض الأشخاص والجماعات والاتجاهات الفكرية والإيديولوجية المسيطرة- تتراجع الديمقراطية، وتنتفي وظائف الإعلام الديمقراطي.
2- حماية وسائل المجتمع: فيرى Habermas أن الشرط الثاني لقيام وسائل الإعلام بوظيفتها في المجتمع الديمقراطي هو أن تتوافر لها القدرة لحماية مصالح المجتمع، بأن تكون كلب حراسة Watch Dog للمجتمع حيث يتطلع الجمهور لوسائل إعلام تراقب تركيب السلطة داخل المجتمع، وتمثل مصالح المجتمع في مواجهة السلطة، وإخبار الجمهور بأية انحرافات تتركها السلطة.
3- توفير المعلومات للجمهور: حيث إن توفير وسائل الإعلام للمعرفة يتم لصالح الأفراد والمجتمع في الوقت نفسه، ومن خلال ذلك يتكامل دور وسائل الإعلام مع دور المؤسسات التعليمية، فلكي يزدهر المجتمع الديمقراطي فإن أعضاءه يجب أن يتقاسموا المعرفة، وتقاسم المعرفة هو شكل من أشكال التعليم الذي يضمن أن تكون عملية صنع القرار صحيحة وقائمة على المعرفة،فيشير Habermas ([25])إلى ضرورة توفير المعرفة للجميع لكي يستطيعوا أن يتخذوا القرارات الصحيحة، ولكي تكون تلك القرارات في صالح المجتمع، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا حصل كل مواطن على المعلومات عما يحدث في العالم، وأصبح هناك فهم مشترك بين المواطنين لهذه الأحداث، وفي ذلك يقولHabermas : إن وسائل الإعلام تجعل المواطنين يفهمون ما يحدث في العالم، بينما تعطيهم المدارس القدرات للتعامل مع هذه الأحداث.
4- المساهمة في تحقيق الوحدة الاجتماعية: فوسائل الإعلام تساهم عن طريق تقاسم المعرفة في تحقيق الوحدة الاجتماعية، كما تساعد المجتمع على أن يظل موحداً حيث توجد ثقافة عامة مشتركة لكل أعضاء المجتمع، ووسائل الإعلام تقوم بنشر هذه الثقافة العامة المشتركة، فكلما شعر أعضاء المجتمع بهذا المشترك الثقافي زاد توحدهم وزادت قدرتهم على اتخاذ القرارات التي تحقق المصلحة العامة، فالمساهمة في تحقيق الوحدة الاجتماعية والترابط تعد من الوظائف الرئيسة للإعلام كما حددها Lasswell([26]) حيث يرى أن من الوظائف المهمة للاتصال هو تحقيق الترابط في المجتمع تجاه البيئة الأساسية وقضاياها، وتفسير ما يجري من أحداث وما يبرز من قضايا بما يساعد على توجيه السلوك حيث للاتصال دور في تشكيل الرأي العام الذي به تتمكن الحكومات في المجتمعات الديمقراطية من أداء مهامها، وذهب Habermas ([27]) إلى أن مقدرة وسائل الإعلام للقيام بالأدوار السابقة مرهون بتوافر مجموعة من الحقوق لكل من الجمهور، ووسائل الإعلام.
وتتمثل هذه الحقوق في:
-
· حق الجمهور في الوصول إلى وسائل الإعلام: ويعني ذلك الحق في التعرض لهذه الوسائل وإلغاء كل القيود على حق المواطنين في الوصول أو النفاذ إلى وسائل الإعلام واستخدامها، سواء ارتبطت تلك القيود بالموقع الجغرافي أو الطبقي أو التمويل أو آية عوامل أخرى، ويحقق ذلك زيادة قدرة الجمهور العام على اتخاذ القرارات الصحيحة فيما يتعلق بالتعرض لتلك الوسائل، واستخدامها والاستفادة منها، فمحو الأمية الإعلامية للجماهير تعتبر شرطاً مهماً لفهم الجمهور لوسائل الإعلام وزيادة قدرتهم على أن يكونوا ناقدين لهذه الوسائل، كما يوفر ذلك بيئة مناسبة لإمكانية زيادة مشاركة المواطنين في شئون المجتمع.
-
· المناقشة الحرة: حيث تأتي هذه المرحلة قبل المشاركة الفعالة من قبل المواطنين، فعملية المشاركة واتخاذ القرارات الرشيدة تحتاج إلى فهم المناقشة حول هذه القضايا، ومعرفة وجهات النظر المختلفة، الأمر الذي يتبعه توضيح الأفكار، ويترك للجمهور حرية الأفكار والآراء التي يساندونها، ومن ثم نشر الوعي السياسي لدى المواطنين.
-
· الاستقلال عن السلطة: فديمقراطية وسائل الإعلام، وضمان قيامها بدورها الفعال يتطلب أن تكون هذه الوسائل بعيدة ومستقلة عن السلطة وناقدة لها، فبقدر استقلال وسائل الإعلام عن السلطة يأتي تمثيلها للجماهير، وتوفر له المعرفة، وتدافع عن المصالح العامة في المجتمع، وتحدد الأولويات طبقاً لاهتمامات الجمهور، أي أن عملية الاستقلال تعني إنهاء احتكار النظم الحاكمة للمعلومات، أو تقليص قدرتها على ذلك، وبالتالي تأثيرها المباشر في الحد من قدرة النظم الحاكمة على إخفاء الممارسات الاستبدادية والتسلطية مع وضع القيود على قدرة الدول في التوسع لمثل هذه الممارسات ([28]).
ويرى Milton ([29])، أن وسائل الإعلام الحرة والمستقلة خاصة الصحافة يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في عملية التحول الديمقراطي من خلال مشاركتها في تدعيم الحق في حرية التعبير والتفكير والاعتقاد، وتدعيم استجابة الحكومة لمتطلبات واحتياجات الجماهير، فضلاً عن تعدد وتنوع منابر التعبير السياسي لجميع الجماعات والاتجاهات السياسية، ويؤكد Milton أن حرية الصحافة تعلي من الأساليب الديمقراطية من خلال ممارسة وظائفها الرقابية على الحكومة ومتابعة أساليب السيطرة والتحكم، خاصة بالسلطة الجائرة التي تسيء للمواطنين وذلك من خلال المراقبة والفضح لكل أنشطة وممارسات الحكومة والنظام السياسي ككل وانتقادها، وعدم إطلاق يدها في القرارات والسياسات التي تتخذها، وهو الأمر الذي يؤكد علاقة الارتباط بين حرية الصحافة والديمقراطية، لذا من الصعوبة وجود حكومة ديمقراطية دون حرية واستقلال وسائل الإعلام، فالبناء الإعلامي الحر أكثر قدرة على تدعيم عناصر المشاركة والمنافسة التي ترتبط بمفهوم الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي.
دور وسائل الإعلام في التحول الديمقراطي والإصلاح السياسى:
ذهب Donohue , Tichenor and Olien ([30])، وkrauss ([31])، للقول بأن توضيح العلاقة بين وسائل الإعلام والديمقراطية يتطلب الوقوف على ثلاثة أدوار لوسائل الإعلام تؤثر من خلالها على الحياة السياسية والديمقراطية بشكل عام، قام الباحثون باستخدام تشبيهات واستعارات مبنية على أساس العلاقة بين الإنسان والكلب لتوضيح هذا الدور والوظيفة الإعلامية:
1- وظيفة كلب المراقبة watchdog: وتعد هذه الوظيفة امتداداً لمفهوم السلطة الرابعة fourth Estate، أي أن وسائل الإعلام تسعى لأن تكون رقيباً على كل ما يدور في المجتمع من مدخلات ومخرجات، بما في ذلك مراقبة المؤسسات الاجتماعية والسياسية النافذة في المجتمع، وهنا يوصف دور وسائل الاتصال بأنه مثل دور الحارس اليقظ الذي يعمل كحارس ورقيب ضد إساءات استخدام السلطة الرسمية، وكمراقب لمصالح المجتمع وحمايته من الفساد والانحراف، فوسائل الاتصال تعمل كرقيب للسلطة من خلال مراقبة المؤسسات والقضايا والأحداث والآراء، وتسليط الضوء على بعضها، وتقويم أداء الحكومة، وترويج مبدأ الحق في المعرفة، وحماية المجتمع من تسلط النظام السياسي، وهذا الدور الواقي يتم بشكل أفضل بواسطة وسائل إعلام مستقلة تحكمها اهتماماتها ومعاييرها الخاصة.
2- وظيفة كلب الحراسة Guard dog: وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام تقوم بحراسة فقط للمؤسسات النافذة في المجتمع، وتكون أشد الحرص على متابعة العناصر الطفيلية التي تدخل إلى المجتمع وتعكر صفوه ونقاء العلاقة القائمة.
3- وظيفة الكلب المرشد Guide dog: وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام تقوم بدور المرشد أو الدليل الذي يمد المواطنين بمجموعة من المعلومات عن السياسات، وصانعي السياسة، والتي يحتاجونها لصنع القرارات، ولتقييم قادتهم.
4- وظيفة الكلب الأليف lapdog: أو الكلب الناقل وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام ترتمي في حضن المؤسسات الاجتماعية والسياسية دون أن تكون أداة مستقلة، ودون إبداء أي مساءلة للسلطة، ودون الالتفات إلى الآراء والاتجاهات الأخرى في المجتمع، خاصة التي لا تتفق مع مصالح المؤسسات النافذة في المجتمع، فهي تكون بمثابة أداة ناقلة لما يريد النظام السياسي أن تعرفه الجماهير، وبالطريقة التي يريدونها بدون توجيه أية انتقادات للمؤسسات القائمة.
ويضيف krauss ([32]) دوراً ووظيفة خامسة لوسائل الإعلام في المجتمع الديمقراطي يطلق عليها وظيفة الكلب القائد lead dog : وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الاتصال تقوم بدور وضع الأجندة Agenda setting للقضايا المطروحة على الساحة السياسية، حيث تلعب وسائل الإعلام كمصفاة لهذه الحلول وترتيبها حسب الأولويات والأهمية قبل تقديمها للجمهور، كما تحث السياسيين على متابعة هذه القضايا نظراً لأهميتها في سياق الشأن العام، وبذلك تلعب دور الكلب القائد في الطريقة المحددة لإعطاء تغطية أكبر لأحد من القضايا أكثر من الأنواع الأخرى.
العلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطى :
يحدد McConnell and Becker ([33]) ست علاقات أساسية ممكنة بين الإعلام والتحول الديمقراطي، وهذه العلاقات تتمثل في:
1- الإعلام الحر غير المقيد يمكن أن يكون أداة معاونة على سقوط النظم الفاشية التي تجبر المواطنين وتلزمهم بقواعد وقوانين محددة ولا تسمح بأي قدر من الحرية، من خلال تشجيعه على تكوين معاهد ومؤسسات ديمقراطية ويؤيد ذلك نتائج بحوث كـل من (fox , 1998 , Jones , 2002, kumer 2006 , Nye 2002).
2- وسائل الإعلام مؤسسة ديمقراطية مثلها مثل الأنظمة الفرعية الشرعية الأخرى والعمل على تحررها وإصلاحها يتم تحفيزه على أساس أنها جزء من العملية الديمقراطية ويظهر ذلك من خلال النتائج التي توصل إليها كل من(Price and Rozumilowicz 2002)
3- الإعلام التحرري، ووسائل الإعلام الحرة هي نتاج للديمقراطية، بمعنى أن الإصلاح الإعلامي قد يكون فعالاً أو مفيداً فقط في سياق الديمقراطية القائمة، ويدعم ذلك ما توصل إليه (McQuail , 1994).
4- عدم وجود علاقة مباشرة بين وسائل الإعلام والديمقراطية فوسائل الإعلام قد تشجع كلاً من الإصلاح الديمقراطي وغير الديمقراطي، أو لأنها قد تلعب دوراً فعالاً في إسقاط النظم الفاشية، ولكنها في نفس الوقت لا تلعب دوراً فعالاً في تأييد وتعزيز الديمقراطية الناتجة، ويتفق هذا التوجه مع النتائج التي توصل إليها (Bennett,1998).
5- إمكانية العلاقة السلبية بين الإعلام والديمقراطية بمعنى قد يكون الإعلام الحر معوقا للتطور الديمقراطي أو أن التطور والتحول الديمقراطي قد يكون عاملاً وسبباً في تلف وتدهور الإعلام الحر، فرغم وجود دراسات نظرية توضح عمق العلاقة الإيجابية بين الإعلام والديمقراطية فإن هذه الدراسات الجزئية تفتقر لتقديم نموذج أساسي ثابت يحدد ويتنبأ بالتقنيات التي تربط الإعلام التحرري بالديمقراطية، فدراسات الحالة لا تستطيع التمييز بين الأنماط العامة والحوادث الفريدة.
6- العلاقة التبادلية والتكاملية بين الإعلام والديمقراطية، بمعنى أن كلاً منهما مساند للآخر، فتحرير وسائل الإعلام يعد جزء لا يتجزأ من عملية التحول الديمقراطي فالإعلام يساعد ويسهل المناظرات العامة المطلوبة من أجل تحقيق الديمقراطية الفعالة، كما أن المؤسسات الديمقراطية تؤيد استقلال وسائل الإعلام.
ويرى Zlobin Silverblatt and ([34])، أن هناك علاقة ترابطية بين طبيعة النظام السياسي وبين طبيعة النظام الإعلامي، فالنظام السياسي يهيئ المناخ ويتيح الفرص لنشوء نظام إعلامي مناسب، ولذا فإن النظام السياسي والاجتماعي هو الذي يعبر عن الإعلام ويحدد شكله ومضمونه، وعندما تختلف الأنظمة السياسية تختلف معها – عادة الأنظمة الإعلامية، ويمكن إجمالا وضع عدد من المعايير التي تحدد طبيعة ومفهوم حرية الإعلام في النظام الديمقراطي وهى:
-
· انفتاح المجتمع من خلال تدفق المعلومات.
-
· تمكن ونفاذ وصول الجمهور إلى المعلومات.
-
· وصول وسائل الإعلام إلى المصادر والمعلومات التي تحتاجها، بما فيها معلومات عن ومن النظام السياسي القائم.
-
· توافر المعلومات وتدفقها للإعلام وإلى الجماهير.
-
· الأهمية التي تحظى بها وسائل الاتصال ومدى المرونة والتعامل معها.
بينما يوضح Thompson ([35])، أن حرية التعبير عن الآراء من خلال الصحافة المستقلة هو الضمان الأساسي لتنوع وجهات النظر، وما يتبع ذلك من تنوير لأفاق الرأي العام، حيث تلعب الصحافة الحرة والمستقلة دوراً محورياً في حراسة المجتمع ومؤسسات الدولة.
وتؤكد ألين هيوم ([36])، أن وسائل الإعلام الحرة تلعب أربعة أدوار حيوية في الدول الديمقراطية أولها: أنها الرقيب على أصحاب السلطة الأقوياء، وتخضعهم لمساءلة ومحاسبة الشعب.
ثانياً: أنها تسلط الضوء على القضايا التي تحتاج إلى الاهتمام بها.
ثالثاً: أنها تثقف المواطنين لكي يتمكنوا من التوصل إلى الخيارات السياسية.
رابعاً: تقيم التواصل بين الجماهير مما يساعد في خلق الترابط الاجتماعي الذي يعزز دعم المجتمع المدني ببعضه البعض.
1- تحميل المسؤولية للحكومة:
فتأدية وظيفة الرقيب بشكل جيد تكون في كثير من الأحيان أصعب أدوار وسائل الإعلام، فالمسئولون الحكوميون لا يرغبون دائماً في ممارسة الشفافية، خاصة إذا لم يكن للدول نضال كبير في ممارسة تقليد إخضاع مسئوليها لفحص الرأي العام.
2- تسليط الضوء على القضايا:
فبدون وسائل إعلام حرة ومستقلة – تقع مسئولية تحقيق إعلام الشعب وسلامته بالكامل على عاتق الحكومة بمفردها، ويمكن لانعدام المشاركة العامة هذا أن يقوض أمن البلاد ونموها الاقتصادي، في عملية إدارة المناقشة.
3- تثقيف المواطنين:
تستطيع وسائل الإعلام عندما تكون قادرة على العمل بحرية أن تشكل ركائز مهمة لتشييد الديمقراطية، فعلاوة على خدمتها كرقيب على المؤسسات المحلية وتنبيهها الشعب إلى القضايا المتعلقة بسلامته بإمكان هذه الوسائل أن تساعد المواطنين في فهم حكومتهم البعيدة عنهم والوصول إليها، مما يزيد ويطور من أساليب المشاركة بمختلف أنماطها.
4- إقامة التواصل بين الجماهير:
حيث يعتبر البنك الدولي انفتاح وسائل الإعلام عاملاً إيجابياً في التنمية الاقتصادية والسياسية للدول في مؤشره السنوي، فكلما زادت وسائل الإعلام في تقويمها للأنباء المتوازنة، وإدارة النقاش الحر في المجتمع ونقله للجماهير كلما زاد تقدير الجماهير لها، وهذه المعلومات الأهلية المدنية بمثابة الوقود المغذي للديمقراطية، حيث تصبح الجماهير أكثر ثقافة ووعياً بالأحداث الجارية، وقدرة على اتخاذ القرارات والموافقة الصحيحة([37]) ويذهب لورن دبليو([38])، إلى أن وجود صحافة حرة مطلب ضروري لنشوء ديمقراطية حقيقية كاملة، فالصحافة الحرة هي الوحيدة القادرة على تزويد الناخبين بالمعلومات التي يحتاجونها لاختيار أفضل القادة، وتستخدم الحكومات أحياناً كثيرة وسائل الإعلام الخاضعة للدولة لتقديم مجموعة مشوهة من الوقائع وكذلك في حال غياب الصحافة بإمكان الحكومات الضغط على وسائل الإعلام الخاضعة لكي تنشر، أو لا تنشر معلومات حيوية، فوسائل الإعلام الحرة تؤكد أن الحكومات سوف تمثل مصالح مواطنيها، وأن المواطنين يمكنهم محاسبة حكوماتهم، ومن خلال النقاش العام تتيح الصحافة الحرة التعبير عن أراء متعددة، واتجاهات سياسية متعارضة، ووجهات نظر مختلفة، فعندما تتعدد وسائل الإعلام وتتنوع تمثل في مجموعها تعبيراً حراً عن التعددية السياسية والتنوع الفكري في المجتمع، بما يساهم في تحقيق ديمقراطية الاتصال.
ويوضح أندروبوديفان ([39])، أنه في النظام الديمقراطي يجب أن يكون تبادل الآراء والمعلومات فعلاً عاماً وليس أمراً محصوراً بالنقاش الخاص، كما لا يمكن لحرية التعبير أن تعزز الحريات الديمقراطية إلا عندما تمارس بشكل علني، وتلعب وسائل الإعلام دوراً أساسياً لأنها توفر المنصة العامة التي يمارس من خلالها حق التعبير بشكل فعال وبدون وسائل الإعلام يستحيل على ثقافة الديمقراطية أن تنمو، ففي العالم المعاصر تعتمد الديمقراطية على وسائل الإعلام المتعددة والمتنوعة، والمستقلة، والتي يمكنها أن توفر منصة النقاش الديمقراطي.
المحور الثالث: علاقة وسائل الإعلام بالديمقراطية - إشكالية الدور وآفاق التطور
يناقش هذا المحور طبيعة الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في دعم عملية التطور الديمقراطي والإصلاح السياسي، على اعتبار أنها تمثل منابر للتعبير وطرح الرؤى والتوجهات السياسية المختلفة، كما أنها تمثل أداة رقابية مهمة على عمل السلطة التنفيذية، وهي في كل ذلك أداة مهمة لرفع وتنمية الوعي السياسي.
وقد طرحت قضية الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في عملية التطور الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة على نطاق واسع نظراً لما شهدته تلك السنوات من حركة ملموسة في الحياة الإعلامية العربية تشكل تغيراً عما كان عليه الواقع الإعلامي في العقود الماضية، وإن كانت تلك الحركة لم تؤسس بعد لبيئة إعلامية جديدة تعكس واقعاً سياسياً ومعرفياً متطوراً، ومع ذلك فالمتابع لأداء وسائل الإعلام العربية، خاصة الصحافة، والفضائيات الإخبارية, لا بد وأن يقر بوجود روح جديدة لعلها تكون مدخلاً إلى مجتمع المعرفة الذي نستهدفه، فرغم استمرار هيمنة وسائل الإعلام الرسمية ذات الرأي الواحد على الساحة الإعلامية انعكاساً لهيمنة الرأي السياسي الواحد – دخلت وسائل الإعلام العربية مرحلة جديدة تتميز بعنصر المنافسة بين وسائل تمتعت لحقبة طويلة باحتكار القارئ والمشاهد العربى، فها هي وسائل إعلام خاصة تنشأ , وتتمتع بهامش أوسع بكثير من الوسائل الرسمية، وهي بهذه المزايا استطاعت أن تجذب الكثير إليها، كما لم يعد بوسع الوسائل الرسمية أن تتجاهل هذه المنافسة، فشهدت الفترات الماضية تغيرات نوعية في المحتوى المقدم ،وانفتاح نسبي على الحوار، وعمق التحليل.
ويرى Jennings and Thompson ([40]) أن الإعلام الحر يقوم بثمانية وظائف أساسية لدعم عملية التطور الديمقراطي والإصلاح السياسي, وتشمل هذه الوظائف الآتي:
1- الوفاء بحق الجماهير في المعرفة: من خلال نقل الأنباء من مصادر متعددة، وشرحها وتفسيرها، ونقل الآراء المختلفة حول القضايا الداخلية والخارجية.
2- الإسهام في تحقيق ديمقراطية الاتصال: من خلال تحولها لساحة للتعبير الحر عن كافة الآراء والاتجاهات وإتاحة الفرصة للجماهير لإبداء آرائها في المشروعات الفكرية والسياسية المطروحة، وفي التعبير عن مشاكلها.
3- الإسهام في تحقيق المشاركة السياسية: من خلال إتاحة المعلومات الكافية التي تؤهل المواطنين للمشاركة واتخاذ قراراتها بالانتماء للأحزاب السياسية، أو التوجهات الفكرية، أو التصويت بما يدعم النشاط السياسي العام.
4- إدارة النقاش الحر في المجتمع: بين جميع القوى والتوجهات والأفكار للوصول إلى أفضل الحلول.
5- الرقابة على مؤسسات المجتمع: وحمايته من الانحراف والفساد، عن طريق الكشف عن انحرافات السلطة، وفساد مسئوليها، وإساءة استخدام السلطة لتحقيق المنافع الشخصية.
6- المساعدة في صنع القرارات: فلوسائل الإعلام تأثير كبير على القرارات السياسية ويرجع ذلك لأنها تؤثر على القرارات السياسية فقد تعطي الشعبية أو تحجبها عن صانع القرار، كما أن صانع القرار ينظر إليها كمقياس لرد فعل الناس تجاه سياسته وقراراته، فوسائل الاتصال في الأنظمة الديمقراطية تكون حرة في نقل المعلومات والتفاعل مع القضايا والأحداث وبالتالي تكون قدرتها على صنع القرار قوية، بينما في النظم السلطوية حيث تنقل المعلومات من أعلى إلى أسفل، يضعف الدور الذي قد تمارسه هذه الوسائل.
7- التأثير في اتجاهات الرأي العام: حيث أصبحت وسائل الاتصال في المجتمعات الحديثة تقرر بشكل كبير ما الذي يشكل الرأي العام، وتزوده بغالبية المعلومات التي من خلالها يطلع على الشئون العامة ومعرفة الشخصيات السياسية بجانب دورها في المناقشات العامة والعملية الانتخابية ككل، فعن طريقها يتم بناء الحقيقة السياسية نظراً لأن الجمهور لا يملك التحكم فيما يقدم له، وإنما هو في العادة يستجيب ويتفاعل مع مضامين الوسائل الإعلامية، فعن طريق مضمون هذه الوسائل يمكن التعرف على توجهات الرأي العام ورؤيته حول مختلف القضايا مما يرشد السلطة السياسية ويسهم في إنجاح سياساتها ويقلل من فرص تعرضها للخطر والانتقاد من قبل الرأي العام، فالحكومات لا تستطيع أن تصل إلى الجماهير إلا من خلال هذه الوسائل التي لها قوى كبرى في التأثير على الرأي العام، كما أن ثقة الجمهور في وسائل الإعلام تفوق عادة ثقته في الحكومات.
8- مراقبة الأحداث المعاصرة: وهي الأحداث التي من المحتمل أن تؤثر بالإيجاب أو السلب على رفاهية المواطنين، فالمراقبة بمعناها العام تعني تجميع وتوزيع المعلومات المتعلقة بالبيئة الداخلية والخارجية بحيث يكون المجتمع على اطلاع ومعرفة بما يجري وقادر على التكييف مع الظروف والمستجدات، وتوفر هذه المراقبة المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات ومنها القرارات السياسية حيث تكون وسائل الإعلام بدور سياسي في المجتمع من خلال موضع الكثير من برامج العمل السياسي، وتحديد المطالب السياسية للمجتمع.
وحتى تقوم وسائل الإعلام بأداء الوظائف السابقة، يستلزم توافر عدة شروط منها:
1- التعددية والتنوع: وتعني ضرورة توافر وسائل الإعلام الكافية في المجتمع الديمقراطي، بهدف نقل الآراء والتوجهات المختلفة، فكلما زاد نطاق التعددية الإعلامية، كلما زادت قدرة الإعلام على التعبير الحر عن جميع الآراء والتيارات الفكرية الموجودة، في المجتمع، ولكن المؤشر الحقيقي للتعددية الصحفية يكمن في المدى الذي تتركه تلك الصحف في تعدد الاهتمامات، وتنوع سياستها التحريرية، ومنطلقاتها الفكرية، وقدرتها في التعبير عن مختلف التيارات السائدة في المجتمع.
2- انعدام القيود: وتعني عدم وجود قيود تكبل من حرية إصدار الصحف، أو من قدرتها في الحصول على المعلومات، أو التعبير عن الآراء المختلفة، أو ممارسة النقد لما تراه جديراً بالنقد والتقويم، فكلما انعدمت هذه القيود، كلما زادت مساحة الحرية لوسائل الإعلام.
3- انعدام الرقابة: والتي تجعل المضمون النهائي للصحيفة رهناً بإرادة سلطة الرقيب، وليس هيئة تحرير الصحيفة، ولذا فكلما اختفت الرقابة بمختلف أشكالها زادت قدرة الصحافة على التعبير عن قضايا المجتمع ومشكلاته.
4- حرية الحصول على المعلومات ونشرها: ويتضمن ذلك جميع المعلومات بما في ذلك، الحق في الاطلاع على وثائق الدولة، ومنع احتكار أي هيئة أو مؤسسة أو سلطة للمعلومات.
وبالنظر إلى البيئة الإعلامية العربية، نجد أن الإعلام العربى بمختلف أنماطه وألوانه لم يصل بعد إلى هذا المستوى من الحرية، ولم يحقق حتى اليوم الحد الأدنى من الوظائف الخمس السابق ذكرها للإعلام الحر، فملكية الحكومة لوسائل الإعلام وقنواتها تؤثر على طبيعة دورها ووظيفتها، ويتنافى مع مبدأ الممارسة الديمقراطية التي يسمح فيها لجميع الأفراد أن يكون لها أصوات وحقوق مسموعة ومتساوية ومؤثرة في الرأي العام, فهناك مجموعة من الصعوبات تعترض الإعلام العربى للقيام بدوره في تدعيم الديمقراطية تتمثل في: طبيعة العلاقة مع النظام السياسي، والبيئة التشريعية، والتحيز، وانخفاض حرية التعبير.
وسائل الإعلام والإصلاح السياسى: آليات التعزيز:
يرى Roumeen Islam ([41]) أن لوسائل الإعلام أدوارا مهمة في تشغيل النظام السياسي الديمقراطي، ومن أهم هذه الأدوار التثقيف المدني والسياسي الذي يتيح للمواطنين التصويت والمشاركة على ضوء معرفة معقولة بالموضوعات والقضايا المثارة في الفضاء العام، وأن وسائل الإعلام تقوم بوفاء هذا الحق عبر تقديم مختلف الأفكار – والتصورات المتاحة حول موضوع معين أو قضايا مختلفة، ويأتي الدور الثاني بتقديم معلومات مدققة حول مختلف القضايا ذات الصلة بتقويم أداء حكومة ما ، حيث يلعب الحق في الحصول على المعلومات دوراً مهماً، وحتى يتم تعزيز ودعم هذه الأدوار لابد أن تتوافر لهذه الوسائل ثلاثة عناصر رئيسة هي: الاستقلالية، والكفاءة المهنية، والتنوع والتعددية، حيث تتأثر وسائل الإعلام بمجموعة من العوامل تحد من استقلاليتها وتتمثل في:
-
· البيئة الإعلامية المتاحة
-
· الموارد المالية والاقتصادية
-
· القوانين المتعلقة بالمعلومات
-
· السياسات الإعلامية داخل النظام السياسي القائم
ونستخلص من التفسيرات النظرية السابقة أن النظام الإعلامي العربى بظروفه الموضوعية، وتراثه التاريخي مؤهل لأن يقدم نموذجاً لنظام إعلامي ديمقراطي يساعد على تعزيز ودعم عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطى بشرط التخلص من بعض السمات السلطوية، ويمكن بلورة مجموعة من الإستراتيجيات تساهم في تدعيم دور هذه الوسائل في العمليةالديمقراطية والتغيير السياسي، كما يلي:
1- حرية إصدار الصحف وملكية وسائل الإعلام:
ويتطلب ذلك إلغاء كافة القيود التي تعوق حرية إصدار الصحف وإعطاء الأشخاص الطبيعيين حق إصدار الصحف وملكيتها وإلغاء النصاب المالي الذي يشترطه القانون لإصدار الصحف، وكذلك تحرير اتحاد الإذاعة والتليفزيون والشركات التابعة له من أية قيود بيروقراطية تعوق الأداء الإعلامي للاتحاد، بجانب وضع الضوابط اللازمة للتفرقة بين ملكية الدولة للخدمات الإذاعية والتليفزيونية وبين سيطرة الحكومة عليها، مثلما يحدث بشأن هيئة الإذاعة البريطانية، واتحاد الإذاعة والتليفزيون الفرنسي وبقية دول غرب أوربا والهند، مع السماح أيضاً بوجود أنماط أخرى للملكية بجانب ملكية الدولة للخدمات الإذاعية والتليفزيونية على أن يتم قصر هذا الحق على العرب ، حيث يرى فاروق أبو زيد([42]) أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين زيادة أو نقص الحرية الإعلامية وبين نمط الملكية السائد في وسائل الإعلام، فكلما اتسع نمط الملكية العامة أو الحكومية لوسائل الإعلام – نقصت مساحة الحرية في هذه الوسائل، وكلما اتسع نمط الملكية الفردية لتلك الوسائل – كلما زادت مساحة الحرية فيها، وهذا يعني أن تفعيل دور تلك الوسائل في دعم التطور الديمقراطي مرهون بالبحث عن أشكال جديدة للملكية تستطيع أن تشبع الاحتياجات الإعلامية للجمهور، مثل الملكية التعاونية للإعلاميين، وإنشاء هيئات عامة مستقلة عن السلطات تمتلك وسائل إعلامية جديدة تديرها لحساب المجتمع.
2- تأمين الحق في الحصول على المعلومات:
ويعني ذلك وضع التشريعات التي تكفل لوسائل الإعلام الوصول إلى المعلومات والحصول عليها من مصادرها الأصلية، وأن تتضمن هذه التشريعات محاسبة المسئولين عن حجب المعلومات عن وسائل الإعلام، ومطالبة الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية بإيجاد الآليات التي تساعد على تدفق المعلومات بدقة وموضوعية، فالتناقض الواضح في القوانين التي تنظم العمل الصحفي في مصر والتي تتراوح ما بين المنح، والمنع في الحصول على المعلومات تؤدي إلى اضطرار الصحفيين للجوء إلى نشر الأخبار المجهلة كنوع من الالتفاف حول القانون، وممارسة حقهم في الحصول على المعلومات الأمر الذي يفتح الباب أمام إشكاليات أخرى تتعلق بمصداقية وسائل الإعلام، والمسئولية الاجتماعية، مقابل التنافس على مجاراة رغبات الجمهور.
فهذا المبدأ وحده كفيل بأن تكتسب حرية وسائل الإعلام مضموناً حقيقياً، فتركيز السلطة فيما يتعلق بقضية تداول المعلومات لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفير البيئة الملائمة والظروف المناسبة لتحسين أداء الإعلام الوطني وتحديثه وتطويره تقنياً ومهنياً بحيث يكون قادراً على الوفاء بالاحتياجات الاتصالية والمعلوماتيةبالجودة العالية والكفاءة المطلوبة، وبدرجة عالية من المصداقية، وهو ما لا يتحقق إلا من خلال حرص السلطة السياسية على تداول المعلومات الصحيحة والدقيقة حول كافة المسائل المتعلقة بالمجتمع من خلال وسائل الإعلام الوطنية، وإتاحة الفرصة أمام كافة الآراء للتفاعل من أجل الوصول إلى البدائل المناسبة، ففتح مصادر المعلومات أمام الصحفيين والإعلاميين من مختلف مصادرها دون قيود وبضمانات قانونية تحمي الصحفيين في الحفاظ على أسرار مصادرهم يمكن أن يشكل أساساً لتطوير نظام إعلامي عربى يساهم في الكفاح من أجل تحقيق الديمقراطية.
3- إلغاء المسئولية الجنائية في قضايا النشر:
وهذا اتجاه عالمي في مختلف الدول التي أعطت لوسائل الإعلام دوراً فعالاً في دعم الديمقراطية بها، حيث تفضل تلك النظم اللجوء إلى الغرامات المالية بدلاً من العقوبات السالبة للحرية مثل الحبس أو السجن في قضايا النشر، أو الرأي التي تتم عن طريق الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، وهو اتجاه يقوم على أساس أن الغرامات المالية كافية لردع المخالفين، وأن الحبس أو السجن في قضايا الرأي قد لا يحقق الغرض الذي وضعه المشرع من أجله، الأمر الذي يتطلب عدم جواز التحقيق مع المتهمين في قضايا الرأي والفكر إلا بمعرفة قاضي من قضاة التحقيق الطبيعيين.
4- الكفاءة والاستقلالية:
حيث يعني هذا المطلب قياس حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في التأثير على المطالبة بالتغيير السياسي والتحول الديمقراطي، فاستقلال وسائل الإعلام يعني قدرة تلك الوسائل في توصيل المعلومات إلى الجماهير وأن تعكس الآراء المختلفة في المجتمع بدون تحيز مع الالتزام بالموضوعية والعدالة في التناول بما يخضعها للمساءلة، وكفاءتها تعني عدم خضوعها لأية تحكمات من قبل أية مجموعة منفردة أو مركزة لأصحاب المصالح يمكن أن يتسبب في إعاقة قدرتها على أن تكون قوة للتغيير وإخضاع الناس للمساءلة ([43]).
5- إنهاء تبعية الصحف الرسمية للحكومة:
ويتم ذلك من خلال البحث عن صياغة جديدة للصحف الرسمية تخلصها من التبعية للحكومة ، وقد يكون ذلك عن طرق متعددة، إما تحويل المؤسسات الصحفية الرسمية إلى شركات مساهمة وتمليك بعض أسهمها للعاملين كمرحلة أولى، ثم طرح بعض أسهمها للجمهور في مرحلة ثانية، ثم تأتي المرحلة الثالثة لتعطي المواطنين حق تملك تلك المؤسسات بالكامل بشرط أن تقتصر عملية التمليك على العرب، أو استخدام معيار فصل الملكية عن الإدارة بمعنى أن السلطة في المؤسسات الصحفية الرسمية ينبغي أن تكون في يد مهنيين يملكون ناصية الفن الصحفي ويحترمون تقاليد المهنة كما تترسخ في المجتمع الديمقراطي، ولذا ينبغي للدولة أن تستوعب هذه المتعلقات بقدر كبير من الاهتمام والدقة والشفافية، حيث يتعذر بناء نظام ديمقراطي في ظل نظام تمتلك فيه الدولة الجانب الأكبر من الأصول والاستثمارات والمؤسسات الصحفية والإعلامية وتديرها فعلياً لمصلحتها، الأمر الذي يتطلب ضرورة معالجة إشكالية الحيز الكبير الذي تحتله الملكية العامة في مجال الإعلام.
6- كفاءة الأداء المهني والمستوى الحرفي:
ويتطلب ذلك دراسة مختلف العوامل التي أدت إلى تراجع الأداء المهني ومستوى الحرفية، والمستويات الثقافية والمعرفية للأجيال الجدية من الصحفيين والإعلاميين، رغم توافر الفرص الواسعة لاكتساب المهارات والمعارف عبر ثورة تكنولوجيا الإعلام والمعلومات، ويتطلب ذلك:
تفعيل ميثاق الشرف الصحفي خاصة في القضايا الخلافية المهنية والسلوكية، والعناية بالأجيال الشابة من الصحفيين من مختلف النواحي التدريبية والمهنية والاجتماعية والاقتصادية، والأخلاقية، حيث يصعب الحديث عن دعم حرية الصحافة للديمقراطية دون وجود أصحاب رأي وفكر أقوياء وشرفاء مؤهلين يأمنون بحرية الصحافة كأساس للتطور الديمقراطي والإصلاح السياسي.
الهوامش:
(1) Shelton Gunaratne. “ Democracy , Journalism and Systems Perspectives From East and West “ , inx , Hao and S.K , Data Ray (eds ) , issues and challenges in Asian Journalism , (Singapora: Marshall Cauendish , 20006 ) pp 1-24
(2) W. Bennett. Lance. " The media and democratic development: The Social Basis of political communication" , in patrick H . O, Neil(ed) Communicating democracy : the media and political Transition. ( Boulder: Lynne Renner – 1998) pp.195-207.
(3) Stanford Unger J. The role of a free press in Strengthening Democracy: in Democracy and the mass media, Lichtenberg J (ed) New York : Cambridge,1990 , p. 368 .
(4) Elizabeth, Fox, Latin American Broad Casting and the State: Friend and Foe: in Communicating Democracy: the media and political Transition, p. H , O, Neil. (ed) (Boulder: Lynne Rienner – 1998) , pp.21-30.
(5) Adam , Jones , The press in Transition: A comparative Study of Nicaragua , South Africa , Jordan – and Russia , (Germany , Hamburg: Deutsches Ubersee – institute, 2002) , pp.408-496 .
(6) Goran , Hyden, and Charles Okigbo , “ The media and the Two waves of Democracy ; in media and democracy in Africa ” , G. Hyden ,M. Leslie and F.F Ogudimu , (e.ds ) ( New Brunswick , N, J : Transaction Publishers, 2002) pp29-50 .
(7) Josh pasek. Op. Cit , p. 22
(8) Katrin Voltmer, (ed) “Mass media and political Communication in new democracy” (London; Routledge – EcRer Studies in European political science 2006) pp – 235 -253.
(9) Pit Chen low. O p. C i t , pp 25-26.
(10) James , Curron , " Mass media and democracy revisited " in: James , Curron and Michael , Gurevitch , (eds) Mass media and Society , (London, Edward Arnold , 1996) ,pp -81 -104.
(11) Richard Gunther, Anthony Mughan, " The political Impact of the media: a Reassessment " , in Richard Gunther and Anthony Mughan , (eds) Democracy and the Media , (Cambridge: Cambridge university press , 2000) , pp – 402-447.
(12) Richard Gunther, Anthony Mughan, 2000, op.cit- p p. 1-26.
(13) Josh pasek. Op. Cit , p. 3
(14) Patrick J . McConnell, and Lee B. Becker ," The role of the Media in Democratization " ,Paper presented to the Political Communication Section of the intemational Association for Media and Communication Research at the Barcelona Conference, July 2002 , Avialable at : http : // www. Grady. Uga . edu/ Coxcenter/ activities 010112 – Democratization I A M C R – pdf. 6/9/ 2006.
(15) David T. McMahan and James w. Chesebro , 2003 , op. cit , p. 138
(16) See :
-
· Gary D. Rawnsley. " political Communication and democracy " , (New york: Palgrave , Macmillan , 2005) pp.1-35.
-
· Gary D. Rawnsley, " The Media and Democracy in China and Taiwan" , Taiwan Journal of democray , vol , 3 , No , 1 , July , 2007 , pp. 63-78.
(17) Krishna , Kumar , " Promoting Independent Media: Strategies for Democracy Assistance " (Boulder: Lynne Rienner , 2006) p.217.
(18) Richard A, Hall , and o’Neil. Patrick H, " Institutions, Transition, and the Media: A Comparison of Hungary and Romania", in: Communicating Democracy: the media and political Transitions, p.H, O’Neil. (ed) ,( Boulder: lynne Rienner , 1998) . Pp 125-143.
(19) Ken Rogerson, o p. cit. pp 3-4.
(20) صفوت العالم، دور وسائل الإعلام في الإصلاح السياسي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2005، الأهرام، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2005،ص 4.
(21) Dominique Walton, Political Communication: The Construction of a Model, European Journal of Communication, vol, 5, N,9, 1990 ,pp. 9-10 .
(22) عبد الغفار رشاد القصبي ، الاتصال السياسي والتحول الديمقراطي، ( القاهرة: مكتبة الآداب، 2007 ) ص 43.
(23) Kyu Ho youM , Press Freedom In Democratic , South Korea: Moving From Authoritarian to Librarian ? , International Communication Gazette, vol 43 , No , 53 ,pp. 63-64.
(24) Jurgen Habermas , Structural Transformation of The Public Sphere (Cambridge , MA: Mit Press ,1989) pp. 171 – 179.
(25) Craig , Calhoun ,(ed) , Habermas and The Public Sphere (Cambridge:The Mit Press , 1992 ) pp – 1-48 .
(26) Harlod Lasswell , The Structure and Function of Communication in Society:Process and Effects of Mass Communication, in Wilbur Schramm and Donald f. Roberts ,(eds) ,Urbana University of Illinois Press ,1977 ,pp -84 -99.
(27) Douglas Kellner , Habermas , The Public Sphere , and Democracy: A critical Intervention, Available at http:// www. gesis. vcia. edu/Faculty/kellner/ kellner. Html, 28/1/2006
(28) Douglas Kellner , The Media and Crisis of Democracy in the Age of Bush -2 , Communication and Critical/Cultural Studies ,vol ,1,No,1,March 2004,p 32 – 33.
(29) A, Milton. , “Bound but Gagged: Media Reform in Democratic Transition “ , Comparative Political Studies , vol , 34 , No, 5, 2001, pp. 493-527.
(30) Donohue , George , Philip Tichenor and Clarice Olien , “ A Guard dog Perspective on The Role of Media ” , Journal of Communication , vol , 45 , No , 2 , 1995 , pp. 115-132.
(31) Ellis S. Krauss and Priscilla Lambert, op. cit , pp. 59-60.
(32) Ellis s. Krauss and Priscilla Lambert , Ibid , p. 72 .
(33) Patric J. McConnell. and Lee B, Becker, The Role of the Media In Democratization, paper presented to the political Communication Section of the International Association for Media and Communication research at the Barcelona conference , July 2002 , Available at http: //www. Grady. Uga. edu / Cox center / activities / Activities 010 2 / Democratization IAMCR. PDF
(34) See:
-
· Art , Silverblatt , and Nikoloia Zlobin ,“ International Communication: A Media Literacy Approach “ 2ed Edition (Armank , N.Y: M.E. Sharp, London , 2004) pp.28- 56 .
-
· Art, Silverblatt. St. Louis Missoun, Presentation: International Communication- A media Literacy Approach, 2004, Available at: www.webster. edu/Media Literacy/ Media- Literacy. Approach. Pdf
(35) Thompson. J.“The Media and Modernity”(London: Polity Press ,1995) p.238.
(36) ألين هيوم، حرية الصحافة، مجلة قضايا الديمقراطية، مجلة إليكترونية تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، المجلد 10، العدد 2، ديسمبر 2005.
Available at: Usinfo. State. Gov / Journals/ Itdhr/. no5/ ijida/ Hume- htm-17k, 15/4/2008
(37) سليمان صالح، الإعلام والتطور الديمقراطي في مصر (1982-1992) في المؤتمر السنوي الأول للباحثين الشباب: التطور السياسي في مصر 1982-1992، محمد صفي الدين خربوش (محرر)، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1994، ص 635 .
(38) لورن دبليو، تعزيز قيام وسائل إعلام حرة ومسئولة: جزء لا يتجزأ من سياسة أمريكا الخارجية، مجلة قضايا عالمية، مجلة إلكترونية تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، المجلة 8، العدد 1، فبراير 2003:
Available at: Usinfo: State. gov / Journals/ Itgic/0203/Ijga/9j 02. htn. 21k/27/12/2007
(39) أندرو بوديفان، دور وسائل الإعلام في بناء الديمقراطية وتعزيزها، في المؤتمر الدولي السادس للديمقراطيات الجديدة والمستعادة " بناء القدرة في سبيل تحقيق الديمقراطية والسلام والتقدم الاجتماعي " الورقة رقم 10، الدوحة – قطر 29 أكتوبر- 1 نوفمبر 2006.
Available at: www.icnrd 6.com/Arabic/ background/10 ar. doc/ 30/4/2007.
(40) Jennings Bryant , Susan Thompson " Fundamentals of Media Effects" (New York : McGraw Hill , 2002) pp. 307 – 309.
(41) Roumeen Islam ," Into The Looking Gloss: What The Media Tell and Why – An overview- The Right To Tell: The Role Mass Media In Economic Development " , World bank Institute , 2002 , pp. 1-15.
(42) فاروق أبو زيد، إصلاح الإعلام المصري، مجلة المحيط الثقافي، المجلس الأعلى للثقافة، وزارة الثقافة، العدد 46، أغسطس 2005، ص55.
(43) Roumeen Islam, op. cit, pp. 1-7
المصدر : http://www.asbar.com//ar/monthly-issues//1190.article.htm?c=1190.article.htm&isc=1
مركز اسبار للدرسات والبحوث الاعلامية