المقالات - البيانات الشخصيه بين التنظيم والفوضى في العصر الرقمي |
: 822 | |
|
الاثنين,26 يونيو 2023 - 05:53 ص د.عادل عبد الصادق*
أضحت عملية حماية البيانات الشخصية من أهم الحقوق الفردية للحفاظ على الخصوصية ،والتي هي من ركائز حقوق الانسان الرقمية في العصر الحديث ، وباتت مؤشرا كذلك على التقدم واحترام حقوق الانسان والديموقراطية ، واصبح يتم من جهة اخرى توظيف تلك البيانات الشخصية بعد تحليلها ومعالجتها وتصنيفها لتحقيق اهداف تجارية او لتحقيق اهداف امنية لجهات استخباراتية خارجية قد تضر بالاقتصاد والامن القومي .
| اضغط للتكبير
|
ومن ثم فقد اتجهت العديد من الدول الى تبني تشريعات لحماية البيانات الشخصية ،ووضع حدود حول معالجتها وحركتها الى الخارج ، وتأمين ملفاتها واصولها من خطر الانتهاك.
وقاد الاتحاد الاوروبي توجهات عالمية مبكره لحماية البيانات الشخصية،وكان اخرها تبني تشريع ملزم لدول الاتحاد سيتم تطبيقه في مايو القادم ،وشهدت مصر في الاونة الاخيرة تبني عدد من التشريعات المتعلقة بتلك المتغيرات الحديثة ،وفي هذا السياق شهدت اللجنة المعنية بالاتصالات بمجلس النواب مناقشة قانون حماية البيانات الشخصية ، وذلك للعرض على اللجنة التشريعية ثم مجلس النواب للتصويت عليه .
يطلق على القرن الحادي والعشرين عصر المعلومات والمعرفة ، وأصبحت للبيانات دورا مهما في النهضة الاقتصادية ،مثل ذلك الدور الذي لعبة النفط في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لأن كليهما كانا المحرك الرئيسي للتغيير الاقتصادي والاجتماعي ،وساعد التقدم في الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الالكترونية في تعزيز قدرة الحصول على البيانات لاستخدامها لتلبية احتياجات العملاء من خلال رصد خياراتهم وآراءهم.
وجاء ذلك مع تطورالبيئة التكنولوجية سواء على مستوى التطبيقات او حجم الانتشار،وزادت عملية انتاج المحتوى الرقمي،وارتبطت بتلك العملية زيادة اخرى في انتاج المعلومات الشخصية ،والتي باتت تستخدم في كافة المناحي الحياتية مع عملية التحول الرقمي الذي تطبقه العديد من الحكومات سواء في تقديم الخدمات او في عمل البنية التحتية،وتصاعد دورالاقتصاد الرقمي في نمو الاقصاد العالمي ،واصبح للبيانات قيمة اكبر من اي عهد مضى ،بدورها في خلق الوظائف ودعم عملية الابداع والابتكار ،والتي اصبحت من ضمن ركائز القوة الاقتصادية للدولة .
فغالبية المواقع الذي نقوم بزيارتها تجمع كمية هائلة من البيانات حول المعاملات التي نقوم بها ،وهذا أمر مهم للشركات لتحسين عملها ،الى جانب ان تحليل البيانات ينتج أنماط من العلاقات يمكن استخدامها للحصول على ميزة تنافسية في التسعير والتسويق للحصول على زيادة الإيرادات ،حيث هناك صناعات قائمة على معالجة البيانات.
وتساعد عملية استحواذ الحكومات على البيانات الشخصية او على الاقل تنظيم عملية استخدامها ومعالجتها في السيطرة على فوضى انتهاك الخصوصية او تسريب البيانات الشخصية او بسوء استخدامها على نحو يضر بالامن الشخصي للمواطن او عبر توظيف تلك البيانات الشخصية لجموع المواطنين بما يضر من الامن القومي عبر استخدام تلك القاعده في بث الشائعات او في توجيه الراي العام على نحو يضر بالمصلحة الوطنية .
وعلى النحو الاخر تساعد عملية السيطرة على تلك المعلومات الشخصية في هيمنة وتوغل الشركات متعددة الجنيسات وسيطرتها على السوق المحلي ، وما يكون له انعكاس في الحاق اضرار اقتصادية تتمثل في تسريب رؤوس الاموال الوطنية الى الخارج ، وذلك دون ان يتم خضوع ذلك للضرائب المحلية ،وهو ما يلحق اضرار بالشركات المحلية وبدور ووظيفة الدولة في حماية امن وخصوصية مواطنيها لصالح العجز امام سيطرة فاعلين عابرين للحدود .
ومن جهة اخرى فان توظيف التحول الرقمي في جمع ومعالجة البيانات الشخصية له آثارا إيجابية تتعلق بقدرة الدولة في تنظيم شئون الافراد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعلمي ، والثقافي وغيرها ، تساعد عملية جمع البيانات وتحليلها ومعالجها في عملية صنع القرار ووضع السياسات العامه للدولة .
حيث لا يمكن صنع قرار سليم دون قواعد بيانات صحيحة ،وهو ما ينعكس في تعزيز التنمية وتشجيع الاستثمار وتقليل تكلفة الخدمات الحكومية ،ومكافحة الفساد ، ومعرفة اولويات واجندة المجتمع ، وهو الامر الذي ادى الى قيام الدول بتدشين ما يعرف بـ"بنوك البيانات " DataBank .والتي يمكن ان تكون مختصة بقطاعات بعينها او تكون شاملة،وذلك الى جانب امكانية تخزين واسترجاع وتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية سواء من قبل الحكومة او القطاع الخاص، ويمكن بسهولة معرفة التطور في قواعد البيانات كما وكيفا ،ومقارنتها بغيرها من بيانات اخرى ، مع النقل السريع وانخفاض التكلفة .
وإن كانت الرقمنة هي الثورة الصناعية الرابعة، فإن البيانات هي وقودها وبالتالي يمكن أن يصبح تحليل البيانات السليم أساس لصياغة علاقة افضل بين الحكومة والقطاع الخاص ،وفرض قيود ومحددات على الاستخدام الخارجي لتلك البيانات الشخصية ، والتي تؤثر في كل قطاعات الاقتصاد الوطني ، ويمكن ان توظف تلك القدرة في نشر هجمات سيبرانية على البنية التحتية المعلوماتية ، وتعتمد عملية التطور في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على البيانات ، والتي يمكن ان يساء استخدامها .
مع زيادة حالات الاستخدام غير المشروع للبيانات الشخصية واتساع دائرة الاعتداء على حق الأفراد في الحياة الخاصة ،وزيادة اهمية البيانات الشخصية في التواصل بين المواطن والحكومة ، والتنافس على الاستحواذ على المعلومات الشخصية من جهات خارجية ، وهو الامر الذي يدفع الى اهمية التحرك لحماية خصوصية المواطنين وحماية معلوماتهم الشخصية، واهمية إيجاد مبادئ وقواعد من شأن مراعاتها حماية الحق في الحياة الخاصة ،إيجاد التوازن بين حاجات المجتمع لجمع وتخزين ومعالجة البيانات الشخصية ،وبين كفالة حماية هذه البيانات من مخاطر الاستخدام غير المشروع لتقنيات معالجتها.
ودفع ذلك العديد من الدول لوضع تشريعات للحماية ، تتضمن قواعد ادارية ومدنية وجنائية ،وتوصف بانها تشريعات السرية وليست فقط مجرد تشريعات تحمي من افعال مادية تطال الشرف والاعتبار والحياة الخاصة.
وتشمل عملية حماية البيانات الشخصية الاهتمام بثلاثة ابعاد رئيسية ،يتعلق اولهما ،بعملية معالجة البيانات الشخصية،وهي كل عملية أو مجموعة عمليات تُجرى على البيانات الشخصية، بمساعدة طرق آلية أو بدونها، كالجمع والاستلام والتسجيل والتنظيم والتخزين والتهيئة والتعديل والاسترجاع والاستخدام والإفشاء والنشر والنقل والحجب والتخلص والمحو والإلغاء والإيصال عن طريق الإرسال أو الإذاعة أو الإنترنت أو أي شكل آخر من أشكال إتاحة المعلومات.
وثانيها ،التعامل مع حركة البيانات الشخصية للخارج،وإتاحة البيانات الشخصية أو مشاهدتها أو استرجاعها أو استخدامها أو تخزينها خارج حدود الدولة.
وثالثهما ، ملف البيانات الشخصية أو(ملف): كل مجموعة مهيكلة من البيانات الشخصية يمكن الوصول إليها وفق معايير معينة سواء كانت هذه المجموعة مركزة أو غير مركزة أو موزعة بطريقة وظيفية أو جغرافية، مثل المحفوظات وبنوك البيانات وملفات الإحصاء والتوثيق.
ولا شك ان تعزيز الخصوصية وحماية البيانات هي جزء من الحل، وليس المشكلة في سبيل الحفاظ على كرامة الانسان في العصر الرقمي ،
|
|
|