وارتكزت ميتا في ترويجها للتطبيق الجديد على حيلة ذكية تتمثل في توظيف قاعدة مستخدميها من الانستجرام مع 2.3 مليار مستخدم منهم 1.28 مليار مستخدم نشط شهريًا و59% من المستخدمين يسجلون الدخول يوميًا ، ومتوسط استخدام يصل الى53 دقيقة يوميًا ، ويعني ذلك تعزيز عملية إطلاق تطبيق ثريدز من خلال انستجرام ، الى جانب شهرة انستجرام وخاصة مع الجيل الجديد من المراهقين والشباب بما يضمن مستقبل لانتشار التطبيق الجديد،ولدي تويتر نحو 1.3 مليار حساب تويتر، ولكن فقط 368.4 مليون مستخدم نشط.ويوجد 30 مليون لديهم بالفعل حسابات في إنستجرام،وانعكس ذلك ايجابيا في سرعة انتشار ثريدز على النحو الذي يعد أسرع تطبيق انتشارا في التاريخ استنادا الى تحقيق 30 مليون مشترك خلال 16 ساعة فقط في حين ان تويتر استغرقت اربع سنوات لاستقطاب نفس العدد ، ولكن يعزى ذلك الى ارتباطه بمستخدمين انستجرام والى تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومن ثم كان هناك عناصر متغيرة عن ذي قبل ساعدته في الانتشار.
ويأتي تطبيق ثريدز كذلك في ظل تنامي عدم الثقة في مستقبل تويتر وهي الشركة المنافسة وصاحبة السبق في مجال التغريدات القصيرة، وجاء ذلك في ظل ما باتت تعانيه الشركة من مشكلات إدارية وفنية بعد بيعها لايلون ماسك .
وعلى الرغم من محاولة المديرة الجديدة لتويتر انعاش حياة الشبكة الا ان قبضة ميتا كانت اكثر وطأة ليس فقط على محاولة اعادة كسب الثقة في السوق بل كذلك على مستقبل تويتر كشبكة متميزة في التغريدات القصيرة.وخاصة اذا ما نجح المنافس الشرس الجديد "ثريدز" في تقديم خدمات جديدة ،وذلك على الرغم من وجود تطبيقات أخرى منافسة لتويتر مثل بلوسكاي او ماستودون الا ان ثريدز يشكل تحدي حقيقي وفعلي لتويتر.
وتكمن عناصر قوة التطبيق الوليد في عدد من الخصائص لعلها هي زيادة عدد الكلمات المنشورة الى 500 كلمة مقابل 280 لشبكة تويتر، والربط بين منصة انستجرام والتي تعد امتلاك حساب على المنصة شرطا لامتلاك حساب على ثريدز ، ومن ثم الاستفادة من قاعدة المستخدمين، وخصائص تقنية اخرى كسهولة الاستخدام والبحث عن الحسابات وليس عن الكلمات بما يعزز من حجم التفاعلات عبر التطبيق ، وعدم وجود خدمة الرسائل الخاصة والتي ستعمل على تعزيز فرص مشاركة المحتوى عبر المنصة ، وتوظيف عملية الربط مع انستجرام في سهولة تدشين المعلومات الشخصية للحسابات والتي ستستوردها ثرديز تلقائيا من حساب الانستجرام ،ونقل كذلك المتابعين ونقل خدمة التوثيق من انستجرام الى ثريدز ،وهي عناصر جاذبة للمستخدمين للتطبيق لتدشين حسابات جديدة ، ويأتي إلى جانب ذلك وجود خاصية إعادة النشر و الردود بشكل بارز في الصفحة الرئيسية بما يزيد من حجم التفاعلات . ويتميز التطبيق بعدم وجود إعلانات على المنصة او تقييد مشاهدة المحتوى او التفاعل مثلما تفعل تويتر ، ولكن هذا لا يعني انها لن تستخدم الاعلانات مستقبلا ،وقدمت ثريدز إمكانية نشر فيديوهات تصل مدتها إلى 5 دقائق، في مقابل دقيقتين وعشرين ثانية على منصة تويتر.
وتتواكب عملية اطلاق ثريدز بالثورة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي والذي سينعكس ايجابيا في نشاط المنصة وتفاعلاتها عبرالخوارزميات المتقدمة ،والتي تساعد بسهولة في معرفة التفضيلات لدى جمهور المستخدمين وطبيعة المحتوى الذي يتم استهلاكة ، وتولى ثريدز اولوية كبيرة لاظهار المحتوى على صفحتها الرئيسية.
ومن جهة اخرى تحاول شركة ميتا الاستثمار في المخاوف بشأن تحول تويتر لمنصة غير موثوقه ومكلفه وغير آمنه أكثر من أي وقت مضى ، وخاصة في ظل إدارة ايلون ماسك ، وسياساته التي ادت الى نفور المستخدمين من التطبيق وخاصة فيما يتعلق بتسعير التوثيق للحسابات او بالسياسات الجديدة لنشر المحتوى ، وهو ما يعد فرصة مواتية لهجرة بعض المستخدمين من تويتر الى التطبيق الجديد ، وعلى الرغم من عدم الاتجاه لدى غالية المستخدمين لتويتر لحذف حساباتهم على المنصة الا ان جزء من تلك الحسابات ستبقي غير نشيطة ، وهو أمر سيؤثر في جاذبية المنصة للإعلانات الرقمية كمصدر مهم في تحقيق الأرباح ، وفي ظل الفارق الكبير بين تويتر وميتا في الارباح من الاعلانات الرقمية ، والتي وصلت لدى تويتر في 2021 الى 5.1 مليار دولار،في حين وصلت الى 116 مليار دولار لدى شركة ميتا وهو ما يؤهلها الى ضخ المزيد من الاسثمارات في مجال الخدمات الرقمية .
ورغم ذلك ان سوق الشبكات الاجتماعية العالمي مازال يتطلب التعددية في الشركات المشغلة ولكن يواجه ذلك باحتكار عدد من الشركات القائمة بالفعل ، وهو ما يجعل هناك صعوبة امام أخرين في المنافسة والاستمرار والتمدد في السوق ، وخاصة ان تلك الشبكات الجديدة ستركز كذلك ليس فقط على جذب فئات من المستخدمين الجدد عبر الانترنت بل كذلك عبر اهتمام الشركات التقنية الكبري بجذب مستخدمين آخرين من البليون الأخير من البشرية والذي ما زال خارج نطاق تغطية الانترنت ، وهو الأمر الذي يدفع تلك الشركات إلى الاستثمار في مد خدمة الانترنت إلى المناطق المحرومة وخاصة في افريقيا ، وتقدم شركة ميتا خدمة الانترنت الفضائي في إفريقيا إلى جانب استثماراتها في الكابلات البحرية لتحقيق المرونة ومد خدمة الانترنت .ولدى ميتا كذلك مليارات من المستخدمين النشطين لتسويق التطبيق الجديد بما يسهل عليها زيادة المستخدمين مقارنة بمنصة أخرى قد تحتاج إلى اكتساب مستخدمين جدد.
وجاءت عملية الاطلاق للتطبيق من جهة اخرى بعد أيام من فرض ماسك قيوداً مؤقتة على عدد التغريدات التي يمكن للمستخدمين قراءتها على تويتر يومياً. نتيجة لبعض المشكلات الفنية ما أثار غضباً واسعاً في منصة التواصل الاجتماعي ، مما أدى إلى موجة من الاهتمام بالمنافسين الذين لا يفرضون رسومًا على المستخدمين للتصفح أو المشاهدة.
ورغم وجود فرص للنمو لمنصة ثريدز في ظل تلك القدرات التي تستند عليها الا انها تواجه بعدد من التحديات لعل أهمها يتعلق ،
أولا، بقدرتها على مواجهة الضغوط القضائية اللاحقة جراء الاستفادة او نقل خصائص من شركة تويتر ، ومواجهة اتهام تويتر باستخدام ميتا "نسخة مقلّدة" من تويتر ، والتي يمكن ان ينتهي الى ساحة المحاكم الامريكية بدعوى الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية.والتي تعيد الى الذاكرة المعركة التي دارت بين لينكدان وشركة الفيسبوك على علامة التعجب.والمعركة الطويلة بين شركة ابل وسامسونج ولعل القاعدة الفاصلة هي مدى تحول الابتكار الى مشاع عام ومنفعة عامة
ثانيا ، تحديات التوسع في سوق الشبكات الاجتماعية والتي تفرض تقديم خصائص ومزايا جديدة باستمرار للتمكن من التوسع في السوق وجذب العديد من المستخدمين الجدد ، وخاصة في ظل تصاعد دور الشبكات الاجتماعية الصينية مثل تيك توك وتراجع تاثير الشبكات الامريكية من جهة أخرى.
ثالثا، تحدي الحافظ على البيانات الشخصية وخصوصية المستخدمين وبخاصة مع تنامي الوعي العالمي باهمية الحفاظ على الخصوصية من جهة واهمية ممارسة الدولة لسيادتها السيبرانية على الشركات التقنية العابرة للحدود ، وما يزيد من تلك المخاوف هو سابقة اتهام شركة ميتا بسوء استخدام البيانات الشخصية للمستخدمين بشكل متكرر.
رابعا، التحدي الأوروبي ، خاصة للمشكلات التي تواجه شبكة ثريدز في دخول سوق الاتحاد الاوربي والتي تتطلب الالتزام الصارم بالقوانين الأوربية مثل التعامل مع اللائحة العامة لحماية البيانات الشخصية لدول الاتحاد الاوربي ، وقانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية والتي ستدخل حيز التنفيذ في عام 2024 حيث ان تلك الشركات قد تغذت في البداية على حالة الفوضى في التعامل مع البيانات الشخصية عالميا.
خامسا ، ليس هناك من قيمة مضافة يمنحها ثريدز للمستخدمين مقارنة بتويتر الا في حدود الدمج بين خدمات انستجرام وتوتير ، ومن ثم ذلك يتطلب ذلك تقديم خدمات مبتكرة ومستدامة للمستخدمين والتي ربما ستدفع الى ان يكون للتطبيق مستقبلا خصائص مستقلة تجعل منه مناسب لشد جمهور محتمل وحجم التغير في تفضيلات المستخدم الفردية.
سادسا ، تشديد الرقابة على المحتوى التي تلتزم بها ميتا، والتي تسببت بحظر الكثير من الحسابات على فايسبوك وإنستجرام ، ومدى احتفاظ منصة ثريدز بهامش حرية أكبر من منصة تويتر.
سابعا ، مواجهة اتهامات تويتر لشركة ميتا بتوظيف عشرات الموظفين السابقين لديها والوصول إلى أسرارها التجارية ، وعلى الرغم من نفي ميتا بان لا يوجد مهندسيين سابقين من تويتر يعملون في ثريدز،.وكانت تويتر قد خسرت 7500 موظف، بنسبة تصل إلى 80 % بعد استحواذ ماسك على المنصة مقابل 44 مليار دولار في أكتوبر 2022
ثامنا ، التحدي التقني لشركة ميتا والتي باتت تعاني من اضطرابات في تقديم الخدمات واستقرارها وتعرضها للاعطال التقنية وهو ما يفرض تحدي كبير امام الحفاظ على المرونة ، وتطوير البنية التحتية الخاصة بالحفاظ على الكم الهائل من البيانات الشخصية وحمايتها من خطر الاختراق او التسريب او انتهاك الخصوصية.
واخيرا، ان تعدد الفاعلين في سوق الشبكات الاجتماعية يمكن ان يصب في النهاية في صالح المستخدم ، ويدفع لأن تكون المنافسة هي التي تحرك السوق على النحو الذي ينعكس ايجابيا على المستهلك للخدمات الرقمية ، وتقديمها بشكل افضل ولكن في ظل حالة الاحتكار في سوق خدمات المنصات الرقمية يحتاج المجتمع الدولي الى حوكمة أنشطة تلك الشركات وتنظيم عملها للحفاظ على الخصوصية وحماية البيانات الشخصية .
وعلى الرغم من ان ميتا قد اتهمت من قبل بسرقة تطبيقات وافكار وكان من اخرها سرقة شعار ميتا الجديد الى جانب اتهامات سابقة ارتبطت ببداية نشأة التطبيق مرتبطة بسرقة فكرة الفيسبوك نفسها والتي نجح "مارك" في تسويتها ، وقد نجحت ميتا كذلك في نقل ميزات تطبيقات اخرى لديها مثل تقليد أسلوب القصص اليومية لتطبيق سناب شات ،والفيديوهات القصيرة لتطبيق تيك توك ومن ثم فان الشركة ربما تصمد امام اتهامات تويتر وخاصة ان مجرد الاتهام بتعيين موظفين سابقين لديها او مجرد تدشين منصة جديدة مشابهة لها لن يدعم الموقف القضائي لتويتر او بدعواها بسرقة الأسرار التجارية لديها.
وربما يدفع ذلك ماسك الى الاستمرار في إصلاح المنصة واتخاذ خطوات تكتيكية، والتراجع عن بعض قراراته والتي اعتبرت مجحفة بحق المستخدمين،ومن ثم فان فرص بقاء تويتر قائمة ولكن فاعلية المنصة وقدرتها على التوسع مرتبط بعقل الإدارة ورؤيتها للإصلاح وفق المتغيرات الجديدة التي تفرضها آليات السوق الحر ، وفي توظيف حجم وشعبية الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية بين المراهقين والشباب ، وياتي ذلك في ظل امتعاض الإدارة الامريكية من صعود قوة ونفوذ شبكات التواصل الصينية ليس فقط في اختراق السوق الأمريكي بل في مد نفوذها في مناطق الهيمنة التقليدية الامريكية .
ومن ثم فان النموذج الجديد الذي تقدمة ميتا يصب في صالح أهداف السياسة الخارجية الامريكية وان عملية التنافس البيني بين تويتر وميتا لا يعبر الا عن مرونة السوق الأمريكي وحيويته والتي تمكنه من الحوكمة والتطوير والتحسين المستمر للمنتجات والخدمات ، ويعكس ذلك ان فرص التنافس في سوق منصات الشبكات الاجتماعية ستظل بين كبار الشركات العالمية التي تحتكر وتهمين وتتوسع في تقديم الخدمات في مقابل سوق تنافسي غير عادل أمام بروز شركات جديدة في سوق المنصات الاجتماعية والتي باتت تلعب دورا ليس فقط تجاريا بل سياسيا واستراتيجيا وامنيا ، وهو ما يفرض المزيد من التحديات أمام الدول النامية من جهة وامام حوكمة البيانات الشخصية من جهة اخرى وخاصة في ظل تصاعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي والذي يشهد هيمنة أخرى من قبل تلك الشركات المهيمنة بالفعل .ويفرض تحديات أكثر جدية أمام ان تكون تلك المزايا والمكاسب للثورة الرقمية متاحة من اجل الجميع والصالح العام الرقمي .