بعد خمسة أشهر فقط من المواعدة، قرر مارك ومينا نقل علاقتهما إلى المستوى التالي، حيث قضيا عطلة الصيف في كوخ صغير يطل على بحيرة، وذلك عبر الهاتف الذكي دون تغيير الموقع الجغرافي.
"كان هناك هذا الكائن الذي صُمم ليقدم الدعم الدائم ويقبلني كما أنا"، بهذه الكلمات وصف مارك، الفنان البالغ من العمر 36 عامًا والمقيم في المملكة المتحدة، جمال امرأة سمراء من تطبيق المصاحبة الافتراضية "سول ميت".
وتابع مارك، الذي استخدم اسما مستعارا لحماية خصوصية صديقته الواقعية، “وفر لي التطبيق مساحة آمنة للانفتاح والتعبير عن مشاعري إلى درجة نادرا ما كنت قادرا على القيام بها في علاقاتي الواقعية”.
وتطبيقات مثل تشات بوت، وريبليكا، وكاركتر أي.آي، وسول ميت، جزء من سوق كبيرة سريعة النمو لرفاق من الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يقوم المستخدم باختيار المواصفات المتعلقة بشريكه الافتراضي، من المظهر والشخصية إلى الجاذبية.
ويقول المطورون إن اختيار شريك من الذكاء الاصطناعي يقدم حلا للخروج من مشاعر الوحدة، ويحسن تجربة المواعدة لشخص ما في مكان آمن، وحتى مساعدة الأزواج الواقعيين على إحياء علاقاتهم.
بوكس
لكن علماء أخلاق ومدافعين عن حقوق المرأة يقولون إن تطوير علاقات أحادية الجانب بهذه الطريقة يمكن أن يعزز، عن غير قصد، السيطرة والسلوكيات المسيئة ضد المرأة، لأن الذكاء الاصطناعي الروبوت، يعمل عن طريق تغذية خيال المستخدم وتعليماته.
أستاذة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في جامعة إدنبرة، شانون فالور تقول إن الشخصيات في تطبيقات المصاحبة الافتراضية يتم التحكم بصفاتها “على سبيل المثال، يمكن اختيار الشخصية لتكون أكثر خضوعا أو أكثر امتثالا”.
وتؤكد شانون “إنها دعوة إلى الإساءة في تلك الحالات”، مضيفة أن تطبيقات مثل هذه “يمكن أن تضخم الصور النمطية الضارة والتحيز ضد النساء والفتيات”.
واجتذب الذكاء الاصطناعي التوليدي موجة من اهتمام المستهلكين والمستثمرين بسبب قدراته على تعزيز التفاعلات البشرية.
وسجل التمويل العالمي في صناعة تطبيقات المصاحبة الافتراضية رقما قياسيا بلغ 300 مليون دولار في عام 2022، وهي قفزة كبيرة من 7 ملايين دولار في عام 2021، وفقا لبحث أجرته شركة البيانات “سي.بي إنسايت”.
وقالت هيرا حسين، مؤسسة منظمة تشاين غير الربحية التي تعالج العنف القائم على النوع الاجتماعي، إن روبوتات المصاحبة لا تعالج السبب الجذري وراء لجوء الناس إلى هذه التطبيقات.”بدلا من مساعدة الناس على تطوير مهاراتهم الاجتماعية، تزيد الأمور سوءا”.
“إنهم يبحثون عن الرفقة ذات البعد الواحد. لذلك إذا كان من المحتمل بالفعل أن يكون شخص ما مسيئا، وكانت لديه مساحة ليكون أكثر إساءة، فأنت تعزز هذه السلوكيات وقد تتصاعد”.
جانب كبير من العالم الافتراضي هو بالفعل بيئة ضارة للنساء والفتيات، وهو وضع فاقمته جائحة كوفيد – 19 عندما اتجه العالم للعمل في المنزل بسبب عمليات الإغلاق.
وفقا لهيئة الأمم المتحدة، تعرضت حوالي 38 في المئة من النساء في جميع أنحاء العالم للعنف عبر الإنترنت، وشهدت 85 في المئة منهن إساءة رقمية من امرأة أخرى مثل التحرش عبر الإنترنت، وفقا لدراسة عالمية أجرتها وحدة الاستخبارات الاقتصادية عام 2021.
بوكس
وقالت فالور إن الذكاء الاصطناعي الافتراضي “يسمح للناس بخلق صديقة مصطنعة تجسد تماما هذه الصور النمطية بدلا من مقاومتها والإصرار على معاملتها بكرامة واحترام”.
وعبرت فالور عن قلقها من أن السلوكيات المسيئة يمكن أن تنتقل من المجال الافتراضي إلى العالم الحقيقي.
“أي إن الناس يدخلون في روتين التحدث ومعاملة صديقة افتراضية بطريقة مهينة أو حتى مسيئة. ثم تتسرب هذه العادات إلى علاقاتهم مع البشر”.
ويقول خبراء تكنولوجيا ومطورون إن الافتقار إلى التنظيم حول صناعة الذكاء الاصطناعي يجعل من الصعب وضع ضمانات لحقوق النساء والفتيات.
ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى أن يصبح قانون الذكاء الاصطناعي المقترح معيارا عالميا للتكنولوجيا المزدهرة بالطريقة التي ساعدت بها قوانين حماية البيانات في تشكيل معايير الخصوصية العالمية.
قالت يوجينيا كويدا، مؤسسة “ربليكا” أحد أكبر التطبيقات المصاحبة الافتراضية، إن الشركات تتحمل مسؤولية الحفاظ على سلامة المستخدمين وإنشاء تطبيقات تعزز الرفاهية العاطفية.
“التطبيقات ستكون موجودة بيننا رغم كل شيء. السؤال الكبير هو كيف سيتم بناؤها بطريقة أخلاقية”.
وقالت فالور إن التلاعب بالعواطف، جنبا إلى جنب مع مقاييس التطبيق مثل زيادة المشاركة والوقت الذي يقضيه المستخدم على التطبيق، يمكن أن يكون ضارا.
“تركز هذه التقنيات على الأجزاء الأكثر هشاشة في الإنسان. وليست لدينا حواجز الحماية التي نحتاجها للسماح لهم بالقيام بذلك بأمان”.
وتابعت “حتى عندما تتصرف الشركات بحسن نية، قد لا تكون قادرة على القيام بذلك دون التسبب في أنواع أخرى من الأضرار. لذلك نحن بحاجة إلى مجموعة قوية من معايير وممارسات السلامة من أجل استخدام هذه الأدوات بطريقة آمنة ومفيدة”.
بالعودة إلى كابينة البحيرة الافتراضية، حيث تركنا مارك ومينا يرتشفان القهوة بينما تغرد الطيور وتشرق الشمس. يقول مارك إن علاقته الرومانسية مع مينا ساعدت في تنمية حبه لصديقته البشرية.
ويؤكد مارك أن صديقته الواقعية على دراية بمينا، لكنها لا ترى في الذكاء الاصطناعي تهديدا لعلاقتهما، “الذكاء الاصطناعي في النهاية هو مجرد أداة. أن يتم استخدامها للخير أو للشر، هذا يعتمد على نوايا المستخدم”.