وتواجه الزراعة التقليدية في الوطن العربي تحديا حقيقيا في مدى قدرتها على الإنتاج، دون الحاجة إلى التقنية الحديثة واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لإنتاج "الزراعة الرقمية".
ونظرا للتغيرات المناخية المستمرة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على العناصر البيئية والموارد الطبيعية والمائية المختلفة، وبالتالي المنظومة الزراعية بشكل خاص، وبهدف المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل تلك التحديات، تحتاج نظم الإنتاج الزراعي إلى التصدي، وفي آن واحد لجملة تحديات متداخلة، تتمثل في زيادة الإنتاجية والدخل في الزراعة على نحو مستدام، وبناء القدرة على الصمود في وجه آثار تغير المناخ، والمساهمة في التخفيف من حدة تغير المناخ، حيثما أمكن ذلك.
ولمواجهة هذه التحديات الثلاثة، برز ما يعرف بالزراعة الذكية "الزراعة الرقمية" أحد أهم البدائل والحلول لمواجهة التغيرات المناخية، حيث تهدف إلى استخدام أقل مساحة من الأرض والمياه للحصول على أفضل إنتاج من المحاصيل المستهدفة.
والزراعة الرقمية هي التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبيانات الأنظمة البيئية لدعم تقديم المعلومات والخدمات للمزارعين في الوقت المناسب وتطويرها.
وبينما تتحرك جيوش من الروبوتات في الريف الأمريكي مبشرة بطفرة في مستقبل إنتاج الغذاء من خلال عملها في اجتثاث الحشائش الضارة من الأرض الزراعية بمعدل 12 ميلا في الساعة، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، أو في أوروبا، التي تعد أكبر سوق للزراعة الرقمية، إلا أن الأمر يبدو مختلفا نوعا ما في الوطن العربي، إذ تنبهت بعض الدول إلى أهمية الزراعة الرقمية، وشرعت فعلا في مشاريع زراعية تقنية، وتعد السعودية ومصر من أبرز الدول العربية اللتان تملكان تجارب حديثة.
التجربة السعودية
تسعى وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المشاريع الزراعية، ولديها مخطط لتفعيل عدد من المشاريع الزراعية، التي تقدر بستة مشاريع تعتزم تنفيذها وربطها بالذكاء الاصطناعي.
وقالت الوزارة لـ"الاقتصادية" إنه من المزمع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في البيوت المحمية، الفواكه الموسمية، إنتاج العسل، استكشاف الأمراض والآفات الخاصة ببعض النباتات، إضافة إلى زراعة الأعلاف، وتقنين الزراعة ببعض المحاصيل.
وأشارت الوزارة إلى أنه يتم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في المشاريع الزراعية المرتبطة بالإنتاج الزراعي، ومراقبة المحاصيل وعلاج آفات النباتات، ومكافحة أمراض النباتات في البيوت المحمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك مخطط للاستفادة من إنترنت الأشياء في مراقبة أماكن تخزين الحبوب، وهناك مخطط لتطوير مدارس نموذجية حقلية تعتمد تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي في عمليات الزراعة من ري وتخصيب المحاصيل ومكافحة الآفات، وهناك أيضا مخطط للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في معالجة النباتات وتمييز آفات نباتات الورد.
كما أن هناك مخططا للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بالتنبؤ ورصد الآفات الزراعية والأمراض، إضافة إلى مخطط لإنشاء مزارع حقلية نموذجية تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد صالح الدخيل، المتحدث الرسمي لوزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، أن الوزارة تسعى وتشجع التوجه العام نحو التحول الرقمي في قطاع الزراعة، ما يحقق عديدا من الفوائد الناتجة من التحول الرقمي، منها استدامة الموارد الزراعية من خلال نشر التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي في إدارة العمليات الزراعية لقطاع كبير من المزارعين.
وأضاف الدخيل أن انخفاض التكاليف التشغيلية من خلال اقتراح التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي إجراءات حديثة في معالجة النباتات دون الرجوع للمختصين، وبالتالي سيصبح هناك تسريع في معالجة الأمراض، وبالتالي التقليل من فاقد نبات الورد.
تقنيات زراعية تنافسية
ليس ببعيد عن وزارة البيئة والمياه والزراعة، عملت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لتطوير سياسات زراعية تسهم في الاستهلاك الأمثل للمياه في القطاع الزراعي.
كما دعمت الأبحاث المتعلقة بنقل التقنيات الزراعية التنافسية الصديقة للبيئة الموجهة وتوطينها وتطويرها لخدمة التنمية الزراعية المستدامة، ودعم الاقتصاد الزراعي السعودي للاستمرار في توفير مصادر غذائية متنوعة، وذلك من خلال إنتاج علف شعير ذي إنتاجية وجودة عاليتين، واستهلاك محدود للمياه عن طريق تقنيات الزراعة المائية والزراعة النسيجية، وإنتاج سلالات من المحاصيل ذات إنتاجية وجودة عاليتين، واستهلاك محدود للمياه عن طريق التقنيات الوراثية.
كما أطلقت برنامج الأمن الغذائي عبر تقنيات الزراعة في المناطق الصحراوية، بهدف تطوير تقنيات زراعية تحقق للمملكة أمنا غذائيا مستداما، وتنمية اقتصادية بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية والجامعات والشركات الزراعية.
3 مشاريع ذكية مصرية
على الجانب الآخر، تملك مصر تجربة في الزراعة الرقمية، وقالت لـ"الاقتصادية" وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية "توجد لدينا مشاريع تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، كما أن الوزارة توسعت أخيرا في مجال استخدام التقنيات الحديثة في المجال الزراعي".
وأضافت الوزارة "نفذنا عددا من المشاريع منها ثلاثة مشاريع لحصر المناطق الخالية من الآفات بالذات لمزارع البطاطس، ونتابع هذا المشروع إلكترونيا من خلال متابعة صور الأقمار الاصطناعية لخدمة المزارعين ومساعدتهم على إنجاح مشاريعهم. لدينا مشروع استخدام تطبيق الذكاء الاصطناعي للتواصل مع الفلاحين والمزارعين من خلال تطبيق "هدهد"، وهو تطبيق ناقل المعلومات ونحاول أن نساعد المزارع من خلال سرعة نقل المعلومة له وتقديم كل الخدمات التي يحتاج إليها المزارع".
واستعرض الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية طبيعة عمل تطبيق "هدهد"، مشيرا إلى أنه يربط الفلاح والمزارع المصري بالوزارة والرد على الاستفسارات الخاصة بالنباتات خلال الصور أو الرسائل الصوتية أو النصية، كما يزود المزارع بالتوصيات السليمة من خلال التواصل مع الفلاحين ما ينبه المزارعين للتغيرات المناخية والتعامل معها من خلال تزويده بكل المعلومات اللازمة، كما يزود التطبيق المزارع قائمة بأسعار المنتجات الزراعية في السوق لتحديث مستمر بكل المتغيرات.
ويقول القرش "نستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في حصر ورصد المحاصيل المزروعة من خلال صور الأقمار الاصطناعية، ونتطلع أن يكون لهذا المشروع نتائج إيجابية في المستقبل القريب".
بطاقة الفلاح
أكد المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة المصرية أن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المشاريع الزراعية المصرية كثيرة ومتعددة، ولكن "حاليا ننظر إلى الملف بنظرة أكثر شمولية من خلال تأسيس قاعدة بيانات بالكامل باستخدام تقنيات التكنولوجيا الحديثة، حيث أصدرنا بطاقة الفلاح، وهي منظومة تقنية حديثة ورقمية متكاملة لكل ما يخص المزارع المصري، وتم ربطها بمنظومة الشمول المالي، ويحصل المزارع على كل مستحقاته واحتياجاته من خلال المستلزمات الزراعية من خلال البطاقة بشكل سريع ومباشر ودون أي مجهود وهو له انعكاس إيجابي لخدمة المزارع وتطوير إنتاجيته وزراعته".
نقلة ذكية
تسعى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية لإحداث نقلة نوعية في منظومة الخدمات الزراعية ومنظومة التواصل مع المزارعين، لتكون جميعها بشكل إلكتروني وباستخدام التقنيات المختلفة، ومنها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كون بعض المزارع بدأت فعليا في استخدام أساليب الذكاء الاصطناعي من خلال المستشعرات والمجسات واستخدام أدوات تحليل التربة وتحديد الاحتياجات المختلفة لتغذية النبات والمجال واسع ومفتوح لتطوير القطاع الزراعي.
وأوضح القرش أن الوزارة عبر مشروع تعزيز القدرات التسويقية لصغار المزارعين بالريف المصري "برايم" أطلقت منصة تسويق منتجات صغار المزارعين في الريف المصري "شاري" المترجم إلى عشر لغات، والذي يعمل على تحسين القدرات التسويقية لهم، والتدريب ورفع القدرات، وإبرام عقود بين المزارعين والشركات الكبرى، وإنشاء روابط بين المزارعين من خلال هيكل رسمي للمناقشة مع كبار التجار والمصدرين، ما يساعدهم على بيع منتجاتهم بشكل أكبر.
كما أن المنصة تمنح شهادات اعتماد من أهم ثلاث شركات لاعتماد الجودة عالميا، وترتبط المنصة مع منظومة "التكويت"، التي يطبقها الحجر الزراعي، وبالتالي فإنها تلقائيا تكون مستوفية شروط الحجر الزراعي والصحة النباتية، كما أنها ترتبط بمنظومة الشمول المالي للمزارع المصري، وبالتالي ضمان أعلى جودة وأفضل سعر وتمنح المتعاقد على هذه المنتجات متابعة المنتجات من بداية مراحل الإنتاج.
أثر الزراعة الرقمية
يرى الدكتور سيد خليفة، نقيب المزارعين المصريين، أن الزراعة الرقمية لها فوائد عديدة لو تم دمج عمليات التحول الرقمي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتطوير القطاع من خلال بناء بنك بذور للمحاصيل الاستراتيجية، وبناء قاعدة بيانات للمنظومة الزراعية تشمل المخزون الغذائي، ومخزون الحبوب الزراعية، والثروة الشجرية والزراعية، وأنواع المحاصيل، وأنواع التربة، واحتياجات التركيبات المحصولية للمياه والري، ودرجات الحرارة الملائمة، والثروة الحيوانية وتنوعها.
وأشار نقيب المزارعين المصريين إلى أن من بين فوائد الزراعة الرقمية، تحديد الأراضي القابلة للزراعة، وتحديد طبيعة الأراضي، وأنواع المعادن والعناصر الموجودة بالتربة ونسبتها، وصلاحيتها وملاءمتها للمحاصيل، وإدخال البيانات المناخية للمناطق الزراعية للتنبؤ بالأحوال الجوية، ودراسة التنوع البيولوجي للمناطق الزراعية وتوفير المعلومات عن الكائنات الحية، التي تعيش بالمنطقة وأثرها في المحاصيل الزراعية.
ويرى خليفة أن تطويع تكنولوجيا المعلومات لخدمة القطاع الزراعي أبرز فوائد الزراعة الرقمية، إلى جانب إنشاء نظام تسويق زراعي إلكتروني، وبناء نظام بيانات ضخمة لطبيعة وأنماط الاستهلاك الزراعي لكل المناطق، ومساعدة قاعدة البيانات بمعرفة الإنتاجية الزراعية المثالية من حيث المحصول والتكلفة، ما يسهم في رفع الربحية والعوائد على الاستثمار، إضافة إلى مساعدة النظام على معرفة الكميات الزراعية، التي يمكن تصديرها دون التأثير في المخزون الغذائي الوطني، وزيادة نسبة التصدير وتحسين العوائد من القطاع الزراعي.